موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 17 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 29, 2016 12:02 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صل الله عليه وآله وصحبه وسلم
كتاب أدب السالك في طريق سيدنا محمد
الطبعة الأولى - 12 يوليو 1982 – 21 رمضان 1402
الكاتب السيد /محمود محمد طه
الإهــداء

الى الراغبين في الله، السالكين اليه من جميع الطرق، ومن جميع الملل!!
كنّا قد قررنا في كتبنا أنّ طريق سيدنا محمد صل الله عليه وآله وصحبه وسلم عبادة بالليل، وخدمة بالنهار - خدمة لله بالليل، وخلوة به، ومناجاة له بحديثه، على تقلب، وسجود!!
وخدمة لخلق الله بالنهار، وبرّا بهم، وكلفا بتوصيل الخير لهم، في محبة، وفي إخلاص، وفي ايثار!!
هذا هو الطريق: عبادة لله، ومعاملة للناس!! وأدب الطريق هو روح الطريق!!
هو روح العبادة لله - هو العبودية لله، فإن كل عبادة لا يكون فيها قدر، ولو يسير من العبودية، تكون جسدا بلا روح!!
وأدب الطريق هو حسن الخلق مع الناس!! هو، في كلمة، التواضع!!
فإن كل معاملة للناس لا يكون روحها التواضع قد يكون بها الإستطالة على الناس، والعجب بالنفس، وقد يأتي منها المن، والأذى، للناس!!
العبودية لله هي تأخير العبد نفسه وتقديمه الله عليها!! وذلك هو الأدب!!
والتواضع للناس هو تأخير الإنسان نفسه في معاملته اياهم وتقديمهم عليها!!
وذلك هو الأدب!!
ذلك كله هو أدب السالك في طريق سيدنا محمد صل الله عليه وآله وصحبه وسلم !!

بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم، وشفاء لما في الصدور، وهدى، ورحمة، للمؤمنين * قل بفضل الله، وبرحمته، فبذلك فليفرحوا!! هو خير مما يجمعون)
صدق لله العظيم

المقدمة

هذا الكتاب عن أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. والسلوك هو السير إلى الله.. والسالك هو السائر إلى الله.. وليس السير بقطع المسافات، وإنما هو بتقريب الصفات من الصفات، تقريب صفات العبد من صفات الرب.. والطريق هو النهج العلمى الذى يوصل سلوكه إلى الله تبارك وتعالى، وليس إلى الله، تبارك وتعالى، وصول بالمعنى الذى يؤديه حرف الكلمة، وإنما المقصود بكلمة الوصول أن يكون حضور السالك مع الله اكثر من غفلته عنه.. والطريق هو شريعة وزيادة.. هو شريعة مؤكدة.. وطريق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو عمله في خاصة نفسه، هو سنته.. و محمد، بن عبد الله، بن عبد المطلب، النبي الأمي، المبعوث من قريش في الأميين منذ القرن السابع، والذى ختم الله به النبوة، وأنزل عليه القرآن، هو صاحب الطريق.. ونحن سنقدم في متن الكتاب صورة من التعريف به تعين على الأدب معه وتعين على الأدب الذى ينبغى أن يتحلى به السالك في طريقه.

أما الأدب، وهو الموضوع الأساسى لهذا الكتاب، فهو يعنى الانقياد، والطاعة، والاستيناس، والتربية، والتهذيب.. نحن نقول أدب المهر، ونعنى طوعه من الحالة التى كان عليها من الجموح، والاستيحاش، وروّضه، حتى أصبح يمكن الركوب عليه، وقيادته.. فالمهر المؤدب، هو المربي، السلس القياد، الطيع لصاحبه.. والأدب في السلوك، يستعمل بمعنى مشابه لهذا المعنى الذى ذكرناه، فهو يعنى التربية والتهذيب، ويعنى الطاعة والانقياد.. فالأدب هو انتقال من حالة الحيوانية، إلى حالة الإنسانية.. فالفرد البشرى، هو عبارة عن نفس حيوانية من أسفل، ركب عليها عقل ملائكى من أعلى.. فالنفس في طبيعتها الحيوانية، هي شهوانية، مسترسلة في تحصيل رغائبها، بكل سبيل، ودون قيد.. فقانون النفس الحيوانية هو البحث عن اللذة العاجلة، والفرار من الألم، دون التقيد بأى اعتبار.. والعقل ركب في النفس ليشدها إلى الأعالي، ويخرجها من وهدة حيوانيتها.. فوظيفة العقل إنما هي أن يؤدب النفس، ويربيها، ويطوعها، كما يفعل صاحب المهر في المثل الذى ذكرناه.. والعقل لكى يؤدب النفس، لا بد أن يكون هو مؤدبا، ولا بد أن يكون على علم واسع، وان يكون حكيما، فيعرف كيف يسوس النفس، دون أن يكلفها مالا تطيق، فتلج، وتنقطع، ودون أن يتركها على هينتها، فلا تنقاد له.. والعقل كى يتأدب، بالصورة التى تعينه على تأديب النفس، تم إمداده بأنوار الوحي، ووضعت له قوانين الشرع التى يقيد بها نفسه، ويقيد بها النفس.. ووضع له النموذج الإنساني المؤدب، الكامل الأدب، أدب العقل وأدب النفس، وهو النبي الكريم، وطلب منه أن يقلده حتى يستمد أدبه، من أدبه.. فالأدب إنما يكون باتباع المؤدب، والتزام الأدب معه.. والنبي الكريم هو أكبر من أدبه الله، وهو قال: (أدبنى ربي فأحسن تأديبى، ثم قال خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين..).. وقال القرآن الكريم عن أدبه: (وإنك لعلى خلق عظيم).. وهو إنما أدبه ربه بأدب القرآن، أدب شريعته، وأدب حقيقته.. والنبي بعد أن تم تأديبه في مدرسة النبوة، أرسل ليكون قدوة المتأدبين، السالكين الى الله، وفق نهجه - طريق محمد - فجاء الأمر الالهي باتباعه (قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعونى، يحببكم الله).. وجعلت طاعته من طاعة الله (من يطع الرسول فقد أطاع الله).. أو (إن الذين يبايعونك، إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم).. فجعل النبي بين الناس وبين الله، وهذا هو معنى كلمة الشهادة: (لا اله إلا الله، محمد رسول الله)..

وحقيقة الأدب، إنما هي الأدب مع الله، بالتزام مقتضيات العبودية، نحو الربوبية.. فالأدب، هو العبودية.. والعبد هو المطيع لسيده، الخاضع له، الذى يوظف حياته في خدمة سيده، فهو لا يكون إلا حيث يريده سيده، ولا يعمل عملا لا يرضى عنه سيده.. والعبد كما يقول أصحابنا الصوفية، مفقود لنفسه، موجود لسيده، فهو حاضر دائما، لا يلتمسه سيده إلا وجده.. وهذا الحضور، هو جوهر الأدب.. فالمؤدب، حاضر العقل، والقلب، مع سيده، فهو لا يغفل عنه. فالأدب هو خلاصة التدين.. والصوفية يقولون: (إن العبد ليصل بعبادته الى الجنة، ويصل بأدبه في عبادته الى الله).. وهم يقولون (أخذ الفقه عن فلان، واخذ الأدب عن فلان).. ويعنون بالأدب التصوف كله.. يعنون علم السلوك.. فالأدب عندهم هو الدين كله.. والأدب مع الله بالتزام العبودية، لا يكون إلا بالتأدب بأدب القرآن.. أدب شريعته، وأدب حقيقته.. والتأدب بأدب القرآن لا يتم إلا باتباع نهج السنة، بتقليد النبي المعصوم.. فحياته، صلى الله عليه وسلم، هي مفتاح مغاليق القرآن، فإنه قد كانت أخلاقه القرآن، كما قالت السيدة عائشة، فهو قد جسد القرآن في سلوكه اليومى، بمعنى ما عاش معانيه، وقيمه.. فعمدة الأدب، إنما هو الأدب مع النبي، فلا سبيل الى الأدب مع الله، الا بالأدب مع نبيه، فمن لا يسلم للنبي، لا يسلم لله، ومن لم يطع النبي ويتأدب معه، لم يطع الله.. وكل عمل وفق منهاج السنة لا يقوم على الأدب مع النبي، هو عمل باطل، لا عبرة به، ولا قيمة له.. ولكل ذلك، نحن سنركز في كتابنا هذا على الأدب مع النبي.. وهذا ما يجعل الأدب، أدق الأمور، وأصعبها، فمعرفة النبي، معرفة تامة، أمر يقع البدء فيه، ولا يقع الفراغ منه بالنسبة للسالك، فالنبي قد قال: (ما عرفنى غير ربي).. ومعرفة النبي تقتضي المعرفة بمقاماته الثلاثة: مقام الرسالة، ومقام النبوة، ومقام الولاية.. وفي مقام الولاية يتم تجسيد القرآن في قمته، فهذه هي مرتبة الإنسان الكامل - مرتبة الذات المحمدية - وهي المقام المحمود، وهي هي أم الكتاب حيث حقيقة القرآن.. ولذلك نحن سنتحدث عنها، في معنى ما سنتحدث عن القرآن وأدبه، وفي معنى ما سنتحدث عن ولاية النبي، وتجسيدها في الاسم الأعظم (الله) الذى هو بذرة القرآن، وتجسيده، وأكبر مظاهر التأدب بأدبه.. ولذلك فان كتابنا سيتناول أدب القرآن في هذه القمة السامقة، وفيما دونها من منازل تتنزل حتى مستوى السالك المبتدئ.. والكتاب سيركز، بصورة خاصة،على الأدب مع النبي، في مقاماته الثلاثة.. وهو سيتناول أدب الطريق في العبادة والمعاملة، في مستوى الشريعة، ومستوى الطريقة، ومستوى الحقيقة، بالصورة التى تعين على الممارسة والرياضة في مجال الأدب، بصورة علمية، وعملية..

وسيكون نهج هذا الكتاب هو أن يتجه الى القمم الرفيعة من المعاني، والكمالات، ويحاول أن يعطى صورة لتجسيدها.. ثم يتدرج في محاولة إنزال هذه القمم الرفيعة الى أرض الواقع العملي، بالصورة التى تعين كل سالك على العمل في تحقيقها في نفسه بصورة ميسرة، تبدأ من بدايات بسيطة وعملية.. ومحور الكتاب الذى يدور حوله، في جميع أبوابه، هو الإنسان- الإنسان في الأعالي، والانسان في الأداني، فليس في الوجود الحادث هذا غير الانسان في طور من أطواره.. وهم الكتاب هو أن يبشر (بالإنسان) ويمهد الطريق لظهوره، ويبين السبيل لكل فرد بشري ليحقق إنسانيته.. فغاية الأدب إنّما هي تحقيق إنسانية الإنسان..

يتبع

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 06, 2016 1:02 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116

الأدب مع الله - أدب العبودية

الله، المطلق، والاسم

إن حقيقة الأدب، وقمته، وخلاصته، هي الأدب مع الله.. والأدب مع الله إنما يكون بالتزام العبودية، والتزام مقتضياتها في حسن التأدب مع الربوبية.. ونحن لا نستطيع أن نتأدب مع الله، إلا إذا عرفناه، وهذا يقتضي أن نجعل المدخل على حديثنا عن الأدب، الحديث عن الله..

فالله تعالى من حيث ذاته الصرفة، المطلقة، فوق أن يعرف، أو يوصف، أو يشار إليه، فهو مطلق يتسامى عن كل قيد، أو تحديد.. ثم انه تعالى لكى يعرف، تنزل من إطلاقه إلى مرتبة القيد، فكان أول التنزل إلي مرتبة الاسم - الله، ثم مرتبة الصفة - الرحمن، ثم مرتبة الفعل - الرحيم.. وفي مرتبة الفعل برز الخلق، وببروزه أمكنت معرفة الله.. والى ذلك الإشارة بالحديث القدسي، الذى نصه: (كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق، فتعرفت إليهم فبي عرفوني).. فـ(كنت كنزا مخفيا)، يعنى في حضرة إطلاق لا تعرف، وهذا معنى (مخفيا).. فهو من حيث ذاته المطلقة، كان، ولا يزال، ولن ينفك، في حضرة خفاء، تجل عن أن تعرف.. ولكن لكي يعرف، تنزل الى مرتبة الخلق، والى ذلك الإشارة بقوله (فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق).. فالله إنما يعرف بخلقه.. وخلقه ليسوا غيره، وإنما هم هو في تنزل.. هم فعله، وفعله ليس غيره.. وقمة الخلق، وأكملهم في الدلالة على الله، هو الإنسان الكامل، وهو صاحب مقام الاسم الأعظم (الله).. فالله اسم علم على الإنسان الكامل، الذى بين الذات المطلقة في إطلاقها، وبين جميع الخلق.. فأسماء الله الحسنى إنما هي في حق الإنسان الكامل، في المكان الأول، ثم هي لا تكون في حق الذات الصرفة، المطلقة، الا عند التناهي، عندما تعجز العبارة وتكاد تنقطع الإشارة.. ذلك بأن الذات المطلقة فوق الاسم، وفوق الصفة.. الإنسان الكامل هو أعظم أسماء المطلق، واعظم صفات المطلق، وهو أول تنزل من صرافة الذات، وهو الذات المحمدية، المشار إليها بقول المعصوم: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر).. فهو مخلوق بالذات، وهذا معنى انه أول تنزل منها.. وكل من عداه، وما عداه، مخلوق بالواسطة، بالأسماء، وبالصفات، وبالأفعال.. هو مخلوق به، ومنه.. فالإنسان الكامل هو الأمر الواحد، المشار إليه في قوله تعالى: (انا كل شيء خلقناه بقدر، وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر).. فهذا الأمر الواحد، هو التنزل الى مقام الاسم (الله)، وعبارة (كلمح بالبصر) تشير الى لحظة بروز المحدود من المطلق.. وعن هذا الأمر الواحد، يتم تنزل، وبروز، جميع الوجود الحادث، في الزمان والمكان، وبه يتم عروج جميع أفراد هذا الوجود في سيرهم السرمدى نحو الإطلاق.

فالإنسان الكامل، مقام الاسم الأعظم (الله)، هو الذى يعرف ذات الله، ويعرّف غيره بها، والى ذلك الإشارة بعبارة (فبي عرفوني) الواردة في الحديث القدسي.. يعنى بالله، صاحب مقام الاسم الأعظم، تعرف ذات الله، وهذا معنى قولهم: (لا يعرف الله إلا الله).. يعنى لا يعرف ذات الله، إلا الإنسان الكامل.. وذات الله، تعرف بالله، بمعنى انه يقيد من إطلاقها، فتعرف عن طريق هذا التقييد.. والى هذا المعنى أيضا الإشارة بقوله تعالى: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب الا الله) فالغيب هنا اشارة إلى الذات المطلقة فهي قمة الغيب.. و(لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) يعنى لا يعرف ذات الله إلا (الله)، الإنسان الكامل.. وعبارة (فبي) من الحديث القدسى تعنى أيضا (محمدا).. ففي لغة الأرقام مجموع حروف اسم (محمد)، يساوي مجموع حروف (فبى).. كلاهما اثنان وتسعون.. فبذلك يصبح معنى (فبي عرفوني)، بمحمد عرفونى.. فبمعرفة الحقيقة المحمدية، يعرف الله..

وعن كون ذات الله الصرفة لا تعرف، ولا توصف، ولا يشار إليها، يجيء قوله تعالى في القرآن: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين)، فـ(سبحان ربك رب العزة عما يصفون) يعنى تنزه الله في ذاته عن كل وصف، (وسلام على المرسلين) يعنى أن خير من وصف الله هم المرسلون، لأنهم وصفوه بما وصف به نفسه، وفق ما تقتضيه حكمته في التنزل، ومن هنا يأتيهم السلام.. وفي هذا المعنى أيضا يأتى قول المعصوم: (تفكروا في مخلوقات الله، ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا)، فذات الله لا يحويها الفكر، لأنها مطلقة، والفكر محدود، ولأنها وحدة، والفكر يقوم على الثنائية، ولذلك قيل (كل ما خطر ببالك فالله من حيث ذاته، بخلاف ذلك).. من كل ذلك يتضح أن الله هو اسم علم على الإنسان الكامل.. وان جميع صفاته هي في حق الإنسان الكامل، في المكان الأول، وان الذات المطلقة إنما هي فوق الاسم، وفوق الصفة، وتقصر عنها العبارة، والإشارة.. فالله المشار إليه في القرآن، بين دفتي المصحف هو صاحب الاسم الأعظم.. هو الإنسان الكامل.. وهذا المقام، مقام الحقيقة المحمدية، هو مقام في الملكوت ولكن بفضل الله يتنزل في كل يوم الى عالم الملك، حتى يتجسد على الأرض، وبتجسيده، تتحقق خلافة الأرض، المشار إليها بقوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة).. وبذلك يتم التزاوج بين الملك والملكوت، فتتحقق جنة الأرض، ويحل في ربوعها السلام - وهذا أمر سيأتى تفصيله في الأبواب التالية.. والإنسان الكامل هو اكبر من يحقق الأدب مع الذات.. فمقامه هو مقام العبودية الكاملة - هو (المسلم).. فهو بالنسبة للذات، مجرد بوق تنفخ فيه.. ولذلك هو العبد حقا، والمسلم حقا.. وإنما يأتى كمال عبودية الإنسان الكامل (الله)، من كمال علمه المتجدد، الذى يجدد به عبوديته، ويجدد به أدبه في عبوديته، كل حين.. فهو في كل وقت جديد، صاحب علم جديد، متخلقا في ذلك بقوله تعالى: (كل يوم هو في شأن).. فشأن الله هو إبداء ذاته لخلقه ليعرفوه.. ويوم الله هنا، هو وحدة زمنية التجلي، وهو لحظة بروز المحدود من المطلق، وهي لحظة تدق حتى تكاد تخرج من الزمن.. وإبداء ذات الله لخلقه، إنما يتم عن طريق تقييد الإنسان الكامل للمطلق، فهو في كل لحظة يقيد من المطلق ما به يزيد علمه، وتتجدد عبوديته، وتتسع حياته، وعن طريق هذا التقييد تقع معرفة الخلق لذات الله، ويقع سيرهم إليه.. والإنسان الكامل، لما كان بين المطلق في إطلاقه وبين جميع الخلق، فهو من وجهه الذى يلي المطلق، مطلق، بمعنى أنه في تجدد مستمر، ومن وجهه الذى يلي الخلق مقيد، بمعنى انه مجسد..

ولما كان الإنسان الكامل هو قيد الذات بالصورة التى ذكرناها، فإن كل الوجود مستمد منه.. وكل أنوار الولايات وأنوار النبوات، مستمدة من نوره.. وكل حركة التطور إنما تطلبه.. فما تحرك من متحرك، ولا سكن من ساكن إلا في سبيله، سبيل ان يتنزل من الملكوت الى الملك..

وعلى ضوء هذا الفهم عن الله، نتحدث عن أدب العبودية، الأدب مع الله، وهو الأدب الذي وردت تفاصيله في القرآن كما سنرى، إن شاء الله..

العبوديــــة

إن العبودية هي تكليفنا الأساسى.. نحن ما خلقنا إلا لنكون عبيدا لله، وفي ذلك يجيء قوله تعالى: (وما خلقت والجن والإنس إلا ليعبدون) يعنى ما خلقتهم إلا ليصيروا لى عبيدا بواسطة العبادة.. أو ما خلقتهم، إلا ليعبدونى كما أمرتهم على لسان رسلي، ليكونوا لى عبيدا كما أمرتهم على لسان عزتي، حيث قلت (إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).. فالعبودية هي تكليفنا الأساسي، وهي تعني معرفة أسرار الربوبية، والأدب معها.. فهي خلاصة الأدب، وقمته.. ولما كانت الربوبية مطلقة، فكذلك العبودية، ولذلك فان عملنا في التأدب بأدب العبودية، عمل مستمر، لا يتم الفراغ منه.. فكأن حقيقة تكليفنا هي أن نتأدب مع الربوبية، الأدب الكامل، الذى يليق بعظمتها، وجمالها، وجلالها، وكمالها، وهيهات!!

ونحن إنما نتحقق بأدب العبودية، عن طريق التخلص من الدعوى، ومعرفة أنفسنا بما هي عليه من العجز، والتخلص من رق الأشياء التى تسترقنا من دون الله، وفي قمتها الزمن.. وكل ذلك لا يتم إلا عن طريق تجويد التوحيد، بتقليد النبي المعصوم، بوعي، وبأدب.

اللهم صلّ على سيدنا محمد وآله وصحبه سلم تسليما كثيرا

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 07, 2016 12:29 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد السادات سيدنا محمد الشريعة وآله السفينة الفاتحون لنا أبواب الحقيقة وسلم تسليما كثيرا كبيرا

الأدب بين العلم والإيمان


إن سبب سوء الأدب مع الله، هو الجهل به تعالى.. نحن لشدة جهلنا به نكون سيئي الأدب معه، فنقدم أنفسنا عليه، ولا نطيعه، ولا نخضع، ونستسلم له كما ينبغي.. ولا نأمنه على أنفسنا، ونرضى به مدبرا لشؤوننا.. ونتهمه تعالى، ونسخط عليه، في معنى ما نسخط على فعله فينا وفيما حولنا.. ونحن لشدة، جهلنا، وسوء أدبنا، نغفل عنه تعالى، ننشغل عنه بغيره، ونخشى، ونطمع في غيره.. الى غير ذلك من صور سوء الأدب مع الربوبية، التى عليها الناس اليوم..

ونحن لا نطمئن الى الله تمام الاطمئنان، ونرضى به ونسلمه أنفسنا، دون اعتراض منا عليه، إلا إذا بلغ علمنا به مرتبة حق اليقين، فأصبح علما مجسدا، معاشا، يقوم على التجربة والذوق.. ونموذج هذا العلم هو ما تحكيه تجربة سيدنا ابراهيم، ومنها تجربته مع الحريق بالنار التى شبها له النمرود، وقذفه فيها، فأنجاه الله منها، بحسن توكله عليه.. ومنها أخذ فرعون مصر زوجته سارة، فباتت ليلتها في قصر فرعون وبات ابراهيم آمنا مطمئنا على زوجته، وذلك لحسن ثقته بالله، فأنجاها الله وأكرمها.. ومنها تركه هاجر، وطفلها إسماعيل، في موضع البيت الحرام، حيث لا زرع، ولا ضرع، ولا ماء، ولا أنيس، تنفيذا لأمر الله، فنبع لهم الماء، وفك الله كربها وآنسها.. ومنها تصديقه الرؤيا، وعمله على ذبح ابنه إسماعيل، تنفيذا لأمر الله ففداه الله.. ومنها تجربة إحياء الطير، بعد تقطيعه.. فبعد هذه التجارب العملية حقق سيدنا إبراهيم مراتب اليقين، وقال تعالى في حقه: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض، وليكون من الموقنين).. فهو من خلال التجارب العملية اطمأن قلبه، وقوى يقينه، فجاءه الأمر بالإسلام، بعد أن جاءه الإذن به: (إذ قال له ربه: أسلم!! قال: أسلمت لرب العالمين)..

وعلم اليقين ليس أمرا معلقا، ليس إليه من سبيل، وإنما هو أمر عملي، يبدأ بداية بسيطة، هي الإيمان، الذى هو مقدمة كل علم.. فحركة السير الى الله، هي دائما بين إيمان وعلم، ولن تتفك.. والإيمان يزيد بالعمل في العبادة، والمعاملة وفق نهج السنة، حتى يتجسد، فيصبح يقينا، وتطمئن إليه النفس.. فمثلا سيدنا إبراهيم، كان يؤمن بأن الله يحيي الموتى، ولكنه كان يريد أن يطمئن قلبه لذلك، كان يريد أن يوقن.. ولذلك طلب أن يريه الله كيف يحيي الموتى، فقص علينا في القرآن القصة بقوله تعالى: (وإذ قال ابراهيم: رب أرنى كيف تحيي الموتى.. قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى!! ولكن ليطمئن قلبى.. قال: فخذ أربعة من الطير، فصرهنّ إليك، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا، ثم ادعهن.. يأتينك سعيا.. واعلم أن الله عزيز حكيم).. فإبراهيم كان يؤمن بأن الله يحيي الموتى، ولكنه كان يريد أن يوقن، فأراه الله التجربة، فلما رأى بعينى رأسه كيف يحيي الله الموتى، أصبح إيمانه مجسدا، وبذلك أصبح يقينا.. وهكذا فإن الاختلاف بين الإيمان، وبين العلم ليس اختلاف نوع، وإنما هو اختلاف مقدار..

ونحن لكى تطمئن نفوسنا لله، فتتأدب معه، وتسلم له، علينا أن نستيقن حقيقة أن الله خير محض.. وان الشر إنما هو من عند أنفسنا، هو إنما يجيء من تدبيرنا وحرصنا، وبسبب توسعنا في أمور الدنيا.. إن سبب الشر هو جهلنا، الذي يجعلنا نختار إرادتنا دون إرادته تعالى، فنتقدمه، ولا نرضى به.. ونحن لشدة جهلنا قد نحب أشياء هي في الحقيقة شر لنا، وقد نكره أشياء هي في الحقيقة خير لنا، وفي ذلك يقول تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون).. فنحن لما كنا لا نعلم - وهذا أمر يمكن أن يكون واضحا لكل منا - علينا أن نترك الأمر لمن يعلم، لله، ثقة به، وتوكلا عليه.. فهو أرأف بنا منا.. وأعلم بخيرنا، وأقدر على توصيله إلينا، منا.. فهو الرؤوف الرحيم (إن الله بالناس لرؤوف رحيم) فالإيمان، والثقة، بأن الله خير محض، هو مقدمة العلم الذى به تطمئن القلوب، وتتخلص من الخوف فترضى بالله، وتتأدب معه.. وهذا الإيمان هو السبيل العملي لتخليصنا من الخوف من الغيب.. فاللحظة المقبلة غيب، ونحن لا نعلم ما يصيبنا فيها.. ولكن إذا آمنا أن ما يصيبنا فيها هو مكتوب لنا وانه على كل حال خير، لأنه لا يصدر من الله في الحقيقة، إلا الخير، فان هذا الإيمان هو البداية العملية لمحاربة الخوف، وتحقيق العلم بالله، والأدب معه.. وقد جاء القرآن ليؤكد هذا المعنى، في العديد من الآيات منها قوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المؤمنون).. (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) يعني أن كل ما يصيبنا هو من عند الله، وهو مكتوب لنا سلفا، وهو خير، وقد جاءت الإشارة الى كونه خيرا بقوله (كتب الله لنا).. فهو قد قال (لنا) ولم يقل (علينا)، مما يؤكد أن المكتوب خير، وهو لمصلحتنا.. وقوله (هو مولانا) يعنى أن الله تعالى هو المتولي أمورنا، والراعي لشؤوننا.. فاذا كان الله تعالى هو خير محض، وهو بنا رؤوف رحيم، وهو على كماله يتولى أمورنا، فان هذا أمر يبعث إلى الثقة، والطمأنينة في النفس، ثقة بالله وتوكلا عليه، ولذلك ختم الآية بقوله تعالى: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون).. فالإيمان بالله وحسن الظن به، وهما البداية العملية للعلم بالله الذى يعين على الأدب معه، وهي بداية بسيطة وممكنة، وقد توفرت لها الأسباب.. وعن حسن الظن بالله، يقول تعالى في الحديث القدسى: (أنا عند ظن عبدى بي، فليظن بي خيرا).. فبالإيمان وحسن الظن بالله، وبالعمل في العبادة والمعاملة، يتحقق العلم بالله، الذى يفضي الى الأدب معه..

يتبع .......
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه سلم تسليما كثيرا كبيرا

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 07, 2016 12:41 am 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19627
(إن الله بالناس لرؤوف رحيم)

الله ارزقنا الصدق والإخلاص والأدب وحسن الظن دائماً يارب

شكراً أخى الفاضل محمد محمود وربنا يبارك فيك ويكرمك

وجزاك الله كل خير


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 07, 2016 1:21 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
المهاجرة كتب:
(إن الله بالناس لرؤوف رحيم)

الله ارزقنا الصدق والإخلاص والأدب وحسن الظن دائماً يارب

شكراً أخى الفاضل محمد محمود وربنا يبارك فيك ويكرمك

وجزاك الله كل خير


اللهم آمين يارب العالمين
الله يكرمك ويبارك فيك يارب جزاكم الله خيرا اختي الفاضلة رمضان كريم

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 07, 2016 11:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على الحبيب المحبوب واهب حبه سيدنا محمد النبي الكريم الرحيم وآله صحبه وأحبابه وسلم تسليما كثيرا كبيرا

الزهـــد

لقد قلنا إن أدب العبودية يقتضي أن نتخلص من استرقاق الأشياء لنا، حتى تخلص عبوديتنا لله، فانه تعالى أغنى الشركاء عن الشراكة، وهو قد قال في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشراكة، فمن أشرك بى شيئا تركت نصيبى لشريكي).. فنحن اذا كنا نتوسع في الدنيا، ونشعر بالحاجة إليها، فان هذه الحاجة رق لغير الله.. فالأشياء التى نملكها، هي في الحقيقة تملكنا، وتسترقنا، بالقدر الذى نشعر فيه بحاجتنا إليها.. فالعبد لا يملك.. فمجرد شعورنا بأننا نملك، هو وهم، ينقص من عبوديتنا لله.. والتوسع في الدنيا صورة من صور التعبير عن الخوف، ودليل على الاعتماد على غير الله.. فالمتوسع في الدنيا لشدة خوفه من الموت، أراد أن يجعل بينه وبين الموت العديد من أسباب البقاء، وهي أسباب دلت التجربة العملية، الطويلة، أنها لا تغنى شيئا.. بل إن التوسع في الدنيا هو من أسباب الموت الحقيقى، وهو الغفلة عن الله، والجهل به، فهذا هو الموت الحقيقي الذى ينبغى أن يخاف منه الناس.. أما الموت الحسي، فما هو عند الله بموت، ويجب التصالح معه.. والتصالح معه، وهزيمة الخوف منه، لا يكونان بالتوسع في الدنيا، وإنما يكونان بالعلم بالله، ووصل الحياة به، فهو مصدر الحياة، وسبب بقائها، لا الأسباب الظاهرة.. فبالعلم بالله تعمر الحياة، ويتسع العلم، فيتم إدراك حقيقة الموت كمرحلة جديدة من مراحل الحياة، أكبر، وأوسع، من الحياة الدنيا.. وعندئذ ينتفي الخوف من الموت ويصبح أحب غائب إلينا.. فالانتصار على الموت إنما يكون بالزهد، لا بالتوسع، وهذا على عكس ما عليه الناس اليوم..

والزهد هو استشعار حاجتنا لله، في كل شيء، وفي كل حين، والاستغناء عن كل ما عداه.. والزهد بهذا المعنى هو قمة العلم.. فنحن، لما كانت قيوميتنا بالله، لا نستطيع أن نستغنى عنه طرفة عين، ولا اقل من ذلك، ولا أكثر.. فاستيقان هذه الحقيقة - حقيقة حاجتنا المطلقة لله - هو العلم بالله.. ومن هنا تتضح العلاقة الوثيقة بين العلم والزهد.. وهذا العلم يبدأ بالإيمان، كما ذكرنا، الإيمان بقوله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).. وبقوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم، إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، ان ذلك على الله يسير، لكي لا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور).. فبمثل هذا الإيمان يبدأ الاعتماد على الله، والاستغناء عن غيره.. وبالعمل في العبادة، والمعاملة، يزداد الإيمان، ويزداد الاعتماد على الله، والاستغناء عن غيره، ويتم التخلص من التوسع في الدنيا.. فالزاهد لا يتوسع في الدنيا، وهو لا يملك الأشياء، وعلاقته بالأشياء التى يستخدمها انما هي علاقة ارتفاق، لا علاقة ملكية.. فالرياضة في مجال الزهد تفضي الى علم اليقين، وتعين على تحقيق أدب العبودية.. فالزاهد الذى يعلم حاجته المطلقة لسيده، واستغناءه المطلق عما سواه، هو العبد، الذى لزم أدب العبودية.. وهو الحر، مطلق الحرية، لأنه حر عن كل ما عدا الله..

يتبع ......
اللهم صل وبارك على سيدنا محمد آله وصحبه سلم تسليما كثيرا كبيرا

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 08, 2016 12:07 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 36068

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك.

أكرمك الله و أعزك أخى الكريم الفاضل الأستاذ محمد محمود كل عام و حضرتك و أسرة حضرتك الكريمة بخير و سلامة و سعادة و أمن و أمان من عند الله جزاكم الله خيرا كثيرا و تسجيل متابعة أكرمكم الله

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 08, 2016 12:27 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
molhma كتب:

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك.

أكرمك الله و أعزك أخى الكريم الفاضل الأستاذ محمد محمود كل عام و حضرتك و أسرة حضرتك الكريمة بخير و سلامة و سعادة و أمن و أمان من عند الله جزاكم الله خيرا كثيرا و تسجيل متابعة أكرمكم الله

اللهم آمين يارب العالمين جميعا يارب
أختي الفاضلة الكريمة ملهمه جزاكم الله خيرا وبارك الله فيك على هذا الدعاء الجميل الكريم أكرمك الله ...............


_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 09, 2016 3:49 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين الصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام المرسلين عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة وأتم التسليم وآلهم ومن تبعهم وسلم تسليما كثيرا

أدب الوقـــت

إن الأشياء التى تسترقنا، وتنقص من عبوديتنا لله، ومن أدبنا معه، كثيرة، ولكن جميعها يحويها الزمن.. ولذلك فان الزمن هو اكبر ما يستعبدنا من دون الله.. ولشدة سلطان الزمن، أشركه الأقدمون مع الله، فقالوا: كما حكى عنهم القرآن: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا، نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر).. ولذلك فان التخلص من استعباد الزمن لنا، هو اكبر أسباب القيام بمقتضيات أدب العبودية لله.. والزهد، بالصورة التى تحدثنا بها عنه، هو من أهم الوسائل العملية، المعينة على التخلص من استعباد الزمن لنا.. فالزمن إنما يستعبدنا عن طريق الخوف.. ونحن عندما نتوسع في الدنيا، يزداد خوفنا، وحرصنا، على الأشياء التى نملكها، فنتوهم الخطر وتكثر حركة جولان فكرنا بين الماضي والمستقبل.. أما عندما لا نملك ما نخاف عليه، توكلا على الله، وزهدا في الدنيا، فان ذلك يعين على الطمأنينة، والاستقرار الداخلي، ويعين على العيش في اللحظة الحاضرة..

والتخلص من استعباد الزمن، لا يتم إلا عن طريق العلم بالله، والتخلص من الخوف، ذلك الخوف الذى أزعجنا من أن نعيش في اللحظة الحاضرة، وجعلنا نعيش موزعين بين الماضي والمستقبل.. والله تعالى ليس في الماضي، ولا هو في المستقبل، وإنما هو في اللحظة الحاضرة.. فالعيش في اللحظة الحاضرة، هو الحياة الكاملة، الحياة الموصلة بمصدرها، الموصولة بالله.. والأدب مع الله يقتضي الحضور معه، بالعيش في اللحظة الحاضرة.. فهذا هو أدب العبودية.. فالله تعالى حاضر دائما.. فمن أكبر سوء الأدب أن يكون السيد حاضرا، والعبد غافلا عنه، ومنصرفا الى غيره من خلقه وعبيده!!

فالأدب جماعه (أدب الوقت).. وأدب الوقت يعنى أن نعيش في اللحظة الحاضرة، قائمين بواجبنا المباشر جهد الإتقان، ثم نرضى بالنتيجة، حتى ولو كانت على غير ما كنا ننتظر، ونحب، وذلك توكلا على الله، وثقة به، وبحسن اختياره لنا.. والعيش في اللحظة الحاضرة، والتزام أدب الوقت، ليس بالأمر السهل، والميسور، وإنما هو من أشق الأمور على النفس.. فتحقيقه يحتاج الى الحياة كلها.. ولا سبيل الى تحقيقه إلا بالعلم، والانتصار على الخوف.. ولا يتم ذلك إلا بالمران، والرياضة الطويلة، وفق نهج السنة، في تقليد النبي المعصوم.. فجميع أعمالنا في الصلاة، وفي كل صور العبادات الأخرى، وفي المعاملة إنما هي مران على أن نتخلص من الأشياء التى توزعنا، فنعيش في اللحظة الحاضرة، متحلين بأدب الوقت.. فلذلك فان الحديث عن أدب الوقت سيظل يلازمنا في جميع أبواب هذا الكتاب.

وأدب الوقت يقع على ثلاثة مستويات، مستوى الشريعة، ومستوى الطريقة، ومستوى الحقيقة.. والتفاوت بينها تفاوت مقدار.. والقاسم المشترك بين آداب المستويات الثلاثة، هو الحضور في الوقت الحاضر، وليس لإتقان الحضور نهاية فيبلغها العبد، فقد قال تعالى: (فلا تعجل عليهم، إنما نعد لهم عدا).. يعنى نحصي لهم الأنفاس الطالعة والنازلة.. فالإنسان محاسب على كل جزئية من جزئيات حياته.. فيم صرفها؟ وفي قوله تعالى: (ثم لتسألن، يومئذ، عن النعيم).. فالنعيم المعني هنا هو العمر، منذ لحظة الميلاد وإلى الموت، يسأل الإنسان عن كل شيء فيه!!

وقمة أدب الوقت، وهي قمة الأدب مع الربوبية، هي ما حكاه الله تعالى عن حالة النبي في المعراج، وذلك حين قال: (إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى).. قوله: (ما زاغ البصر وما طغى) يعنى قد توقف جولان فكر النبي بين الماضي والمستقبل، وبذلك تم له رفع حجاب الفكر، وخرج عن الزمان، والمكان، فتحرر من أكبر العناصر، فأكتملت له عبوديته لله، بهذا الانعتاق الكبير، من رق العناصر، اكتمل له أدبه مع ربه.. وفي تلك الالمامة انطبق النبي مع حقيقته فتحقق له المقام المحمود في الملكوت، بفضل الله، ثم بفضل التحلي بأدب الوقت في قمته.. ثم تحقق للنبي المقام المحمود بنزع الموت، فانتقل به الى البرزخ.. وهو قد ظل في حياته، وفي برزخه، يعمل الى إنزال هذا المقام من الملكوت الى الملك، ليتجسد في الأرض - وهذه أمور سنبينها في موضعها من الكتاب -وتجسيد المقام المحمود في الأرض، إنما يتم بفضل الله، ثم بفضل التحلي بأدب الوقت.. فهو إنما يتم عند صاحبه بانزال الملكوت الى الملك، وبتحقيق أدب الوقت في قمته.. فكأن الأمر يتم على مستويين، وفي آن معا.. المستوى الرأسي، وهو حركة تطابق الملك والملكوت.. والمستوى الأفقى، وهو حركة تضييق مجال الذبذبة بين الماضي والمستقبل، حتى يتم التوقف في اللحظة الحاضرة.. فاللحظة التى يتم فيها انطباق الملك على الملكوت، عند الشخص المرشح للمقام ويتم فيها التوقف في اللحظة الحاضرة، هذه اللحظة هي الساعة.. وهي تحقيق المقام المحمود على الأرض.. وهي لحظة نزول المسيح، التى فيها تكتمل الحياة، وتتحقق خلافة الأرض، فتشرق الأرض بنور ربها، ويحل في ربوعها السلام.. وصاحب هذا المقام هو (صاحب الوقت) لأنه أكبر من تأدب مع الوقت، فأنتصر عليه بهذا الأدب.. والأمر الذى يهمنا هنا، هو أن نؤكد أن التزام أدب الوقت بالعيش في اللحظة الحاضرة، هو السبيل لتحقيق كل الكمالات في الأرض، وعند كل فرد.. وهو أمر عملي، تتم ممارسته في السلوك في الحياة اليومية في العبادة، وفي المعاملة، كما سنبينه في موضعه.

يتبع ...........الرضا بالله

اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كبيرا

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 11, 2016 12:16 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا القاسم أبا القاسم سيدنا محمد النبي الأمي وآله وأصحابه وأحبابه ومن تبعهم وأحبهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا كبيرا


الرضـا باللـه

إن أدب العبد مع الرب يقتضي الخشوع، والخضوع، والانكسار.. ويقتضي الطاعة، والانقياد، والتسليم ظاهرا وباطنا.. والمدخل على جميع هذه الأمور - المدخل على أدب العبودية إنما هو الرضا بالله.. فمن أكبر مظاهر عدم الأدب مع الله، السخط عليه.. وأدق مظاهر السخط التمني.. والسخط على الله كما ذكرنا، يكون بالسخط على فعله فينا، وفي ما حولنا من الأمور التى لا ترضاها نفوسنا.. ولذلك فمن الأدب مع الله التخلص من صور السخط، والعمل على الرضا.

وفي هذا الباب، وفي مجال تأديب النبي، وتأديب الأمة من بعده، يجيء قوله تعالى: (فاصبر على ما يقولون، وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها، ومن آناء الليل فسبح، وأطراف النهار، لعلك ترضى * ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم، زهرة الحياة الدنيا، لنفتنهم فيه، ورزق ربك خير وأبقى).. والتسبيح يعنى الذكر والتنزيه.. وهو هنا يعنى أيضا الصلاة.. ففي هذه الآية أوقات الصلاة الخمسة.. و (لعلك ترضى) تجعل الصلاة وسيلة الرضا.. فالرضا بالله ربا هو نتيجة تمام المعرفة به.. وتمام المعرفة هو ثمرة ذكره تعالى، بلا غفلة، ولا انقطاع.. والرضا بالله ربا مدخل على العبودية، فمن رضى بالله آثره على نفسه، فترك ما يريد هو رضاً بما يريده سيده.. والرضا يعنى ترك التمني، فقد أثر عن الحسن بن على أنه قال: (من وثق بحسن اختيار الله له، لم يتمن غير الحالة التى هو فيها).. هذا هو معنى قوله تعالى: (ولا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم، زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه، ورزق ربك خير وأبقى) أى لا تتمن.. (ورزق ربك) هو ما اختاره هو لك، وهو ما أنت عليه، فهذا (خير وأبقى) مما تتمناه أنت لنفسك، فعليك أن ترضى به، ولاتتمن غيره، ثقة بربك، وبحسن تدبيره، وتأدبا معه.

والرضا التام بالله يقتضي عدم الاعتراض عليه، ولو في الخاطر.. فالعبد لله، لا يقوم في خاطره اعتراض على إرادة سيده، فإذا قام لا يلبث أن يراجعه، ويتوب عنه.. والنفس لا تستجيب لهذا المقام إلا إذا بلغ علمها حق اليقين، فاطمأنت وسكنت، لاستيثاقها بأن الله أعلم بمصلحتها منها، وانه تعالى أقدر منها على توصيل الخير إليها، وأرحم بها منها، وأولى بها منها من جميع الوجوه.. وهذا الأمر على سموقه، انما يبدأ بداية بسيطة، يبدأ بالإيمان والعمل وفقه، كما سبق أن بينا.. ثم هو يتحقق بفضل الله وتوفيقه، ثم بإدمان الفكر، وطول المران والرياضة والمجاهدة في العبادة والمعاملة، وفق نهج السنة..

والرضا بالله مجاهدة في مقام العبودية، فإن العبد لا يزال يجاهد دواعي طبعه في السخط على الله، وعدم الرضا به، في دقائق صور السلوك حتى يرضى الله تعالى عنه، فينتقل من النفس الراضية الى النفس المرضية، وهي النفس التى لا يلقيها الله إلا ما تحب.. والنفس لا ترضى تمام الرضا، وهي تلقى من الله ما تكره، ولذلك فقد عبر الله تعالى عن حالة المرضيين عنده بقوله: (لهم ما يشاءون فيها.. ولدينا مزيد).. فهم قد أنجز الله لهم مشيئتهم، والى ذلك الإشارة بقوله (لهم ما يشاءون فيها) ثم لما كانوا مرضيين من الله لطول ما رضوا به، مد لهم الله علما به متجددا، به تتجدد مشيئتهم، وتتجدد مطالبهم، فيستجاب لها فور بروزها، والى ذلك الإشارة بقوله: (ولدينا مزيد).. ويلي مرتبة النفس المرضية، النفس الكاملة، وهي النفس التى، حين تفنى عن كمالها، يتحقق لها كمال الأدب مع الله، فتتحقق لها الحياة الكاملة.. ومقام هذه النفس، هو (المقام المحمود)، وهي نفس الإنسان الكامل، الحقيقة المحمدية.. وإلى هذا المقام كان عروج النبي.. فالنبي قد عرج من النفس الراضية إلى النفس الكاملة.. ثم لما رجع من المعراج، فرضت عليه الصلاة الشرعية، لتكون معراجا له بالأصالة، ولأمته بالتبعية، إلى المقام المحمود.. وفي ذلك يقول تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك، عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا).

وأول مراتب العروج الى الله (ذى المعارج)، هي مرتبة وحدة الفاعل.. وهي أول تجليات الذات مما يلي العبد، وهي أصل التوحيد، فبتجويد وحدة الفاعل تتم معرفة أسرار الربوبية - معرفة فعل الله، وحكمته وراء فعله - وعن طريق هذه المعرفة يتحقق للنفس الرضا، فهي لا ترضى إلا إذا عرفت الحكمة وراء الفعل.. وعن طريق هذا الرضا يتحقق للنفس الأدب.. وبعد تجويد وحدة الفاعل، وهي مرتبة الواحدية، ينتقل العابد المجود الى وحدة الصفة، وهي مرتبة (الأحدية)، (قل هو الله أحد).. والمرتبة الثالثة من مراتب العروج الى الله هي مرتبة الاسم، وهو (الله)، وليس وراء هذه المرتبة إلا الذات الصرفة.. والعروج الى الله هو عمل داخل النفس البشرية.. هو الحركة الصاعدة في العلم، والحياة.. الحركة من علم ناقص الى علم أتم، ومن حياة ناقصة الى حياة أتم.. هو تقريب صفات العبد من صفات الرب.

والى جانب كل ما ذكرنا عن الزهد، والرضا، وأدب الوقت، هناك العديد من صور السلوك، المعينة، والمحققة، لأدب العبودية.. فمن الأدب مثلا، أن ننسب الخير لله، وننسب الشر، والنقص، والتقصير، لأنفسنا.. وألا نعتذر بالحقيقة، عن تقصيرنا في الشريعة، فنقول عند التقصير (الله ما أراد)، كما يفعل الناس اليوم، فان هذا من أسوأ صور سوء الأدب مع الله.

ومن أدب العبودية، ألا نعمل عملا في الخلوة، ونخشى أن يطلع عليه الناس في الجلوة، فهذا دليل على الغفلة الكبيرة عن الله، وعلى سوء الأدب معه.. فالله حاضر، في الخلوة، وفي الجلوة، وهو أولى أن نراعي جانبه، ونخشاه، فلا نقع في ما نهى عنه، فنعصيه بنعمته، وتحت بصره.. والذى لا يتورع من أن يعمل في الخلوة، ما يخشى عمله في الجلوة، هو رجل لا يقدر الله حق قدره، فهو يظن أن الله لا يعلم بعمله هذا الذى يعمله في خلوته.. وهذا الظن الفاسد، وهو من أكبر أسباب الخسران وإليه الإشارة بقوله تعالى: (ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون * وذلكم ظنكم الذى ظننتم بربكم، أرداكم، فأصبحتم من الخاسرين).. فمثل هذا الظن هو أكبر سوء الأدب مع الله، ومن أكبر أسباب الخسران، فعلينا أن نتجنبه، بأن نتذكر الله، ونستشعر حضوره معنا، ومراقبته لنا، ونستعين بشتى الوسائل لتحقيق هذا الغرض..

وبعد، إن الصورة العملية، والمفصلة، لأدب العبودية، واردة في القرآن، حيث أدب الله، ووسيلة الأدب معه.. وحيث أدب النبي، الذى عاش القرآن وتخلق بأخلاقه.. ولذلك نحن سنتحدث في الباب التالى عن أدب القرآن.. وكل المعاني التى سبق أن تحدثنا عنها، ستتضح بصورة أكبر، وأكثر تفصيلا، وأكثر تنزلا للواقع العملي في الحياة اليومية، كلما دخلنا أكثر في أبواب الكتاب..

يتبع .......أدب القراءن
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كبيرا

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 12, 2016 1:17 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كبيرا ملئ السموات وملئ الأرض وما بينهما وملئ ما شئت بعد يا أكرم الأكرمين


أدب القــرآن

القـرآن


لقد قلنا إن الله، لكي يعرف، تنزل من صرافة الذات الى مرتبة الاسم، والصفة، والفعل.. وقد جاء القرآن يحكي هذه التنزلات.. فالقرآن، بين دفتي المصحف، هو كلام الله.. هو صورة لفظية لهذا الكلام، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (وان أحد من المشركين استجارك، فأجره، حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه).. وصفة الكلام هي الصفة السابعة، من الصفات النفسية السبع.. فأولى هذه الصفات هي الحياة، ثم العلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام.. والقرآن، في كل جزئية من جزئياته، يحكى هذه الصفات.. وإلى تنزلات القرآن تشير الآية الكريمة: (وقرآنا فرقناه، لتقرأه على الناس، على مكث، ونزلناه تنزيلا).. وقد كانت النزلة الأولى، هي النزلة الى مقام الاسم الله، حيث نزل القرآن جملة.. ثم توالت التنزلات في تفصيله.. وقد ذكرنا إن الله تنزل من صرافة ذاته ليعرف.. وتنزلات القرآن الغرض منها التعريف بالله.. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى (حم * والكتاب المبين * انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم).. فقد نزل القرآن في قوالب اللغة العربية لندرك نحن الذين ندرك عن طريق اللغة.. أما حقيقة القرآن، فهي فوق اللغة، فالله تعالى من حيث ذاته، لا يتكلم بجارحة، إنما يتكلم بذاته، وكلامه في حقيقته خلق.. فحقيقة القرآن هي في أم الكتاب، عند الذات، وهي الذات، والى ذلك الإشارة بقوله تعالى (وانه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم).. وأم الكتاب هي نفس الإنسان الكامل، وهي عند الله، والى ذلك الإشارة بعبارة (لدينا) فقد تنزل القرآن من صرافة الذات، الى الاسم، الحقيقة المحمدية، ومنها بدأ يتنزل في صورته الخلقية أولا، ثم تنزلت صورته اللفظية على نبينا.. فالقرآن هو علم هذه النفس الكاملة، الحقيقة المحمدية.. وهو هي.. فالذات التى في القرآن، هي الإنسان الكامل.. والقرآن جميعه تعبير عن هذه الذات، فهو، كما أشرنا في حق الإنسان الكامل، في المكان الأول.. أما الذات الصرفة فهي فوق الإشارة، وفوق العبارة.. وكمال القرآن ليس في آيات الآفاق، وليس في القرطاس، وإنما هو في آيات النفوس، التى ما آيات الآفاق إلا مظهرها، وإلا مقدمة لها، ودالة عليها.. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد؟؟).. فآيات النفوس، هي حقيقة القرآن، وموطن إعجازه، وذلك لأن الإنسان هو الكون الأكبر، في حين إن جميع العوالم هي الكون الأصغر، ولذلك قال تعالى في الحديث القدسي: (ما وسعنى أرضى، ولا سمائى، وإنما وسعنى قلب عبدى المؤمن).. فالإنسان هو مقصود الله بالأصالة، وهو موضع نظره الى خلقه.. والأكوان، جميعها هي مقصود الله بالحوالة، وهي مطية الإنسان، ووسيلة سيره الى ربه - الى كماله - وإنما يأتى الشرف للأكوان، من الإنسان، الذى إليه صيرورتها.. فليس في الكون الحادث، كما ذكرنا، سوى الإنسان، في طور من أطواره.. وشرف القرآن إنما يأتيه من انه تعبير عن الإنسان، ووسيلة إلى تحقيقه.. يأتيه من أنه آيات نفوس.. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم).. هذا هوعلم الصدور، العلم بالله.. هو علم القرآن، الحقيقي، مستوى التأويل منه.. أما مستوى التفسير، مستوى الظاهر، آيات الآفاق، فإنما قيمته في أن يقود الى مستوى التأويل، آيات النفوس، فإذا لم يفعل ذلك فهو لا قيمة له.. ولذلك هو لا يعنينا هنا، إلا بالقدر، الذى به يعين على إدراك آيات النفوس.

إن الأمر الذى يهمنا تقريره هنا، هو أن القرآن هو قصة النفس البشرية، ووسيلة تحقيق كمالها.. فهو في جميع آياته، يتحدث عن الإنسان.. هو يتحدث عن الإنسان الكامل، مقام الاسم الأعظم (الله)، بالذات.. وهذا هو تأويله.. فالقرآن، كما هو بين دفتي المصحف، قد صدر عن الإنسان الكامل، الحقيقة المحمدية.. والى ذلك الإشارة بالحديث النبوى الذى سأل فيه سيدنا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم )، سيدنا جبريل من أين يأتى بالقرآن.. فأجاب انه يأتى به من قبة عند ساق العرش.. ومعلوم أن سيدنا جبريل لا يلاقى الذات الإلهية لأنه لا ذات له، لا نفس له، ولذلك وقف في المعراج عند (قاب قوسين).. وعندما قال له سيدنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ): (تقدم أهذا مقام يترك فيه الخليل خليله؟ قال: هذا مقامي ولو تقدمت خطوة لاحترقت).. ومن هنا يتضح أن المقام الذى يأتي منه سيدنا جبريل بالقرآن، هو بالضرورة دون مستوى الحقيقة المحمدية، ذلك المقام الذى قامه النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم )في ليلة المعراج، ووقف دونه سيدنا جبريل.. ومقام الحقيقة المحمدية هو فوق العرش، وهو المشار اليه بقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى).. هذا في حين أن المقام الذى يأتى منه سيدنا جبريل بالقرآن هو عند ساق العرش.. والعرش هو النفس الكاملة.. والاستواء هو الاستقامة على السراط المستقيم.. وهذا الاستواء هو الذى به يتم تنزل المقام المحمود الى عالم الملك، فيتجسد القرآن في مستوى الحياة الكاملة التى لا تؤوفها آفة النقص، أو المرض، أو الموت.. فهذا المقام هو مقام حياة، في حين أن المقام الذي يتلقى منه سيدنا جبريل القرآن، هو مقام علم، والعلم قاعدة الحياة ووسيلتها.. وعند استواء الإنسان الكامل على عرشه، وهو نفسه، يتم له الاستواء على عرش المملكة، وهي جميع الخلائق، من علويها الى سفليها، والتى يستوي الإنسان الكامل في قمتها، كملك في مملكته، يصرف شؤونها كخليفة عن الذات المطلقة.. فهذا الاستواء على العرش، هو تحقيق خلافة الأرض.. وهو النزلة التى يبدأ فيها تجسيد القرآن، هو النزلة الى مستوى الحياة الكاملة.. فالقرآن في صورته اللفظية، قد تم إنزاله بين دفتى المصحف وختمت بذلك النبوة، فلن يأتي سيدنا جبريل بعد ذلك بوحى جديد.. أما القرآن في صورته الخلقية، صورته الحياتية، التى ما المصحف إلا صورة لفظية لها، القرآن في هذا المستوى لم يتم إنزاله، ولن يتم.. فالله تعالى بهذا المعنى متكلم سرمدا.. فكلامه لا يبدأ ثم ينتهي في زمن معين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.. وإنما كلامه صفة قائمة بذاته، هي عند التناهي، ليست غير الذات الصرفة.. فالقرآن كما كانت له نزلة أولى، في الملكوت، الى مقام الاسم الله، ستكون له نزلة أخرى في عالم الملك بها يتحقق مقام الاسم (الله) في الأرض، في تجسيد، تكتمل به الحياة على الأرض، وتفتتح به دورة جديدة من دورات الوجود، هي دورة الإنسان.. والإنسان هو قفزة على البشرية، كما كانت البشرية قفزة على الحيوانية.. وكمال الحياة إنما يتم ببروز الحاسة السادسة، والحاسة السابعة.. وذلك بتحقيق النفس السابعة، النفس الكاملة.. فالحاسة السادسة هي الدماغ.. ووظيفتها الإدراك المحيط، والموحد لجميع معطيات الحواس الأخرى.. ففي هذه المرحلة يكون العقل قويا، بالصورة التى يمارس بها جميع وظائف الحواس في وحدة.. أما الحاسة السابعة فهي القلب.. ووظيفتها الحياة الكاملة، وليس للحياة الكاملة نهاية كمال، وإنما كمالها، دائما نسبى، وغايتها أن تكون مطلقة الكمال كما ان خالقها هو مطلق الكمال، ولكن هيهات!!

والنزلة الثانية للقرآن التى بها يتم تجسيد مقام الاسم الأعظم الله، تشير إليها الآيات الكريمات من سورة القدر: (انا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام.. هي حتى مطلع الفجر).. (انا أنزلناه) يعنى القرآن مجسدا.. يعنى الإنسان الكامل (الله).. وهو المسيح هو (رسول الله وكلمته، ألقاها الى مريم، وروح منه).. (رسول الله) يعنى رسول الذات الى جميع الخلائق.. (وكلمته) يعنى كلمة الله فالمسيح هو الكلمة (الله).. (ألقاها الى مريم) يعنى الى النفس الطاهرة.. و (ليلة القدر)، هي لحظة نزول المسيح.. وهي الساعة، ساعة التعمير.. والساعة هي أيضا المسيح.. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى (وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها).. وقوله: (تنزل الملائكة والروح فيها) الروح هو المسيح، والملائكة إشارة الى أعوانه.. والى كون المسيح هو الروح، تأتى الإشارة بقوله تعالى: (يلقي الروح من أمره، على من يشاء من عباده، لينذر يوم التلاق).. والى ذلك الإشارة أيضا بقوله تعالى عن المسيح: (وكلمته، ألقاها الى مريم، وروح منه).. وفي هذا المعنى تجيء بشارة سيدنا النبي صلوات وسلام الله عليه ، من حديث طويل، يبشر فيه بالمسيح، كان بعض ما جاء فيه قوله: (فإذا هم بعيسى، فيقال: تقدم يا روح الله.. فيقول ليتقدم إمامكم فليصل بكم) رواه أحمد.. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سمى المسيح في هذا الحديث (روح الله).

ونزول القرآن الى مقام التجسيد في الحياة، مقام الاسم الأعظم، ليس واسطته سيدنا جبريل.. وإنما واسطته سيدنا اسرافيل، ملك النفخ بالحياة.. فبهذا النفخ يتم التجلى الجمالى الذى به تشرق الأرض بنور ربها.. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون * وأشرقت الأرض بنور ربها.. ووضع الكتاب.. وجيء بالنبيين والشهداء، وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون).. (ونفخ في الصور) يعنى في الأجساد، وعلى قمتها جسد الإنسان الكامل.. والصور يعنى أيضا البوق، فقد ذكرنا إن الإنسان الكامل هو بالنسبة للذات الإلهية عبارة عن بوق تنفخ فيه، فيعكس إرادتها، ويقيد إطلاقها.. (وأشرقت الأرض بنور ربها) يعنى أرض الجسد، جسد الإنسان الكامل، تشرق بنور الحياة الكاملة، والعلم الكامل.. والأرض أيضا تعنى الكوكب الأرضى، يشرق بنور الإسلام، فلا يصبح فيه إلا مسلما.. وهذا أيضا معنى (ووضع الكتاب)، أى وضع المصحف موضع التطبيق، فتمت النزلة الى مستوى الحياة، فأصبح القرآن معاشا، في قمة، في الإنسان الكامل، ثم بين سائر الأفراد والجماعات، وبذلك تتحقق المقامات العرفانية الكبيرة والى ذلك الإشارة بقوله (وجيء بالنبيين والشهداء)..

هذه النزلة الأخيرة للقرآن الى مقام التطبيق، كآيات نفوس، مقام الإنسان، هي ما يبشر به هذا الكتاب، ويعمل على أن بكون الطريق إليه ممهدا.. فالقرآن إنما جاء ليعاش، ويجسد كحياة تمشي مطمئنة على الأرض..


يتبع ........تجسيد القرآن

اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كبيرا

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 13, 2016 1:00 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا النبي وآله وصحبه وأحبابه ومن أحبهم وتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا كبيرا .....

تجسيد القرآن

إن حقيقة القرآن هي العلم المطلق، وهو فينا في حالة كمون، لا يفترّ منا إلا في الزمان والمكان.. والى كون العلم المطلق فينا الإشارة بالحديث القدسي (ما وسعنى أرضى ولا سمائي، وانما وسعني قلب عبدي المؤمن).. فالسعة هنا، إنما هي سعة علم.. و(العبد المؤمن) في القمة إنما هو الإنسان الكامل (الله)، والذى يحقق قمة العبودية، وهو من أسمائه المؤمن.. فهو الذى يسع المطلق، وهذه السعة ليست سعة إحاطة، إنما هي سعة صيرورة.. ثم.. (العبد المؤمن) هو كل عبد مؤمن على تفاوت بينهم في ذلك.. فحقيقة القرآن هي هذا (العبد)، الإنسان الكامل، فالقرآن جميعه إنما يتحدث عنه في المكان الأول كما ذكرنا.. أما الذات الصرفة، فهي فوق القرآن المرقوم، لأنها فوق العبارة وفوق الإشارة، فهي لا تعرف، ولكي تعرف تنزلت بمحض الفضل في المقامات المختلفة.. فالله، الإنسان الكامل، هو حقيقة القرآن، وتأويله.. والتأويل هو رد الشيء الى ما يؤول اليه.. والقرآن جميعه يؤول الى الله.. عنه صدر، وعنه يحكي، واليه يرسم خط السير.. فالقرآن هو المعراج الى النفس الكاملة، نفس الإنسان الكامل.. وجرثومة الإنسان الكامل موجودة في كل فرد بشرى، فلكل منا نفسان، نفس دنيا، ونفس عليا.. النفس الدنيا هي الحيوان، الذى ينبغى تأديبه وتهذيبه، والنفس العليا هي الإنسان، الإنسان الكامل، الذى بتأديب وتهذيب النفس السفلى يتم الوصول إليه، وإنما يتم ذلك عن طريق التأدب بأدب القرآن..

والإشارة الى كون (الله) هو حقيقة القرآن، وتأويله، تجيء من قوله تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق، فهل لنا من شفعاء فيشفوا لنا، أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل، قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون).. فـ(هل ينظرون إلا تأويله) يعنى هل ينظرون إلا تأويل القرآن.. و (يوم يأتى تأويله) يعنى يوم يأتى (الله) في تجسيد، فهو تأويل القرآن.. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام، والملائكة، وقضي الأمر والى الله ترجع الأمور).. (الله في ظلل من الغمام) يعنى في تجسيد.. والملائكة هنا هم أعوان المسيح، كما أشرنا عند الحديث عن سورة القدر.. فالتأويل إذن هو (الله) في تجسيد.. ويوم إتيانه، هو لحظة الظهور هو الساعة، كما ذكرنا.. والى ذلك أيضا الإشارة بقوله تعالى: (هل ينظرون إلا الساعة، أن تأتيهم بغتة، وهم لا يشعرون؟).

فتأويل القرآن هو (الله في ظلل من الغمام) أي في تجسيد.. وهذا هو مقام الوسيلة، الذى يكون بين الله في إطلاقه، وبين جميع الخلق.. ومجيئه يكون في اليوم الآخر، وهو آخر أيام الدنيا، وأول أيام الآخرة.. ومقامه هو المقام المحمود الذى تم للنبي صلى الله عليه وسلم في المامة في المعراج، ثم ظل يطلبه طوال حياته، وقد حققه في النزع، وانتقل به الى البرزخ، وعن ذلك جاء حديث عائشة (.. وجاء جبريل في ساعته، فسلم.. فعرفت حسه.. وخرج أهل البيت، فدخل.. فقال: إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام، ويقول لك كيف تجدك؟ وهو أعلم بالذى تجد منك، ولكن أراد أن يزيدك كرامة وشرفا، وان يتم كرامتك وشرفك على الخلق وان تكون سنة في أمتك.. فقال: أجدنى وجعا.. قال: ابشر!! فان الله قد أراد أن يبلغك ما أعد لك..).. يشير بقوله (ابشر!! فان الله قد أراد أن يبلغك ما أعد لك) الى قول الله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا).. فقد بلغ النبيصلى الله عليه وسلم المقام المحمود بالنزع، ونزل به الى البرزخ.. وقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم طوال حياته، وفي برزخه يعمل على تنزيل هذا المقام من الملكوت الى الملك، حيث يتم تجسيده، إلى الأرض.. فالنبي صلى الله عليه وسلم ، في برزخه، هو مدد كل الولايات، وهو مرشدها.. وعن طريق أنوار هذه الولايات، هو يعد الأرض لتلقى (النبأ العظيم).. فالإنسان الكامل هو تجسيد القرآن في الدم واللحم.. هو القرآن يسير على قدمين.. هو معجزة القرآن الخالدة.. الإنسان الكامل هو ظاهر القرآن وباطنه، هو جماع آيات آفاقه، وجماع آيات نفوسه.. هو القرآن المرقوم، وهو القرآن المعاش، في تجسيد الصفات النفسية السبع، التى تحكي تنزلات القرآن.. والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور).. فالطور إشارة الى عقل الإنسان الكامل، الحاسة السادسة.. (وكتاب مسطور) هو القرآن، مسطور (في رق منشور) والرق هو الجلد، هو جلد الإنسان الكامل، يكون فيه القرآن مسطورا بالحروف الرقمية.. و(منشور) يعنى أنه حي، مبعوث من الموت ذلك الموت الذى تسبب فيه الخوف عند الإنسان فحجر جلده.. فبالعلم، والتحرر من الخوف، يلين جلد الإنسان الكامل، وتشيع فيه الحياة التى تنبعث من القلب، فيصير حيا كله.. (والبيت المعمور) هو قلب الإنسان الكامل، وهو جسده، فالإنسان الكامل كله قلب!! فهو قد تخلق بالاسم (الحى)، فشاعت الحياة في جميع جسده، فأصبح جسده حيا حياة قلبه.. وقلب الإنسان الكامل (جسده) معمور بذكر الله، فهو بيت الرب.. وهو معمور بذكر الله، لأن الإنسان الكامل هو (الله).. فكل ذرة من ذرات جسد الإنسان الكامل تذكر الله بلسان عربي فصيح.. فهو الذكر المبين.. وأخلاق الإنسان الكامل هي أخلاق الله، أخلاق القرآن، ولذلك قلنا إن الإنسان الكامل هو تجسيد ظاهر القرآن وباطنه..

هذا هو أدب القرآن في قمته حيث الحياة الكاملة، حياة الإنسان الكامل، الولاية المحمدية مجسدة.. وهذا هو مقام الأصالة المتفردة، التى لا يشبهها أي أحد في تفردها، والتى لا يحيط بعلمها أحد إلا بما تشاء.. فعلمها هو العلم المحيط الذى يقع كل علم سواه، دونه، وفي إطاره، أما دون هذه القمة الشماء فان للعارفين مواقعهم في التأدب بأدب القرآن.. وهي مواقع مختلفة، ومتفاوتة بحسب تفاوتهم في العلم بالله.. والى هذه المواقع في التأدب بأدب القرآن، تشير الآية الكريمة (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) فهي تتحدث عن القرآن، وتجعل شرفه أن يكون معاشا (في صدور الذين أوتوا العلم).. وذلك على تفاوت بينهم، فإنه (فوق كل ذى علم عليم)..

يتبع ........القرآن، ومعرفة النفس

اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كبيرا

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 13, 2016 12:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 2:50 am
مشاركات: 4536
"أدب الوقـــت"

هذه الكلمة شدتني لقراءة هذا الموضوع
وبدأت من عنوان " أدب الوقت "
لا أدري لماذا أحسست أن الكلام لا يمت لحقيقة العنوان بصلة
العنوان يشبه كلام المتصوفة لكن الكلام شبه الفلسفة
فدخلت على صفحة مؤلف الكتاب
فوجدت اسم الصفحة " الفكرة الجمهورية "
وأن صاحبها من السودان
" يعود نسبه إلى قبيلة الركابية، فرع البليلاب نسبة إلى الشيخ المتصوف حسن ود بليل وهو من كبار متصوفة السودان"
و " بدأ الأستاذ محمود تعليمه في الخلوة، كما كان يفعل سائر أترابه في ذلك الزمان، حيث يحفّظون جزءاً من القرآن الكريم، ويتعلمون شيئاً من قواعد اللغة العربية "
ا. هـ
وممكن قراءة باقي سيرته من الرابط التالي
[url]http://www.alfikra.org/
[/url]

أعتقد إن الخلوة هنا مقصود بها " الكُتّاب " كما في قرى مصر

أرجو من السيد الشريف المرور على هذا الموضوع
فقط لأطمئن هل الكلام المكتوب حق
أم أنها مجرد أفكار تخص الكاتب

مع جزيل الشكر

_________________
" الأولياء وإن جلت مراتبهم فى رتبة العبد والسادات سادات "


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يونيو 14, 2016 12:13 am 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 24685

هو من أصحاب اللخبطات

وكان على ما أذكر قال بعض ممن يعرفه أنه مجنون أو جن فلخبط

ولا أدري ماذا قال عن أدب الوقت

فبرجاء وضع الرابط

وشكرا

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: أدب السالك في طريق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 15, 2016 1:54 am 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
http://www.alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=256&chapter_id=3

تفضل يا مولانا هذا هو رابط الموقع الذي يهتم بكتبه
كلامه حيرني لكن بحس عنده طابع صوفي والله تعالى وأعلم
ويقولون عنه إنه مفكر وفيلسيوف .....من بين كتبه
له كتاب طريق محمد ...(صلى الله عليه وآله وسلم )
كتاب آخر عنوانه لا إله إلا الله
ستجدهم في أعلى الموقع في قائمة الكتب
بارك الله فيكم يا مولانا

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 17 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 10 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط