وبعد: فإن الأمم التي يسمونها راقية لم تأتنا في باب العدل والمساواة والحرية التي يمتدحون بها إلا بدعاوى مجردة، وقضايا كاذبة، وليس العهد ببعيد من تلك الطنطنة التي كانت لشروط الدكتور (ولسن) وما سارت عليه بعد ذلك جمعية الأمم التي تمثل خمسا وسبعين دولة- وقتها- وما يعانيه العالم من جراء عدالتها وإنصافها، فانظر ذلك وقارن بينه وبين ما يقول القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]
وقوله تعالى: { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ } [المائدة: 2]
وقوله:
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58]
وقوله: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]
وانظر إلى قصة عمرو بن العاص وولده عندما ضرب رجلا بمصر من السوقة فشكاه لعمر بن الخطاب، وقال:إنه ضربني، ثم قال: اذهب وأنا ابن الأكرمين، فأعطاه عمر الدرة وقال: اضرب بها ابن الأكرمين، فقارن بين هذا وتسمعه.
وقد قال جوستاف لوبون: " لم يعرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب" كما قدمنا. ويعجبني قول غاندي: إن أوروبا اليوم لا تمثل روح الله، ولا روح المسيحية ، ولكنها تمثل روح الشيطان، وإنما يفلح الشيطان أكثر ما يفلح حينما تلوك شفتاه اسم الله، وإن أوروبا اليوم المسيحية بالاسم، وفي الحقيقة لا إله عندها إلا إله المال".
هذا، وقد تعرف أن للفقراء نصيبا من الزكاة يأخذونه من الأغنياء قهرا بسيف الشريعة الإسلامية، يقابل هذا أن للأغنياء نصيبا من الربا في مال الفقراء يأخذونه قهرا بسيف القوانين الأروبية، فقارن بين الأمرين ووازن بين الطريقتين!
ولعمري إن خروج هذا النبي الكريم الذي أتى بتلك السعادات كلها من تلك البيئة وهي على أسوأ الخلال معجزة كبرى وآية عظمى لدى العظماء والحكماء.