وهذه ترجمة صغيرة للإمام ابن الجوزي صاحب مولد العروس الذي سنتشرف بكتابته في أكثر من مشاركة بإذن الله تعالى :
هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري. فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم (510هـ/1116م - 12 رمضان 597 هـ) ولد وتوفي في بغداد. حظي بشهرة واسعة، ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف، كما برز في كثير من العلوم والفنون،ويعود نسبه إلى محمد بن سيدنا أبي بكر الصديق.
عرف بابن الجوزي لشجرة جوز كانت في داره بواسط، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى "فرضة الجوز" وهي مرفأ نهر البصرة.
حياته:
كان أهله تجارا في النحاس، توفي والده علي بن محمد وله من العمر ثلاث سنين، على الرغم من فراق والده في طفولته فقد ساعده في توجهه إلى طلب العلم وتفرغه لذلك ثروة أبيه الموسر، فقد ترك له من الأموال الشيء الكثير، بين أنه نشأ في النعيم.
ولكنه عاش منذ طفولته ورعاً زاهداً، لا يحب مخالطة الناس خوفاً من ضياع الوقت، ووقوع الهفوات، فصان بذلك نفسه وروحه ووقته لا يلعب مع الصبيان". قال ابن الجوزي واصفاً نفسه في صغره: " كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم" .
كان له دور كبير ومشاركة فعالة في الخدمات الاجتماعية، وقد بنى مدرسة بدرب دينار وأسس فيها مكتبة كبيرة ووقف عليها كتبه وكان يدرس أيضا بعدة مدارس، ببغداد.
محنته:
في عهد الخليفة الناصر عينه ابن يونس الحنبلي في ولايته منصب الوزارة بعد أن سحب المنصب من السيد / عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي الذي أحرقت كتبه لتهم باطلة .
خلف ابن القصاب منصب ابن يونس الحنبلي فلاحق كل من له صلة به، فكان مصير ابن الجوزي النفي. أخرج ابن الجوزي من سجن واسط وتلقاه الناس وبقي في المطمورة خمس سنين.
مصنفاته:
تميز ابن الجوزي بغزارة إنتاجه وكثرة مصنفاته التي بلغت نحو ثلاثمائة مصنف شملت الكثير من العلوم والفنون، فهو أحد العلماء المكثرين في التصنيف في التفسير والحديث والتاريخ واللغة والطب والفقه والتصوف والمواعظ وغيرها من العلوم، ومن أشهر تلك المصنفات:
• زاد المسير في علم التفسير أربعة أجزاء
• نواسخ القرآن
• كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ( وهو من أجل كتب العقيدة ).
وله في الحديث تصانيف كثيرة، منها:
• الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، جمع فيه الأحاديث الموضوعة، لكن تُعقِّب عليه في بعضها.
وأيضا:
• صفوة الصفوة
• التذكرة في الوعظ
• كتاب ذم الهوى
• الوفاء بأحوال المصطفى
• المنتظم في تاريخ الملوك والأمم
• تاريخ بيت المقدس
• أخبار الحمقى والمغفلين
• ولقط المنافع، في الطب.
• تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر (كتيب)
• لفتة الكبد إلى نصيحة الولد(رسالة)
• أعمار الأعيان
• كتاب المدهش في الوعظ، وقد يكون أعظم مصنفات الوعظ بلاغة.
• فنون الأفنان في عيون علوم القرآن
• سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد
• أخبار الظراف والمتماجنين
• كتاب الأذكياء
• بستان الواعظين ورياض السامعين
• التبصرة في الوعظ
• درر الجواهر من كلام الشيخ عبد القادر [8]
• بحر الدموع
• مولد العروس وهو ما سنكتبه بحروفه من مخطوطة ومطبوعة .
ومن شعره:
وكان خطيبا مفوها وأديبا ومن شعره في الزهد والقناعة:
إذا قنعت بميسور من القوت
بقيت في الناس حرًا غير ممقوت
يا قوت يومي إذا ما در خلفك لي
فلست آسي على در وياقوت
وأوصى أن يُكتب على قبره:
يا كثير العفو عمن
كثر الذنب لديه
جاءك المذنب يرجو
الصفح عن جرم يديه
أنا ضيف وجزاء
الضيف إحسان اليه
ومما يجب التنويه عليه أنه كان من ضمن االناس الذين تشرفوا بحضور مجالس شيخنا الإمام أحمد الرفاعي قدس الله سره .
مولد العروس للإمام ابن الجوزي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أبرز من غرة عروس الحضرة صبحاً مستنيراً ، وأطلع في أفلاك الكمال من بروج الجمال شمساً وقمراً منيراً ، واختار في القدم سيد الكونين حبيباً ونجيباً وسفيراً ، وأخذ له العهود على سائر مخلوقات الوجود تعظيماً له وتوقيراً ، وجعل لجلال جمال كمال بهاء غرته بطوناً اختارها لحمله وظهوراً ، وجعلها لصون صدفة درة بهجة مهجة لؤلؤة نفسه النفيسة بحوراً وجعل منها عذباً فراتاً وملحاً أجاجاً حكمة منه وتقديراً ، واجتباه وحماه من الدنس والرجس وطهره تطهيراً ونقله في الأصلاب من آدم إلى نوح وشيث وإبراهيم وإسماعيل وكل نبي غدا به مستجيراً ، وما منهم إلا من أخذ عليه العهد والميثاق ليؤمنن به ولينصرنه وكان ذلك في الكتاب مسطوراً ، فآدم لأجله تاب الله عليه وإدريس بسببه رفعه الله إليه ، ونوح في الفلك به توسل وهود في دعائه عليه عول ، والخليل به تشفع وإسماعيل به تضرع ، وموسى أعلم قومه بمكالمته وسأل ربه أن يكون من أمته وله وزيراً وعيسى بشر بوجوده وطلب المهلة إلى زمانه ليكون له نصيراً ، والأحبار به أخبرت والكهان به أعلنت والجن برسالته آمنت والآيات باسمه نطقت ونار فارس من نوره أخمدت والأسرة بملوكها تزلزلت والتيجان من رؤوس أربابها تساقطت وبحيرة طبريا عند ظهوره وقفت وكم من عين نبعت وفارت وانشق إيوان كسرى وشرفاته تساقطت وملائكة السبع سماوات بمولده تباشرت والسماء شرفاً له حرست والشهب إكراماً له لمسترق السمع رجمت ، وإبليس صاح ونادى على نفسه ويلاً وثبوراً .
أعلمت من ركب البراق عتماً
وتلاه جبريل الأمين نديماً
حتى سما فوق السماء قدوماً
ودنا وكلم ربه تكليماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
ومن المخصص بالنبوة أولاً
وأبوه آدم طينة لم يكملا
ومن الذي نال العلا حتى علا
شرفاً وحاز الفخر والتفخيما
صلوا عليه وسلموا تسليما
ذاك ابن آمنة البشير المنذر
الصادق المزمل المدثر
السابق المتقدم المتأخر
حاوي المفاخر آخراً وقديماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
اختاره رب السموات العلا
واختصه بالمكرمات وفضلا
وهداه بالوحي الشريف مفضلا
سؤلاً وذكراً من لديه حكيماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
هو صفوة الباري وخاتم رسله
وأمينه المخصوص منه بفضله
لا در در الشعر إن لم أمله
في مدح أحمد لؤلؤاً منظوماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
يا من براه الله نوراً للورى
فأقام فيهم منذراً ومبشراً
ها غرس جودك في العراء وفي الثرى
وغداً سيجمعنا المعاد عموماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
مني السلام عليك ما هب الصبا
وتعانقت عذبات بانات الربى
وتناوحت ورق الحمائم في ربى
وأضاء نورك في السماء نجوماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
وعليك صلى الله غالب أمره
تعداد موجود الوجود بأسره
بالله يا متلذذين بذكره
من كان منكم ظاعناً ومقيماً
صلوا عليه وسلموا تسليماً
فلما ولد صاحب الناموس بدا في الحضرة كالعروس ، بوجه يحكي القمر ظهوراً وشعر يشبه في سواده ديجوراً وجبين أطلع منه ضياء ونوراً وقد أمسى الجمال به قريراً وأنف أحسن من حد الحسام مشهوراً وشفتين كالعقيق وثغر حكى لؤلؤاً منثوراً وجبين كالفضة أبدت بهاء ونوراً وصدر أضحى بالإيمان معموراً ويدين فجر منهما ماء النعيم تفجيراً وقدم صدق أن له في سعي السعادة تأثيراً واضطراب الكون عند ولادته وكان مخموراً ونشر السعد على الوجود نشوراً وأصبح موطن الإيمان مغموراً وجاء بشير الوحي إلى أهل الأكوان وقرأ قارىء الوصل ونادى في الأقطار جماً غفيراً " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً . وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً . وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلاً كبيراً . ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً " .
شعر :
صبح الهدى ملأ الوجود سروراً
لما بدا وجه الحبيب منيراً
أطلعت يا شهر الربيع مشرفاً
قمراً يفوق مع الكمال بدوراً
شهر الربيع أتى بمولد أحمد
ولقد أتانا بالهناء بشيراً
وترنم الأطيار عند ظهوره
فرحاً ومال الغصن منه بدوراً
وأتى النسيم مبشراً ومعطراً
بقدوم أحمد في الأنام نذيراً
والحور في غرف الجنان تباشرت
وقضت بميلاد النبي نذوراً
لما بدا وجه الحبيب تلألأت
كل البقاع وقد نطقن شكوراً
ورأته آمنة يسبح ساجداً
عند الميلاد إلى السماء مشيراً
وانشق إيوان لكسرى جهرة
وغدا حزيناً في الأنام كسيراً
وتساقط الأصنام عند ميلاده
وتصعد الكهان منه زفيراً
لما تشفع آدم من ذنبه
غفر الإله له وكان غفوراً
وكذاك نوح في السفينة قد نجا
بمحمد فاسأل بذاك خبيراً
لولاه ما كان الكليم مخاطباً
في الطور لما أن أراد أموراً
لولاه ما رفع المسيح إلى السما
ولينزلن مجاهداً ونذيراً
والأنبياء جميعهم قد بشروا
بولاد أحمد مورداً وصدوراً
طفئت به نار المجوس تذللا
وغدا به صيب الغمام مطيراً
أخبار أحمد في الكتاب تواترت
ولقد أباح بسر ذاك بحيرا
بشراكم يا أمة الهادي فقد
نلتم بطه جنة وحريراً
صلى عليه الله ربي دائماً
ما دامت الدنيا وزاد كثيراً
وفي ليلة مولده صلى الله عليه وسلم انشق إيوان كسرى ورمي بالمحن والنوائب ، ومنعت الشياطين من الصعود إلى السماء ، وصمت آذانهم عن سماع العلا " لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب . دحوراً ولهم عذاب واصب " كل ذلك لحرمة هذا النبي الكريم والرسول العظيم الذي أنزلت عليه في محكم كتابك العزيز : " إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب " يا له من نبي كلما حن إليه المشتاق وقطع السباسب وسار على ظهور النجائب وكل ما حدا الحادي ولاحت الأعلام والمضارب بادر الكئيب المستهام وقد زاد به الوجد إلى لقيا الحبائب ،
يقول :
حداة العيس رفقاً بالنجائب
فقلبي سار في إثر الركائب
وجسمي ذاب من ألم ووجد
ومن شوقي إلى لقيا الحبائب
فهل لي من سبيل للتلاقي
فدمعي قد غدا مثل السحائب
لئن سمح الزمان بطيب وصل
وبلغت المقاصد والمآرب
لألثم ذلك الترب افتخاراً
وأرويه بأدمعي السواكب
وأحظى بالعقيق وساكنيه
ومن قد حل في تلك المضارب
قباب قد حوت بدراً منيراً
إذا ما مال في تلك الذوائب
فلو أنا عملنا كل يوم
لأحمد مولداً قد كان واجب
تحن له بدور الحسن طوعاً
سجوداً في المشارق والمغارب
عليه من المهيمن كل وقت
صلاة ما بدا نور الكواكب