القول بأن أطفال المشركين في المشيئة
ومن جملة الأقوال في الأطفال أنهم في مشيئة الله تعالى لا يحكم عليهم بشيء.
وهذا هو المنقول عن الشافعي الأئمة لحديث الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن أطفال المشركين فقال (الله أعلم بما كانوا عاملين) ومعناه أن من علم الله منه الإيمان لو عاش أدخله الجنة ومن علم منه الكفر لو عاش أدخله النار.
(وكذا يقال) في أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم . والظن بهما أنهما لو عاشا إلى بعثه لبادرا إلى الإيمان به مسرعين فيكونان من أهل الجنة.
القول بالامتحان في الآخرة لأطفال المشركين وأهل الفترة ونحوهم:
(ومن) جملة الأقوال في الأطفال أنهم يمتحنون في الآخرة فمن أطاع أدخله الله الجنة ومن عصى أدخله النار وصححه البيهقي وهذا بعينه وردت به الأحاديث الصحيحة في أهل الفترة.
أخرج البزار وأبو يعلى عن أنس رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (يؤتي بأربعة يوم القيامة بِالْمَوْلُودِ ، وَالْمَعْتُوهِ ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ ، وَالشَّيْخِ الْفَانِي ، كُلُّهُمْ يَتَكَلَّمُ بِحُجَّتِهِ ، فَيَقُولُ الله تعالى, لِعُنُقٍ مِنَ النَّارِ : ابْرُزْ لهم ويَقُولُ لَهُمْ إِنِّي كُنْتُ أَبعث إِلَى عِبَادِي رُسُلاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَإِنِّي رَسُولُ نَفْسِي إِلَيْكُمُ ادْخُلُوا هَذِهِ فَيَقُولُ مَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ الشَّقَاءُ : يَا رَبِّ أتدْخُلَناهَا وَمِنْهَا كُنَّا نَفِرُّ ، وَمَنْ كُتِبَ عَلَيْهِ السَّعَادَةُ يَمْضِي يَتقْحِمُ فِيهَا مُسْرِعًا قَالَ : فَيَقُولُ اللَّهُ قد عصيتموني فأَنْتُمْ لِرُسُلِي أَشَدَّ تَكْذِيبًا وَمَعْصِيَةً فَيُدْخِلُ هَؤُلاَءِ الْجَنَّةَ ، وَهَؤُلاَءِ النَّارَ).
وأخرج أحمد وابن راهوية في مسنديهما والبيهقي في (كتاب الاعتقاد) وصححه عن الأسود بن سريع عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (اربعة يحتجون يوم القيامة رَجُلٌ أَصَمُّ لا يسمع شيئا، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةِ- إلى أن قال وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ: رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعَنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ فمن دخلها كانت عليه بَرْدًا وَسَلَامًا ومن لم يدخلها يسحب إليها).
وأخرج البزار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (تؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود فيقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول ويقول المعتوه أي رب لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا - ويقول المولود رب لم أدرك العمل - فترقع لهم نار فيقال لهم ردوها فيردها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل).
وأخرج البزار عن ثوبان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل إلينا رسولا ولم يأتنا لك أمر ولو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك فيقول لهم ربهم أرأيتم إن أمرتكم بأمر أتطيعونني) وذكر نحو ما تقدم.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه مثله.
وفي الباب أحاديث أخر وهذه الأحاديث هي العمدة في المسألة وكل ما شابهها، وعليها بنى الفقهاء أصولهم ومذاهبهم في أنه لا يحكم على أحد معين من أهل الفترة أنه في النار بل هو في مشيئة الله موقوف على الامتحان وقد صرح في حديث ثوبان بجريان هذا الحكم في أهل الجاهلية عبدة الأوثان فمن لم يثبت عنه عبادة لها فهو من باب أولى, وأبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يثبت عنهما ما ثبت من أهل الجاهلية من عبادة الأوثان بل ولا ثبت ذلك من أحد من أصوله بل ثبت أو كاد يثبت انتقاؤه عن جميع أجداده كما سيأتي الإشارة إليه.
ويؤخذ من هذه الأحاديث الرد على ابن دحية في كلامه السالف عنه وقوله إن الإيمان بعد الموت لا ينفع، فإذا كان الإيمان ينفع أهل الفترة في الآخرة التي ليست بدار تكليف وقد شاهدوا جهنم بشهادة هذه الأحاديث فلأن ينفعهما بالإحياء في الدنيا من باب أولى، وعلى تقدير عدم ثبوت إحيائهما في الدنيا فالظن بهما عند الامتحان في الآخرة أن يطيعا ويهديهما الله لنقر بذلك عين النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يتبع إن شاء الله