يقول الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله في تقديمه لكتاب (بذل المجهود في حل أبي داود) للعلامة السهارنفوري: (( أما سنن أبي داؤد فهو من كتب الحديث التي تلقتها الأمة بالقبول,وتلقاها علماء الصناعة وأئمة الفن بالاعتناء التام, وعليه المعول والاعتماد قديما وحديثاً, وهو ثالث الأركان أو الرابع في قول (بعض المحققين) التي قام عليها بناء السنة. ونبدأ بكلام الامام أبي داؤد نفسه في وصف كتابه وذكر خصائصه,فهو الثقة الصدوق فيما يقول ,ولا يصف كتاباً ولا يعرف غوامضه مثل مؤلفه, قال -رحمه الله- في رسالة أرسلها إلى أهل مكة في صفة كتابه : (( هو كتاب لا يرد عليك سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صالح إلا وهو فيه , إلا أن يكون كلام استخرج من الحديث ولا يكاد يكون هذا, ولا أعلم شيئاً بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب,ولا يضر رجلاً أن لا يكتب من بعد ما يكتب هذا الكتاب شيئا, وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه علم إذا مقداره ))(1). وقال أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد ابن الأعرابي ( وهو أحد كبار تلاميذ الامام أبي داؤد وصاحب النسخة المشهورة للسنن): ((لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله ثم هذا الكتاب ( وأشار إلى نسخة السنن وهي بين يديه) لم يحتج معهما إلى شئ بتة))(2). وقال أبو سليمان الخطابي صاحب معالم السنن : واعلموا رحمكم الله أن كتاب السنن لأبي داؤد كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله,وقد رزق القبول من الناس كافة,فصار حكماً بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم,فلكل فيه ورد ومنه شرب وعليه معول,أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب, وكثير من مدن أقطار الأرض, فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد , إلا أن كتاب أبي داؤد أحسن رصفاً وأكثر فقهاً وكتاب أبي عيسى أيضاً كتاب حسن والله يغفر لجماعتهم ويحسن على جميل النية فيما سعوا له مثوبتهم برحمته)) إلى أن قال: ((وكان تصنيف علماء الحديث قبل زمان أبي داؤد الجوامع والمسانيد ونحوها,فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخباراً وقصصاً ومواعظ وآداباً,فأما السنن المحضة فلم يقصد واحد منهم جمعاً واستيفاءها ولم يقدر على تلخيصها واختصار مواضيعها من أثناء تلك الأحاديث الطويلة ومن أدلة سياقها على حسب ما اتفق لأبي داؤد ,ولذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محل العجب,فضربت فيه أكباد الابل ودامت إليه الرحل))(3). وقال شيخ الاسلام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي شارح صحيح مسلم, والمؤلفات الشهيرة, في قطعة كتبها في شرح سنن أبي داؤد : (( وينبغي للمشتغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبي داؤد وبمعرفته التامة فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه,مع سهولة تناوله,وتلخيص أحاديثه وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه (4). وقال العلامة الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب (زاد المعاد) والمؤلفات المقبولة, في شرحه لاختصار المنذري [لسنن أبي داؤد]: ((ولما كان كتاب السنن لأبي داؤد سليمان بن الأشعث -رحمه الله - من الاسلام بالموضع الذي خصه به ,بحيث صار حكماً بين أهل الاسلام,وفصلاً في موارد النزاع والخصام, فإليه يتحاكم المنصفون, وبحكمه يرضى المحققون فانه جمع شمل أحاديث الأحكام, ورتبها أحسن ترتيب, ونظمها أحسن نظام مع انتقائها أحسن الانتقاء واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء)).اهـ كلام الشيخ الندوي رحمه الله. __________________________________________ (1) مقتبس من (رسالة أبي داؤد السجستاني في وصف تأويله لكتاب السنن ص 6-7) رواية أبي الحسين بن جميع عن محمد بن عبد العزيز الهاشمي عنه,طبعت في مطبعة الأنوار بالقاهرة سنة 1369هـ بتحقيق العلامة محمد زاهد الكوثري. (2) ذكره الخطابي في مقدمته سماعاً من ابن الأعرابي (معالم السنن ص 8 ) . (3) معالم السنن ص6-7 (المطبعة العلمية حلب). (4) العبارة منقولة من (الحطة في ذكر الصحاح الستة) للأمير العلامة صديق حسن خان القنوجي ص106 المطبعة النظامية كانفور طبع 1283هـ.
|