[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين و على آله الطيبين الطاهرين و ارض اللهم عن أصحابه أجمعين و عن التابعين و تابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
[align=center]رسالة حلية الأبدال
لسيدي محي الدين ابن عربي قدس الله سره[/align]
الحمد لله على ما ألهم وأن علمنا ما لم نكن نعلم وكان فضل الله علينا عظيما وصلى الله على السيد الأعظم والنبي الأكرم المعطي جوامع الكلم بالموقف الأعظم وسلم تسليما.
وبعد فاني استخرت الله تعالى ليلة الاثنين الثاني والعشرين من جمادي الأولى سنة تسع وتسعين وخمسماية بمنزل الماية بالطائف في زيارتنا عبد الله ابن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان سبب استخارتي سؤال صاحبي ابي محمد بدر عبد الله الحبشي عتيق ابي الغنائم بن أبي الفتوح الحراني وابي عبد الله محمد بن خالد الصدفي التلمساني وفقهما الله أن أقيد لهما في هذه الأيام أيام الزيارة ما ينتفعون به في طريق الآخرة فاستخرت الله في ذلك وقيدت لهما هذه الكراسة التي وسمتها حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال تكون لهما ولغيرهما عونا على طريق السعادة وبابا جامعا لفنون الإرادة ومن موجد الكون نسأل التأييد والعون.
[align=center]الفصل الاول [/align]
اعلم أن الحكم نتيجة الحكمة والعلم نتيجة المعرفة فمن لا حكمة له لا معرفة له فالحاكم العالم لله قائم والحكيم العارف بالله واقف فالحاكمون العالمون لاميون والحكماء العارفون نائبون لما شغف الزاهد بترك دنياه والمتوكل بتسليم كلية أمره إلى مولاه والمريد بالسماع والوجد والعابد بالعبادة والجهد والحكيم العارف بالهمة والقصد غاب عن العالمون الحاكمون في الغيب فلا يعرفهم عارف ولا مريد ولا عابد ولا شهدهم متوكل ولا زاهد فترك الزهد للعوض وتوكل المتوكل لنيل الغرض وتواجد لتنفيس الكرب واجتهد رغبة في القرب وقصد العارف الحكيم بهمته الوصول وإنما يتجلى الحق لمن انمحى رسمه وزال عنه اسمه فالمعرفة حجاب على المعروف والحكمة باب يكون عنده الوقوف وما بقى من الأوصاف فأسباب الحروف وهذه كلها علل تعمي الأبصار وتطمس الأنوار فلولا وجود الكون لظهر العين ولولا الأسماء لبرز المسمى ولولا المحبة لاستمر الوصل ولولا الحظوظ لملكت المراتب ولولا الهوية الانية ولولا هو لكان هو ولولا أنت لبدا رسم الجهل فئما ولولا الفهم لقوي سلطان العلم فإذا تلاشت هذه الظلم وطارت بمرهفات الفنا هذه البهم.
[poet font="Simplified Arabic,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=3 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=" shadow(color=red,direction=135)"]
تجلى لقلبك من لم يزل به قاطنا في غيوب الأزل
وما حجب العين عن دركها سواك ولكن بضرب المثل
تبين للقلب أن الذي رآه به داعيا لم يزل
وجاء خطاب يعم الكلام ويبدي سناه رسول المحل
[/poet]
[align=center]الفصل الثاني [/align]
كان لنا (بمرشانة) الزيتون ببلاد الأندلس صاحب من الصالحين يعلم القرآن فقيها جيدا حافظا ذا ورع وفضل وخدمة للفقراء اسمه عبد المجيد بن سلمة اخبرني وفقه الله قال بينما أنا ليلة في مصلاي قد أكملت حزبي وجعلت رأسي بين ركبتي اذكر الله إذ تحسست بشخص قد نفض مصلاي من تحتي وبسط عوضا عنه حصير خصف وقال صل عليه وباب بيتي علي مغلق فداخلني منه جزع فقال لي من تأنس بالله لم يجزع ثم قال لي اتق الله في كل حال ثم اني الهمت فقلت ياسيدي بماذا تصير الأبدال أبدالا قال بالأربعة التي ذكرها ابوطالب في القوت الصمت والعزلة والجوع والسهر ثم انصرف عني ولا اعرف كيف دخل ولا كيف خرج غير ان بابي علي حاله مغلق والحصير الذي اعطانيه تحتي وهذا الرجل هو من الأبدال واسمه معاذ بن اسوش رضي الله عنه فهذه الأربعة التي ذكرها هي عماد هذه الطريق الاسنى وقوائمه ومن لاقدم له فيها ولا رسوخ فهو تائه عن طريق الله تعالى وغرضنا في هذه الكراسة الكلام في الفصول الأربعة وسنفرد لكل واحد منها فصلا ونذكر ما تعطيه من المعاني والأحوال جعلنا الله وإياكم ممن تحقق بها وداوم عليها انه على ذلك قدير.
[align=center]الفصل الثالث [/align]
الصمت على قسمين صمت باللسان عن الحديث بغير الله تعالى مع غير الله جملة واحدة وصمت بالقلب عن خاطر يخطر له في النفس في كون الأكوان البتة فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه خف وزره ومن صمت لسانه وقلبه طهر سره وتجلى له ربه ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان الحكمة ومن لم يصمت بلسانه ولا بقلبه كان مملكة للشيطان ومسخرة له فصمت اللسان من صفات منازل العامة وأرباب السلوك وصمت القلب من صفات المقربين أهل المشاهدات وحال صمت السالكين السلامة من الآفات وحال صمت المقربين مخاطبات التأنيس فمن التزم الصمت في جميع الأحوال كلها لم يبق له حديث إلا مع ربه فان الصمت على الإنسان محال في نفسه فإذا انتقل من الحديث مع الاغيار إلى الحديث مع ربه كان نجيا مقربا مؤيدا في نطقه إذا نطق نطق بالصواب لأنه ينطق عن الله قال تعال في حق نبيه عليه الصلاة والسلام(وما ينطق عن الهوى)فالنطق بالصواب نتيجة الصمت عن الخطاء والكلام مع غير الله خطأ بكل حال ولغير الله سوء من كل الوجوه قال تعالى ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) بكمال شروطها وقال تعالى(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ولحال الصمت مقام الوحي عن ضروبه والصمت يورث معرفة الله تعالى.
[align=center]الفصل الرابع [/align]
والعزلة سبب لصمت اللسان فمن اعتزل الناس فلم يجد من يحادثه أداه ذلك إلى الصمت باللسان والعزلة على قسمين عزلة المريدين وهي بالأجسام وعزلة المحققين وهي بالقلوب عن الأكوان فليست قلوبهم محلا لشيء سوى العلم بالله تعالى الذي هو شاهد الحق فيها الحاصل من المشاهدة وللمعتزلين نيات ثلاثة نية اتقاء شر الناس ونية اتقاء شر المعتدي إلى الغير وهو ارفع من الأول فان في الأول سوء الظن بالناس وفي الثاني سوء الظن بنفسه وسوء الظن بنفسك أولى لأنك بنفسك اعرف ونية إبقاء صحبة المولى من جانب الملاء الأعلى فأعلى الناس من اعتزل بنفسه إيثارا لصحبة ربه فمن آثر العزلة على المخالطة فقد آثر ربه على غيره ومن آثر ربه لم يعرف احد ما يعطيه الله تعالى من المواهب والأسرار ولا تقع العزلة أبدا في القلب إلا من وحشة تطرأ على القلب من المعتزل عنه وانس المعتزل إليه وهو الذي يشوقه إلى العزلة وكانت العزلة تغني عن شرط الصمت فان الصمت لازم لها فهذا صمت اللسان وأما صمت القلب فلا تعطيه العزلة فقد يتحدث الواحد في نفسه بغير الله تعالى مع غير الله تعالى فلهذا جعلنا الصمت ركنا من الأركان في الطريق قائما بنفسه فمن لازم العزلة وقف على سر الوحدانية الإلهية وهذا ينتج له من المعارف والأسرار أسرار الاحدية التي هي الصفة وحال العزلة التنزيه عن الأوصاف سالكا كان المعتزل محققا وارفع أحوال العزلة الخلوة فان الخلوة عزلة في العزلة فنتيجتها أقوى من نتيجة العزلة العامة فينبغي للمعتزل ان يكون صاحب يقين مع الله تعالى حتى لا يكون له خاطر متعلق خارجا عن بيت عزلته فان حرم اليقين فليستعد لعزلته قوته زمان عزلته زمان عزلته حتى يتقوى يقينه بما يتجلى له في عزلته لا بد من ذلك هذه شرط محكم من شروط العزلة والعزلة تورث معرفة لدنية.
[align=center]الفصل الخامس [/align]
الجوع هو الركن الثالث من أركان هذا الطريق الإلهي وهو يتضمن الركن الرابع الذي هو السهر كالعزلة تتضمن الجوع الصمت والجوع جوع اختياري وهو جوع السالكين وجوع اضطراري وهو جوع المحققين فان المحقق لا يجوع نفسه ولكن يقلل أكله ان كان في مقام الأنس فان كان كان في مقام الهيبة كثر أكله فكثرة الأكل للمحققين دليل على صحة سطوات أنوار الحقيقة على قلوبهم بحال العظمة في مشهودهم وقلة الأكل لهم دليل على صحة المحادثة بحال الموانسة من مشهودهم وكثرة الأكل للسالكين دليل على بعدهم عن الله تعالى وطردهم عن بابه واستيلاء النفس الشهوانية البهيمية بسلطانها عليهم وقلة الأكل لهم دليل على نفحات الجود الإلهي على قلوبهم فيشغلهم ذلك عن تدبير جسومهم والجوع بكل حال ووجه سبب داع للسالك والمحقق إلى نيل عظيم الأحوال للسالكين والأسرار للمحققين ما لم يفرط بصحو من الجائع فانه إذا أفرط أدى إلى الهوس وذهاب العقل وفساد المزاج فلا سبيل للسالك ان يجوع الجوع المطلوب لنيل الأحوال إلا عن أمر شيخ وإما وحده فلا سبيل له لكن يتعين على السالك إذا كان وحده التقليل من الطعام واستدامة الصيام ولزوم أكلة واحدة في الليل والنهار وان يغب بالادم الدسم فلا يتأدم في الجمعة سوى مرتين ان أراد ان ينتفع يجد شيخا فإذا وجده سلم أمره إليه وشيخه يدبر أمره وحاله إذ الشيخ اعرف بمصاله منه وللجوع حال ومقام فحاله الخشوع والخضوع والمسكنة والذلة والافتقار وعدم الفضول وسكون الجوارح وعدم الخواطر الردية هذا الجوع للسالكين وأما حاله في المحققين فالرقة والصفاء والمؤانسة وذهاب الكون والتنزه عن أوصاف البشرية بالقوة الإلهية والسلطان الرباني ومقامه المقام الصمداني وهو مقام عال له أسرار وتجليات وأحوال فهذه فائدة الجوع المصاحب للهمة لا جوع العامة فان جوع العامة جوع صلاح مزاج وتنعيم البدن بالصحة لا غير والجوع يورث معرفة الشيطان عصمنا الله وإياكم منه.
[align=center]الفصل السادس [/align]
والسهر نتيجة الجوع فإن المعدة إذا لم يكن فيها طعام ذهب النوم والسهر سهران سهر القلب وسهر العين فسهر القلب انتباهه من نومات الغفلات طلبا للمشاهدات وسهر العين رغبة في بقاء الهمة في القلب لطالب المسامرة فإن العين إذا نامت بطل عمل القلب فان كان القلب غير نائم مع نوم العين فغايته مشاهدة سره المتقدم لا غير واما ان يلحظ غير ذلك فلا ففائدة السهر استمرار عمل القلب وارتقاء المنازل العلية المخزونة عند الله تعالى وحال السهر تعميمه الوقت خاصة للسالك والمحقق غير ان المحقق في حالة زيادة تخلق رباني لا يعرفه السالك واما مقامه فمقام القيومية وربما بعض أصحابنا منع ان يتححق احد بالقومية وبعضهم منع التخلق بها لقيت أبا عبد الله بن الجنيدي يمنع من ذلك واما نحن فلا نقول بذلك فقد أعطتنا الحقائق ان الإنسان الكامل لا يبقى له في الحضرة الإلهية اسم إلا هو حامل له ومن توقف من أصحابنا في مثل هذه المسألة فلعدم معرفة بما هو الإنسان عليه في حقيقته ونشأته فلو عرف نفسه ما عسر عليه مثل هذا والسهر يورث معرفة النفس (وتمت أركان المعرفة وإذا المعرفة)تدور على تحصيل الأربعة المعارف معرفة الله والنفس والدنيا والشيطان فإذا اعتزل الإنسان عن الخلق وعن نفسه وصمت عن ذكره بذكر ربه إياه واعرض عن الغذاء الجسماني وسهر عند نوم النائمين واجتمعت فيه هذه الخصال الأربعة بدلت بشريته ملكا وعبوديته سيادة وعقله حسا وغيبه شهادة وباطنه ظاهرا وإذا رحل عن موضع ترك بدله فيه حقيقة روحانية تجتمع إليها أرواح ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولي فان ظهر شوق من أناس ذلك الموطن شديد لهذا الشخص تجسدت تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدله فكلمها وكلمته وهو يتخيل انه مطلوبه وهو غائب عنه حتى يقضي حاجته منه وقد تتجسد هذه الروحانية إذا كان من صاحبها شوق أو تعلق همة بذلك الموطن وقد يكون هذا من غير البدل والفرق بينهما ان البدل يرحل ويعلم انه ترك بدله وغيره لا يعرف ذلك وان تركه لأنه لم يحكم هذه الأربعة الأركان التي ذكرناها وفي ذلك قلت:
[poet font="Simplified Arabic,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=" shadow(color=red,direction=135)"]
يا من يروم منازل الأبدال من غير قصد منه للأعمال
لا تطمعن بها فلست من أهلها إن لم تزاحمهم على الأحوال
وأصمت بقلبك واعتزل كل ما يدنيك من غير الحبيب الوالي
وإذا سهرت وجعت نلت مقامهم وصحبتهم في الحال والترحال
بيت الولاية قسمت أركانه ساداتنا فيه من الأبدال
ما بين صمت واعتزال دائم والجوع والسهر النزيه العالي
[/poet]
والله نسأل ان يوفقنا وإياكم لاستعمال هذه الأركان وينزلنا وإياكم منازل الإحسان انه الولي المنان والحمد لله رب العالمين.
[twh][align=center]تمت بحمد الله رسالة حلية الأبدال
اللهم صل على نور الأنوار و سر الأسرار و ترياق الأغيار و مفتاح باب النسار سيدنا محمد المختار و آله الأطهار و أصحابه الأخيار عدد نعم الله و أفضاله[/align][/twh]
منقول بتصرف
|