اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm مشاركات: 5347
|
[align=center] الباب الأول
" فـى إثبـات العلم "
[/align]
قال الله تعالى يصف العلماء : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } فاطر28 .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) . وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( اطلبوا العلم ولو بالصين ) .
فاعلم أن المعرفة واسعة ، والحياة قصيرة ، لذلك لم يفرض علينا تعلم كل الفنون : كالفلك والطب والرياضة وعلم البديع وغيرها ، بل وجب أن نأخذ من كل علم ما نحن بحاجة إليه فى إقامة فرائض الشريعة السمحاء . فمن الفلك علم مواقيت الصلاة مثلاً ، ومن الطب ما يمنعنا من الوقوع فى التهلكة ، ومن الرياضة ما يمكننا معه قسمة المواريث واحتساب العدة وغيرها . فالمعرفة مفروضة إذ المعرفة سلوك طريق الحق ، فقد ذم الله قوماً اشتغلوا بزائف المعرفة ، إذ قال تعالى : { وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } البقرة 102 . كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع ) وما أكثر ما يمكن عمله بقليل من المعرفة . وينبغى ألا يفترق العلم عن العمل ، فالمتعبد بلا فقه كالحمار فى الطاحون ذلك أنه مهما يدور فهو على خطوته الأولى لا يقطع طريقاً ، قال صلى الله عليم وسلم : ( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهر أبقى ).
ورأيت جمعاً من العامة يرون أن المعرفة أفضل من العمل ، كما فضل بعضهم العمل على المعرفة . وكلاهما على خطأ فيما ذهب إليه . فالعمل ما لم يكن مقترناً بالعلم لا يكون عملاً . إذن فما دام العمل يصير عملاً بالعلم فكيف يفضل الجاهل العمل على العلم. وقد أخطأ أيضاً أولئك الذين فضلوا العلم على العمل فالعلم بلا عمل لا يكون علماً . ذلك أن التعلم والحفظ والاستذكار ، كلها من قبيل الأعمال ، ويثاب عليها الإنسان , ولو لم يكن علم العالم بفعله وكسبه لما أثيب عليه .
وهناك صنفان ممن يتعاطون العلم . أولهما : أولئك الذين يتعلمون العلم طلباً للجاه عند الخلق ، ولا طاقة لهم على العمل به ، ولا يبلغون تحقيق العلم ، فيفضلونه عن العمل ، فلا يتعلمون العلم ولا العمل ، وتسمع الجاهل يقول " لا ينبغى المقال لك ، ينبغى لك الحال " .
وثانيهما : يرى أن العمل يكفى ولا حاجة للعلم . روى عن إبراهيم بن أدهم أنه رأى حجراً مكتوباً عليه : " إذا كنت لا تعمل بما تعلم فلماذا تطلب علم ما لم تعلم " أى أعمل بما تعلم حتى تعلم ببركته ما لا تعلم . وقال أنس بن مالك رضى الله عنه " همة العلماء الرعاية وهمة السفهاء الرواية ". يحسب من الجهال ، وتنتفى عنه صفة العلماء ذلك الذى يطلب بالعلم جاه الدنيا وعزها . فهو ليس بعالم ، ذلك أنه طلب العز والجاه من الجهل ولا درجة هناك فوق مرتبة العلم ، الذى إذا انتفى عن صاحبه لا يعرف شيئاً من ألطاف الله ، وإذا وجد يكون جديراً بكل المقامات والمشاهدات والمراتب .
فصل : اعلم أن المعرفة على نوعين : ربانية وإنسانية . فالإنسانية لا قدر لها بالنسبة للربانية ، لأن معرفة الله تعالى صفة له سبحانه وقائمة به . أزلية دائمة .
أما المعرفة الإنسانية فهى صفة من صفاتنا ، وهى قائمة بنا تفنى بفنائنا لقوله تعالى : { وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } الإسراء85 .
وفى الجملة فالعلم من صفات المدح ، وحدُّه : الإحاطة بالمعلوم وتبينه المعلوم وأفضل تعريف له أن العلم صفة يصير الحى بها عالماً . وقد قال الله عز وجل : { واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ } البقرة 19 ، وقال أيضاً : { وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } البقرة 282 .
وعلمه علم واحد ، يعلم به كل الموجودات والمعدومات ، لا يشاركه فيه خلق ، كما أنه لا يتجزأ ولا ينفصل عنه ، والدليل على علمه نظام صنعه ، فإن الصنع المحكم يقتضى علم فاعله ، فعلمه إذن بالأسرار الخفية ، والظواهر المحيطة توجب على الطالب مشاهدة الله فى كل أعماله ، كما يتعلم أن الله ناظر إليه وإلى كل أعماله .
حكاية : روى أن أحد الأمراء ذهب إلى حديقة له بالبصرة ، وفيما كان بها إذ وقعت عينه على زوجة البستانى فأعجبته ، فأرسل زوجها فى بعض شأنه ، ثم قال للزوجة : أوصدى الأبواب . فقالت : لقد فعلت إلا باباً واحداً لا أقدر عليه ، فقال : وما هو ؟ فقالت الباب الذى بيننا وبين الله تعالى ، فلما سمع منها ذلك استغفر الأمير وأناب إلى الله تعالى .
حكاية :قال حاتم الأصم : اخترت أن أعرف أربعة أشياء ، ولا أبالى إن جهلت ما عداها ، فقيل له : ما هى ؟ ، فقال : الأولى أنى علمت أنى مدين لله بدين لا يقوم به عنى غيرى ، ولذلك فأنا مشغول بأدائه ؛ والثانية أنى عرفت أن رزقى قد قسم لى فلا يزيد ولا ينقص ، ولذلك تركت أمر تدبيره . والثالثة : أنى أعلم أن ورائى من يطلبنى وهو الموت لا مفر منه فاستعددت لمقابلته . والرابعة أنى أعلم أن الله مطلع ، ولذلك فإنى استحى أن أفعل ما لا ينبغى فعله ، فحينما يكون العبد عالماً أن الله ناظر إليه لا يقترف إثماً حتى لايستحى منه يوم القيامة .
يتبـع إن شاء الله تعالى ..
|
|