بعد "إسرائيل الكبرى"، نتانياهو يدعو إلى تكريس "أسبرطة العظمى" و "إنهاء العمل في غزة"
بقلم تييري ميسان
https://www.voltairenet.org/article222884.htmlلقد أصبح جنوح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من السياسة المحافظة المعلنة إلى النازية جليّاً أكثر فأكثر. فبعد الاعلان عن التزامه بمهمته التاريخية والروحانية لتحقيق "إسرائيل الكبرى"، في إشارةٍ واضحة إلى مشروعٍ توسعي سيغزو بموجبه أراضي جيرانه السبعة، خرج علينا اليوم يبشرنا برؤية تروم تحويل إسرائيل إلى "أسبرطة العظمى"، ما يعني تسليح الدولة ووقف كافة التعاملات التجارية مع حلفائها. فإذا كان للكلمات معنى، فهو يُخبرنا باستمرار أنّه يقتدي بالفاشييْن زئيف فلاديمير جابوتينسكي وليو شتراوس، إذ لا يفوّت نتنياهو فرصةً دون الإشادة بجابوتنسكي، مؤكداً أنه يحتفظ بسيفه ويحرص دوماً على قراءة أعماله. لقد تورّط أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بمزاعم باطلة وبأكاذيب مخزية ومشوهة للحقائق وصف فيها أعداءه بأصحاب الأفكار المظلمة ومدعياً أنّه لديه كلّ الحق في مواصلة عدوانه على غزة وقتل أكبر عدد من الفلسطينيين.
صرّح نتنياهو في مقابلة مع قناة i24 العبرية، يوم 23 أغسطس 2025، أنّه بصدد إنهاء "مهمّة تاريخية وروحانية" لتحقيق إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
لقد حذّرتُ قراءنا الأسبوع الماضي، وبخاصة الإسرائيليين منهم، من مغبّة الانسياق وراء الانحراف الفاشي المتسارع لبنيامين نتنياهو، ولربما كان هذا الانحراف نازياً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كلام ديفيد بن غوريون عن جابوتينسكي، حيث قيل أنّه كان يلقبه بفلاديمير هتلر. [1] كما سبق وأشرنا إلى تحوّل نتنياهو العلني إلى عقيدة "إسرائيل الكبرى"، إذ لا تروم هذه العبارة تبرير ضم الأراضي الفلسطينية بالكامل إلى دولة إسرائيل فحسب، بل تروم أيضاً ضمّ شرق مصر وجزء من الأردن والسعودية وكامل لبنان ومعظم سوريا وجزء من العراق، كي يتسنى إعادة تشكيل الإمبراطورية الآشورية القديمة من "النيل إلى الفرات".
وقد أثار هذا الإعلان، الذي أُدلي به باللغة العبرية فحسب-ما يعني أنّ نتنياهو قد توجه به لجمهور الإسرائيليين فحسب-حملة انتقادات شديدة من كافة القادة العرب وصلت يوم 23 سبتمبر إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقال وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف حينذاك: "إن الاحتلال الإسرائيلي يّصبوا أوّلا للقضاء على أي أفقٍ من آفاق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة، ليس على الأرض فحسب، بل حتّى في العقول والأذهان إن استطاع إلى ذلك سبيلا. والاحتلال الإسرائيلي يصبو ثانياً لإعادة رسم الحدود في المِنطقة على مَقَاسِ مِخياله ووفق أهوائِه وأوهامِه، مُستنداً في ذلك إلى أخطرِ خُرافة من خُرافاته الزائفة، ألا وهي خُرافة "إسرائيل الكبرى. والاحتلال الإسرائيلي يصبو ثالثاً وأخيراً، إلى تكريس هيمنته المطلقة على المِنطقة وتنصيبِ نَفْسِهِ الآمرَ والنَّاهِيَ فيها، يعتدي على من شاء، وقت ما شاء، وكيفما شاء. لا القانونُ الدولي يُهِمُّهْ، ولا الميثاقُ الأممي يَكْتَرِثُ لَهْ، ولا حتى أبسطُ القواعدِ والأعرافِ التي تَمُتُّ بصلة للتعايشِ المتمدن والمتحضر" وهو التصريح الذي تبناه ممثل روسيا الدائم لدى المنظمة.
في الواقع، كيف لا نتساءل عن هذه الإشارة التي تجنّب رئيس الوزراء الاسرائيلي التنويه بها طوال حياته السياسية وبات يستخدمها اليوم في أوج الإبادة الجماعية التي يقترفها في غزة؟ إنّ مصطلح "الإبادة الجماعية" ليس مجرد فكرة اختلقها المشرع عن هوى، بل عبارة استخدمتها "اللجنة الخاصة المكلفة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تؤثر على حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني والعرب الآخرين في الأراضي المحتلة" والتي قدمت تقريرها (المرجعA/79/363) في 20 سبتمبر إلى "الجمعية العامة للأمم المتحدة".
وهذا كذلك هو رأي المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية يفعات تومر يروشالمي التي حذرت رئيس هيئة الأركان في جيش الدفاع الإسرائيلي من استحالة تهجير 1.2 مليون من سكان غزة دون التأكّد من مصيرهم، غير أنّ اللواء إيال زمير، رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي، تجاهل هذه الاعتراضات في 8 سبتمبر، في سابقة منذ إعلان دولة إسرائيل حيث لم يحدث وأن لم يكترث رئيس الأركان لتحذيرات المدعي العام.
دعا بنيامين نتنياهو يوم 15 سبتمبر 2025، إلى تحويل الديمقراطية الإسرائيلية إلى "أسبرطة العظمى"
مهما يكن الأمر، يطالب بنيامين نتنياهو اليوم بإرثه المعقّد من الفاشية والنازية: وكان قد صرّح يوم 15 سبتمبر، خلال مؤتمر نظّمه ياهلي روتنبرغ المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية، بأنّ العالم بأسره يقف اليوم ضد دولة إسرائيل (وهو أمر عارٍ تماماً من الصحة: إنّه ضد سياسته)، وبخاصة الأوروبيين الذين يرضخون لضغوطات المهاجرين العرب والمسلمين، وأنّ العدو لم يعد حماس وإيران، بل بلجيكا وإسبانيا. وأردف بالقول أنّه يجب على إسرائيل أن تتحوّل إلى بلدٍ مكتفٍ ذاتيا... إلى "أسبرطة العظمى"، يجب عليها التخلي عن الأنشطة الاقتصادية التقليدية وتتفرّغ لتطوير صناعاتها الدفاعية.
لقد توخى بنيامين نتنياهو الحذر عندما أشار إلى هذه الأسطورة، حيث قال: "نحن أثينا وأسبرطة؛ لكننا سنصبح آثينا وأسبرطة العظمى." يجد التنويه بأنّه لم يحدث أن تحدّث أي سياسي عن أسبرطة منذ سقوط الرايخ الثالث، إذ كان هذا شعار النازيين وحلفائهم بمن فيهم الإمبرياليين اليابانيين. وكان جميعهم يدعي أنّ أسبرطة ضد أثينا، كما اليوم، يدعي الجميع أن أثينا ضد أسبرطة... باستثناء بنيامين نتنياهو والشتروسيين. لذلك، أعود بكم على الفور إلى ما كتبته منذ عامين: لا يدعي الإسرائيلي الأمريكي إليوت أبرامز الذي يقف وراء الانقلاب القانوني لنتنياهو، تبنيه أفكار فلاديمير جابوتينسكي مؤسس الصهيونية التصحيحية فحسب، بل يدعي أيضاً ولاءه لليو شتراوس. [2]
لم يكن "ليو شتراوس" مجرد تلميذ لـ "جابوتينسكي" الذي رحب به في "نيويورك" بمعية "بنزيون نتنياهو" (والد "بنيامين"). لقد كان أستاذ فلسفة بجامعة شيكاغو، وقام بتدريب بعضاً من طلابه المفضلين سراً، وكان يطلق عليهم الهوبليت أي جنوده (في إشارة إلى الجنود المدنيين في اليونان القديمة). لقد اختبرهم بإرسالهم لخلق البلبلة في مجالس خصومه، ثم علّمهم أنه لا ينبغي عليهم الاعتماد على الديمقراطيات أو الأنظمة الضعيفة لحماية أنفسهم من محرقة محتملة، بل عليهم بناء ديكتاتورياتهم بأنفسهم. وكان تلامذته على غرار ريتشارد بيرل وبول وولفويتز، هم الذين خدعوا المخابرات الأمريكية وشنوا هجمات 11 سبتمبر ودمروا أفغانستان والعراق.