موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 5 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: مسألة في وصف المفردين للحكيم الترمذي رضي الله تعالى عنه
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت مارس 14, 2015 8:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أستاذ كل أستاذ سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
وبعد ، فهذه احدى نفحات سيدي الإمام الحكيم الترمذي رضوان الله تعالى عليه وهو من أجل أجل شيوخ الصوفية القدامى ، الذي حينما تقرأ له تشعر أنه يحادثك ، كالأسد المحاسبي وغيره من الأوائل ..

وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن بشر ، من كبار شيوخ ترمذ بخراسان ، والمعروف بالحكيم الترمذي المتوفى عام 255 هـ ولم يعلم تاريخ ميلاده على وجه التحديد ..
جل كتبه مختفية لكنها موجودة خاصة بمكتبات الأجانب من إنجليز وغيرهم ، وأغلب مؤلفاته في التصوف وعلومه وفي علوم الحديث ، حيث الإسناد العالي ( وهذا معناه أنه قد يكون بلغ من العمر أكثر من السبعين والله تعالى أعلى وأعلم ) ..

ومن جملة كتبه :

ختم الأولياء ( وقد شرحه الإمام الأكبر محيي الدين محمد بن عربي المالكي وعلق عليه تعليقات جيدة ) .
تذكرة الأولياء .
الرياضة وأدب النفس .
مسألة في وصف المفردين ( وهو ما سأتشرف بكتابته على عدة مشاركات ) .
نوادر الأصول ( وهو من جملة إسناده في الحديث الشريف ) .
وغيرهم الكثير والكثير ..

عالم عامل محدث لبق أسموه حكيماً في عصره وكان شيخاً للصوفية ، والتقى بأبي تراب النخشبي وصحب أبي عبد الله بن الجلاء وأحمد بن خضرويه وغيرهم ، رضي الله تعالى عنه وأرضاه ورضي عنا به ..

مسألة في وصف المفردين



قال أبو عبد الله رحمه الله :
سألت عن رجل يعبد الله تعالى على طلب الثواب والفرار من العقاب أفرض هو ؟
فالجواب في ذلك : أن الله تبارك وتعالى افترض على عباده الرغبة في ثوابه والفرار من عقابه فدعاهم إلى دار السلام ثم افترض الإجابة فقال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استيجبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " الأنفال 24 ، وحذرهم من العقاب في دار السخط وافترض الفرار منها فقال الله تعالى : " فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة " البقرة 24 .
واعلم أن الله تبارك اسمه خلق الخلق عبيداً ثم افترض عليهم أن يكونوا له عبيداً كما خلقهم ، فالثواب لهم على ذلك والعقاب على تضييع ذلك .
فإذا كان يوم القيامة ففريق في الجنة وفريق في السعير .
فأما أهل جنته فعبيد في هيئة الأحرار والملوك ومشيئاتهم مطردة في جوار الملك المنان بفناء عرشه .
وأما أهل ناره فعبيد في هيئة الإباق المأخوذين في حال إباقهم ، أبدانهم معذبة ذوو سخط في سجون الملك الجبار .
فأنبأهم في تنزيله لماذا خلقهم فقال تبارك اسمه : " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات 56 ، وقال تعالى : " فإياي فاعبدون " العنكبوت 56 ، وقال : " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة 21 .
فجملة العبودة هو ترك الهوى وهو مركب من النفس مستعمل في كل الأمور دنيا وآخرة .
فصارت العبودة على ضربين : أحل وحرم وأمر ونهى .
فانتهى العبد عما نهى وأتى ما أمر وباشر ما أحل وجانب ما حرم ولم يفارق الهوى .
فإن أتى ما أمره أتاه مع الهوى وإن انتهى عما نهاه انتهى مع الهوى ، فلم يخل من شهوة في إتيان ما وافقه من أمره ولا خلا من تغافل فكره في التناهي عما نهاه ، فلم يملك العباد الذين نفوسهم حية وشهواتهم ذكية إلا هذا وقد قال الله تعالى : " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " البقرة 286 ، فخلقهم وهو الذي ركب فيهم هذه الشهوة فهوت بهم يميناً وشمالاً فوقعوا في التخليط والمعاصي .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مسألة في وصف المفردين للحكيم الترمذي رضي الله تعالى عنه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مارس 15, 2015 9:23 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
فلما أدركتهم رحمته وجاءتهم نصرته تابوا إليه فوقعوا في العبودة والشهوة باقية فيهم إلا أنها ضعفت وخمدت نيرانها وانطفت شعلها وتلظيها في جوارح العبد فصارت كالجمرة قد غشيها الرماد فلم يبق في العروق والجوارح حرارة من الشهوة .

