موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 10 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته الظاهر
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 29, 2020 8:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس إبريل 09, 2015 7:45 pm
مشاركات: 2368
عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته الظاهرة
لفضيلة الشيخ/ يوسف الدجوي

تعرف عظمة الرجل بتحليل نفسيته الكبيرة وأخلاقه الرفيعة، ثم بآثاره الخالدة، ولا نجد نفسية أعظم من نفسيته عليه السلام ولا آثارًا كآثاره وكل من تتبع شريف أحواله وما اشتملت عليه سيرة حياته وطالع جوامع كلمه وحسن شمائله وبدائع سياسته ولطف دعوته ورفيع حكمته وعلمه بمجامع السعادات وسوقه إليها بالوسائل المختلفة والطرق العجبية التي تفوق كل ما جاء في حكمة الحكماء وسير العلماء، وما تم له من سياسة الخلق وتقرير الشرائع وتأصيل الآداب الكريمة والشيم الحميدة إلى فنون العلوم المختلفة دون تعليم ولا مدارسة ولا مطالعة كتب من تقدم ولا الجلوس إلى العلماء والحكماء، بل هو نبي أمي لم يعرف شيئا من ذلك حتى شرح الله صدره، وأبان أمره وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيمًا، وقد أشير إلى ذلك بقوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } [العنكبوت: 48، 49]

{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52]

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [الجمعة: 2]
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 4]
نقول: كل من درس سيرة هذا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم دراسة مدققة وعرف تاريخ حياته الشريفة معرفة تامة، لم يخالجه أقل ريب في أنه واسطة عقد الكمال، وأنه سيد الأولين والآخرين وأفضل الخلق أجمعين، على أن من يريد بيان كماله واستقصاء أحواله فإنما يحاول عدّ ما في البحر من درر أو استقصاء ما في السماء من نجوم :

فإن فضل رسول الله ليس له
حد فيعرب عنه ناطق بفم


ولنقرب لك ذلك بعض التقريب ولنفصله شيئا من التفصيل
فنقول:
إن فيما أتى به من الأوامر الحكيمة التي تكفل مصالح الدنيا والآخرة، وفي إرشاده إلى ما يكفل سعادة الأبد وراحة المجتمع وصفاء العيش، وفيما بينه من الحقائق وهدى الخلائق، وفيما أتى به مما يعرفه العقل جملة ويعجز عنه تفصيلا- ما يعلم به المنصف البصير أنه من العلم والمعرفة والخبرة في الغاية التي باين بها الخلق. فكل ما يعلم الناس أنه حق وأنه خير فهو أعلم منهم به، وهو بعد ذلك أنصح الخلق للخلق، وأبر الناس بالناس وأصدقهم فيما يقول وأقومهم فيما يفعل.
وبعبارة أخرى نقول: إنه جمع ما لم يجتمع لأحد ولم يعهد مثله في السنن الطبيعية لإنسان، فإن من نظر إلى تدبيره الحروب مثلا وعرف أنه أتى فيها بأحسن الخطط قال إنه رجل حرب وجه كل همه وفكره لمجالدة الأعداء ورسم خطط الحروب، ومن كان كذلك لا يكاد يحسن غير ذلك .
فإذا نظرت إلى زهده وعبادته حتى تورمت قدماه وكان يسمع لصدره أزيز كأزيزالمرجل من البكاء في الصلاة، وكان يطيل السجود حتى تظن عائشة أنه قد مات، تقول إنه رجل ترك الدنيا وما فيها فهو جاهل بها لا يحسن تدبيرها ولا العمل لها بوجه من الوجوه، فضلا عن إعداد الوسائل لقوم جهال متفرقين متوحشين؛ لأن يكونوا خيرا أمة أخرجت للناس، تغلب ولا تغلب وتقهر ولا تقهر ما دامت متمسكة يما جاء به.

مقال نشر في مجلة الأزهر سنة1356هـ المجلد رقم 8،ص160

يتبع بمشيئة الله تعالى

_________________
اللهم صل على سيدنا محمد
باب الاستجابة
نبي التوبة و الإنابة
صاحب طيبة المستطابة
والرفعة المهابة
وعلى آله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 30, 2020 4:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس إبريل 09, 2015 7:45 pm
مشاركات: 2368
(وإذا نظرت إلى وعظه الذي يأخذ بمجامع القلوب قلت إنه لا يحسن غير ذلك.
وإذا نظرت إلى حسن ترتيبه وتعليمه الذي جعل السيدة عائشة تكون من أعلم العلماء بحيث تجرؤ على أن تخطئ عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وهم من أكبر الصحابة وأعلمهم، وقد مات عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة، وقد صار بفضل هذه التربية الحكيمة وتلك الأساليب العجيبة أبو هريرة أكبر من روينا عنه الشريعة في أربع سنين.
إذا نظرت إلى ذلك كله قلت إنه من أكبر أساتذة علم النفس، حيث جاء بتلك النتائج الباهرة التي لم تعرف لأحد من علماء التربية وأساتذة علم الاجتماع حتى الآن؛ بل نقول: كان يجيئه الأعرابي فلا يمكث معه إلا قليلا من الزمن حتى يرجع عالما في نفسه معلما لقومه.
وإذا صادفك التأييد ونظرت إلى ما كان من تأثيره في الأمة العربية رأيت العجب العجاب، فقد تبدلت طبائع العرب على اختلاف قبائلهم ونزعاتهم بهدايته صلى الله عليه وسلم من الظلم إلى العدل ومن الجهل إلى العلم ومن الفسق الفاحش إلى العدل العظيم الذي لم يبلغه أعظم الفلاسفة، وقد أسقطوا كلهم أولهم وآخرهم بفضل تعاليمه صلى الله عليه وسلم طلب الثأر وصحب الرجل منهم قاتل ابنه وأبيه، وأعدى الناس له صحبة الإخوة المتحابين دون خوف يجمعهم ولا رياسة ينفردون بها دون من أسلم من غيرهم ولا مال يتعجلونه.
وقد علم الناس كيف كانت سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وليس يغيب عنك أن جمهور أتباعه غرباء من غيرهم قومه، لم يمنهم بدنيا ولا وعدهم بملك بل بايعهم على ألا ينازعوا الأمر أهله، وأن يوطنوا أنفسهم على الأثرة عليهم، ولم يفعل ذلك لأقاربه أنفسهم ولا ترك لهم ميراثا يورث عنه، وهذا لا ينكره أحد من الناس.
وخلاصة القول: أنه صلى الله عليه وسلم لم يشغله ظاهر عن باطن، ولا إصلاح الدنيا عن إصلاح الآخرة، ولا ما يهم النفوس والأبدان عما يمتع الأرواح والأسرار، ولا موجبات الغضب عن استعمال الحكمة، ولا غرو فهو ينظر في الأشياء بنظر الله فسيان حربه وسلمه.
ثم انظر بعد ذلك إلى ما جاء به من مجامع السعادة للفرد والمجتمع، فتراه أوصاك بخاصتك من أهل بيتك وأقاربك، ثم أوصاك بجيرانك والأباعد عنك ثم على المسلمين وأهل الذمة، ثم أوصى الرئيس أن يرحم المرءوس والمرءوس أن يطيع الرئيس.)

مقال نشر في مجلة الأزهر سنة1356هـ المجلد رقم 8،ص160

يتبع بمشيئة الله تعالى

_________________
اللهم صل على سيدنا محمد
باب الاستجابة
نبي التوبة و الإنابة
صاحب طيبة المستطابة
والرفعة المهابة
وعلى آله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 02, 2020 5:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس إبريل 09, 2015 7:45 pm
مشاركات: 2368
ومما ينبغي أن نعرفه من حكمته صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعمل الشدة في موضعها والرحمة في موضعها، ولكنه متخلق بأخلاق الله القائل: "سبقت رحمتي غضبي" إلى غير ذلك مما ينبغي أن يوضع فيه كتاب مخصوص، وهذه أنظار واسعة لا يتأتى في العادة أن يحيط بها إنسان، وحكمة عالية تضع الأشياء في مواضعها بموازين القسط الدقيقة، وأكثر الحكماء إن أصابوا التشريع لم يمكنهم استعمال الحكمة ولا القدرة عليها عند التنفيذ والتطبيق، فقلما يطابق العلم العمل، وقلما يطابق العمل الصواب، وقلما يستطيع الإنسان الضغط على نفسه في ظروف كثيرة، وقلما ينجو العقل من تلبيس الهوى وجهل النفس وسلطان الشهوة التي تزين القبيح حتى تغطي العقل بغطاء كثيف لا يكاد ينفذ منه بصره إلى الحقيقة:

حبك الشيء يعمى ويصم



وإذا لا يستمد العقل إلا من العاطفة، وتكون هي المسيطرة عليه المملية له فلا ينظر إلا بعينها، ولا يسمع إلا بأذنها، ولديك أرباب العواطف من الأحزاب المختلفة في الدين والدنيا.
وبالجملة فسيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبرها تقضي بتصديقه ضرورة، وتشهد له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقًا فلو لم تكن له معجزة غير سيرته عليه السلام لكفى.
فإنه صلى الله عليه وسلم نشأ في بلاد الجهل لا يقرأ ولا يكتب، ولا خرج عن تلك البلاد إلا خرجتين:إحداهما إلى الشام وهو صبي مع عمه إلى أول أرض الشام ثم رجع، والأخرى أيضًا إلى أول أرض الشام ولم يطل بها البقاء بل رجع بشهادة حبر من أحبار أهل الكتاب بنبوته عليه السلام، وهو بحيرا الراهب، وحبر آخر وهو نسطورا الراهب كما هو معروف.
وناهيك ما وصلت إليه أمته بفضل تلك التربية حتى إنها في أقل من عشر سنين بعد وفاته فتحت أعظم ممالك الأرض إذ ذاك:(مملكة الفرس،ومملكة الرومان) وفي أقل من قرن وصلت من آسيا إلى الهند والصين ومن إفريقيا إلى أرض مراكش، ثم تخطتها إلى أوروبا، فأسست بها تلك المملكة الفيحاء- مملكة الأندلس- ووصلت إلى بردو من أرض فرنسا إلى غير ذلك مما دهش له التاريخ وعجب له فلاسفة أوروبا، وكل ذلك بفضل التربية النبوية الحكيمة.
وقد قال جوستاف لوبون الفرنسي في حقهم وهو من أعظم فلاسفة أوروبا:"إن ملكة الفنون لا تستحكم في أمة من الأمم إلا في ثلاثة أجيال: جيل التقليد، وجيل الخضرمة، وجيل الاستقبال، وقد شذ العرب فوصلوا إلى الاستقلال في جيل واحد" وقال أيضًا:" ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب".
وقد أذكرني ذلك قول صاحب الهمزية في أصحابه صلى الله عليه وسلم:

أغنياء نزاهة فقراء
علماء أئمة أمراء



مقال نشر في مجلة الأزهر سنة1356هـ المجلد رقم 8،ص160

يتبع بمشيئة الله تعالى

_________________
اللهم صل على سيدنا محمد
باب الاستجابة
نبي التوبة و الإنابة
صاحب طيبة المستطابة
والرفعة المهابة
وعلى آله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 06, 2020 7:43 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس إبريل 09, 2015 7:45 pm
مشاركات: 2368
ثم نقول بعد ذلك:
إن قوانين العالم المتمدين إلى الآن لم تصل إلى تلك الغايات السامية، ولا أتت بتلك السعادة المنشودة، ولا أورثتنا هناء ولا صفاء بل يمكننا أن نقول:
إن تلك القوانين وهاتيك المدنيات الفاسقة ما زادت العالم إلا شقاء وبلاء، على أن سبب نهضتهم من كبوتهم واستيقاظهم من نومهم وإنقاذهم من جهالتهم إنما هو علم المسلمين والاحتكاك بهم، فإن مدينتهم لا تعنى إلا بالماديات فمحورها الذي تدور عليه هو المادة، فمنها يبدءون وإليها ينتهون، أما إصلاح النفوس وسعادة الإنسانية وراحة القلوب وهدوء الأفكار والتنعم بتلك الإحساسات الشريفة والملكات الفاضلة فهم بمعزل عنها؛ بل سرت عدواهم إلينا فأقفرت نفوسنا من فضائل ديننا وآداب أسلافنا، ولم تصل أيدينا إلى مثل دنياهم وقوتهم واتحادهم ونشاطهم فأصبحنا مستبعدين وقد كنا السادة، وجاهلين وقد كنا العلماء، وأذلة وقد كنا الأعزاء، وقد شط بنا القلم ولكنها نفثة مصدور، فلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول: إن تشريعه صلى الله عليه وسلم لم يصل إليه تشريع إلى الآن، وقد مضى عليه أربعة عشر قرناً تقريباً، ذلك التشريع الذي تكفل بإصلاح النفوس والأبدان وضمن سعادة الدنيا والآخرة وحرم على أبنائه أن يكونوا أذلاء،فقال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8]
وقال في وصفهم أيضاً: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54]
وقال لهم بعد ما سلحهم بتلك الأسلحة وحلاهم بها تيك المكارم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران: 110]
وقد قال في آية أخرى في وصفهم: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29]
وما أبهر هذه الآية في نفسي، فإنها تشير على ما بها من إيجاز إلى ما يجب أن تكون عليه الأمة مع أعدائها، وقد أشير إلى ذلك بقوله:( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)
وإلى ما يجب أن يكون قانونها الداخلي بين أبنائها، وقد أشير إلى ذلك بقوله: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)
وإلى ما يجب أن يكون بينهم وبين الله، وقد أشير إلى ذلك بقوله: (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) (الفتح:29)
فماذا بقى بعد هذا؟ أصلح ظواهرهم وبواطنهم ثم أرشدهم إلى ما يجب أن يعملوا مع أعدائهم، وما يجب أن يكونوا عليه فيما بينهم وما يجب أن يتحلوا به أمام خالقهم، وكم للقرآن من إيجاز وإعجاز!
وقد أذكرني ذلك قول سديو الفرنسي:" لو وجد المصحف في فلاة لقلنا إنه كلام الله" وكم للمنصفين منهم من شهادات لدين الإسلام ونبي الإسلام!
ويلتحق بذلك معجزات طبية وعلمية لا يمكننا أن نشير إليها إلا إشارة وجيزة، فإن الذي حرمه كلحم الخنزير مثلاً: تبين أن فيه ضررا كبيرا، فقد عرفوا الآن أن فيه ديدانا كثيرة، وأنه يولِّد الدودة الوحيدة. ووراء ذلك شيء كثير: كالخمر الذي حرمته أمريكا لما عرفت أضراره الكثيرة، والخمر تكنى عندنا بأم الخبائث. ومن تلك الآيات العلية قول القرآن: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } [الحجر: 22] وما عرف تلقيح الرياح للأشجار، إلا من عهد قريب،
وقوله { وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61]
ولم يكن في ذلك العهد شيء أصغر من الذرة، وإن كانت الميكروبات التي عرفنها أخيرا هي أصغر من الذرة، وكقوله: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49]
ولم يعرف أن في النباتات ذكرًا وأنثى إلا منذ عهد قريب: { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس: 36]

مقال نشر في مجلة الأزهر سنة1356هـ المجلد رقم 8،ص160

يتبع بمشيئة الله تعالى


_________________
اللهم صل على سيدنا محمد
باب الاستجابة
نبي التوبة و الإنابة
صاحب طيبة المستطابة
والرفعة المهابة
وعلى آله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 10, 2020 7:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس إبريل 09, 2015 7:45 pm
مشاركات: 2368
وبعد: ففي القرآن من التعبير عن الحقائق ما تقضي منه العجب، حيث يعبر بالعبارات التي تساير كل عصر، وتتفق وكل اكتشاف حتى إذا تبين خطأ في تفسيرها بمقتضى اكتشاف جديد نسب لمفسري الآيات لا لها، ووجدت هي أكثر انطباقا على ما قضى به العلم الممحص والاكتشاف الجديد مما يدهش اللب، وينطق بأنه ما أنزله إلا الذي يعلم السر في السماوات والأرض.
أفلا يحق له أن يقول بعد ذلك: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]
وإني أستحلفك بعلمك وإنصافك أن تنظر في هذه الآية نظر الباحث المدقق حتى تعلم أن مثل ذلك التحدي لا يجوز أن يكون إلا من الله تعالى بكافة الأشياء، وما عليه عباده من القوى والقدر ولا يتصور أن يقول ذلك مخلوق، ولا يتحدى جميع الخلق بمثل هذا عاقل، فإن العاقل لا يعرض نفسه للهزء والسخرية بتحدي الجن والإنس ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
ومن هذا القبيل في الدلالة على صحة دعوته وصدق رسالته قوله: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157]
وقوله في حق أهل الكتاب: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: 146]
وليس يعقل أن يعتقد مثل عبد الله بن سلام وهو من أكبر علماء التوراة كذب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ثم يؤمن به، أو يعتقد نصارى نجران كذبه ثم لا يجيبوه إلى المباهلة، بل ليس من المعقول أن يقيم صلى الله عليه وسلم برهانا على كذبه فيخاطبهم والتوراة بين أيديهم بمثل ذلك الخطاب، ثم يوبخهم ويقرعهم ويشافههم بأنهم يجدونه فيها، وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ولا من المتصور أن يجتريء على ذلك وهو يعلم كذب نفسه إلى غير ذلك مما ينفرهم غاية التنفير، ويضعفه لديهم ويهون شأنه عليهم، والكاذب ضعيف حتى عند نفسه، ولو فعل ذلك من غير أن يكون له حقيقة لكان أول السفهاء وأكبر الجهلاء ولطعمت فيه أعداؤه، وما أسرع ما كان ينتقض بناؤه إلى آخر ما لا يمكننا الإفاضة فيه، ولا الوصول إلى خوافيه.
آية أخرى{وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48]:
ومن عجيب أمره وبديع حكمته صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ القلوب إلى الله تعالى، ويملأ النفوس رغبة في ثوابه ورهبة من عقابه، ومع ذلك يرغب في العمل للمجتمع، ولم يحرم زينة الدنيا التي أخرج الله لعباده والطيبات من الرزق؛ بل فضل الأمور العامة التي ينتفع بها الناس على العبادات الخاصة كما قال في حق الذين خدموا إخوانهم في السفر في يوم شديد الحر: إنهم فازوا بالأجر كله، ولم يجعل ذلك للصائمين المتعبدين في ذلك اليوم، وقد ورد موقوفا أو مرفوعا:"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" وقال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ } [الملك: 15]

{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } [الجمعة: 10]

مقال نشر في مجلة الأزهر سنة1356هـ المجلد رقم 8،ص160

يتبع بمشيئة الله تعالى

_________________
اللهم صل على سيدنا محمد
باب الاستجابة
نبي التوبة و الإنابة
صاحب طيبة المستطابة
والرفعة المهابة
وعلى آله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 16, 2020 8:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس إبريل 09, 2015 7:45 pm
مشاركات: 2368
ولكنه مع هذا حول كل شيء من أمور الدنيا للآخرة بالنية الصالحة والإخلاص لله، فصار كل شيء عند المسلمين طاعة بفضل هذا التعليم العالي، وأصبح من المقرر أن العمل المتعدي أفضل من العمل القاصر، فجمع لنا صلى الله عليه وسلم بذلك بين مصلحة الدنيا ومصلحة الآخرة على أتم الوجوه، وفي الوقت نفسه حفظنا من سفاسف الأخلاق ودنايا الخصال بفضل تلك المراقبة وذلك الإخلاص، فصار كل إنسان يحب لأخيه ما يجب لنفسه، ويعتبر منفعة أخيه منفعة له، إن لم يكن ذلك في الدنيا كان في الآخرة.
وقد أذكرني هذا قول بعض العلماء: لم يبق بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخلاق فاسدة أصلاً؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أبان لنا عن مصارفها كلها من حرص وحسد وشر وبخل وخوف، وكل صفة مذمومة فمن أجراها على تلك المصارف عادت كلها مكارم أخلاق وزال عنها اسم الذم، فإذا صرفت ما فيك من الحرص والطمع إلى اكتساب الدرجات وفعل الطاعات، وما فيك من الحسد والمنافسة إلى النبوغ في العلم والحكمة وإحراز الزلفى عند الله- تعالى-، وما فيك من الغضب ومحبة الانتقام إلى أعداء الله وبذل الوسع في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وما فيك من شهوة السرف إلى صلة الأرحام وإغاثة الملهوف ومواساة الجيران والإخوان... إلخ كنت شخص الفضل ومثال الكمال، وعادت هذه الرذائل فضائل وتلك المنكرات وسيلة لأعظم الطاعات وعظيم الدرجات.
وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم لمن ركع دون الصف:"زادك الله حرصا ولا تعد" فعرفك بذلك فضيلة الحرص وأبان مصرفه الذي ينبغي أن يكون فيه.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار"؛ فانظر كيف وجه من فيه غريزة الحسد إلى أي ناحية وصرفه عن بقية النواحي، وغريزة الغبطة التي يذكرها العلماء في شرح هذا الحديث هي بعينها غريزة الحسد، وإنما غايرتها بصرفها لغير مصرفها وتوجيهها إلى غير وجهتها. هذا وقد حثنا صلى الله عليه وسلم على التزام نقطة الوسط التي هي نقطة الكمال، وحذرنا من الانحراف عنها إلى الإفراط أو التفريط.
فتراه يقول:
{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]
ويقول:
{ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29]
ويقول:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]

ويقول صلى الله عليه وسلم:"إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق"،

ويقول صلى الله عليه وسلم:"فإن المنبت لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى" ولهذا شرح طويل لا تسعه هذه العجالة.

مقال نشر في مجلة الأزهر سنة1356هـ المجلد رقم 8،ص160

يتبع بمشيئة الله تعالى

_________________
اللهم صل على سيدنا محمد
باب الاستجابة
نبي التوبة و الإنابة
صاحب طيبة المستطابة
والرفعة المهابة
وعلى آله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 20, 2020 7:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس إبريل 09, 2015 7:45 pm
مشاركات: 2368

وبعد: فإن الأمم التي يسمونها راقية لم تأتنا في باب العدل والمساواة والحرية التي يمتدحون بها إلا بدعاوى مجردة، وقضايا كاذبة، وليس العهد ببعيد من تلك الطنطنة التي كانت لشروط الدكتور (ولسن) وما سارت عليه بعد ذلك جمعية الأمم التي تمثل خمسا وسبعين دولة- وقتها- وما يعانيه العالم من جراء عدالتها وإنصافها، فانظر ذلك وقارن بينه وبين ما يقول القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]
وقوله تعالى: { وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ } [المائدة: 2]
وقوله:
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58]
وقوله: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]
وانظر إلى قصة عمرو بن العاص وولده عندما ضرب رجلا بمصر من السوقة فشكاه لعمر بن الخطاب، وقال:إنه ضربني، ثم قال: اذهب وأنا ابن الأكرمين، فأعطاه عمر الدرة وقال: اضرب بها ابن الأكرمين، فقارن بين هذا وتسمعه.
وقد قال جوستاف لوبون: " لم يعرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب" كما قدمنا. ويعجبني قول غاندي: إن أوروبا اليوم لا تمثل روح الله، ولا روح المسيحية ، ولكنها تمثل روح الشيطان، وإنما يفلح الشيطان أكثر ما يفلح حينما تلوك شفتاه اسم الله، وإن أوروبا اليوم المسيحية بالاسم، وفي الحقيقة لا إله عندها إلا إله المال".
هذا، وقد تعرف أن للفقراء نصيبا من الزكاة يأخذونه من الأغنياء قهرا بسيف الشريعة الإسلامية، يقابل هذا أن للأغنياء نصيبا من الربا في مال الفقراء يأخذونه قهرا بسيف القوانين الأروبية، فقارن بين الأمرين ووازن بين الطريقتين!
ولعمري إن خروج هذا النبي الكريم الذي أتى بتلك السعادات كلها من تلك البيئة وهي على أسوأ الخلال معجزة كبرى وآية عظمى لدى العظماء والحكماء.


_________________
اللهم صل على سيدنا محمد
باب الاستجابة
نبي التوبة و الإنابة
صاحب طيبة المستطابة
والرفعة المهابة
وعلى آله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 23, 2020 5:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس إبريل 09, 2015 7:45 pm
مشاركات: 2368

ومن عجيب أمره وشريف خلاله التي خرقت السنن المعروفة أنك ترى النفوس تتكبر وتتعاظم بأقل الأشياء، وتراه صلى الله عليه وسلم مع ذلك كله يتواضع شكرا لله ومعرفة بعظمة الله واعترافا بفضله عليه، وقد كان يطأطئ رأسه يوم فتح مكة تواضعا لله، حتى إن رأسه ليكاد يمس رحله، وكانت العجوز من نساء المدينة تكلمه في الطريق فيقف لها حتى تقضي ما أردت منه، وربما انطلقت به إلى حيث تريد وكان ذلك من دلائل نبوته عند عدي بن حاتم، فإن ذلك من شأن الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، بخلاف الملوك وأهل الدنيا.
آية أخرى هي أعجب من كل ما سمعت:
ومن عجيب أمره الذي يدهش الباحثين، أنه يشير إلى الأسرار الغامضة والعلوم العالية بما لا ينفر منه العامة؛ بل ينتفعون بظواهره وجها من الانتفاع، ويعرفه الخاصة وربما كان خفيا لا يكشف إلا بعد زمن طويل، كهذه المسائل التي كشفها العلم حديثا مما أشرنا إلى بعضه، فوجدناها لا تنافي القرآن ولا تجافي ما جاء فيه؛ بل وجدناه أشار لها إشارة خفية أو ظاهرة، ولا نجده في مسألة من تلك المسائل صرح فيها بنص يقوم الدليل على خلافه مع أن كل عالم وفليسوف إذا أراد أن يبين ما في نفسه لم يمكنه أن يسلك هذه الطريقة التي تنفع العامة والخاصة جميعا، ولا يتسنى له أن يظفر بهذه العبارات التي لا تمجها أذواق العامة ولا تصادمها العلوم الفلسفية ولا المكتشفات المستقبلية، ومن ذا الذي يكون فرحا بتائج فكره وولائد عقله ثم لا يفصح عنه إفصاح المبتهجين به المتبجحين بالوصول إليه، فيكون محصورا في حدود ضيقة لا يتخاطها بوجه من الوجوه، اللهم إن هذا هو المعهود في البشر المعروف في نوع الإنسان.
أما ذلك الذي ينطبق على ما يقرره العلم بعد مئات السنين، وهو في الوقت نفسه مشتمل على ما ينفع العامة ويفيدهم تطهيرا وتنويرا فلا يعقل إلا من العليم الحكيم، ولعمري إنها لآية كبرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ومن عجيب أمره أنه نص على أن في القرآن محكما ومتشابها، وأم المتشابهه لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، وقد أمرنا أن نتمسك بالمحكم ولا نتعرض للمتشابهه فأدى بذلك حق العلم من جهة، وحفظنا أن نقع في الزيغ من جهة أخرى، وماذا علينا أن نتوسع في المتشابهه أكثر مما قالوا، وبالضرورة لم ينزل ذلك المتشابه في القرآن عبثا وحشاه من العبث:
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 41، 42]
فمن أكبر آيات القرآن أن كان فيه المحكمات والمتشابهات؛ لآنه لو جاء على غير هذا الوجه لم يناسب من الأزمان إلا زمنا واحدا، وقد جاء للأزمان كلها وللناس كلهم، وقد فتح بذلك فوق هذا كله باب التفكير والتأويل والأخذ والرد ، فارتقوا من العلم إلى أسمى درجة ومن المنطق والحجة إلى أرقى مكان؛ فكأنه لما أراد أن يعدهم إلى هذه الغاية السامية وتللك الذروة الرفيعة كان الأمر على ما ذكرنا، وكم له من أية في الحث على الفكر والنظر مما لا نطيل بذكره.
الخلاصة:
والخلاصة أن شريعته صلى الله عليه وسلم تشتمل على دعوة الخواص والعوام؛ لأن المراد منها هداية كل منهما وانتفاعه بها على قد أستعداده: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]
وهي بعد ذلك بحر لا ساحل له، ولو جمعنا ما كتبه العلماء في فقه الشريعة المحمدية، وما قاله صلى الله عليه وسلم في الآداب ومكارم الأخلاق وما كتبوه في في أصول الفقه وأصول الدين وما رووه عنه من أحاديث وما كتبوه في سيرته صلى الله عليه وسلم وما دونوه في علم الحديث دراية ورواية، وما صنفوه فيما يتعلق بالقرآن الكريم من تفسير وتأويل، وما يلتحق بذلك كله لملأ الوهاد والنجاد، ولناءت به السفن فضلا عن الإبل، وأظنك تعرف ذلك ولا تنكره، ولا بأس أن نسوق لك هنا شهادة الفليسوف برناردوشو الإنجليزي في حقه صلى الله عليه وسلم:
شهادة برناردشو الإنجليزي:
قال:"كنت في كل الأحيان وما زلت أتناول دين محمد فأقدره تقديرا عظيما، وذلك لروحيته العجبية وحيويته العظيمة، إنه الدين الوحيد الذي يملك القدرة على هداية الغير وملاءمة الأزمنة فهو حري؛ لأن يكون دين الجميع في كل دور وطور، ويجب على العالم دون شك أن يقدر ويعلق أهمية عظمى على ذلك.
لقد تنبأت عن دين محمد أنه سيكون مقبولا وملائما لأوروبا في الوقت الحاضر.
إن قساوسة القرون الوسطى إما لجهلهم المطبق وإما لتعصبهم الأعمى قد رسموا الدين الإسلامي بألوان سوداء مظلمة، وكانوا في الحقيقة قد تطبعوا على كره محمد ومقت دينه الحنيف؛ لأن محمدا كان يظهر لهم أنه ضد المسيحية، أما أنا فقد درست الدين الإسلامي وشخصية محمد وتلك الشخصية العظيمة اللامعة، فوجدت محمدا بعيدا عما يلحقونه به من التُّهم، ويجب أن يسمى في الحقيقة مخلص الإنسانية ومنقذها.
إني أعتقد أن رجلا مثله لو أخذ على نفسه قيادة شعوب العالم الحاضرة، وكان حاكما مطلقا لتمكن أن يقود العالم أحسن القيادة ، ولتمكن من تسيير العالم نحو طريق السعادة، وتمشيته نحو شاطئ العدل والسلام.
إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة محمد، وإنها بادئة في عشق دينه وفلسفته، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية عما اتهمت به من أراجيف رجال أوروبا في القرون الوسطى، سيكون دين محمد دين النظام الذي يؤسس عليه العالم دعائم السلام والسعادة، والعقد،إن كثيرا من مواطني ومن الأوروبيين الآخرين يقدسون تعاليم محمد، ولذلك يمكنني أن أؤكد نبوءتي، فأقول: إن بوادر العصر الإسلامي الأوروبي قريبة لا محالة".


مقال نشر في مجلة الأزهر سنة1356هـ المجلد رقم 8،ص160

يتبع بمشيئة الله تعالى


_________________
اللهم صل على سيدنا محمد
باب الاستجابة
نبي التوبة و الإنابة
صاحب طيبة المستطابة
والرفعة المهابة
وعلى آله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 24, 2020 5:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس إبريل 09, 2015 7:45 pm
مشاركات: 2368

الكلمةالختامية:
وآخر القول أن من شاهد أحواله صلى الله عليه وسلم وأصغى إلى سماع أخباره المشتملة على أخلاقه وأفعاله وأحواله وعاداته وسجاياه وسياسته لأصناف الخلق وهدايته إلى ضبطهم وتألفه أصناف بني الإنسان، وقوده إياهم إلى طاعته مع ما يحكي من عجائب أجوبته في مضايق الأسئلة وبدائع تدابيره في مصالح الخلق ومحاسن إشارته في تفضيل ظاهر الشرع الذي يعجز العلماء عن إدراك دقائقها في طول أعمارهم، لم يبق له ريب ولا شك في أن ذلك لم يكن مكتسبا بحلية تقوم بها القوة البشرية، بل لا يتصور ذلك إلا باستمداد من تأييد سماوي وقوة إلهية، وأن ذلك كله لا يتصور لكذاب ولا ملبس، بل كانت شمائله وأحواله شواهد قاطعة بصدقه، حتى إن العربي القح كان يراه فيقول: والله ما هذا بوجه كذاب! فكان يشهد له بالصدق بمجرد مشاهدته، فكيف من عرف أخلاقه ومارس أحواله في جميع مصادره وموارده، ولا سيما وقد علم أنه أمي لم يمارس العلم ولم يطالع الكتب، ولم يسافر قط في طلب العلم، فمن أين حصل له محاسن الأخلاق والآداب ومعرفة الله تعالى وملائكته وكتبه وغير ذلك؛ من خواص النبوة لولا صريح الوحي؟ ومن أين لقوة البشر الاستقلال بذلك؟ فلو لم يكن له إلا هذه الأمور الظاهرة لكان فيه كفاية، فما أعظم غباوة من ينظر في أحواله ثم في أقواله ثم في أخلاقه ثم في معجزاته ثم في استمرارشرعه إلى الآن ثم في انتشاره في أقطار العالم ثم يتمارى بعد ذلك في صدقه وعلو منصبه الذي لم يصل إليه فليسوف ولا نبي من أول تاريخ العالم إلى الآن، وأمامك تواريخ العظماء والحكماء فاستعرضها واحدًا واحدًا، وما أعظم توفيق من آمن به وصدقه واتبعه في كل ما ورد وصدر!
ولنجعل آخر كلمتنا هذا الحديث الذي روي عن عائشة رضي الله عنها:
قال سعد بن هشام: دخلت على عائشة- رضي الله عنها_ فسألتها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت:"أما تقرأ القرآن؟ قلت بلى، قالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن".

فانظر إلى مثل قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 1 - 4]
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف: 199]

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]
(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) (النحل:127)

(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43)

(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22)

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34)

(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134)

(لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) (الحجرات:11)

(اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) الحجرات:12)

ولنقهر القلم على ترك الجولان في هذا الميدان عملا بمقتضى الحال، ونظرا إلى ضيق المجال، ولندع القرآن يثني عليه في مثل قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4)

(وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (النساء:113)

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)

(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164)

إذا الله أثنى بالذي هو أهله **** عليه فما مقدار ما تمدح الورى
أسأل الله أن يجعلنا من عارفي قدره، المتمسكين بسنته، المستشرفين بعظيم محبته بمنه وكرمه!

تم بحمد الله تعالى


_________________
اللهم صل على سيدنا محمد
باب الاستجابة
نبي التوبة و الإنابة
صاحب طيبة المستطابة
والرفعة المهابة
وعلى آله وسلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: عظمته صلى الله عليه وسلم وشيء من سيرته الباهرة وآياته ال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 16, 2022 8:24 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7603
جزاكم الله خيرا
ـــــــــــــــــــــــــــ
(( اللهم صل وسلم وبارك بلا عد ولا حد
على سيدنا محمد
باب الاستجابة ,
نبي التوبة و الإنابة ,
صاحب طيبة المستطابة ,
والرفعة المهابة ,
وعلى آله ذوي النجابة . ))

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 10 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 15 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط