موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 9 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يناير 17, 2020 8:58 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"بسم الله الرحمن الرحيم وعليه نتوكل

الحمد لله الذي جعل منهاج الفتوة واضح الملاحب، يؤول ويرشد إلى كل حسنٍ واجب، ونزهها عن الفواحش والمعايب، وأرقاها إلى أعلى المراتب، وارتضى لها من أنبيائه المرسلين، وأصفيائه المقربين، كل من كتب اسمه على صفاء لوح الصدق، وبان له طريق الحق، فقام بواجبه، ودام جالساً على مراتبه.

فأول من أجاب إلى دعوة الفتوة، وحبا مكرمات المروة، آدم بديع الفطرة، رفيع الأسرة، المشتق من أديم الأرض اسمه، الثابت في محل الإرادة رسمه، الساكن في دار الحشمة، المؤيد بالأنوار والعصمة، المتوج بتاج الكرامة، الحال بدار السلامة.

وقبل بها هابيل لما طرد عنه قابيل، ودام بحقها شيث، ونزهها عن كل أمر خبيث. ورفع بها إلى المكان العلي إدريس، فنجا من كيد إبليس.

وبحبها كثرت نياحة نوح، وكان نورها عليه يلوح. وتسمى بها عاد، فما رجع إلى دنسٍ ولا عاد. وحسن لهود بها وفاء العهود. ونجا بها صالح من القبائح.

ولقب بها إبراهيم الخليل، فكسر رؤوس الأصنام والتماثيل. وفدي بها إسماعيل، بأمر الملك الجليل، ورقى بها لوط إلى مقام ليس بعده هبوط، وكان بها إسحاق، قائماً إلى يوم التلاق، ونهض بأسبابها يعقوب، وكشف بها ضر أيوب.

سلك بها يوسف الصديق أكرم طريق، ودام له بها التوفيق. وانقاد ذو الكفل إلى رتبتها العلياء، وقام بأمورها المرضية الحسناء. وحاز قصباتها شعيب، فنزه عن كل ريب وعيب، رفل لها موسى إرفالاً، وأجاب هارون فأحسن مقالاً، شرف بها أهل الكهف والرقيم، ففازوا بدار النعيم. عمر بها قلب داود، ولذ له بها الركوع والسجود. وورثها منه سليمان، وسخر له بها الإنس والجان. وصحت ليونس شروطها، فوفى. وورد بها زكريا مورد الصفا. وصدق بها يحيى فنجا من الغم، وعظم بها لما هم، فما اهتم، وبالألم ما ألم. وجلا بها العسعس عيسى بالنور الصريح، ولقب بها الروح والمسيح. وفتح الله بها لمحمد صلى الله عليه وآله فتحاً مبيناً، فجعل عليها أخاه وابن عمه أمير المؤمنين علياً أميناً.

اللهم فوفقنا للقيام بحقوق هذه الصحبة، وأعد علينا بركات هذه النسبة، واجعلنا من أهل هذه الحقائق، واسلكنا بها أحمد الطرائق، فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً. ولا يشرك بعبادة ربه أحداً، والحمد لله على نعمه أبداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، وكبره تكبيراً.

والحمد لله الذي أبدى آثار فضله على خواص عباده، فهداهم إلى موافقته، وبعدهم عن مخالفته، فأخبر عن أحوالهم في مقامهم، بما زين به خليله صلى الله عليه وسلم، وهي الفتوة. فقال تعالى: {قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} . سماه فتىً لأنه خلى له في نفسه وأهله وماله وولده، ووهب الكل لمن له الكل، وخلى من الكون وما فيه لما تسمى بالفتوة، وسمي به، وأخبر بعد ذلك تعالى عن خواص أوليائه بهذا الاسم. فقال: {إنهم فتية آمنوا بربهم} ، بلا واسطة ولا استدلال، بل آمنوا به له، فأكرموا بزيادة هدى حتى قاموا إلى بساط القرب، فـ {قالوا ربنا رب السموات والأرض}، فألبسهم الحق خلعة من خلعه، وآواهم إلى كريم رعايته، وصرفهم في لطائف تقليبه، فقال: {ونقلبهم ذات اليمن وذات الشمال}. كذا من لزم طريق الفتوة كان في رعاية الحق، ولحياته وتوليته وحياطته.

سألت- أكرمك الله لمرضاته- عن الفتوة. فاعلم أن الفتوة هي الموافقة وحسن الطاعة، وترك كل مذموم، وملازمة مكارم الأخلاق ومحاسنها، ظاهراً وباطناً وسراً وعلناً، وكل حال من الأحوال، ووقت من الأوقات يطالبك بنوع من الفتوة فلا يخلو حال من الأحوال عن الفتوة. فتوة تستعملها مع ربك تعالى، وفتوة تستعملها مع نبيك صلى الله عليه وسلم، وفتوة مع الصحابة، وفتوة مع السلف الصالحين، وفتوة مع مشايخك، وفتوة مع إخوانك، وفتوة مع أهلك وولدك وأقاربك، وفتوة مع ملكيك كرام الكاتبين. وأنا مبين أطرافاً من ذلك على الاختصار من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وآثار السلف وآدابهم وشمائلهم بعد أن أستعين بالله في ذلك، وفي جميع أموري، وهو حسبي ونعم الوكيل" اهـ.

الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 3-6)

يتبع إن شاء الله

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يناير 18, 2020 1:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"فمن الفتوة الملاطفة مع الإخوان، والقيام بحوائجهم.
أخبرنا عبد الرحمن ابن محمد بن محمود، ثنا أحمد بن محمد بن يحيى، ثنا محمد بن الأزهر، ثنا محمد ابن عبد الله المصري، ثنا يعلى بن ميمون، ثنا يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ألطف مؤمناً أو قام له بحاجة من حوائج الدنيا، صغر ذلك أو كبر، كان حقاً على الله أن يخدمه خادماً يوم القيامة)) .


ومن الفتوة مقابلة الإساءة بالإحسان، وترك المكافأة على القبيح،
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح الجوهري، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، أخبرنا قبيصة عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه، قال: ((قلت: يا رسول الله، إذا مررت برجل فلم يضفني، فمر بي أفعل به مثل ذلك؟ قال: لا)) .


ومن الفتوة ترك طلب عثرات الإخوان.
أخبرنا أحمد بن محمد بن رجا البزاري. ثنا أحمد بن عمير بن حوصا، ثنا أبو عمير عيسى بن محمد، ثنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان عن ثور بن يزيد عن راشد عن معاوية رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنك إن اتبعت عثرات المسلمين، أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)) .


ومن الفتوة حضور دار من يثق به من الإخوان من غير دعوة.
أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي بن زياد، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ثنا سعيد بن يحيى، ثنا أبي، ثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((بينا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان، إذ جاءهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما أجلسكم هاهنا؟ قالوا: والذي بعثك بالحق، ما أخرجنا إلا الجوع. قال: اذهبوا إلى بيت فلان رجل من الأنصار)) .. وذكر الحديث.


ومن الفتوة ترك العيب على طعام يقدم إليه.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح، ثنا عبد الله بن شيرويه، ثنا إسحاق الحنظلي، ثنا جرير عن الأعمش، عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنهم، قال: ((ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإلا تركه)) .


ومن الفتوة استعمال مكارم الأخلاق إذ هي من أعمال أهل الجنة.
أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر آباذي، ثنا محمد بن الربيع عن سليمان الجسري بمصر، ثنا أبي، ثنا طلق بن السمح، ثنا يحيى بن أيوب عن حميد، عن أنس رضي الله عنه أنه مرض فعاده بعض إخوانه، فقال لخادمته سلمي لإخواننا ولو كسرا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن مكارم الأخلاق من أعمال أهل الجنة))" اهـ .

الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 6- 8)


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 22, 2020 11:49 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"ذكر بيان بعض مكارم الأخلاق من السنة
أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ، ثنا عبد الله بن أيوب العسقلاني، ثنا هاشم بن محمد الأنصاري، ثنا عمرو بن بكر، عن عباد، عن أيوب بن موسى، وإسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن من مكارم الأخلاق التزاور في الله وحق على المزور أن يقرب إلى أخيه ما تيسر عنده، وإن لم يجد عنده إلا جرعة من ماء، وإن احتشم أن يقرب إلى أخيه ما تيسر، لم يزل في مقت الله تعالى يومه وليلته)) .


ومن الفتوة التآلف مع الإخوان:
أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي، ثنا عبد الله بن صالح المدائني بالمصيصة، ثنا أبو الدرداء هاشم بن يعلى ثنا عمر وابن بكر عن ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن إلفٌ مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس)) .


ومن الفتوة السخاوة:
أخبرنا أبو الحسين بن صبيح، ثنا محمد بن المسيب الأرغياني، ثنا عبد الرحمن بن الحارث، ثنا بقية بن الوليد، ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عائشة رضي الله عنهم، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجنة دار الأسخياء)) .


ومن الفتوة حفظ الود القديم:
أخبرنا محمد بن محمود الفقيه المروزي بها، ثنا محمد بن عمير الرازي، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، ثنا حسين ابن مرزوق النوفلي، ثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري، ثنا عبد الله بن أبي بكر بن أخي محمد بن المنكدر، عن صفوان بن سليم عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب حفظ الود القديم)) .
أخبرنا أبو علي الحافظ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي، ثنا علي بن الحسين الخواص الموصلي، ثنا عبد الله بن إبراهيم بهذا.


ومن الفتوة أن يتعمد الرجل إخوانه وجيرانه:
أخبرنا إبراهيم بن محمد ابن يحيى، ثنا حبشون بن موسى الخلال، ثنا محمد بن حسان، ثنا قبيصة، ثنا سفيان عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن أبي المساور رضي الله عنهم، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما ينحل ابن الزبير ويقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه)) .


ومن الفتوة استعمال الأدب وقت الأكل:
أخبرنا إبراهيم بن أحمد البزاري، ثنا الحسين بن علي بن زكريا البصري، ثنا عثمان بن عمرو الدباغ، ثنا ابن علاثة، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن جعفر عن أبي هريرة رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتبعن أحدكم بصره لقمة أخيه)) .


ومن الفتوة المداراة مع الإخوان ما لم تكن معصية:
أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، ثنا أبو بدر أحمد بن خالد بن عبد الملك، ثنا مخلد يعني ابن يزيد، عن أبي داود النخعي، عن أبي الجويرية، عن ابن عباس رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك الحق)) .


ومن الفتوة المساعدة مع الإخوان وموافقتهم:
أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، أخبرنا محمد بن الحسين بن قتيبة، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن سويد، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا أبي عن محمد بن المنكدر، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، قال: ((صنع رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعاه وأصحابه، لما وضع الطعام، قال رجل من القوم: إني صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعاكم أخوكم وتكلف لكم. ثم قال: افطر وصم يوماً مكانه إن شئت)) .


ومن الفتوة أن يبدأ في رفقه بأصحابه دون خاصته:
أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، أخبرنا محمد بن الحسين بن قتيبة، أخبرنا حامد بن يحيى، ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه أن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته خادماً، فقال: ((.. .. لا أعطيك خادماً وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع)) .


ومن الفتوة أن يمكن إخوانه أن يحكموا في ماله كحكمهم في أموالهم:
أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا، ثنا أحمد بن الحسين الحافظ، ومكي بن عبدان قالا: ثنا محمد بن يحيى الذهلي، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقضى في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.


ومن الفتوة محبة القِرَى والضيافة:
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن قريش، ثنا الحسين بن سفيان، ثنا محمد بن رمح، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بئس القوم قوم لا ينزلون الضيف)) .
وبإسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا خير فيمن لا يضيف)) .


ومن الفتوة تعظيم الإخوان والحركة لهم:
أخبرنا إسماعيل بن عبد الله الميكالي، وعلي بن سعد العسكري، ثنا جعفر بن الفضل الراسبي، ثنا محمد بن يوسف العرياني، ثنا أبو الأسود مجاهد بن فرقد الأطرابلسي، ثنا واثلة بن الخطاب القرشي، قال: ((دخل رجلٌ المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم وحده فتحرك له النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسول الله، المكان واسع. فقال: إن للمؤمن حقاً)) .


ومن الفتوة استقامة الأحوال:
أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر، ومحمد بن إبراهيم بن عبده، قالا: ثنا إبراهيم بن علي، ثنا يحيى بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزياد، عن أبيه، عن عروة رضي الله عنهم، قال: قال سفيان ابن عبد الله الثقفي: ((يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك. قال: قل: آمنت بالله ثم استقم)) .


ومن الفتوة سخاوة النفس. وسلامة الصدر:
أخبرنا أبو بكر الديونجي، ثنا الحسين بن سفيان، قال: وجدت في إجازة عثمان بن سعيد، ثنا محمد بن عمران ابن أبي بكر ليلى، ثنا سليمان بن رجاء، عن صالح المزي، عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بأعمال، ولكن دخلوها برحمة الله، وسخاوة الأنفس، وسلامة الصدر)) .


ومن الفتوة الشفقة على الإخوان والمواساة معهم:
أخبرنا أبو عمرو محمد ابن أحمد بن حمدان، ثنا عمران بن موسى السختياني، ثنا شيبان بن أبي شيبة، ثنا أبو الأشهب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، إذ جاءه رجل على راحلة له، قال: فجعل يضرب يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان فضل زاد فليعد به على من لا زاد له. قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل)) .


ومن الفتوة التحبب، والتزاور في الله، والتواصل:
أخبرنا محمد بن عبد الله ابن صبيح، ثنا عبد الله بن شيرويه، ثنا إسحاق الحنظلي، ثنا النضر بن شميل، ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، قال: سمعت الوليد بن عبد الرحمن يحدث عن أبي إدريس الخولاني، قال في حديث ذكره: فلقيت عبادة بن الصامت، فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت الله ذكره على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: ((حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتبادلين في، وحقت محبتي للمتزاورين في وحقت محبتي للمتواصلين في)) .


ومن الفتوة محبة الغرباء، وحسن تعدهم:
أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي ابن زياد، ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا أبو شعيب، حدثنا محمد بن مسلم، عن محمد بن عبد الله بن أوس، عن سليمان بن هرمز، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء. قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: الفرارون بدينهم، يحشرون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم عليه السلام)) .


ومن الفتوة صدق الحديث، وأداء الأمانة:
أخبرنا عبد الله بن محمد السمري، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا يحيى بن يحيى، أخبرنا ابن لهيعة، عن الحارث بن زيد، عن ابن حجيرة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أربع إذا كن فيك، فما عليك، فإنك من الدنيا، حفظ الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الخلق، وعفة طعمة)) .


ومن الفتوة إصلاح السر قبل التزيي بزي الصالحين:
أخبرنا عبد الله بن أحمد ابن جعفر الشيباني، أخبرنا أحمد بن محمد بن علي الباشاني، أخبرنا أحمد بن عبد الله الجويباري، أخبرنا سلم بن سالم، عن عباد بن كثير، عن مالك بن دينار، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تلبسوا الصوف إلا وقلوبكم نقية، فإن من لبس الصوف على دغلٍ وغش قلاه جبار السماء)) .


ومن الفتوة حسن القراء. وإكرام الضيف:
أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد ابن إسحاق، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، أخبرنا إسحاق الحنظلي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن قراء ضيفه)) .


ومن الفتوة الأكل بعد أكل الأصحاب:
أخبرنا محمد بن يعقوب الأصم، أخبرنا العباس بن محمد الدوري، أخبرنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرحمن بياع الهروي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه رضي الله عنهم، قال: ((كان رسول اله صلى الله عليه وسلم إذا أكل مع قوم، كان آخرهم أكلاً)) .


ومن الفتوة أن يرى أن الباقي من ماله ما بذله، لا ما أمسكه:
أخبرنا عبد الله ابن محمد بن علي، أخبرنا أبو العباس الثقفي، حدثنا الحسين بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عمرو بن شرحبيل عن عائشة رضي الله عنهم، قالت: ((أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة، فقسمها. فقلت: لم يبق منها إلا عنقها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بقي كلها إلا عنقها)) .


ومن الفتوة الإفطار على سرور الإخوان:
أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن قريش، حدثنا مسدد بن قطن، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا بقية، عن محمد بن عبد الرحمن، حدثني عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دخل على أخيه المسلم، وهو صائم، فأراد أن يفطر، فليفطر)) . وذكر الحديث.


ومن الفتوة حسن العشرة، والملاعبة مع الإخوان، والبشر معهم:
أخبرنا عبد العزيز بن جعفر بن محمد الخرقي ببغداد، حدثنا محمد بن هارون بن بريه، حدثنا عيسى بن مهران، حدثنا الحسن بن الحسين، حدثنا الحسين بن زيد، قال: قلت لجعفر بن محمد: جعلت فداك، هل كانت في النبي صلى الله عليه وسلم دعابة ومداعبة؟ فقال: لقد وصفه الله بخلق عظيم في المداعبة، إن الله بعث أنبياءه، فكانت فيهم كزازة. وبعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالرأفة والرحمة، وكان من رأفته بأمته، مداعبته لهم، لكيلا يبلغ بأحد منهم التعظيم حتى لا ينظر إليه. ثم قال: حدثني أبي محمد، عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه علي رضوان الله عليهم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبشر الرجل من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يبغض المعبس في وجوه إخوانه)) .


ومن الفتوة أن لا يطالع العبد نفسه، ولا أفعالها، ولا يطلب على فعله عوضاً:
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سئل أبو العباس بن عطاء عن أقرب شيء إلى مقت الله. فقال: رؤية النفس وأفعالها، وأشد من ذلك مطالبة الأعواض على أفعالها.


ومن الفتوة ملازمة التوبة وتصحيحها بصحة العزم على ترك العود إلى ما منه تاب:
سمعت منصور بن عبد الله الهروي يقول: سمعت أبا الحسن المزين يقول: صحة التوبة ثلاثة أشياء: الندم على ما مضى، وصحة العزم على ترك العود إلى ما منه تاب، ووجل القلب على ذلك، لأنه من ذنوبه على يقين. ومما أحدث من التوبة على وجل لا يدري أمقبولٌ منه أم مضروبٌ به وجهه.


ومن الفتوة استجلاب محبة الله بالتحبب إلى أوليائه:
سمعت عبد الواحد ابن بكر الورثاني يقول: سمعت القناد يقول: سمعت أبا موسى الديبلي يقول: سمعت أبا يزيد البسطامي و قد سأله رجل، فقال: دلني على عمل أتقرب به إلى الله. فقال: تحب أولياء الله. وتتحبب إليهم ليحبوك، فإن الله ينظر في قلوب أوليائه في كل يوم وليلة سبعين مرة فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب ولي من أوليائه، فيحبك ويغفر لك.


ومن الفتوة أن لا تعاتب إخوانك عند زلاتهم. وأن تتوب عنهم إذا أذنبوا:
سمعت أبا الفرج الصائغ يقول: سمعت الحسين بن سهل، حدثنا أحمد بن عمران الرازي، سمعت على بن صالح يقول: سمعت عمران بن موسى الديبلي يقول: سمعت أبي يقول: قدم يوسف بن الحسين علي أبي يزيد البسطامي رحمهم الله، فسأله: مع من تأمرني أن أصحب؟ فقال: من إذا مرضت عادك، وإذا أذنبت تاب عنك. وأنشد في هذا المعنى:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون، فنأتيكم، فتعتذروا


ومن الفتوة أن لا يقعد العبد عن الكسب إلا بعد صحة عقدة التوكل:
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا عثمان الآدمي يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: لا ينبغي للصوفي أن يتعرض للقعود عن الكسب إلا أن يكون رجلاً مطلوباً بتركه، قد وقعت به حالة من الأحوال اقتطعته عن مواضع كسبه، وقد أعتبه الحال عن المكاسب، فأما إذا كانت الحاجات منه قائمة، ولم يقع له عروف تحول بينه وبين التكلف، فالعمل أولى به، والكسب أحل له وأبلغ، لأن القعود لمن خرج عن المعارف والتشرف والعادات.


ومن الفتوة تصحيح اعتقاده فيما بينه وبين ربه فيما ألزم من الأحوال والآداب:
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت خير النساج يقول: سمعت أبا حمزة يقول: إني لأستحيي من الله أن أدخل البادية، وأنا شبعان، وقد أعتقد التوكل لئلا يكون شبعي زاداً أتزوده.


ومن الفتوة تعظيم حرمات الله:
سمعت محمد بن شاذان يقول: سمعت علي بن موسى التاهرتي يقول: وقع من عبد الله بن مروان فلس في بئر قذرة، فاكترى عليه بثلاثة عشر ديناراً حتى أخرجه. فقيل له في ذلك، فقال: كان عليه اسم الله مكتوباً، فاحترمته لذلك.


ومن الفتوة أن تعامل الناس على حسب ما تحب أن يعاملوك به:
وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وأحب للناس ما تحب لنفسك، تكن مؤمناً))،
وفي حديث آخر: وآت للناس ما تحب أن يؤتى إليك)) .
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت سعيد الصوفي يقول: سمعت ابن يزدانيار و قد قال له رجلٌ: أوصني. فقال: اقض من الناس حسب ما يقضى لهم من نفسك.


ومن الفتوة الهجرة إلى الله بالسر والقلب:
وأصله قول الله عز وجل {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي} .
سمعت أبا الطيب الشيرازي يقول: سمعت أبا بكر الطمستاني يقول: من صحب منا الكتاب والسنة، وعرف عن نفسه، وعن الحق والدنيا، وهاجر إلى الله بسره وقلبه، فليلزم الصدق في هجرته، فقد بلغ المبلغ في الفتوة، إلا أن ينقضه بالرجوع إلى شيء مما هاجر منه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) .


ومن الفتوة الصحبة مع الله، أو مع رسوله، أو مع أوليائه:
وقال أبو عثمان الحيري: من صحت صحبته مع الله، لزم قراءة كتابه بالتدبر، وآثر كلام الله على كل كلام، واتبع آدابه وأوامره، وما خوطب به.
ومن صحت صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتبع أخلاقه وسننه وآدابه وشمائله، وجعل السنن أمامه فيما يأتي ويذر.
ومن صحت صحبته مع أولياء الله، اتبع سيرتهم وطريقتهم، وتأدب بآدابهم، ولزم سننهم.
ومن سقط عن هذه الدرجة فهو من الهالكين.


ومن الفتوة مطالبة العبد نفسه بالصدق:
ليشغله ذلك عن الفراغ إلى أحوال الخلق أجمع.
حكي لي عن أبي بكر الطمستاني أنه قال: كل من استعمل الصدق بينه وبين الله، شغله صدقه مع الله عن الفراغ إلى خلق الله.


ومن الفتوة الثقة بضمان الله تعالى في الرزق:
سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول: سمعت علي بن إبراهيم يقول: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: قال سهل بن عبد الله: من اهتم لرزقه بعد ضمان الله له، لم يكن له عند الله قدر.


ومن الفتوة موافقة الإخوان على الجملة وترك الخلاف عليهم:
سمعت أبا العباس أحمد بن محمد النسوي يقول: سمعت أحمد بن عطاء يقول: سمعت علي بن جعفر يقول: قال أحمد بن إبراهيم الصوري قال: سمعت المسيب بن واضح يقول: كل أخ قلت له قم، قال إلى أين، فليس لك بأخ.


ومن الفتوة أن لا يخالف حبيبك في محبوب ومكروه:
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت عبد الله بن أحمد الناقد يقول: سمعت أحمد بن الصلت يقول: سمعت بشر بن الحارث يقول: ليس من المروءة أن تحب ما يبغضه حبيبك.
وأنشدت في هذا المعنى (شعر) :
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذا كان حظي منك حظى منهم
وأهنتني فأهنت نفسي صاغرة ... ما من يهون عليك ممن أكرم


ومن الفتوة حفظ الأدب في الدعاء والسؤال والمناجاة:
سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت سعيد بن عثمان العباسي يقول: حججت ثمانين حجة على قدمي في الفقر، فبينا أنا أطوف، إذ جرى على لساني في الطواف أن قلت: حبيبي. فإذا هاتفٌ يهتف يقول: ليس ترضى أن تكون مسكيناً حتى تدعى المحبة، فغشي علي. فأفقت وأنا أقول: مسكينك. مسكينك. مسكينك.


ومن الفتوة القيام بمنافع الخلق مع حفظ آداب العبودية:
سمعت محمد ابن عبد الله العزيز يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سمعت ذا النون رضي الله عنهم يقول: شعار أهل المعرفة خصال ثلاث: تفريج كرب الحيوانين، ونشر آلاء الله في مجالس الذاكرين، والدلالة على الله بلسان العارفين.


ومن الفتوة محاسبة النفس والعلم بها، والأسف على ما فاته من عمره على المخالفة:
سمعت أبا الحسن الفارسي يقول: سمعت أحمد بن علي يقول: قال الكتاني: حكي لي عن رجل من أهل الرقة أنه كان محاسباً لنفسه، فنظر يوماً، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا في أحد وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم. قال: فصرخ صرخة [و] خر مغشياً عليه، وقال: يا ويلتاه.. ..ألقى ربي بأحد وعشرين ألف وخمسمائة ذنب؟ على أن يكون في اليوم ذنبٌ واحد، فكيف ولي في كل يوم عشرة آلاف ذنب؟!. قال: فغشي عليه ثانياً، فحركوه، فإذا هو ميت" اهـ.

الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 8-23)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يناير 24, 2020 9:01 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"بسم الله الرحمن الرحيم

ومن الفتوة حفظ الورع ظاهراً وباطناً:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنهم يقول: الورع ورعان: ورعٌ في الظاهر، وورع في الباطن. أما في الظاهر فلا يتحرك إلا لله، وأما في الباطن فلا تدخل قلبك شيئاً سوى الله تعالى.


ومن الفتوة الاحتراز من الشيطان بالجوع:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عصام يقول: من جاع لا يقربه الشيطان إذا كان جوعه بعلم.


ومن الفتوة تأثير الذكر على ظاهر العبد وباطنه:
أما في ظاهره في الذبول والخشوع، وفي باطنه بالرضا
.
سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم النسوي يقول: سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول: سمعت الجنيد يقول: إن لله عباداً إذا ذكروا عظمة الله، تقطعت أوصالهم فرقاً من الله، وهيبة له. وإنهم لهم الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وأيامه.


ومن الفتوة الثقة بما ضمن الله لك، والاشتغال بما أمرك به:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت الجنيد رضي الله عنهم يقول: لا تهتم لرزقك الذي قد كفيته، واعمل عملك الذي قلدته، فإن ذلك من عمل الكرام والفتيان.


ومن الفتوة أن لا يشغلك عن الله في الدارين شاغل:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت علي بن الحسين بن حمدان يقول: سمعت أبي يقول: قالت رابعة: إلهي همي من الدنيا في الدنيا ذكرك، وفي الآخرة رؤيتك، ثم تفعل بي ما شئت.


ومن الفتوة طلب صلاح القلب بحفظ الجوارح، واشتغالها بما يعنيها:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عصام يقول: سمعت سهل بن عبد الله التستري رحمهم الله يقول: ما من عبد حفظ جوارحه إلا حفظ الله عليه قلبه، وما من عبد حفظ الله عليه قلبه إلا جعله أميناً، وما من عبد جعله الله أميناً إلا جعله إماماً يقتدى به، وما من عبد جعله الله إماماً يقتدى به إلا جعله الله حجة على خلقه.


ومن الفتوة العفو عند القدرة:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت محمد بن الحسن يقول: سمعت علي بن عبد الحميد الغضائري يقول: سمعت السري رضي الله عنهم يقول: من عفا وهو يقدر على الانتصار، عفا الله عنه بقدرته عليه.


ومن الفتوة الاشتغال بعيبه عن عيوب الناس:
سمعت محمد بن طاهر الوزيري يقول: سمع الحسن بن محمد بن إسحاق يقول: سمعت ابن عثمان يقول: سمعت ذا النون رحمهم الله يقول: من نظر إلى عيوب الناس عمي عن عيوب نفسه، ومن نظر في عيوبه عمي عن عيوب الناس.


ومن الفتوة إحياء السر بالذكر، وإحياء العلانية بالطاعة:
سمعت عبد الله بن محمد بن اسفنديار [ان] يقول: سمعت الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ رحمهم الله يقول: خلق الله السر، وجعل حياته بذكره. وخلق العلانية، وجعل حياتها بطاعته. وخلق الدنيا وجعل السلامة منها ترك ما فيها. وخلق الآخرة وجعل التمتع بها في العمل لها.


ومن الفتوة موافقة المحب حبيبه في جميع أوامره:
سمعت أبا الحسين علي بن محمد القزويني الصوفي يقول: سمعت أبا الحسين المالكي يقول: أتى النوري إلى أبي القاسم الجنيد بن محمد، فقال: بلغني أنك تتكلم في كل شيء، فتكلم فيما شئت حتى أزيد عليك. فقال أبو القاسم في ماذا أكلمك؟ فقال: في المحبة. فقال: أحكي لك حكاية، كنت أنا وجماعة من أصحابي في بستان. فأبطأ علينا من يجيئنا بما نحتاج إليه، فصعدنا نطلع على سطح البستان؛ فإذا بضرير ومعه غلام حسن الوجه، والضرير يقول: يا هذا أمرتني بكذا، فامتثلت. ونهيتني عن كذا فتركت. وما أخالفك في شيء تريده، فماذا تريد مني؟ قال: تموت. فقال الضرير: ها أنا ذا أموت. وتمدد وغطى وجهه. فقلت لأصحابي: ما بقي على هذا الضرير شيء، ولكن لا يمكنه الموت في الحقيقة، ولكنه قد تشبه بالموتى. فنزلنا وخرجنا إليه، فحركناه فإذا هو ميت. فقام النوري وانصرف.


ومن الفتوة الرجوع من الإخوان على طريق المعاتبة إلى أنس الغفران:
سمعت أبا الحسين القزويني يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: سمعت ابن مسروق يقول: سمعت محمد بن بشير يقول: حدثني ابن السماك أنه جرى بينه وبين صديق له كلام، فقال له صديقه: الميعاد غداً نتعاتب فقال: بل الميعاد غداً نتغافر.


ومن الفتوة حسن الظن بالخلق، وحفظ حرماتهم:
سمعت أبا العباس محمد ابن الحسن البغدادي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: سمعت الجنيد رحمهم الله يقول، وقد كلمه أصحاب في الذين يقفون على الحلقة، فيسألونه، أنهم ليسوا بموضع للإجابة، وأنهم يتعنتون، وأحب أصحابي أن لا أجيب مثل هؤلاء. فقال: رؤيتي فيهم غير رؤيتكم، إنما أؤمل أن يتعلقوا بكلمة، فتكون سبباً لنجاتهم.


ومن الفتوة بذل النصيحة للإخوان والعلم بنقصان نفسه في ترك ما ينصحهم به:
سمعت محمد بن الحسن الخشاب يقول: حدثنا أحمد بن محمد بن صالح، حدثنا محمد بن عبدون، حدثنا بدر المغازلي، قال: قلت لبشر الحافي: أيش تقول في المقام ببغداد؟ فقال: إن سرك أن تموت مسلماً فلا تقم بها، فقلت: فأنت بها مقيم. فقال: إن العبد إذا ضيع أمر الله، لقيه شر ملقى، وإني أخاف أني ضيعت أمر الله فألقى شر ملقى.


ومن الفتوة قبول ما يسمعه من كلام الحكماء،
وإن لم يفهم، لتوصله بركات ذلك إلى محل الفهم منه وفيه
:
سمعت أبا العباس بن الخشاب يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: سمعت الجنيد رحمهم الله يقول: كنت أجلس إلى شيوخ بضع عشرة سنة، وهم يتكلمون في هذا العلم. وما كنت أفهم ما يقولون، ولا كنت أنكر عليهم. وكانت فائدتي منهم من جمعة إلى جمعة أن أجيء فأسمع ما يقولون، وعندي أنه حق، وإن لم يكن ما أفهم، ولم أبد بالإنكار عليهم، فما مضت تلك المدة حتى إذا أجروا مسألة جاءوني إلى البيت، فسألوني، وقالوا: جرت مسألة كيت كيت، فأحببنا أن تسمعه، أو نحوه من الكلام.


ومن الفتوة قبول الرفق من وجهه، والإيثار بها في الوقت:
سمعت محمد بن الحسن بن خالد يقول: سمعت أبا جعفر الفرغاني يقول: حدثني أبو جعفر الأصبهاني صاحب أبي تراب يقول: قدم أبو تراب هاهنا -يعني البيت الحرام- في الموسم، فجاء إنسان خراساني ومعه عشرة آلاف درهم، وقال: يا أبا تراب، تأخذ هذا. فكشف الحصى ثم قال: صبها هاهنا. فصبها بين يديه على التراب، فأخذ منها درهمين، وقال لصاحب له: اشتر بها خرقة، فجعل يخرقها ويصر فيها القبضة والقبضتين، ويبعث إلى سائر الفقراء، ولا يكلفهم يجيئون إليه، حتى إذا كاد أن يفنى قال له رجل: أصحابك ما أكلوا شيئاً منذ أيام، فقبض قبضة، وقال: اشتر لهم شيئاً. وجاءت امرأة، فقالت: يا أبا تراب، أهلك. قال: انظروا إن كان قد بقى شيء فادفعوها إليها. ففتشوا، فوجدوا درهمين، فدفعوهما إليها.


ومن الفتوة ما أخبر سري السقطي رحمه الله عن أخلاقهم:
سمعت محمد ابن الحسن البغدادي: يقول: حدثنا أحمد بن محمد بن صالح، حدثنا محمد ابن عبدون، حدثنا عبدوس بن القاسم، سمعت سري السقطي يقول:
خمسة من أخلاق المريدين: لا يمشي خطوة لنفسه فيها هواء، ولا لذة، ولا إرادة، ولا شهوة، ويكون خارجاً من سلطان الهوى سلس القياد، صعب المرام، قد اعتزم على خمس: على الإياس مما في أيدي الناس، وقد ألقى مؤونته على الناس لا يتعب يده ولا بطنه ولا فرجه ولا يعتقد رياءً، ويقتدي من فوقه،
وقد زهد في خمس: في كل فانٍ، وزهد في الناس، وزهد في الشهوات، وزهد في الرئاسة، وزهد في الثناء.
وقد رغب في خمس: رغب في نعيم الجنان؛ فقدرت الدنيا عنده، ورغب في الصدق؛ فلزم الخوف قلبه، ورغب في مجالسة الأولياء والأصفياء؛ فتبرم من مجالسة المخالفين، ورغب في كل ما يرضي الله، ورغب فيما زهد الجاهل فيه.


ومن الفتوة احتمال الأذى في الله بعد المعرفة به:
سمعت أبا الفرج الورثاني يقول: أخبرني منصور بن أحمد الهروي، سمعت أبا الحسين محمد بن علي الخوارزمي، سمعت ذا النون رضي الله عنهم يقول: مررت بأرض مصر، فرأيت صبياناً يرمون رجلاً بالحجارة، فقلت لهم: ما تريدون منه؟ قالوا: مجنون، يزعم أنه يرى الله. فقلت: أفرجوا لي عنه. فأفرجوا، فدخلت، فإذا أنا بشاب مسند ظهره إلى الحائط، فقلت له: ما تقول- رحمك الله- فيما يقول هؤلاء؟ قال: وما يقولون؟ قلت: يزعمون أنك تزعم أنك ترى الله تعالى. قال: فسكت ساعة ثم رفع رأسه، ودموعه تجري على خديه، وقال: والله ما فقدته منذ عرفته. ثم أنشأ يقول:
هم المحب يجول في الملكوت ... والقلب يسمو واللسان صموت
ثم هام على وجهه وهو يقول:
أيها الشامخ الذي لا يرام ... نحن من طينة عليك السلام
إنما هذه الحياة متاع ... ومع الموت تستوي الأقدام


ومن الفتوة ترك الشكاية عند البلاء.
وقبوله بالرحب والدعة
:
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الدينوري، حدثنا عبد الله ابن محمد بن الحارث الصوفي، عن محمد بن محبوب، أنه قال: بينا أنا مار في شوارع بغداد، إذ وقعت إلى المارستان، فإذا بفتى حسن الوجه في رجليه قيد، وفي عنقه غل، فلما رأيته انحرفت عنه، فناداني، قال يا ابن محبوب، أما رضي مولاك إذ يتمني لحبه حتى غلني وقيدني؟ قل له: إن كنت راضياً عني فلا أبالي بذلك. ثم أنشأ يقول:
على بعدك لا يصبر من عودته القرب ...
ولا يقوى على هجرك من تيمه الحب ...
فإن لم ترك العين فقد أبصرك القلب ...


ومن الفتوة ملازمة الفقر والأنس بمكانه والفرح به:
سمعت أبا الفرج الورثاني يقول: سمعت إبراهيم بن أحمد الساجي يقول: سمعت محمد بن الحسين الخصيب يقول: سمعت العباس بن عبد العظيم يقول: سمعت بشر بن الحارث يقول: الفقر للمؤمن مخزونٌ مكنونٌ كما أن الشهادة مخزونةٌ مكنونةٌ عند الله لا ينالها إلا من أحب من عباده" اهـ.

الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 27-34)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يناير 27, 2020 1:05 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
ومن الفتوة ترك المداهنة في كل الأحوال:
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا عبد الله القرشي يقول: لا يشم رائحة الصدق عبدٌ يداهن نفسه، أو يداهن غيره.


ومن الفتوة أن يكون حراً من الأكوان وما فيها، ليكون عبداً لمن له الأكوان بأسرها:
سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت محمد بن هارون الأنصاري يقول: حدثني عيسى بن الريس الأنماطي المروروذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمهم الله يقول: رأيت ابن السماك كتب إلى أخ له: إن استطعت أن لا تكون لغير الله عبداً، ما وجدت من العبودية لغيره بداً، فافعل.


ومن الفتوة السرور بما أهل له من خدمة سيده، والفرح به، وقرة العين منه:
سمعت أحمد بن محمد بن يعقوب يقول: سمعت أحمد بن محمد بن علي يقول: سمعت علي الرازي يقول: قال يحيى بن معاذ رحمهم الله: من سر بخدمة الله، سرت الأشياء بخدمته. ومن قرت عينه بالله، قرت عين كل شيء بالنظر إليه.


ومن الفتوة اشتغال العبد بما يعنيه من خاص أفعاله وأحواله:
أخبرنا أبو أحمد الحافظ، حدثنا أحمد بن عبيد الله الرازي بأنطاكية، حدثنا جعفر بن عبد الواحد عن أبي عبيدة معمر بن المثنى ومحمد بن الحارث الهلالي، حدثنا مالك ابن عطية عن أبيه، قال: سمعت أبا رفاعة الفهمي يحدث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من حسن إسلام المرء، تركه ما لا يعنيه)) .

سمعت أحمد بن محمد بن يعقوب يقول: سمعت أحمد بن عطاء يقول: حدثنا عمر ابن مخلد الصوفي يقول: قال ابن أبي الورد: قال معروف الكرخي رضي الله عنه: من علامة مقت الله للعبد أن تراه مشتغلاً بما لا يعنيه في خاص أوقاته.


ومن الفتوة ملازمة آداب الفقر في كل الأحوال:
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول: قال بعضهم: لا ينبغي أن يكون على مائدة الفقراء إلا أربعة أشياء: أولها الجوع، والثاني [.. .. ..] ، والثالث الذل، والرابع الشكر.


ومن الفتوة الإخبار عن الأحوال على مقدار صاحب الحال:
سمعت أبا بكر الجرجاني يقول: سمعت أبا بكر بن محمد بن جعفر يقول: سمعت أبا بكر بن عبد الجليل يقول: قال لي الجنيد رحمه الله: خرجت إلى عرض الفرات، وكان ذكر لي فيها فتى، فلقيت فتى كأن هموم الدنيا قد جمعت عليه. فقلت: رضي الله عنك، الوفاء متى يتكامل في الدنيا؟ فقال لي: ابتداءً يا جنيد، من الوفاء أن لا تسألني، فأيست من الجواب، فدعاني، ثم قال: يا جنيد، شرح الوفاء قبل الوفاء ليس من فعل الأبرار.


ومن الفتوة ملازمة الخوف بعد ما عرف العبد ما سبق منه.
وما جرى عليه من مخالفة سيده:

سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: سمعت الجنيد رحمهم الله يقول: من شهد من نفسه ذلة واحدة، ثم اعتمد على شيء من حسناته، كان مغروراً، ومن لم يقم له بصدق الوفاء في أوامره، كان بعيداً من الحقائق.


ومن الفتوة أن لا يشغل العبد عن مولاه شاغلٌ،
وأن يتحمل في طلبه موارد البلاء
:
سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد يقول: بكرت يوماً إلى سري السقطي رحمهم الله، فقال لي: يا أبا القاسم، كانت له البارحة قليل مشاهدة، فخوطبت في سري، وقيل لي: يا سري، خلقت الخلق وهم ناظرون إلي، ومقبلون علي، فعرضت عليهم الدنيا، فمال إليها تسعة أعشار الخلق، وبقي معي العشر، فعرضت عليهم الجنة، فمال إليها تسعة أعشارهم، وبقي معي عشر العشر، فصببت عليهم البلاء، فتضعفوا واستغاثوا وذهب منهم تسعة أعشارهم، وبقي معي عشر عشر العشر، فقلت لهم: ما أنتم إلى الدنيا نظرتم، ولا الجنة أردتم، ولا من البلاء فررتم. فقالوا: وإنك لتعلم ما نريد. فقلت: إني أصب عليكم من البلاء ما لا طاقة للجبال الرواسي به. فقالوا: قد رضينا بعد أن تكون الفاعل بنا ذلك.


ومن الفتوة أن يراعي العبد أحواله وأنفاسه،
ولا يضيع منها شيئاً لذلك
:
قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: وقتك أعز الأشياء، فاشغله بأعز الأشياء.
سمعت أبا سعيد الرازي يقول: سمعت أبا الحسن المحلبي البغدادي قال: سمعت الجنيد يقول: جماع الخير كله في ثلاثة أشياء: إن لم تمض نهارك بما لك، فلا تمضه بما عليك. وإن لم تصحب الأخيار، فلا تصحب الأشرار. وإن لم تنفق مالك فيما لله فيه رضا، فلا تنفقه فيما لله فيه سخط.


ومن الفتوة أن يداوم العبد على التوبة.
ويكون على خطر من قبولها
:
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا الحسن المزين رحمه الله يقول: التوبة ثلاثة أشياء: الندم على ما مضى، وصحة العزم على ترك العود، ووجل القلب على ذلك، لأنه من ذنوبه على يقين، ومن قبول توبته على خطر، لا يدري أمقبولٌ منه ذلك أم لا.


ومن الفتوة ملازمة الصدق، وقلة السكون إلى الأحوال:
سمعت أبا الحسن بن قتادة البلخي يقول: سمعت القناد يقول:
قيل للجنيد رحمهم الله: ما صفة الصوفية؟
فقال: {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} .
فقيل له: كيف سيماهم؟
فقال: لا يرتد إليهم طرفهم، وأفئدتهم هواء.


ومن الفتوة صحبة الأبرار.
ومجانبة صحبة الأشرار
:
سمعت عبد الله بن محمد بن اسفندياران بدامغان يقول: سمعت: الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى ابن معاذ يقول: لو قد جاءت الصيحة، لرأيت إخوان السوء كيف يفر بعضهم من بعض.
ولرأيت إخوان الصلاح كيف يرجع بعضهم إلى بعض.


ومن الفتوة أن يطلب العبد في علمه المعرفة،
وفي معرفته المكاشفة،
وفي مكاشفته المشاهدة،
مع التحقق بأن أحداً لا يبلغ حقيقة معرفته
:
سمعت أبا الحسن بن قتادة البلخي يقول: سمعت القناد يقول: سمعت النوري يقول: أباح الله تعالى للخلق العلم، وخص أولياءه بالمعرفة، وأصفياءه بالمكاشفة، وأحباءه بالمشاهدة.
واحتجب عن جميع بريته، فإذا ظنوا أنهم قد عرفوا، تحيروا.
وإذا توهموا أنهم قد كوشفوا، احتجبوا.
وإذا تحققوا أنهم قد شاهدوا، عموا.
فسبحان من أمره عجيب، وليس شيء منه عجيب.


ومن الفتوة ترك الحيلة في طمع الكون في الدنيا:
سمعت علي بن عبد الله البصري يقول: سمعت فارس بن عبد الله، يقول:
كانت عجوز تخدم سهل بن عبد الله رحمهم الله فاعتلت علة، فقيل لها: لو تداويت.
فقالت: لو جعل شفائي في مسح أذني، ما مسحتها. نعم المذهوب إليه الرب.


ومن الفتوة أن لا يشفي المحب من حبيبه بشيء:
أخبرني سعيد بن محمد الشاشي، قال: أخبرني الهيثم بن كليب قال: أخبرني سمنون الصوفي رحمهم الله أنشدني محمد بن إسماعيل لبعضهم:
بكيت دماً عليك مكان دمعي ... ليشفيني البكا مما اشتفيت
وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وإن النأي يشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على ذاك قرب الدار خيرٌ من البعد


ومن الفتوة قبول من يقصده، وترك طلب من يتخلف عنه:
سمعت عبد الواحد ابن علي يقول: قال فارس رحمه الله: من أخلاق الفتيان من الصوفية إن من جاءه لم يطرده، ومن لم يحضره لم يطلبه، ومن عاشره لم يملكه.


ومن الفتوة أن لا يرد مريداً بزلته، ولا يقبل أجنبياً بحسناته:
لذلك ذكر عن أبي تراب النخشبي رحمه الله أنه قال: إذا طبع الرجل بطبائع الإرادة، ودخل في رسم القوم وقبلته، فلا تبعده عنك بمائة زلة، وطلاب الدنيا لا تدخلهم في رسم القوم، وإن بدا لك منهم مائة حسنة إلا بعد التحقق فيها.


ومن الفتوة ملازمة آداب العبودية ما أمكنه:
سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد رحمهم الله يقول: العبودية ترك الاختيار وملازمة الذلة والافتقار.


ومن الفتوة الانبساط مع الإخوان إذا حضر أو حضروه:
سمعت عبد الله بن علي السراج يقول: سمعت عبد الكريم بن أحمد بن عبد الله يذكر عن الحسين بن أبي سهل السمسار يقول: سمعت حسن الخياط يقول: سمعت بشر بن الحارث يقول: ترك الآداب بين الإخوان من الأدب. ومن لم ينبسط مع إخوانه في المباحات، أحشمهم.


ومن الفتوة حمل الأثقال في مجاهدات المعاملات:
سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت الدقي يقول: دخل علي عبد الله الخراز. ولي أربعة أيام لم آكل، فلما نظر إلي قال: يجوع أحدكم أربعة أيام فيصيح عليه الجوع وينادي، ثم قال: أتدركون لو أن كل نفس منفوسة تلفت، فيما تؤمله من الله، ترى كان ذلك كبيراً!


ومن الفتوة قضاء حقوق الإخوان،
وترك الاعتماد على إخوانه في التخلف
:
سمعت عبد الله بن علي يقول: سمعت أحمد بن عطاء يذكر عن خاله، عن الجنيد رحمهم الله أنه قال: لا تقوم بما عليك حتى تترك ما لك، ولا يقوى على هذا إلا نبي أو صديق.


ومن الفتوة التواضع للذاكرين.
وقبول الحق من الناصحين
:
أخبرنا أبو الفضل نضر بن أبي نضر العطار، حدثنا أحمد بن الحسين الحراني بالكوفة، حدثنا هلال بن العلاء، قال: حدثنا فيض بن إسحاق، قال: سئل الفضيل بن عياض رحمه الله، ما الفتوة؟
قال: التواضع للذاكرين، وقبول الحق من الناصحين.

أخبرنا أبو الفضل نضر بن أبي نضر العطار، حدثنا عمر بن الأشناني القاضي، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، سمعت وكيعاً يقول: ينبغي للرجل أن يصفح عن إخوانه وأصدقائه زلاتهم، ولا يحقد عليهم في شيء من أحوالهم.


ومن الفتوة رجوع العبد إلى ربه في كل أسبابه.
والثقة به دون خلقه
:
أخبرنا نصر بن محمد بن أحمد الصوفي، حدثنا سليمان بن أبي سلمة الفقيه، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن سمعت يحيى بن معاذ الرازي رحمهم الله يقول:
أربع خصال من صفة الأولياء: الثقة بالله في كل شيء، والرجوع إليه في كل شيء، والاستعانة به في كل شيء، والافتقار إليه في كل شيء.


ومن الفتوة الشفقة على الخلق في كل الأحوال:
أخبرنا نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب، سمعت جعفر بن محمد بن نصر يقول: سمعت الجنيد رحمه الله يقول: كان بناحية دمشق شيخ من شيوخنا يقال له أبو موسى القومسي رحمه الله، وكان من الفتيان، وذكر من فضائله، قال: كان هو وامرأته في دار فسقطت الدار عليهم، فجاءوا ينحون عنهم الهدم، إذ وقعوا على المرأة، فقالت: الشيخ الشيخ أبو موسى فإنه في تلك الزاوية، فتركوها وجاءوا إليه، وأخذوا التراب عنه فقال الشيخ: المرأة المرأة.
قال أبو القاسم: فكل واحد منهم في ذلك الوقت كان همه الشغل بصاحبه. كذلك أهل الموالاة والمعاقدة، لله وفي الله قلوبهم على هذا النعت في كل الأحوال.


ومن الفتوة أن لا يستخدم غني فقيراً في سبب من الأسباب:
سمعت منصور بن عبد الله الخواص.. .. جميعاً في مسجدٍ رحمهم الله يقول: سمعت التفليسي يقول: كان الجنيد وبهم فاقة، فدخل عليهم بعض أصدقائهم، فرأى فيهم أثر الجوع، فقال لبعض الفقراء: قم معي، وخرج إلى السوق، واشترى ما اشترى، ودفعه إلى الفقير ليحمله، فلما بلغ باب المسجد، رآه الجنيد من بعيد، فقال: ارم وادخل. وأبوا أن يأكلوا من ذلك الطعام.
ثم قال الخواص لصاحب الطعام: عظم مقدار الدنيا في عينك حتى تجعل الفقير حمالاً لطعامك، فما ذاقوا منه شيئاً.


ومن الفتوة رؤية المنع والعطاء من الله
لئلا يخلق وجهه بالسؤال ولا يذل نفسه بالطمع
:
أنشدنا منصور بن عبد الله الهروي لابن الرومي:
لا أرى معطياً لما منع الله ... ولا دافعاً لما يعطيه
إنما الجود والسماحة والبذل ... لمن يعطك، عفواً وماء وجهك فيه
قبح الله نائلاً أن يجيد ... من يدي من أريد أن أقبضيه


ومن الفتوة أن يشاهد العبد النقصان في كل أحواله،
ولا يرضى من نفسه بما هو فيه
:
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا يعقوب النهرجوري يقول: من علامة من تولاه الله في أحواله أن يشهد التقصير في إخلاصه، والغفلة في ذكره، والنقصان في صدقه، وتكون جميع أحواله غير مرضية، ويزداد فقراً إلى الله في قصده وسيره، حتى يغنى عن كل مرادٍ له" اهـ.

الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 35-43)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 05, 2020 1:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"بسم الله الرحمن الرحيم عليه توكلت

ومن الفتوة أن لا يتغير لأخيه بسبب من أسباب الدنيا:
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا جعفر الأخلاطي يقول: سمعت إبراهيم بن بشار يقول: سمعت ابن عيينة يقول: عن محمد بن سوقة، قال: كان رجلان متآخيين، فطلب أحدهما من صاحبه شيئاً فمنعه، فلم يتغير له عن حاله، فقال له: يا أخي، سألتني حاجة، فما قضيتها، فما تغيرت لي! فقال: إنما أحببتك ووليتك الأمر فلم تتغير عن الذي أحببتك عليه، فأنا لا أتغير لك، وإن منعتني. فقال الآخر: وأنا إنما منعتك لأجربك، فمد يدك الآن إلى ما شئت من مالي، فخذه، فما أنا بأحق به منك.


ومن الفتوة ما ذكره جعفر بن محمد الصادق:
سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت القاسم بن عبيد الله بالبصرة يقول: سمعت الحسين بن نصر يقول: عن علي بن موسى الرضا رضي الله عنه يقول: سئل جعفر بن محمد رضي الله عنه، ما الفتوة؟
فقال: الفتوة ليست بالفسق والفجر، ولكن الفتوة طعام مصنوع، ونائل مبذول، وبشر مقبول، وعفاف معروف، وأذى مكفوف.


ومن الفتوة حفظ آداب الظاهر والباطن:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: للدين رأس مال عشرةٌ: خمسة في الظاهر، وخمسة في الباطن.

وأما اللواتي في الظاهر: صدقٌ في اللسان، وسخاوة في المال، وتواضع في الأبدان، وكف الأذى، واحتمالها بلا إباء.

وأما اللواتي في الباطن: فحب وجود سيده، وخوف الفراق عن سيده، ورجاء الوصول إلى سيده، والندم على فعله، والحياء من ربه تعالى وتقدس.


ومن الفتوة الاستغناء عن الخلق، والتعفف عن سؤالهم:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: قال أبو بكر محمد بن أحمد بن داود البلخي: من خفت مؤونته، دامت مودته، ومن عف خف على الصديق لقاؤه، وأخو الحوائج وجهه مملول.


ومن الفتوة التحصن عن الآفات بترك الشهوات:
سمعت الحسين بن يحيى يقول: قال أبو تراب النخشبي: حصنك من الآفات، حفظ نفسك من الشهوات.


ومن الفتوة الاكتفاء بالثقة بالله من دعوى التوكل:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: سمعت الجنيد يقول: قام الحق بالكفاية، والسيد لأهل مملكته، فاستراحوا من معاملات التوكل فلم يرضوا إلا به، فما أقبح التقاضي بأهل الصفاء بعد ثقتهم بالموالاة التي أزالت التوهم عن قلوب الموحدين.


ومن الفتوة اختيار الخلوة والعزلة على الانبساط والصحبة:
سمعت عبد الله بن محمد بن اسفندياران بدامغان يقول: سمعت الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ رحمه الله يقول: لكل شيء حصار، وحصار النفس الخلوة، وترك معاشر الخلق، فإنه من لم يكن معك، فهو عليك والمعينون قليل، والزمان غدار، فبادر قبل أن يبدأكم بك.

وقال رجل لفتح الموصلي رحمه الله: أوصني. فقال: اخل بنفسك واعتزل الناس، يسلم لك دينك ومروءتك.


ومن الفتوة تصحيح مبادئ الأحوال ليتم لك تحقيق النهايات:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن عطاء يقول: لا يرتقي في الدرجات العلى من لم يحكم فيما بينه وبين الله أوائل البدايات. وأوائل البدايات هي الفروض الواجبة، والأوراد الزكية، ومطايا الفصل. وعزائم الأمر. فمن أحكم ذلك، من الله عليه بما بعده.


ومن الفتوة حفظ السر مع الله أن يختلج فيه سواه:
سمعت أبا نصر الطوسي يقول: قال أبو الفرج العكبري: قال لي الشبلي رحمه الله: يا أبا الفرج، في ماذا تذهب أوقاتك؟ قلت: زوجة وصبيان. فقال: وتدع وقتاً أعز من الكبريت الأحمر أن يضيع في غير الله! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله غيور يحب كل غيور، وهو أن يغار على أوليائه أن يظهر عليهم سواه)) . فقال له أبو الفرج: فأنا غيور. فقال له الشبلي رحمه الله: غيرة البشرية للأشخاص، وغيرة الإلهية للوقت أن يضيع فيما سوى الله.


ومن الفتوة مخالفة هوى النفس ليظهر له بذلك طريق النفس:
كذلك حكي عن بعض العارفين أنه قال: من وقعت له مسألة في علم الإرادة. ولا يحضره الدليل، فلينظر أي حال أقرب إلى هوى نفسه، فليخالفها، فإنه يكشف له عن حقيقة الواقعة.


ومن الفتوة القيام لله، والقيام بالله، والقيام مع الله:
وعلامة القيام بالله أن لا يتهيأ للأشياء أن يزيلها، وليس له في الأحوال اختيار.
وعلامة القيام لله أن لا يكون لقيامه في الأحوال نهاية، ولا يسكن إلى المقامات، والكرامات، ولا يطلب الأعواض.
وعلامة القيام مع الله أن لا تكون الأشياء قائمة معه، ولا تحجبه عن الله. ولا تشغله عنه.


ومن الفتوة ما سئل عنها أبو الحسن البوشنجي رحمه الله:
فقال: حسن السر مع الله، أن تحب لإخوانك ما تحبه لنفسك، بل تؤثرهم على نفسك، لأن الله تعالى يقول: {يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) ، فمن اجتمعت فيه هاتان الخصلتان، صحت له الفتوة والتطرق.


ومن الفتوة أن لا يهتم العبد في وقت إلا لوقته:
كذلك سئل سهل بن عبد الله التستري رحمه الله، متى يستريح الفقير من نفسه؟ فقال: إذا لم ير لنفسه وقتاً غير الوقت الذي هو فيه.


ومن الفتوة استعمال التظرف في الأخلاق:
وهو ما سئل أبو سعيد الخراز، ما الفتوة؟ فقال: ترك المعلوم، والصبر على النفس، والإياس من الخلق، وترك السؤال والتعريض وكتمان الفقر، وإظهار الغنى والتعفف.


ومن الفتوة التفويض في الأحوال كلها:
وهو ما سمعت عبد الله الرازي يقول: كتبت هذا من كتاب أبي عثمان، وذكر أنه من كلام شاه رحمهم الله، قال: التفويض ترك الاختيار.


ومن الفتوة استعمال الكرم، ومواصلة القاطع، وإعطاء المانع، والإحسان إلى المسيء:
كذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ومن الفتوة سؤال الله العافية والشكر عليها إذا رزق:
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت أن وافقت ليلة القدر، ماذا أسأل ربي؟ فقال: سلي الله العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة.

سمعت أبا بكر بن أحيد يقول: سمعت أبا بكر الوراق يقول: كل عافية بدؤها عفو الله، ولولا عفو الله لم تكن عافية قط.

سمعت أبا الحسين بن مقسم يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: سمعت إبراهيم الخواص رحمهم الله يقول: العافية لا يحلها إلا نبي أو صديق.

سمعت أبا عثمان المغربي يقول: أكيس الناس من قدر على صحبة العافية.


ومن الفتوة أن لا تبخل بما معك إذا قدرت على بذله:
(قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: من سيدكم؟ قال: الجد بن قيس على إن فيه بخلاً. قال النبي عليه السلام: وأي داء أدوى من البخل))

سمعت أبا العباس البغدادي يقول: أخبرني محمد بن عبد الله الفرغاني، حدثنا أحمد بن مسروق، قال: كنت مع أبي نصر المحب في بعض طرقات بغداد، وكان عليه إزار جديد قيمته ثمانية دنانير، فاستقبلنا سائل يسأل بمحمد صلى الله عليه وسلم، فأخذ الإزار وطواه باثنين وشقه وأعطاه النصف، ومشى خطوات، ثم قال هذه نذالة. ورجع وطرح عليه النصف الآخر.


ومن الفتوة القناعة والرضا بالقليل لئلا يكون مستعبداً:
سمعت محمد بن الحسن يقول: حدثنا أحمد بن محمد بن صالح، حدثنا محمد بن عبدون، حدثنا حسن المسوحي، أخبرني بشر بن الحارث، ورآني يوماً بارداً، وعلي خلق، وأنا أرتعد من البرد، فنظر إلي وأنشأ يقول:
قطع الليالي مع الأيام في خلق ... والنوم تحت رواق الهم والقلق
أحرى وأعذر بي من أن يقال غدا: ... إني التمست الغنى من كف مختلق
قالوا رضيت بذي؟ قلت: القنوع غنى ... ليس الغنى كثرة الأموال والورق
رضيت بالله في يسري وفي عسري ... فلست أسألك إلا واضح الطرق


ومن الفتوة خصال عدها سري السقطي رحمه الله:
فيما أخبرني عنه محمد بن الحسن الخالدي، حدثنا أحمد بن محمد بن صالح، حدثنا محمد بن عبدون، حدثنا عبدوس بن القاسم، قال: سمعت سري السقطي رحمه الله يقول: خمس خصال فيهن الراحة: ترك خلطاء السوء، والزهد في الناس، وحلاوة العمل إذا غاب عن أعين الناس، وترك الإزراء على الناس حتى لا يدري أن أحداً يعصي الله.
ويسقط عن نفسه خمساً: الرياء، والجدل، والمراء، والتصنع، وحب المنزلة.
ويستريح من خمس: من البخل، والحرص، والغضب، والطمع، والشره.


ومن الفتوة تصحيح الأفعال والأحوال:
أخبرنا أبو العباس بن الخشاب، حدثنا أبو الفضل النيسابوري، حدثنا سعيد بن عثمان، قال: سمعت ذا النون المصري رحمه الله يقول: من صحح استراح، ومن تقرب قرب، ومن صفا صفي له، ومن توكل وثق، ومن تكلف ما لا يعنيه ضيع ما يعنيه.


ومن الفتوة التواضع وهو قبول الحق، واستعمال الخلق: ...............


ومن الفتوة أن يؤثر إخوانه بالراحات، ويحمل عنهم المشقات:
سمعت أبا العباس المخرمي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: سمعت أبا جعفر الحداد رحمه الله يقول: بضع عشرة سنة اعتقدت التوكل، وأنا أعمل في السوق، فآخذ كل يوم أجرتي، ولا أستروح منها إلى شربة ماء، ولا إلى دخلة حمام، وكنت أجيء بأجرتي إلى الفقراء، فأواسيهم بها في الشونيزية وغيرها، وأكون على حالي، فإذا جاء العشاء كنت أتقدم إلى الأبواب، أسأل كسرات فأفطر عليها.


ومن الفتوة الصبر على معاشرة الخلق والاكتفاء لمن لابد منه:
سمعت عبد الله بن محمد بن اسفندياران يقول: سمعت الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ رحمهم الله يقول: معاشرة الخلق بلاء، وفي الصبر فيهم عناء، فإن كان لابد، فاصحب الأتقياء، وتأدب بآدابهم، وتخلق بأخلاقهم، تكن من الأبرار في يوم القيامة غدا" اهـ.

الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 47-54)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء فبراير 11, 2020 1:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778


"ومن الفتوة التواضع وترك التكبر مع الإخوان:
سمعت علي بن محمد القزويني يقول: سمعت أبا الحسين المالكي يقول: قال بعض الحكماء: ليس عقوبات التكبر أن يستصغر الناس قدر صاحبه ويستثقلوا أمره.


ومن الفتوة إتمام الصنيعة إذا ابتدأت به:
أنشدني سعيد المعداني لأبي الحسن بن أبي الفضل:
بدأت بفضلٍ صار فرضاً تمامه ... وأنت لمفروض العوائد عائد
فاخطر ببالٍ منك أمري فإنه ... سيبقي لك الشكر الأيادي الخوالد
تلطف بما فيه صلاحي واتخذ ... يداً فإن الأيادي في الرقاب القلائد


ومن الفتوة أن لا يزدري بأحد من الخلق:
سمعت أبا القاسم جعفر بن أحمد الرازي يقول: سمعت أخي، أبا عبد الله يقول: قام بنان الحمال إلى مخنث، فأمره بالمعروف. فقال له المخنث: ارجع، كفاك ما بك وما بي، ويلك. قال: إنك خرجت من بيتك، وعندك أنك خير مني، يكفيك هذا.


ومن الفتوة تصديق الصادقين في الإخبار عن أنفسهم ومشايخهم، وترك الإنكار عليهم:
سمعت أبا القاسم المقرئ يقول: أوائل بركة الدخول في التصوف، تصديق الصادقين في الإخبار عن أنفسهم، ومشايخهم بنعم الله عليهم، وإظهار كراماته عليهم.


ومن الفتوة مقابلة جفوة الإخوان بالإحسان والعتب بالاعتذار:
سمعت عبيد الله بن عثمان بن يحيى يقول: سمعت جعفر بن محمد بن نصير بن مسروق يقول: جفوت مرة أبا القاسم الحداد رحمه الله، فكتب إلي:
ستذكرني إذا جربت غيري ... وتعلم أنني لك كنت كنزا
بذلت لك الصفاء بكل ود ... وكنت كما هويت، فصرت حزا
وهنت إذا عززت وكنت ممن ... يهون إذا أخوه عليه عزا
ستنكت نادماً في الأرض مني ... أتعلم أن رأيك كان عجزا
فرجعت إليه، قال: ما هززتك للاعتذار، لكن اشتملت بك إلى الوفاء.


ومن الفتوة كرم الصحبة والقيام بحسن الأدب فيها. وهو:
أن يصحب من فوقه بالتعظيم،
ويصحب أشكاله بالموافقة والألفة،
ويصحب من دونه بالعطف والشفقة والرحمة،
ويصحب الوالدين بالخضوع والمطاوعة،
ويصحب الأولاد بالرحمة، وحسن التأديب،
ويصحب الأهل بحسن المداراة،
ويصحب الأقارب بالبر والصلة،
ويصحب الإخوان بصدق المودة، ودفع المجهود في المحبة،
ويصحب الجيران بكف الأذى،
ويصحب العامة ببشاشة الوجه، ولين الكف،
ويصحب الفقراء بتعظيم حرماتهم ومعرفة أقدارهم،
ويصحب الأغنياء بإظهار الاستغناء عنهم،
ويصحب العلماء بقبول ما يشيرون به عليه،
ويصحب الأولياء بالتذلل والانقياد لهم، وترك الإنكار عليهم،
ويجتنب في أوقاته صحبة المبتدعين والمدعين والمظهرين بالزهد رغبةً في استتباع الناس، وأخذ ما في أيديهم.


ومن الفتوة معرفة أقدار الرجال:
سمعت جدي يقول: كان أبو عثمان يقول من جل مقداره في نفسه، جلت أقدار الناس عنده.
ومن صغرت قدره في نفسه، صغر أقدار الناس عنده.


ومن الفتوة أن لا يخون الأصحاب والإخوان فيما يفتح لهم:
سمعت منصور ابن عبد الله يقول: سمعت ربيع الكامخي بالرملة يقول: كنت أجالس الفقراء، ففتح علي بدريهمات، فخرجت بها إليهم، فخاطبتني نفسي أن آخذ منها درهماً لنفسي، فأخذت درهماً، فخرجت بها إليهم، فلما كان بعد أيام، هاج في قلبي شهوة، فخرجت إلى السوق، فدفعتها إلى البقال، فإذا الدرهم قد صار نحاساً، فردها علي، فترددت إلى السوق مراراً، كل ذلك يرد علي، فرجعت إلى الأصحاب، وقلت: يا أصحابنا، اجعلوني في حل، فقد غششتكم بهذا الدرهم، فاستلبوا الدرهم من يدي، وخرجوا به إلى السوق، واشتروا به خبزاً وعنباً، فجاءوا به، فجلسنا وأكلنا.


ومن الفتوة إسقاط العجب عن النفس جهده:
كذلك قال إبراهيم الخواص رحمه الله: العجب يمنع من معرفة قدر النفس، والعجلة تمنع من إصابة الحق، والرفق والحزم يمنعان من الندامة، ولا قوة إلا بالله.


ومن الفتوة أن لا تلجئ إخوانك إلى الاعتذار:
سمعت عبد الله بن محمد الدامغاني يقول: سمعت الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ الرازي- رحمه الله- يقول: ليس بصديق من ألجأك إلى الاعتذار، وليس بصديق من لم يعطك قبل السؤال.


ومن الفتوة مجانبة الحسد:
سمعت أبا القاسم إبراهيم بن محمد النصرآباذي يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول: من علامة الفتيان أن لا يحسدوا أحداً على ما أتاه الله من فضله، ولا يعيروا أحداً على ذنب، مخافة أن يبليهم الله بمثله. وأن يرضوا بما قضى الله لهم وعليهم.


ومن الفتوة استعمال الأخلاق الجميلة:
سمعت النصر آباذي يقول: سمعت بعض فتياننا يقول: حسن الخلق هو التمسك بكتاب الله، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبسط الوجه، وكف الأذى، وبذل المعروف، وهو الذي اختاره الله تعالى لنبيه عليه السلام، بقوله: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} .


ومن الفتوة ما ذكره أبو بكر الوراق رحمه الله. قال:
كان الفتيان في الزمن الأول يمدحون الإخوان ويذمون أنفسهم، فاليوم يمدحون أنفسهم ويذمون إخوانهم. وكانوا يختارون للإخوان التنعم والراحة، ولأنفسهم الشدة والمكابدة. والآن يختارون للإخوان الشدة ولأنفسهم التنعم والراحة.


ومن الفتوة أن يشتغل الإنسان بوقته دون ذكر ما مضى. وما هو آت:
سمعت عبد الله بن يحيى يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا أحمد بن شاهويه، حدثنا يحيى بن معاذ رحمه الله، قال: حسرة أمور مضت، وتدبير أمورٍ بقيت، أذهبت ببركة عمرك.


ومن الفتوة ما سمعت عبد الله بن يحيى، قال:
سمعت جعفر يقول: حدثنا محمد بن الفضل، عن أحمد بن خلف يقول: سمعت أحمد بن شاهويه، سمعت يحيى بن معاذ يقول: ثلاث خصال تصلح لك أعمالك وأخلاقك، أن تلاحظ الأغنياء بعين النصيحة لا بعين البغي، وتلاحظ الفقراء بعين التواضع لا بعين الكبر، وتلاحظ النساء بعين الشفقة لا بعين الشهوة.


ومن الفتوة الإنفاق على الإخوان:
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الكتاني يقول: كل نفقة العبد يسأل عنها، إلا نفقة الأخ على أخيه، فإن الله يستحي أن يسأله عنها.


ومن الفتوة الشفقة على المطيعين والعصاة:
سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول: سمعت أبا بكر الحربي يقول: سمعت إبراهيم الأطروش يقول: كنا قعوداً مع معروف الكرخي رحمه الله على الدجلة، إذ مر بنا قوم أحداث في سمارية يلعبون ويضربون بالدف، ويشربون، فقال بعض أصحابه: يا أبا محفوظ أما ترى إلى هؤلاء في هذا البحر يعصون ربهم. ادع الله عليهم. قال: فرفع يده إلى السماء، وقال: إلهي وسيدي أسألك أن تفرحهم في الآخرة، كما فرحتهم في الدنيا. فقال له بعض أصحابه: إنما قلنا ادع الله عليهم. فقال: إخواني، إذا فرحهم في الآخرة، تاب عليهم.


ومن الفتوة أن تنسى معروفك عند إخوانك. وتعرف مقاديرهم:
سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز يقول: سمعت أبا القاسم إسحاق بن محمد يقول: قلت لأبي بكر الوراق وقت مفارقتي إياه: من أصحب؟
قال: اصحب من ينسى معروفه عندك، وإياك ومن يحفظ مساوئك، ويعدد ذلك عليك ليلاقيك أو يقول ذلك فيك، ولا تصحب من قدرك عنده على قدر حاجته إليك.


ومن الفتوة أن يراعي العبد سره وباطنه أكثر من مراعاة ظاهره؛ لأن السر موضع نظر الله تعالى والظاهر موضع نظر الخلق.
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا يعقوب السوسي يقول: من الناس من يجتهد في حفظ لسانه خمسين سنة أن يجري عليه لحنٌ، ولا يحفظ سره حتى لا يجري عليه لحن، والمغبون من يكون هذه صفته.


ومن الفتوة حفظ الآداب في العشرة:
كما قال سهل بن عبد الله: عاشر أعداءك بالعدل، وأصدقاءك بالكرم والوفاء.


ومن الفتوة حفظ الأدب في الخلوات مع الله تعالى.
سمعت أبا نصر الأصبهاني يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: ما مددت رجلي في الخلوة قط. واستعمال الآداب مع الله أولى.

وسمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت عمر البسطامي رضي الله عنه يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا يزيد رحمه الله يقول: قمت ليلة أصلي فعييت، فجلست ومددت رجلي، فسمعت قائلاً يقول أو هاتفاً: من يجالس الملوك يجب أن يجالسهم بحسن الأدب.


ومن الفتوة حفظ المودة القديمة:
كذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله يحب حفظ الود القديم)) .

سمعت أبا بكر الرازي [يقول] : سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول: سمعت أبا محمد المغازلي يقول: من أراد أن تدوم له المودة، فليحفظ مودة إخوانه القدماء.


ومن الفتوة ستر الأحوال:
كما قال سهل بن عبد الله: خمسة أشياء فيها جوهر النفس:
فقيرٌ يظهر الغنى، وجائعٌ يظهر الشبع، ومحزونٌ يظهر الفرح، ورجلٌ بينه وبين إنسان عداوة فيظهر له المحبة، ورجلٌ يصوم النهار ويقوم الليل ولا يظهر ضعفاً.


ومن الفتوة مراقبة الظاهر والباطن:
قال أبو علي الجوزجاني: إن الاستقامة: هي إقامة القلب مع الله بالموافقة، ومجاهدة الظاهر بالمخالصة.


ومن الفتوة مجانبة الهوى وإزالة المعاتبة:
لا تدع ذمامك في يدي هواك، فيكون قائدك إلى الظلمة، لأنها خلقت من الظلمة.
واتبع العقل، فإن العقل يقودك إلى الأنوار، والمواصلة إلى الجبار.


ومن الفتوة تطهير البدن من المخالفات وتزيينها بالموافقات:
لذلك حكي عن أبي علي الجوزجاني أنه قال:
زين نفسك بالورع والزهد، واغسلها بالخوف والحزن، وألبسها ثواب الحياء والحب، ثم سلمها إلى ربك بالرضا والتفويض ليحوطها لك.


ومن الفتوة مجانبة قرناء السوء لئلا يقع في بليةٍ:
سمعت عبد الله بن محمد ابن اسفندياران الدامغاني بها يقول: سمعت الحسن بن علويه يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول:
على قدر اختلاطك بخلطاء السوء، تقع في التخليط. ومن حفظ ظاهره عن صحبتهم ومخالطتهم، حفظ الله عليه باطنة أن يرغب فيهم ويميل إليهم.


ومن الفتوة أن يبخل العبد بدينه. ويجود بماله.
كذلك سمعت عبد الله بن محمد بن اسفندياران الدامغاني بها يقول: سمعت الحسن بن علويه، يقول: سمعت يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله يقول: المؤمن يخدع عن ماله ولا يخدع عن دينه، والمنافق يخدع عن دينه ولا يخدع عن ماله.


ومن الفتوة أن يختار العبد سيده على جميع الأحوال والعروض:
سمعت أبا علي البيهقي يقول: سمعت أبا بكر محمد بن يحيى الصولي يقول: بلغني أن أمير المؤمنين المأمون رحمه الله دخل يوماً داره، فقال لحاشيته وغلمانه: من أخذ من هذه الدار شيئاً فهي له. قال: فعدا كل واحد منهم، وأخذ منها ما أمكنه، وكان غلامٌ واقفاً على رأسه لا يلتفت إليهم، ولا إلى شيء مما أخذوه.
فقال المأمون للغلام: خذ أنت أيضاً شيئاً.
فقال: حقيقة تقوله يا أمير المؤمنين. إن ما أخذته فهو لي؟
فقال: نعم.
فقال: فجاء الغلام وعانق المأمون أمير المؤمنين وتعلق به، فقال: أنا لا أريد غيرك، فأعطاه أضعاف ما أخذ الجماعة، وكان بعد ذلك لا يرى به أحداً.


ومن الفتوة أن لا يغفل عن إخوانه في وقت من الأوقات.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين" اهـ .

الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 55-63)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين فبراير 17, 2020 2:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"بسم الله الرحمن الرحيم عليه توكلت، وإليه أنيب

ومن الفتوة أن لا يغفل عن إخوانه في وقت من الأوقات:
قال أبو محمد الجريري: الوفاء هو إقامة السر عن رقدة الغفلات، وفراغ الهم عن فضول الآفات.


ومن الفتوة الاستغناء عن الناس، وأن لا يذل لهم بسبب طمع:
لذلك قال معاوية بن أبي سفيان رحمه الله: من قبل صلتك فقد باعك مروءته، وأذل لقدرتك عزه.

أنشدني القاضي أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي لمحمد بن حازم:
للبس ثوبين باليين ... وطي يومٍ وليلتين
أهون من منة لقومٍ ... أغض منها جفون عين
وإني وإن كنت ذا عيالٍ ... قليل مالٍ كثير دين
لمستعف برزق ربي ... حوائجي بينه وبين


ومن الفتوة السرور بلقاء الإخوان:
قال إسماعيل بن أمية: لقاء الإخوان وإن كان يسيراً غنمٌ كثيرٌ.

وقال ابن المبارك رحمه الله: لقاء الإخوان عونٌ على الدين ومسلاةٌ للهموم.

وقال سفيان الثوري رحمه الله: لم يبق في الدنيا شيء أستلذ به إلا لقاء الإخوان.


ومن الفتوة الابتداء بالصنيعة قبل المسألة:
قال سعيد بن العاص رحمه الله: أحسن المعروف ما كان ابتداء من غير مسألة، فأما إذا أتاك يدور دمه في وجهه، لا يدري أتعطيه أم تمنعه، فوالله لو خرجت له عن جميع ملكك، ما كان مكافأة لذلك.

أنشدني أبو ذر المنذر بالكوفة لبعضهم:
لعن الله نائلاً أرتجيه ... من يدي من أريد أن أقتضيه


ومن الفتوة البدار إلى قضاء حوائج الإخوان:
قال سفيان الثوري رحمه الله: ليس من أخلاق الكرام التواني عن قضاء حوائج الإخوان إذا استمكن منها.

وقال المأمون للفضل بن الربيع: اغتنم قضاء حوائج من رفع إليك حاجة، فإن الدهور أجور، والفلك أدور، والعمر أقصر من أن يتم حال أو يدوم سرور.


ومن الفتوة التلطف بالفقراء والحياء من الأشراف:
قال الأعمش: كان إبراهيم عليه السلام إذا أتاه الرجل الضعيف، أقبل عليه، وإذا أتاه الشريف استحيى منه.


ومن الفتوة الحلم عن السفيه، والصفح عن المسيء:
أخبرنا أبو بكر المفيد إجازة، حدثنا محمد بن عيسى القرشي، سمعت أبي يقول: أوصى رجل ابنه فقال: يا بني، احلم عمن سفه عليك، واصفح عمن أساء إليك، ودع للصلح موضعاً لديك، ليسلم لك أصدقاؤك، ويستحي منك أعداؤك.


ومن الفتوة أن لا يمل إخوانه، ويثبت على مودته:
سمعت الشيخ أبا سهل محمد بن سليمان يقول: أنشدنا ابن الأنباري، قال: أنشدنا أحمد بن يحيى:
وليس خليلٌ بالملول ولا الذي ... إذا غبت عنه باعني بخليل
ولكن خليلٌ من يدوم وصاله ... ويحفظ سري عند كل دخيل

سمعت أبا الفتح القواس الزاهد ببغداد يقول: من مل إخوانه بلا سبب، فاعلم أن مودته لم تكن إلا لطمع.


ومن الفتوة أن يكون العبد شريف الهمة في أمر دينه ودنياه:
سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سمعت جعفر بن محمد الخواص يقول: سمعت الجنيد رحمه الله يقول: قيمة كل امرئ همته فمن كانت همته الدنيا، فقيمته لا شيء، ومن كانت همته الآخرة، فقيمته جنةٌ عرضها السموات والأرض، ومن كانت همته رضا الله تعالى، فلا قيمة له في السموات والأرضين غير الرضوان. قال الله تبارك وتعالى: {ورضوانٌ من الله أكبر} .

قال أبو الطيب الشيرازي: قلت لأبي بكر الطمستاني رحمه الله وقت مفارقته: أوصني. فقال: الهمة الهمة.

أنشدني أبو علي الجعفري البصري، قال: أنشدني إسماعيل بن عباد لنفسه:
وقائلة لم علتك الهموم ... وأمرك ممتثلٌ في الأمم
فقلت: ذريني في غصتي ... فإن الهموم بقدر الهمم

سمعت أبا أحمد الحيري يقول: سمعت أبا علي الثقفي يقول: كن شريف الهمة، فإن الهمم كحملة الأشياء لا النفوس، وأنشد:
حملتم القلب ما لا يحمل البدن ... والقلب يحمل ما لا يحمل البدن


ومن الفتوة أن يحفظ العبد على نفسه هذه ستة الأشياء، ولا يخل بواحدة منها:
الأمانة،
والصيانة،
والصدق،
والصبر،
والأخ الصالح،
وإصلاح السريرة.
فمن ضيع واحدة منها، فقد خرج عن حدود اليقين.

قال بعض الحكماء: من وجدت منه هذه ستة الأشياء، فاحكم له بالفتوة التامة، وهو أن يكون:
شاكراً بقليل النعمة،
صابراً على كثير الشدة،
يداري الجاهل بحلمه،
ويؤدب البخيل بسخاوته،
ولا يزيد فيما يعمله لمحمدة الناس،
ولا ينقص مما كان يعمل من قبل مذمتهم.

وقال يحيى بن معاذ رحمة الله: الفتوة: الصفاء، ثم السخاء، ثم الوفاء، ثم الحياء.

وقال أبو الحسين بن سمعون رحمه الله: الفتوة: أن لا تعمل عملاً في السر تستحي منه في العلانية.

وقال أبو الحسين المالكي رحمه الله: الفتوة: كرم الأخلاق، وصفاء الأسرار.

وقال أبو عمرو الدمشقي رحمه الله: الفتوة:
النظر إلى الخلق بعين الرضا،
وإلى نفسك بعين السخط،
ومعرفة حقوق من هو فوقك، ودونك، ومثلك،
وأن لا تعرض عن إخوانك بزلة أو جفوة أو بلاغ كذب، فمن أحب أخاً من إخوانه، يجب عليه أن يرى جفاءه وفاءً، وإعراضه إقبالاً، ولا يسخط منه حالاً، ولا خلقاً، فإذا لم يكن هكذا، كانت محبته مدخولة.

أنشدنا أبو سعيد الرازي، قال: أنشدنا ابن الأنباري:
سألزم نفسي الصفح عن كل مجرمٍ ... وإن كثرت منه علي الجرائم
فما الناس إلا واحدٌ من ثلاثة ... شريفٌ، ومشروفٌ، ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره ... وألزم نفسي الحق، والحق لازم
وأما الذي مثلي فإن زال أو هفا ... علمت بأن الحكم للفضل حاكم
وأما الذي دوني فإن قال، صنت عن ... مقالته عرضي وإن لام لائم


ومن الفتوة أن يكافئ بالمودة مثله؛ لأنه لا جزاء للمودة إلا المودة:
أخبرنا أبو بكر المفيد إجازة، حدثنا الحسين بن إسماعيل الربعي، حدثنا الفهري، عن ابن المبارك رحمه الله، قال: من جمع لك مع المودة الصافية رأياً حسناً، فاجمع له مع المودة الخالصة طاعة لازمة.


ومن الفتوة الشفقة على الإخوان في كل الأحوال:
كذلك سئل الجنيد رحمه الله عن الشفقة على الخلق، فقال: أن تعطيهم من نفسك ما يطلبون، ولا تحملهم ما لا يطيقون، ولا تخاطبهم بما لا يعلمون.

وسئل بعضهم: كيف شفقتك على إخوانك؟
فقال: إن الذباب ليسقط على وجهه، فأجد لذلك ألماً.

وأنشدت في معناه:
وأشفق أن تمشي على الأرض غيرة ... فليتك خدي ما حييت وطيتا

سئل رويم رحمه الله: كيف شفقتك على إخوانك؟
فقال: يا أخي، اعلم أنه ما سرني شيء في الدنيا إلا سرور إخواني، ولا أحزنني منها شيء إلا ما حزنوا عليه.

وسئل بعض الفتيان، كيف محبتك لإخوانك؟
وكيف شفقتك عليهم؟
فقال: أحسد عيني إذا أبصرتم. كيف لا تكون جوارحي كلها عيوناً فتبصرهم؟!
وأحسد سمعي إذا سمع كلامهم كيف لا تكون جوارحي كلها سمعا، فيسمع كلامهم!

قال: وكنت ليلة عند الخضري رحمه الله، فغنى قوالٌ:
غنت فلم تبق في جارحةٌ ... إلا تمنيت أنها أذن
فقال له الشيخ: ما للأحباب والتمني! قل: إلا تحققت أنها أذن.

وأنشدت لبعضهم في قريب من هذا:
وفي الإشفاق إني لأحسد ناظري ... عليك حتى أغض إذا نظرت إليك
وأراك تخطر في شمائلك التي ... هي فتنتي، فأغار منك عليك
من فرط إشفاقي ودقة غيرتي ... أني أغار عليك من ملكيك
ولو استطعت جرحت لفظك ... عامداً إني أراه مقبلاً شفتيك

وسئل بعضهم: كيف شفقتك ومحبتك لصديقك؟
فقال: أشتهي إذا رأيته أن لا أرى شيئاً سواه حتى أراه. وإذا سمعت كلامه أشتهي أن لا أسمع شيئاً حتى أسمعه.

وأنشدت في هذا المعنى:
ولو أني استطعت غمضت عيني ... فلم أبصر بها حتى أراكا

وقال بعضهم:
أضمني سرهم أيام فرقتهم ... هل كنت تعرف سرا يورث الصمما


ومن الفتوة أن يتعهد الإنسان حال من ولاه الله أمرهم، ويهمل تعهد نفسه:
روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يشبع عبيده ويجوع، ويكسوهم ويعرى، ويؤثرهم بأسباب الإرفاق، ويقول: أهون شيء على نفسي لما اتيقن من شرها.


ومن الفتوة أن يجتنب الإنسان الغضب جملة:
حكي عن معاوية بن أبي سفيان رحمه الله أنه قال: ما غضبي على ما أملكه، وما غضبي على من لا أملكه. إن كنت مالكاً، فإني قادرٌ على الانتقام، فلم ألزم نفسي الغضب، وإن كنت غير مالك فلا يضره غضبي، فلم أدخل الغضب على نفسي.


ومن الفتوة أن يحفظ عليه آداب الأوقات:
سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت جعفر الخلدي يقول: سمعت الجنيد يقول: أرفع الأعمال حفظ آداب الأوقات، وهو أن لا يطالع العبد غير حده، ولا يقارن غير وقته، ولا يواقف غير ربه.

وقال محمد بن علي الترمذي رحمه الله: ما أحدٌ قام بحفظ الأدب في كل الأوقات والأحوال إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال في الدنيا: ((أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك)) .
وقال: ((أعوذ بك منك)) .
وأما حين كان في الحضرة فأخبر الله- تعالى- عنه: فحلاه ربه عز وجل إذ ذاك بأحسن حلية، وهو قوله مثنياً عليه: {وإنك لعلى خلق عظيم} .


ومن الفتوة أن يرى العبد الخير كله في إخوانه، ويبرئ نفسه منه لما يعلم من شرها:
سمعت جدي رحمه الله يقول: سمعت أبا عبد الله السجزي يقول: لك فضل ما لم تر فضلك، وإذا رأيت فضلك فلا فضل لك.

سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت أبا علي الأنصاري يقول: سمعت الشاه بن شجاع الكرماني رحمه الله يقول: لأهل الفضل فضلٌ ما لم يروه، فإذا رأوه فلا فضل لهم. ولأهل الولاية ولايةٌ. ما لم يروها، فإذا رأوها فلا ولاية لهم.

وقال الشاه لأبي حفص رحمهما الله: ما الفتوة؟ قال: استعمال الأخلاق.


ومن الفتوة أن يخلص لإخوانه ظاهراً وباطناً ومغيباً ومشهداً:
سمعت الحاكم أبا أحمد الحافظ يقول: قال بعض الحكماء: إن من مواجب الإخوة على الفتيان، مودة الأخ لأخيه بقلبه خالصاً، وتزينه بلسانه، ورفده بماله، وتقويمه بأدبه، وحسن الذب عنه في غيبته) اهـ.

الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 67-74)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 19, 2020 11:16 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
"ومن الفتوة أن يصحب الإنسان من فوقه في الدين، ومن دونه في الدنيا:
قال عثمان بن حكيم: اصحب من هو فوقك في الدين، ومن هو دونك في الدنيا، فإن صحبة من فوقك في الدين تصغر في نفسك طاعاتك، وصحبة من دونك في الدنيا تعظم في عينك نعم الله تعالى.

وقال داود الطائي رحمه الله: اصحب المتقين فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة، وأكثرهم لكل معونة.


ومن الفتوة أن يثق العبد بربه في كل أحواله:
قال سفيان بن عيينة: قيل لأبي حازم: ما مالك؟ فقال: لي مالان: الثقة بالله، والإياس مما في أيدي الناس.


ومن الفتوة أن تكون شفقة العبد على أصدقائه أكثر من شفقته على أقاربه:
سمعت الحسين بن يحيى الشافعي يحكي عن جعفر بن محمد الصادق قال: من لم يكن لأخيه كما يكون لنفسه لم يعط الإخوة حقها، ألا ترى كيف حكى الله تعالى في كتابه، أن في يوم القيامة يفر الابن من أبيه، والأخ من أخيه، ثم ذكر في ذلك الموقف شفقة الأصدقاء بقوله تعالى: {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} .


ومن الفتوة حفظ الجوارح ظاهراً وباطناً:
سئل أبو الحسن البوشنجي: ما الفتوة؟ فقال: أن لا تعمل شيئاً تستحي من كرام الكاتبين في ذلك.

وقال حذيفة المرعشي رحمه الله: إنما الفتوة حفظ أربعة أشياء: عينك ولسانك وقلبك وهواك، فالزم عينك أن لا تنظر إلى ما لا يحل لها،
وانظر لسانك لا تقل به إلا ما وافق الصواب والحق.
وانظر قلبك لا يكون فيه على مسلم غش وحقد.
وانظر هواك لا يهوى شيئاً من الشر.


ومن الفتوة ما سألت عنها أبا الحسين بن سمعون رحمه الله. فقال: هي خصال:
أحدها: قلة الخلاف،
وحسن الإنصاف،
وإسقاط طلب العثرات،
وتحسين ما يبدو من العثرات،
والتماس المعذرة،
واحتمال الأذى،
والرجوع باللائمة على النفس،
وطلاقة الوجه للصغير والكبير،
وبذل المعروف والنصيحة للخلق، وقبول النصيحة منهم،
ومؤاخاة الأولياء،
ومداراة الأعداء.
هذه ظواهرها إلى أن نتكلم في حقائقها.


ومن الفتوة أن يستوي سر العبد وعلانيته:
فقد حكى أبو دجانة عن ذي النون المصري رحمهم الله، أنه قال: من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية، فليس لنفسه عنده خطر ولا قدر.


ومن الفتوة تجريد السر عن الأكوان، ومن فيها وما فيها:
قال أبو العباس ابن عطاء: من لم يتجرد عن الدنيا بسره، ولم يتخلى عن الخلق بسره، ولم يتجرد عن نفسه بسره كيف يتفرد لمولاه؟! فمن تجلى بسره عما سواه، وتفرد بسره مع مولاه، كشفت له الغطاء، فيميز بين ما يرضي مولاه وما يسخطه.


ومن الفتوة أن يعتمد الإنسان فمخالفته على ربه دون غيره، فإن بعض السلف قال لرجل من العقلاء: لو اتخذت ضيعة، فادخرتها لعيالك وأولادك. فقال: بئس ما أشرت به علي، بل أدخرها عند ربي لنفسي، وأدخر لعيالي وأولادي ربي.


ومن الفتوة إيثار موافقة الأصدقاء على موافقة الأقارب و [.. .. ..].
أنشدني علي بن عمر الحافظ ببغداد، قال: أنشدني أبو علي الحافظ، قال: أنشدني بشر بن موسى لبعضهم:
أميل مع الصديق على ابن أمي ... وآخذ للصديق من الشقيق

وإن ألفيتني حراً مطاعاً ... فإنك واجدي عبد الصديق

أفرق بين معروفي ومني ... وأجمع بين مالي والحقوق


ومن الفتوة انتباهي في كريمة الإخوان:
كذلك ذكر أبو محمد الجريري، قال: دعانا ابن مسروق الله إلى بيته، فاستقبلنا صديقٌ لنا، فسألناه أن يساعدنا إلى بيت الشيخ. وقلنا: نحن في دعوته. فقال: كيف أجيء وهو لم يدعني. ثم قال: لا أخالف إخواني. فحضر معنا، فلما بلغنا باب الشيخ، أخبرنا الخبر، فقال له الشيخ: جعلت موضعي من قلبك أن تجيء إلى منزلي من غير أن أدعوك. علي كذا وكذا إن مشيت إلى موضع جلوسك إلا على خدي. قال: وألححنا عليه وحلف. فبسطنا له رداءً على الأرض، فوضع عليه خده، وحملنا الفتى بين اثنين يضع قدمه على خده حتى بلغ مجلسه.


ومن الفتوة الصبر على الإخوان وترك الاستبدال بهم:
فإنه روي أن داود النبي عليه السلام قال لابنه سليمان عليه لسلام: لا تستبدلن بأخ لك قديم، أخاً مستفاداً، استقام لك منه حاله فإنك إن فعلت ذلك تغيرت نعم الله تعالى عليك. ولا تستقل عدواً واحداً، ولا تستكثر ألف صديق.


ومن الفتوة الصبر على تدبير الله له:
حكي أن رجلاً شكا إلى حكيم فقال: يا أخي أمُدِّبراً غير الله تعالى تريد؟

وقال بعضهم: من لم يصبر على تدبير الله تعالى له لم يصبر على تدبيره لنفسه.

وقال الواسطي رحمه الله: من رأى نفسه لله ورأى الأشياء لله، استغنى عن جميع الأشياء بالله.

وقال أبو العباس الدينوري رحمه الله: من دبر لنفسه ندم في عواقب أمره، ومن رضي بتدبير الله تعالى له حمد ابتداء أمره وانتهاءه.


ومن الفتوة قيام الأكابر إلى خدمة الأصاغر إذا دعاه أو كان عنده،
وترك الأنفة عن القيام إلى خدمة الضيف
:
أخبرنا علي بن الحسن بن جعفر الرضا الحافظ ببغداد، حدثنا أحمد بن الحسن دبيس الخياط، حدثنا سليمان بن الفضل البلخي حدثنا ابن أكثم، قال: كنت ليلة عند المأمون أمير المؤمنين رحمه الله، فعطشت في جوف الليل، فقمت لأشرب، فقال: ما لك يا بني، ليس تنام؟
قلت: أنا والله عطشان يا أمير المؤمنين.
فقال: ارجع إلى موضعك.
وقام والله إلى البرادة فسقاني كوز ماء، وقال لي: لؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه. ألا أخبرك.. .. ألا أطرفك.. .. ألا أحدثك؟ فقال: حدثنا الرشيد، حدثنا المهدي حدثنا المنصور، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: حدثني جرير بن عبد الله رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لؤم بالرجل أن يستخدم ضيفه)) .


ومن الفتوة حفظ الوفاء في المودة والأخوة:
أخبرنا أبو الحسن بن مقسم المقرئ ببغداد، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن السكري، حدثنا أبو يعلى، حدثنا الأصمعي، سمعت أعرابياً يقول: ود أهل الوفاء، وإن كان يسيراً حظٌ عزيزٌ.


ومن الفتوة العيش بعد مفارقة الإخوان والأحبة:
سمعت الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: رؤي الجنيد رحمه الله يوماً جالساً متفكراً مهموماً، فقيل له: ما الذي أحزنك يا أبا القاسم؟ فقال: فقدت السر في الخلوة، وفقدت الإخوان الذين كنت آنس بهم، ودون هذا مما يهد البدن ويشغل القلب، وأنشد:
ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأقوام

أنشدنا علي بن عمر الحافظ ببغداد، قال: أنشدنا يزدان الكاتب لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر:
لو أن نفس الحر في كفه ... رمى بها بعد أحبائه
واسوأتا للمرء في ساعة ... يعيشها بعد أخلائه

وأنشدنا أيضاً في هذا المعنى:
غابوا فصار الجسم من بعدهم ... ما تبصر العين لهم فيا
بأي وجه أتلقاهم ... إذا رأوني بعدهم حيا
واخجلتا منهم ومن قولهم ... ما ضرك الفقد لنا شيا

سمعت محمد بن الحسن الخالدي البغدادي يقول: سمعت ابن خالويه يقول: قيل لابن جرير: أرأيت قول أبيك: لو كنت أعلم أن آخر عهدهم يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل. ماذا كان يفعل لو علم ذاك؟ فقال: كان يقلع حدقتيه، فلا يرى موقف الفراق.

أنشدنا محمد بن طاهر الوزيري، قال: أنشدني سعيد بن عبد الله البغدادي لبعضهم:
ما كنت أعلم ما في البين من حزن ... حتى تنادوا بأن قد جيء بالسفن
قامت تودعني والدمع يغلبها ... كما تميل نسيم الريح بالغصن
وأعرضت ثم قالت وهي باكيةٌ ... يا ليت معرفتي إياك لم تكن


ومن الفتوة إتمام العارفة بمداومتها. ومواصلتها بأعوانها:
أخبرنا علي بن عمر الحافظ، أخبرنا الحسن بن إسماعيل القاضي، حدثنا عبد الله بن أبي سعيد، حدثنا هارون بن ميمون، حدثنا أبو خزيمة بن عيسى قال: قال المهدي أمير المؤمنين: ما توسل أحد إلي بوسيلة، ولا تذرع بذريعة هي أقرب إلى ما يحب من تذكيري يداً أسلفت مني إليه أتبعها بأخرى، وأحسن ربها، لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.


ومن الفتوة الأخذ بهذه الآداب والمواعظ:
التي أخبرناها أبو عبد الله محمد بن العباس العصمي، حدثنا محمد بن أبي علي الخلادي، حدثنا محمد بن الحسن الرملي. حدثنا علي بن محمد المرهني، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق العباسي، عن عبد الله بن الحجاج مولى المهدي، عن إبراهيم بن شكلة، قال:
إذا آخيت أخاً فلا تشك في أنه يخطئ ويصيب،
ويحسن ويسيء،
ويحفظ ويضيع.
فوطن نفسك على الشكر إذا حفظ،
وعلى الصبر إذا ضيع،
وعلى المكافأة إذا أحسن،
وعلى الإساءة إذا أساء،
فإن في معاتبة الصديق استدامة للود. وقد قيل: ظاهر العتاب خير من مكتوم الحقد.


ومن الفتوة حفظ عهود الإخوان على القرب والبعد:
أخبرنا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: سمعت ابن الأنباري، قال أنشدت ليزيد المهلبي:
أن تغيبي عنا فسقياً ورعياً ... أو تحكي بنا فأهلاً وسهلا
لا تخافي إن غبت أن نتناساك ... ولا إن وصلتنا أن نملا


ومن الفتوة أن لا يسمع مذمة إخوانه بحال:
أنشدنا يوسف بن صالح، قال: أنشدنا ابن الأنباري لبعضهم:
لا أعير الدهر سمعي ... ليعيبوا لي حبيبا
لا ولا أحفظ عندي ... للأخلاء عيوبا
أحفظ الإخوان كيما ... يحفظوا عني المغيبا


ومن الفتوة أن لا يعتد بمعروفه ولا يحصيه:
أخبرنا أبو أبو عمرو بن مطر، حدثنا جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ، حدثنا علي بن خشرم، حدثنا محمد بن الفضيل، قال: قال ابن شبرمة: لا خير في المعروف إذا أحصى" اهـ.


الفتوة لأبي عبد الرحمن السلمي (ص: 75-82)


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 9 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 29 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
cron
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط