موقع د. محمود صبيح https://www.msobieh.com:443/akhtaa/ |
|
"السيدة زينب" في قلوب المصريين https://www.msobieh.com:443/akhtaa/viewtopic.php?f=7&t=34848 |
صفحة 1 من 1 |
الكاتب: | خلف الظلال [ الثلاثاء يونيو 29, 2021 11:23 am ] |
عنوان المشاركة: | "السيدة زينب" في قلوب المصريين |
(السيدة زينب ) في الأدب الروائي المصري نحن في عز المولد. صياح الميكروفونات والناس والعربات وحلقات الذكر يصمُّ الآذان. القزم عتريس يدخل في باب الجامع في طريقه إلى المقام. الشحَّاذون يبتسمون. الزُّوار يتلفَّتون إليه ويبتسمون. السقَّاءون الواقفون في الممر الطويل كتماثيل من الخشب ينظرون إليه بعيونهم الحزينة الجامدة ويبتسمون. عتريس يدخل المقام وينحشر وسط الزحام. وسط الأجساد والأيدي المُتشابكة تتلمس يداه الصغيرتان موضعًا على الشباك. يُريح وجهه المُكرمش العجوز عليه. تُتمتم شفتاه. يعلو صوته. لكن أصوات الدعاء والتكبير والتلاوة أعلى منه. الزُّوار يلمحونه ويعجبون. كم يكون عجبهم لو عرفوا أن الست أيضًا تُكلمه، تُكلمه وحده دون غيره؟ – من يُنادي عليَّ؟ – يا ست! نظرة! يا ست! – عتريس يا ست، القزم عتريس. – أنت جئت يا عتريس؟ – جئت يا ست. أبوس الأيادي. أركع عند رجليك. أشم رائحتك الطاهرة. – الغيبة طالت يا عتريس. – دُخْت يا ست. تُهْت في بلاد الله شرَّقت وغرَّبت. لا شغلة ولا مشغلة. – والسيرك يا عتريس؟ – قفلوه في وجهي. قالوا لي عجزت ولا بقى فيك حيل؛ من يوم ما وقعت يا ست. – وقعت؟ – من على ظهر الحصان. كنت أنادي على عادتي بعزم ما فيَّ، وأقول نفَسك معي يا ست. قلت أعمل حركة من حركاتي المشهورة وأضحك الناس. وقعت على الأرض رأسي تحت ورجلي فوق. الناس ضحكت لغاية ما شبعت، لكن رجلي انكسرت، ظهري انشرخ. – وبعدها يا عتريس؟ – أخذوني على المستشفى. وضعوا رجلي وظهري في الجبس سبعين يومًا وحياتك يا ست. سبعين يومًا وحق مَقامك الطاهر. – وبعد ما خرجت من المستشفى؟ – سألت عليهم. قالوا لي في مولد الست. يا ناس أرجع لشغلي. لأ يا عتريس. يهديكم يرضيكم. أنت عجزت يا عتريس. طيب جربوني. عمرنا ما شفنا البهلوان على عكاز. نفسي أضحك الناس. ستضحك علينا يا عتريس. يا ناس ترموني رمي الكلاب؟ رزقك على الله يا عتريس. صرخت بعزم ما فيَّ: يا طاهرة! سُقْت عليك النبي يا حبيبة. – وسمعتك يا عتريس. – عارف يا ست، لكن العمل؟ – العمل عمل الله يا عتريس. – كلمة منك تفتح الأبواب. دعوة منك تحنن القلوب. لأجل الحبيب الشفيع تشفعي لي يا حبيبة. – عند من يا عتريس؟ – عند أصحاب الأكشاك يا ست. ألعابهم كثيرة. صحيح انكسرت وما عاد فيَّ حيل، لكن أقدر أضحك الناس. أحكي لهم حكايتي. أحلف لهم إني يا ما أضحكت ناس وأبكيت ناس. – رُح يا عتريس، ربنا يفتح لك الأبواب. في اليوم التالي عاد القزم عتريس إلى المقام. الشحَّاذون على باب الجامع رأوه وابتسموا. الزُّوار لمحوه يتدحرج في الممر الطويل، ولولا قداسة المكان لضحكوا. السقَّاءون الواقفون كتماثيل من خشبٍ نظروا إليه بعيونهم الجامدة الحزينة وابتسموا. تزاحم عتريس وانحشر بين الناس. تحسَّس الشباك وشمَّ العطر وراح في الجلالة وقال: يا ست! – قُل يا عتريس! – رحت لهم يا ست. فُت عليهم واحدًا واحدًا. – من يا عتريس؟ – كلهم يا ست؛ الساحر الأسود، شيطان الموت، الغول العظيم، الحاوي العجيب، حتى الأراجوز فُت عليه. – ومن هو الأراجوز يا عتريس؟ – رجلٌ صغير يعلِّقونه من شعره بسلك، ويحرِّكون رجليه ويديه بسلوك. طول النهار يشتم ويلعن ويسب. – ابعد عنه يا عتريس. – هو الذي أبعدني يا ست. – والباقون؟ – قلت لهم أشتغل معكم. قالوا لي راحت عليك يا عتريس. يا ناس ولو نمرة واحدة. ما عاد فيك حيل يا عتريس. يا عالم ولو تقعدوني على المسرح والناس مصيرها تضحك. الناس غيرها أيام زمان يا عتريس. طيب أقف على رأسي، مرة واحدة يا عالم. تقع تموت يا عتريس، ونروح في داهية معك. – معهم حق يا عتريس. – تقولين معهم حق يا ست؟ – شعرك ابيض. قلبك تعب يا عتريس. – القلب لا يتعب من ذكرك يا ست. طيب تصدقي بالحبيب؟ – عليه أفضل الصلاة والسلام. – لو تسمحي لي يا ست؟ – ماذا تريد يا عتريس؟ – أقف على رأسي مرةً واحدة قدَّامك؛ أثبت لك أن عتريس هو عتريس؛ بهلوان زمانه، ووحيد عصره وأوانه. – هنا في المقام؟ يا لَلعيب يا عتريس! – من نفسي يا ست. مرة واحدة يا حبيبة. مرة واحدة لأجل الحبيب. – عيب يا عتريس! دمدم الصوت المُنبعث عن المقام، زام في أذنه كالريح، غامت الدنيا في عينيه، امتدَّت يدٌ فوقعت يده عن الشباك الطاهر في عنف، زعق صاحبها الذي بدت رأسه كأنها القبة: اسعَ وصلِّ على النبي! انتبه عتريس إلى العملاق الواقف إلى جانبه وخاف أن يدوسه، يخنقه، يرميه من الباب.صرخ: والعمل يا ست؟ جاءه الصوت العميق الهادئ كأن حمامة تُوشوشه: اسعَ وصلِّ على النبي يا عتريس. – الأبواب كلها اتقفلت في وجهي يا ست. – إلا بابي يا عتريس. إلا بابي. – يرضيك عتريس يصبح شحَّاذًا يا ست؟ – الأرزاق على لله يا عتريس. يومها وقف القزم عتريس على باب الست، طول النهار وقف على باب الحبيبة بنت الحبيب؛ يصعب على واحد ويضحك عليه عشرون. الستات تُشير عليه وتقول: شوفوا خلقة ربنا! والأطفال تصرخ وتقول: شوفوا الرجل المسخوط. والمشايخ يستعيذون بالله ويقولون: امشِ من هنا ورزقك على الله. والشحَّاذون يطردونه ويقولون: ما بقي غير البهلوان يقف قدَّام صاحبة المقام. عتريس صعبت عليه نفسه، غضب ودخل المقام ورفع يديه وقال: نفَسك معي يا ست. نفَسي ضاق يا بنت بنت الحبيب. – رجعت يا عتريس؟ – الشِّحاذة للشحَّاذين يا ست، وأنا طول عمري فنَّان. – ما معنى فنَّان يا عتريس؟ – أمثِّل، أضُحك الناس، أدهن وجهي بودرة، أقف على رأسي. انظري. وأحسَّ عتريس أن الشباب عاد إليه. وبحركةٍ مُفاجئة كان يقف في وسط المقام كالبصلة؛ رأسه تحت ورجلاه في السماء. وبحركةٍ مُفاجئة أيضًا هاج الناس، ورفع المشايخ وجوههم عن المصاحف، وهجم عليه حارس المقام، فأمسكه من رقبته وزعق: يا نجس! يا ملعون! وحق مقام الست الطاهرة لأشدَّك على القسم! في الزنزانة المُعتمة، على البرش الخشن، نام عتريس وهو يفكِّر فيما جرى له، ويتذكر حياته القصيرة قِصرَ جسمه. وبالليل طلعت له الست الطاهرة؛ وجهها مُضيء كالبدر، جبهتها صافية كاللبن الحليب، ثوبها أبيض في أبيض كالملاك. – عملتها يا عتريس؟ – أمر الله يا ست. – وفي المقام! – معذور وحياتك. – الدنيا واسعة يا عتريس. – الدنيا ضاقت في وجهي يا ست، ما بقي قدامي إلا بابك. – وتتشقلب في المقام يا عتريس؟ – كان نفسي ألعب مرة قدَّامك، مرةً واحدة قبل ما أموت. يمكن نفوز منها نظرة، نظرة واحدة قبل ما أموت. – هجموا عليك كلهم؟ – كلهم يا ست؛ المشايخ والعساكر، الشحَّاذون والسقَّاءون، والأفندية والفَّلاحون. – ورموك في الزنزانة؟ – على البرش الخشن، في العتمة والرطوبة، وسط الفيران والبراغيث. – تعبان يا عتريس؟ – كل واحد ونصيبه يا ست. – زعلان مني يا عتريس؟ – كلك نظر يا أم العواجز. – ألا تريد أن تُسامحني؟ – فتح القزم عتريس عينيه قبل أن يُغلقهما إلى الأبد، تنهَّد بصعوبة وقال: ...... https://www.hindawi.org/books/96953826.pdf |
الكاتب: | حتى لا أحرم [ الثلاثاء يونيو 29, 2021 4:42 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: "السيدة زينب" في قلوب المصريين |
مدد يا ست يا طاهرة مدد يا أم العواجز. |
الكاتب: | حامد الديب [ الثلاثاء يونيو 29, 2021 6:37 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: "السيدة زينب" في قلوب المصريين |
حتى لا أحرم كتب: مدد يا ست يا طاهرة
مدد يا أم العواجز. |
الكاتب: | خلف الظلال [ الجمعة يوليو 02, 2021 5:03 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: "السيدة زينب" في قلوب المصريين |
بارك الله فيكما السيد حتلا لا أحرم والسيد حامد الديب وفي جميع أهل المنتدى المبارك اللهم آمين |
الكاتب: | خلف الظلال [ الجمعة يوليو 02, 2021 5:10 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: "السيدة زينب" في قلوب المصريين |
(السيدة زينب ) في الأدب الروائي المصري (2) وبما أن الأدب بأنواعه ينقل لنا حال المجتمعات عبر العصور، ففي هذه الرواية وصف عميق لحال سكان حي السيدة زينب بل والمصريين جميعهم ازاي القلوب متعلقة ببساطة بسادتنا آل البيت....محبة فطرية بحتة في الجينات لا تكتسب .... وهذه مقتطفات في عجالة: وصف لحال الشعب المصري وحياته مع آل البيت ونموذج أهل حي السيدة زينب: كان جدي الشيخ رجب عبد الله إذا قدم القاهرة وهو صبي مع رجال الأسرة ونسائها للتبرك بزيارة أهل البيت، دفعه أبوه إذا أشرفوا على مدخل مسجد السيدة زينب - وغريزة التقليد تغني عن الدفع - فيهوي معهم على عتبته الرخامية يرشقها بقبلاته، وأقدام الداخلين والخارجين تكاد تصدم رأسه. وإذا شاهد فعلتهم أحد رجال الدين المتعالمين أشاح بوجهه ناقمًا على الزمن، مستعيذًا بالله من البدع والشرك والجهالة، أما أغلبية الشعب فتبسم لسذاجة هؤلاء القرويين - ورائحة اللبن والطين والحلبة تفوح من ثيابهم - وتفهم ما في قلوبهم من حرارة الشوق والتبجيل، لا يجدون وسيلة للتعبير عن عواطفهم إلاّ ما يفعلونه: والأعمال بالنيات. هاجر جدّي - وهو شاب - إلى القاهرة سعيًا للرزق; فلا عجب أن اختار لإقامته أقرب المساكن لجامعه المحبب. وهكذا استقر بمنزل للأوقاف قديم، يواجه ميضأة المسجد الخلفية، في الحارة التي كانت تسمى "حارة الميضة". [كانت] لأن معول مصلحة التنظيم الهدام أتى عليها فيما أتى عليه من معالم القاهرة. طاش المعول وسلمت للميدان روحه، إنما يوفق في المحو والإفناء حين تكون ضحاياه من حجارة وطوب! ثم فتح جدّي متجرًا للغلال في الميدان أيضًا. وهكذا عاشت الأسرة في ركاب "الستّ" وفي حماها: أعياد "الستّ" أعيادنا، ومواسمها مواسمنا، ومؤذن المسجد ساعتنا. اتسع المتجر وبورك لجدّي فيه - وهذا من كرامات أم هاشم - فما كاد يرى ابنه الأكبر يتم دراسته في الكتّاب حتى جذبه إلى تجارته ليستعين به. سنة بعد سنة وإسماعيل يفوز بالأولوية، فإذا أعلنت النتيجة دارت أكواب الشربات على الجيران، بل ربما شاركتهم المارة أيضًا، وزغردت "ما شاالله" بائعة الطعمية والبصارة، وفاز الأسطى حسن - الحلاق ودكتور الحي - بحُلوانه المعلوم، وأطلقت الست عديلة بخورها وقامت بوفاء نذرها لأم هاشم. فهذه الأرغفة تُعَدُّ وتملأ بالفول النابت وتخرج بها أم محمد تحملها في مَقْطَف على رأسها: ما تهل في الميدان حتى تختطف الأرغفة، ويختفي المقطف، وتطير ملاءتها، وترجع خجلة تتعثر في أذيالها غاضبة ضاحكة من جشع شحاذي السيدة، وتصير حادثتها فكاهة الأسرة بضعة أيام يتندرون بها. وكذلك نشأ إسماعيل في حراسة الله ثم أم هاشم. حياته لا تخرج عن الحي والميدان، أقصى نزهته أن يخرج إلى المنيل ليسير بجانب النهر أو يقف على الكوبري. إذا أقبل المساء، وزالت حدة الشمس، وانقلبت الخطوط والانعكاسات إلى انحناءات وأوهام، أفَاقَ الميدان إلى نفسه وتخلص من الزوار والغرباء. إذا أصختَ السمعَ وكنتَ نقي الضمير فطنت إلى تنفس خفي عميق يجوب الميدان لعله سيدي العتريس بواب الست - أليس اسمه من أسماء الخدم؟ - لعله في مقصورته ينفض يديه وثيابه من عمل النهار، ويجلس يتنفس الصعداء. فلو قُيِّضَ لك أن تسمع هذا الشهيق والزفير فانظُر عندئذ إلى القُبّة. لألاء من نور يطوف بها، يضعف ويقوي كومضات مصباح يلاعبه الهواء. هذا هو قنديل أم هاشم المعلق فوق المقام. هيهات للجدران أن تحجب أضواءه. يمتلئ الميدان من جديد شيئًا فشيئًا. أشباح صفر الوجوه منهوكة القوى، ذابلة الأعين، يلبس كل منهم ما قدر عليه، أو إن شئت: فما وقعت عليه يده من شيء فهو لابسه. نداءات الباعة كلها نغم حزين. حراتي يا فول. حلّي وع النبي صلّي. لوبية يا فجل لوبية. المسواك سُنّة عن رسول الله. ما هذا الظلم الخفي الذي يشكون منه؟ وما هذا العبء الذي يجثم على الصدور جميعه؟ ومع ذلك فعلى الوجوه كلها نوع من الرضا والقناعة. ما أسهل ما ينسون! تتناول أيد كثيرة قروشًا وملاليم قليلة. ليس هنا قانون ومعيار وسعر، بل عرف وخاطر وفصالٍ وزيادة في الكيل أو طبّة في الميزان. وقد يكون الكيل مدلسًا والميزان مغشوشًا، كله بالبركة. صفوف تستند إلى جدار الجامع جالسة على الأرض، وبعضهم يتوسد الرصيف. خليط من رجال ونساء وأطفال، لا تدري من أين جاءوا ولا كيف سيختفون، ثمار سقطت من شجرة الحياة فتعفنت في كنفها. هنا مدرسة الشحاذين. حامل كيس اللقم يثقل الحمل ظهره ينادي: لقمة واحدة لله يا فاعلين الثواب، "جاعان". ويصف الكاتب لقطة لزيارة النساء من مختلف شرائح الشعب المصري لمقام السيدة أم هاشم فيقول: لا يخلو يوم الزيارة من بعض (الضائعات)- فسيدي العتريس مأمور أن لا يصدّ أحدًا عن الساحة - يفدن لتقديم شمعة للمقام أو للوفاء بنذر، عسى الله أن يتوب عليهن، ويمحو ما على الجبين من مقدر مسطور. .............. ...................... يبتسم إسماعيل عندما يرى الشيخ درديري - خادم المقام - وسطهن كالديك بين الدجاج. يعرفهن واحدة واحدة ويسأل عن الغائبات، يأخذ من هذه شمعتها، ويوسع لأخرى طريق صندوق النذور. يتبدل رضاه فجأة، فيزجرهن ويدفعهن دفعًا إلى الخارج. تأتي إليه أيضًا نسوة ورجال يسألونه شيئًا من زيت قنديل أم هاشم، لعلاج عيونهم أو عيون أعزائهم. يشفى بالزيت المبارك من كانت بصيرته وضاءة بالإيمان. فلا بصر مع فقد البصيرة. ومن لم يشْف فليس لهوان الزيت، بل لأن أم هاشم لم يسعها بعد أن تشمله برضاها. لعله عقاب آثامه، ولعله هو لم يتطهر بعد من الرجس والنجاسة، فيصبر وينتظر ويتردد على المقام. فإن كان الصبر أساس مجاهدة الدنيا، فإنه أيضًا الوسيلة الوحيدة للآخرة. (سر يحكيه الشيخ الدرديري أحد أبطال الرواية): عرفه إسماعيل من تردده على المقام، واعتاد أن يمر عليه في أغلب الليالي بعد صلاة العشاء ليتندر بحديثه. ومال الرجل للفتى واختصه بحنانه، هذا الحنان هو الذي حمله ذات ليلة على الإفضاء إليه بسر لم يفض به إلى أحد غيره: تعرف يا سي إسماعيل ليلة الحضرة يجيء سيدنا الحسين، والإمام الشافعي، والإمام الليث. يحفون بالسيدة فاطمة النبوية والسيدة عائشة والسيدة سكينة. وفي كوكبة من الخيل، ترفرف عليهم أعلام خضر، ويفوح من أردانهم المسك والورد، يأخذون أمكنتهم عن يمين الست وعن يسارها. وتنعقد محكمتهم وينظرون في ظلامات الناس. لو شاءوا لرفعوا المظالم جميعها ولكن الأوان لم يَئِنْ بعد. فما من مظلوم إلاّ وهو ظالم أيضًا، فكيف الاقتصاص له؟ في تلك الليلة، هذا القنديل الصغير الذي تراه فوق المقام، لا يكاد يشع له ضوء، ينبعث منه عندئذ لألاء يخطف الأبصار. إني ساعتها لا أطيق أن أرفع عيني إليه. زيته في تلك الليلة فيه سر الشفاء - فمن أجل ذلك لا أعطيه إلاّ لمن أعلم أنه يستحقه من المنكسرين. وانتبه إلى الشيخ درديري وهو يشير بإصبعه إلى القنديل: وسنان كالعين المطمئنة رأت، وأدركت، واستقرت. يضفو ضوءُه الخافت على المقام، كإشعاع وجه وسيم من أم تلقم رضيعها ثديها فينام في أحضانها. ومضات الذبالة خفقات قلبها حنانًا، أو وقفات تسبيحها همسًا. يطفو فوق المقام كالحارس مبتعدًا تبجيلاً. أما السلسلة فوهم وتعلة. كل نور يفيد اصطدامًا بين ظلام يجثم وضوء يدافع، إلاّ هذا القنديل. فإنه يضيء بغير صراع! لا شرق هنا ولا غرب. ما النهار هنا ولا الليل، لا أمس ولا غد. وانتفض إسماعيل، لا يدري ما هذا الذي مس قلبه! ويقص لنا الكاتب مناجاة لإحدى الزائرات المبتليات فيقول: وقد أصغى سمعه إحدى زائرات المقام وقد ألصقت جبينها على السور. سمِّر إسماعيل في مكانه وسمعها تقول هامسة: يا أم هاشم: يا ستارة على الولايا، لا تغضي عينيك ولا تشيحي بوجهك. تمد إليك يد مسترحمة فخذيها. إن الله طهرك وصانك وأنزلك الروضة. وإن قلبك لرؤوف. إذا لم يقصدك المرضى والمهزومون والمحطمون، فمن غيرك يقصدون؟ إذا نسينا فاذكري أنت! متى يُمحى المقدر علي؟ أيرضيك أن جسدي ليس مني، فما أشعر بالألم وهو ينهشه نهشًا، ها هي روحي على عتباتك تتلوى وتتمرغ مصروعة. تريد أن تفيق، منذ غادرني رضا الله وأنا كالنائم يركبه الكابوس، يقبض في يد واحدة على الموت والحياة! رضيت لحكمه وأسلمت نفسي، ولن أضيع وأنت هنا معنا. أفيطول الأمد، أم رحمة الله قريب؟ نذرت لك يوم يتوب المولى عليّ أن أزين مقامك الطاهر بالشموع. خمسين شمعة، يا أم هاشم يا أخت الحسين! ووضعت الفتاة شفتيها على سور المقام. ليست هذه القبلة من تجارتها، بل من قلبها. ومن ذا الذي يجزم بأن أم هاشم لم تسع إلى السور وقد هيأت شفتيها من ورائه لتبادلها قبلة بقبلة؟ مقتطفات ختامية للرواية: وحلت ليلة القدر. فانتبه لها إسماعيل، ففي قلبه لذكراها حنين غريب. ربي على إجلالها والإيمان بفضائلها، ومنزلتها بين الليالي، لا يشعر في ليلة أخرى - حتى ولا ليالى العيد - بمثل ما يشعر به من خشوع وقنوت لله. هي في ذهنه غرة بيضاء وسط سواد الليالي. كم من مرة رفع فيها بصره إلى السماء فبهره من النجوم جمال لا يراها تنطق به بقية العام. وغاب لحظة عن أفكاره، فإذا به ينتبه على صوت شهيق وزفير عميقين يجوبان الميدان. هذا هو سيدي العتريس ولا ريب رفع بصره. القُبّة في غمرة من ضوء يتأرجح يطوف بها. انتفض إسماعيل من رأسه إلى أخمص قدميه. أين أنت أيها النور الذي غبت عني دهرًا؟ مرحبًا بك! لقد زالت الغشاوة التي كانت ترين على قلبي وعيني. وفهمت الآن ما كان خافيًا عليّ. لا علم بلا إيمان. إنها لم تكن تؤمن بي، إنما إيمانها ببركتك أنت وكرمك ومَنِّك. ببركتك أنت يا أم هاشم. ودخل إسماعيل المقام مطأطئ الرأس فأبصره يرقص عليه ضوء خمسين شمعة زينت جوانبه، والشيخ درديري يتناولها واحدة واحدة من فتاة طويلة القامة سمراء اللون، جعدة الشعر. ....... لقد صبرت وآمنت، فتاب الله عليها، وجاءت توفي بنذرها بعد سبع سنوات. لم تقنط، ولم تثر، ولم تفقد الأمل في كرم الله. ........ ورفع إسماعيل بصره، فإذا القنديل في مكانه يضيء كالعين المطمئنة التي رأت، وأدركت، واستقرت. خيل إليه أن القنديل. وهو يضيء، يومئ إليه ويبتسم. |
الكاتب: | المهاجرة [ الجمعة يوليو 02, 2021 11:45 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: "السيدة زينب" في قلوب المصريين |
يامدد يامدد يامدد ياستنا زينب مدد |
الكاتب: | خلف الظلال [ الاثنين يوليو 05, 2021 8:47 am ] |
عنوان المشاركة: | Re: "السيدة زينب" في قلوب المصريين |
المهاجرة كتب: يامدد يامدد يامدد ياستنا زينب مدد ![]() ![]() ![]() |
الكاتب: | عاشق أهل البيت [ الثلاثاء يوليو 06, 2021 11:26 am ] |
عنوان المشاركة: | Re: "السيدة زينب" في قلوب المصريين |
خلف الظلال كتب: المهاجرة كتب: يامدد يامدد يامدد ياستنا زينب مدد ![]() ![]() ![]() |
صفحة 1 من 1 | جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين |
Powered by phpBB © 2000, 2002, 2005, 2007 phpBB Group http://www.phpbb.com/ |