فصار الصدر كتنور قد سكن تلظيه وخمد تسعره ، فلم يزل هكذا يصير جمره رماداً حتى برد فإذا التزق به رغيف سقط ولم يلزق به ولم يختبز .

فكذلك الصدر إذا برد من حرارة الشهوة ، فكلما مر به ذكر شيء مما نهي عنه سقط ولم يلزق به وكلما كان التنور أحمى كان الشيء به ألزق ونضجه أسرع .

فالعبد خمدت نيران شهوته بالنور الذي ورد على قلبه فظفر بالتوبة لوروده وذلك النور من رحمة الله تعالى على العبد .

وللرحمة روح وبرد حيثما حلتا انطفت النيران ، إذ كانت هذه النيران من الشهوة تورده غداً نيران العقاب .

فلما انتهى العبد عما نهي عنه وأتى ما أمر واستمر في ذلك ، لم يخل من شهوة يهوي بها وهو الذي يقال له الهوى .

فإذا أتى ما أمر وكان ذلك الأمر موافقاً لشهوته خف فيه وإن كان مخالفاً لشهوته ثقل عليه وأتاه بكره .

فإن انتهى عن شيء وكان ذلك النهي موافقاً لشهوته خف عليه الانتهاء وإن كان مخالفاً لشهوته ثقل عليه الانتهاء .

فإنما عملت فيهم هذا العمل هذه الشهوة الباقية فيهم فعلم الله تعالى هذا منهم قبل أن يخلقهم إذ دبرهم على ذلك .

فخلق الله تعالى دار النعيم والكرامة ودار البؤس والهوان وأفشى خبر ذلك على ألسنة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم فيهم ليهيج من نفوسهم التي فيها هذه الشهوة وهذا الهوى ، شهوة تلك الدار ويميل بأهوائهم إليها .

فإن قال العصاة غداً محتجين بين يديه : يا ربنا إنك قد ركبت فينا هذه الشهوات التي هوت بنا ومالت إلى ما حرمت ، كان من حجته عز وجل عليهم أن يقول : فقد خلقت داراً فيها من النعيم ما يتلاشى هذا في جنبها ثم أرسلت خبر ذلك على ألسنة رسلي ليهتاج من نفوسكم التي منها تشتكون شوقاً إلى هذه الدار ، فإن كانت تلك حاضرة نصب أعينكم وهذه غائبة إلى مدة فقد جعلت بينهما من التفاوت في البون ما لا يحصيه البشر علماً فكيف لم تهج من نفوسكم الشهوة إليها والرغبة فيها ولم تطفيء شهوتكم تلك لهذه الشهوة الدنيئة ؟! أو لم ينفذ في أسماعكم إشاعة هذه الأخبار من أمور الدارين على ألسنة الرسل فلم ينجع في قلوبكم ؟! فإن لي عباداً حضروا هذا الجمع قبل اليوم وهم معكم نجع هذا الخبر في قلوبهم وتصور في صدورهم حتى صارت كأنها حاضرة نصب أعين قلوبهم فرفضوا عامة دنياهم رغبة فيما رغبتهم فيه تصديقاً لي بما أخبرتهم حتى أسهروا ليلهم وأظمأوا نهارهم فضلاً على ما أمرت وتركوا ما لم أنههم عنه أيضاً رغبة فيما عندي .

وقد كان في تركيب أهوائكم وشهواتكم أنكم كنتم إذا تراءى لكم زيادة شيء من عرض الدنيا وحطامها الفانية رفضتم ما بأيديكم طمعاً في نوال الزيادة ، فلو أن أحدكم قيل له : ارفض هذا الدرهم الذي بيدك وخذ ديناراً إلى سنين كثيرة وكان ذلك الضمان من الصادق الملي الوفي لسارع إلى ذلك وقال : إنه ليهون علي رفض درهم لمكان دينار أطمعني فيه فلان الملي الوفي وضمن لي ذلك ، وشهوة هذا الدينار غلب على شهوة الدرهم وعرفت منه شهوة الدرهم .

فهذه معاملتكم أيام دنياكم في كل شيء فما بالكم لم ترفضوا شهواتكم التي حرمت عليكم من أجل هذه الشهوات الباقيات التي بان للعبد تفاوتها أبعد من العرش إلى الثرى .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مسألة في وصف المفردين للحكيم الترمذي رضي الله تعالى عنه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 27, 2015 1:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
فقدم عُمَّالُ الله تعالى على الله غداً، عاملين له على هذا ، ساعين إليه ، على هذه الرؤية.

قد أجابوه إلي ما دعاهم إليه ، من جواره ، بالطاعة التي رسم لهم، فقال -عز وجل- ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ الأنعام ) ١٥٣ ( وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} الانعام: ١٢٦

واتقوا عقابه ، الذي أمرهم بتقواه ، فقال: (( فَاٌتَّواْ اٌلنَّارَ )) [ البقرة: ٢٤] ، فعلموا الطاعة ، و شهوة الثواب قائمة، بين أيدي قلوبهم ، عليها يعملون ، وإليها يسعون .

وانتهوا عن المعصية ، ورهبة العقاب منتصبة ، بين أيدي قلوبهم ، ومن أجلها ينتهون، ومنها يفرقون . فشغلت قلوبهم ونفوسهم ، ومضوا إلي عقباهم ، فوردوا على مَلِكٍ غفورٍ كريم ، يغفر الذنوب ، ويتجاوز عن التقصير ، ويقبل الحسنات ، ويعفو عن السيئات .
وبقي ما وعد من المزيد تفضلاً . فإن سبق جِدُّ أحدٍ منهم، وأسبله سابق علمه فيه ، فالتفت إلى عمله ، قايسه بالعدل. فإذا فعل ذلك به، هلك واستحق العذاب ، لأن العبد لم يأت بطاعة ، ولا انتهى عن معصية ، إلا ولربه - جل وعز - عليه المنة ، في التوفيق والعصمة .

فإذا قايس أعماله بهذين ، غرقت أعماله كلها وبقيت النِّعَم عليه : نِعَم الدنيا والآخرة. فلا تعلق بها .
فأي شئ يفكُّه ، إلا فضله ورحمته ؟!

فإن عمى أحد عما شرحناه، فإن الأخبار واردة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بما يحقق ذلك:

حدثنا أبو الفضل بن محمد الواسطى، حدثنا هشام بن خالد الدمشقى، حدثنا عبد الله بن صالح المصري، وحدثنا أبو سنان البلخى، حدثنا عبد الله ابن صالح المصرى: حدثنا سليمان بن هرم، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما- قال : خرج إلينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: " خرج من عندي خليلى جبريل – عليه السلام- آنفا- فقال لى : يا محمد! والذى بعثك بالحق، إن لله تعالى عبداً من عباده، عبد الله خمسمائة سنة، على رأس جبل فى البحر، عرضه وطوله ثلاثون ذراعاً فى ثلاثين ذراعاً، والبحر محيط به أربعة ألاف فرسخ، من كل ناحية. واخرج الله تعالى له عيناّ عذبة، بعرض الإصبع، تبض بماء عذب، فيستنقع في أسفل ذلك الجبل . وشجرة رمان هناك، تخرج كل ليلة رمانة، فيغذيه يوماً. فإذا أمسى ، نزل وأصاب من الوضوء، وأخذ تلك الرمانة، فأكلها، ثم قام إلى صلاته، فسأل ربه، عند وقت الأجل، أن يقبضه ساجداً، وأن لا يجعل للأرض، ولا لشئ يفسده عليه سبيلاً، حتى يبعثه الله ساجداً. ففعل. فنحن نمر به، إذا هبطنا، وإذا عرجنا.

ونجده في العلم ، أنه يبعث يوم القيامة، فيوقف بين يدي الله تعالى، فيقول له الرب- جل جلاله : " أدخلوا عبدى الجنة برحمتى" فيقول : " بل بعملى يا رب". فيقول الله تعالى للملائكة : " قايسوا عبدى بنعمتى عليه، وبعمله" فيوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة، وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه. فيقول الله تعالى : " أدخلوا عبدى النار " فينادي : " رب! برحمتك أدخلنى الجنة " فيقول : "ردوه". فيوقف بين يديه، فيقول : " يا عبدى من خلقك ولم تك شيئا؟ ، فيقول :" أنت يا رب " فيقول: " أفكان ذلك من قبلك؟ أم برحمتى ؟ " فيقول: " بل برحمتك" فيقول: " من قواك لعبادة خمسمائة سنة؟ فيقول: " أنت يا رب" فيقول: من أنزلك فى جبل، فى وسط اللجة، وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح، وأخرج لك كل ليلة رمانة، وإنما تخرج الشجرة في السنة مرة؟ وسألتنى أن أقبضك ساجداً، ففعلت ذلك بك؟ فيقول : " أنت يا رب" فيقول: " فذلك برحمتى، وبرحمتى أدخلك الجنة. أدخلوا عبدى الجنة! فنعم العبد كنت يا عبدى!"

وإنما الأشياء برحمة الله تعالى.

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مسألة في وصف المفردين للحكيم الترمذي رضي الله تعالى عنه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 27, 2015 5:13 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
قال الإمام أبو عبدالله – رحمه الله-:

فهذا شأن عمال الله، عملوا له على طلب الثواب، والهرب من العقاب، فلم تصف أعمالهم من الهوى، لان الهرب والطلب مخرجهما من الشهوة.

ثم إن الله – تبارك اسمه- اصطفى من خلقه ما شاء فله من كل جنس صفوة.

فالعرش صفوته من الأمكنة وجنة عدن صفوته من الجنان والكعبة صفوته من البيوت والأمناء صفوته من الملائكة، والأنبياء صفوته من الأولياء، والأولياء صفوته من الزاهدين، والزهاد صفوته من العاملين الراغبين، والراغبون صفوته من الآدميين بأنهم موحدون.

ثم قسم العقول بينهم، وشرح للإسلام صدورهم وبنور معرفته هداهم.

وكل مؤمنون، وكل إنما يقف على درجته من الله.

فالراغبون مخلصون ، آمنوا به ، وبثوابه وعقابه. ثم خلطوا لرغبتهم وشهواتهم وميلهم، بأهوائهم، هكذا وهكذا. فهما سكارى قد شربوا بالكأس الأوفى، من حب الدنيا وشهواتها.

والعاملون ظفروا بنور أضاء لهم فخرجوا به من سكرهم، وأفاقوا. كما قد ترى السكران يتهادى يميناً وشمالاً، ويتمايل جزافاً. فإذا رأى صاحب سواء. استوى، وأقبل على ما يعنيه ، وصار كالمفيق.

فهذا النور أورثهم الخوف والإفاقة، فقووا على العمل بالطاعة وترك المعصية، ونفوسهم قائمة بين يدى قلوبهم يعملون لله، على سبيل النجاة من العقوبة، ونوال الثواب، الذى أطمعهم فيه.

فهم قوم قد أفاقوا من سكرتهم، ولكنهم فى سبات. وهم الذين أثنى الله عليهم، وذكرهم، فقال ( يدعون ربهم خوفا وطمعا ) (السجدة 16)

ثم من الله- عز وجل على طائفة منهم، بنور أشعله فى قلوبهم، فانفسح وانشرح الصدر، وخرج من سباته، منتبهاً لأمر جليل، ووصف عميق. انتبه للخالق الباري، العظيم الشأن، فامتلأ قلبه فرقاً من عظمة العظيم، وجلالة الجليل، وعزة العزيز. فنفر ذلك الفرق الهوى عن قلبه ، حتى صار بمعزل عن جميع سعيه، في أمره ونهيه.

ثم رقي درجة أخرى من الانتباه.

ثم رقي، فوجد النفس بما فيها من الهوى، وباقى الشهوة، قد ذهلت عن كل حركة وميل، لما تراءى له في علم الغيب من كبريائه وسلطانه.

ثم رقي درجة أخرى، فوجد النفس بما فيها من الهوى، وباقى الشهوة الذاهلة، قد صفا وطاب، لما تراءى له، فى علم الغيب، من ملك كبريائه وسلطانه.

ثم رقي درجة أخرى ، فوجد النفس، بما فيها من الهوى، وباقي الشهوة الذاهلة، قد صفا وطاب، بما تراءى له، فى علم الغيب، من ملك الجمال، والبهجة والبهاء.

ثم رقي درجة أخرى ، فوجد النفس ، بما فيها من باقي الشهوة والهوى، قد غرقت، لما تراءى له، في علم الغيب، من ملك فردانيته. فوقع قلبه هناك على مشاهدته. غرقت الأشياء كلها فيه، وأذهلته عن الجنة والنار. وذلك، إنهما كانتا للنفس ثواباً وعقاباً.

ألا ترى أن الله تعالى، لما ذكر الجنة قال " ولكم فيها ما تشتهى أنفسكم " فصلت 31 ولم يقل: " قلوبكم "

وقال الله تعالى: ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ) (الزخرف 71)

فأى قلب نال قربة العزيز الماجد الجواد، وترادفت عليه نائلات بره، ومترادفات عطفه، وصلات محبته، في ملك الوحدانية، منفرداً به، فلم يشتغل به شغلاً ؟!

تلاشت في جنبه جميع أحوال النفس ، دنيا وآخرة، وطارت الفكرة عنه فيهما.

وإنما يعرف هذا من ناله، ويخفى على من حرم ذلك، وسقط عن هذه الدرجة.

وإنما نال هذه الدرجة مناً من الله – عز وجل- عليه ، فامتلأ قلبه منه وصدره، واشتعل النور في جميع جوارحه، فهو ولهان عطشان وحيران غضبان –وغضبان تعني: غضبان على نفسه- وسكران قد أسكره المعنى، الذى حل بقلبه، عن كل شيء سواه. ثم أفاق من سكره، فأحيا به.

فمن حيي قلبه بالله، ثم رجع إلى أمره ونهيه، لم يثقل عليه الانتهاء من نهيه، والائتمار بأمره، ولم يستبن فى قلبه السرور بالثواب.
أو ليس من المحال، أن يتبين هناك سرور الثواب، وقد امتلأ سرورا بإلهه ومليكه؟!

فكيف يستعظم هذا مؤمن والجنة خلقه؟!

وكيف يستبين سرور العبد بخلقه في سروره بربه ؟!

أليس هذا من المحال، إن طلب منه، كما أنه من المحال، أن يطلب رؤية نجم من النجوم، فى قرب شعاع الشمس؟!

فالنجم نوره بمكانه، ولكنه قد تلاشى عن نظر هذا الناظر فى جنب نور الشمس فإذا بعد منه، حتى يقرب من الغروب، استنار ضوء النجم.

فهذه القلوب تفاوتها بعيد.

ومما يحقق ما قلناه، ما روي لنا، إن أهل الجنة، إذا رأوا ربهم، ثم رجعوا، لم يلتفتوا الى النعيم ثمانمائة سنة. قد امتلأت ابدأنهم رياً من النعيم.

أفيحسب عاقل أن ذلك من نعيم الأكل والشراب؟!

وروي لنا، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قيل له : " يا رسول الله ! أي نعيم أهل الجنة أفضل ؟ قال: " النظر إلى وجه رب العزة "

حدثنا بذلك أبي- رحمه الله – حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو شهاب، أخبرنى خالد بن دينار الديلمى، عن محمد بن جعفر، عن ابن عمر- رضى الله عنهما – رفعه قال: " إذا بلغ النعيم من أهل الجنة كل مبلغ ، وظنوا أن لا نعيم أفضل منه، تجلى لهم الرب – جل وعز اسمه – فنظروا إلى وجه الرحمن، فنسوا كل نعيم عاينوه، حين نظروا إلى وجهه فيقول: " يا أهل الجنة! هللونى!" ، فيتجاوبون بالتهليل. فيقول : " يا داود قم فمجدنى كما كنت تمجدنى فى دار الدنيا " فيمجد داود عليه السلام ربه- عز وجل" .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مسألة في وصف المفردين للحكيم الترمذي رضي الله تعالى عنه
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 27, 2015 11:07 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
قال الإمام أبو عبد الله – رحمة الله عليه :

فكذلك فى الدنيا، وقوفهم بين يديه، ينعمهم في مقاماتهم، ويذهلهم من الالتفات إلى شيء من الثواب. وهيبتهم له تذهلهم عن الالتفات إلى العقاب. إذ كان الالتفات إليهما اشتغالاً عنه بالنفس.

وبعدما بين المشغول به، والمشغول عنه، ورغبتهم فى الثواب ورهبتهم من العقاب، منكمنة في نفوسهم وقلوبهم، ككمون النار في الحجر، لا ترى إلا إذا قدح بالزند، وزنده الذكر، هاجت قلوبهم.

فهيهات أن يقف أحد على وصف ما يهتاج من قلوبهم ، ومن رؤية الثواب والعقاب.

وكيف يقدر احد على وصف ذلك، وإنما يرون الثواب من رأفته، ورحمته، وكرمه، وفضله، والعقاب من سخطه وسخطه من سلطانه.

فبنوره ينظرون إلى الثواب والعقاب.

والعمال بنور العطاء ينظرون إليهما.

فكما بين النورين من التفاوت، كذلك تفاوتهما في الخوف، والرجاء، والرغبة، والرهبة.

لا يقدر أحد أن يخاف ويرجو، ويرغب ويرهب، إلا بقدر ما يرى. ولا يرى، إلا بقدر ما يعطى من النور.

فأهل هذه الطبقة ، قووا على صدق التفويض، والتوكل، والثقة، وتصفيه الزهادة وصحة الورع، وذروة التقوى، فنالوا بها الرضا عن ربهم، والشكر له ومعالي الأخلاق، لأنهم قد باينوا أهواءهم.

وكيف يصدق تفويض عبد، وهواه بقي معه، يميل به، هكذا وهكذا، وشهوته عاملة فيه؟!

وكيف يصدق ثقة عبد، أو توكله، أو زهده وهو مع الشهوة ، والرغبة، والرهبة، وأن تستولي على عبده شهوته، في وقت طاعته، حتى يغلب ذكرها على قلبه، إلا وذاك له بمرصد، عند المعصية أيضا؟!

فهو على خطر عظيم.

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: قال الله تعالى : " من شغله ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين "

حدثنا بذلك الحسن، عن عمرو بن محمد العنقري، حدثنا هشام بن عياد العبادي، حدثنا الحسن بن أبي يزيد الهمدانى، عن عمر بن قيس، عن عطيه، عن أبى سعيد الخدرى – رضى الله عنه – قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " من شغله ذكري، وقراءة القرآن ، عن مسألتي ، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"

حدثنا صالح بن عبد الله ، حدثنا أبو الفرج بن فضالة، عن مسعود، عن خالد بن معدان، قال : قال داود – عليه السلام : يقول الله – تبارك وتعالى – لأعطين المشتغلين بذكري أفضل ما أعطي السائلين"

وحدثنا أبي – رحمه الله – حدثنا الحمانى وعثمان بن زفر – رحمه الله وضرار بن صرد ، قالوا : أخبرنا صفوان بن أبي الصهباء التيمي، عن بكر بن عتيق، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه – قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يقول الله تعالى : " من شغله ذكرى عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " .

قال الإمام أبو عبد الله – رحمه الله:

فلن تخلو المسألة من ذكر النفس، ولا يسأل سائل، إلا من أجل نفسه. فهو مع الهوى.

فإن كان ثواب المشغول بذكره عن المسألة للنفس، أن ينال أفضل ما يعطى السائلون ، فكيف بثواب المشغول به عن الشغل بذكره؟!

هيهات ! عجز الخلق عن هذا المطلع العجيب، إلا من اختصه الله تعالى بصفوته، واصطنعه لنفسه، وجعل هذا العلم هديته.

قال: " فشغل المؤمن فى دنياه بدنياه، وهو ملك من ملكه "

قال الزاهد : " شغلنى ملك الآخرة عن ملك الدنيا كما شغلك، أيها الراغب، ملك الدنيا عن ملك الآخرة "

وقال الصديق : شغلنى ملكه عن هذين، كما شغلكما هذان عن ملكه .

وقال العارف : " شغلنى مالك الملوك، وسيدي الملك، عن ملكه، كما شغلك، أيها الصديق، ملكه عن هذين"

فالأول: راغب مشغول بدنياه.

والزاهد: مشغول بآخرته.

والصديق: مشغول بملكه.

والعارف : مشغول بربه فرداً. وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيروا سبق المفردون .

حدثنا بذلك حفص بن عمر، حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا عمر بن راشد اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة – رضى الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : سيروا، سبق المفردون ، قالوا : يا رسول الله من المفردون ؟ قال : " الذين اهتزوا فى ذكر الله يأتون يوم القيامة خفافاً، يضع الذكر عنهم أثقالهم " .

قال أبو عبد الله – رحمة الله عليه-:

والمهتز في لغة العرب : الذي قد أفند عقله، فهو في هيئة الخرق، حتى يخيل إليك، أنه يتكلم بالتهاتر من الكلام، كأنه لا يعقل.

فالذين اهتزوا في ذكر الله، قد خمدت عقولهم عن استعمالهم. إنما يستعملهم إلههم، لأنهم في قبضته. فبه يسمعون، وبه يبصرون وبه يبطشون، وبه يمشون، وبه يعقلون.

وهذه الصفة مرورية في حديث ابن الزبير ، عن عائشة – رضى الله عنها- عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ربه – عز وجل – في حديث عبد الكريم الحراني ، قال: " حدثني أنس، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن جبريل – عليه السلام- عن ربه "
فهذا عبد قد تفرد لله ، قلبه قد غرق في ملك الوحدانية وانفرد بإلهه، فشغله بنفسه عن ملكه، وعن ملك ثوابه وعقابه، وملك دنياه.
فأينما نظر، فمعه ينظر، وبه ينظر، وإليه ينظر، لأنه موجود مع الأشياء، التى هو ناظر إليها. فلم يكن للأشياء دونه سلطان على شغله عنه، لأنه قد أخذه ربه.

فبسلطانه يغلب الأشياء ويمنع الأشياء أن تشغله.

وإلى هنا ينتهي الكتاب الجليل والحمد لله رب العالمين ..

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 5 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 5 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط