الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيرا معنا اليوم الحكمة الثامنة والخمسون من الحكم العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :
( يا من احتجب في سرادقات عزه عن أن تدركه الأبصار )
السرادقات في اللغة هى الأسوار المحيطة بالدار , وهي هنا كناية عن الحجب القهرية , وهي حجب العزة التي احتجب الحق تعالى بها عن عباده مع شدة ظهوره , ومرجعها إلى دوائر الحس والوهم والغفلة والأكنة التي على القلوب , وتنحصر في خمسة أمور : الأول : حب الدنيا الذي زرعه الحق تعالى بقهره في قلوب الناس حتى انصرفت إليها الهمم , وتاهت فيها العقول , وتظلمت بصور خيالها القلوب , واشتبكت فيها الفكر , فلا تنصرف إلى غيرها وبهذا احتجب جل العباد إلا من عصم الله الثاني: ارتباط الأسباب مع مسبباتها , والعوائد مع ما تعودت بها ,كتوقف أمر الرزق على حركة السبب , والنبات على وجود الأمطار , وغير ذلك من ارتباط الأسباب , فظن الجهال أنها لا تنفك عن مسبباتها , فحجبوا بها عن مسبب الأسباب , والحكيم العليم يرزق من غير أسباب ويعطي بلا حساب , وبهذا احتجب كثير من الناس فوقفوا مع الأسباب , وحجبوا عن شهود رب الأرباب , إلا من نفذت بصيرته من ذوي اللباب الثالث : الوقوف مع ظاهر الشريعة ترغيباً وترهيباً علماً وعملاً , فقوم وقفوا مع الترغيب فانكبوا على العمل طلباً للجزاء وهم العباد وقوم وقفوا مع الترهيب فغلب عليهم الخوف وهم الزهاد وقوم وقفوا مع ترغيب العلم فاشتغلوا بعلم الرسوم والحروف وتركوا علم اليقين والخشية والمعرفة وهم علماء الظاهر فحجبوا بالعلم عن المعلوم وهي معرفة الحي القيوم الرابع : الوقوف مع حلاوة الطاعات ولذيذ المناجاة وهي سموم قاتلة لمن وقف معها وهي لأهل المراقبة وبها احتجب كثير من العباد والزهاد , وقد تظهر لهم خوارق وكرامات حسية فتزيدهم حجاباً عن الله الخامس : ظهور أثر القدرة على هذه التجليات واتصافها بأوصاف العبودية كالفقر والذل والجهل والمرض والموت وغير ذلك من أوصاف البشرية التي سترت سر الخصوصية وبهذا احتجب بعض المستشرفين على الفناء في الذات فرجعوا من حيث جاؤا والله قاهر فوق عباده : ( وهو الحكيم الخبير )
فهذه سرادقات العز التي احتجب الحق تعالى بها , فإن العزيز هو الذي لا يترقى إليه وهم طمعاً في تقديره , ولا يسموا إلى صمدانيته فهم قصدا إلى تصويره , وقيل العزيز من ضلت العقول في بحار عظمته , وحارت الألباب في إدراك نعمته , وكلت الألسن عن استيفاء مدح حلاله ووصف جماله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " اهـ
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
|