موقع د. محمود صبيح

وارْحَمْ حشىً بلَظَى هواكَ تسعّرا

فاسمح ولا تجعلْ جوابي لن تَرى

صَبراً فحاذرْ أن تَضِيقَ وتَضجرا

صَبّاً فحقّك أن تَموتَ وتُعذرا

بَعدي ومَن أضحى لأشجاني يَرَى

وتحدّثوا بصَبابتي بَينَ الوَرى

سِرٌّ أرَقّ منَ النسيمِ إذا سرى

فَغَدَوْتُ معروفاً وكُنْتُ مُنَكَّرا

وغدا لسانُ الحال عنّي مُخْبِرا

تَلْقَى جميعَ الحُسْنِ فيه مُصَوَّرا

ورآهُ كان مُهَلِّلاً ومُكَبِّرا

***

وإن قَرّبَ الأخطارَ من جسدي البالي

أوامِرَ أشواقي وعصيانِ عُذّالي

وإن عَزّ ما أحلى تقَطُّعَ أوصالي

وما هوَ مِمّا ساء بل سَرّكُمْ حالي

أبَلّتْ فلي منها صُبَابَةُ إبلال

لِزَورَةِ زُورِ الطّيف حيلةَ مُحتال

عليّ بدَمْعٍ دائمِ الصّوبِ هَطّال

لِتَرْحَالِ آمالي ومَقْدَمِ أوجالي

من دمي إذ طُلّ ما بينَ أطلال

النْحِيبُ فإبْلالي بَلائي وبَلْبَالي

وإن جَلّ ما ألْقَى من القيل والقال

بِثَرْوَةِ إيثاري وكَثْرَةِ إقلالي

معنّىً وقُلْ إن شئتَ يا ناعِم البال

يكرِّرُ من ذِكْرَى أحاديث ذي الخال

وأهدى الهُدى فاعجبْ وقد رام إضلالي

مُنِحْتُ المُنى كانت علامةَ عُذّالي

فأجْلى لي وقال اسْلُ سلسالي

لِحَتْفِي غرامٌ مُقْبِلٌ ايّ إقبال

تَحَلّ بِها دَعْ حُبّهُ قلتُ أحلى لي

وغيرُ عجيبٍ بذْليَ الغالِ في الغالي

فيا خَيبَةَ المَسعى وضَيعَةَ آمالي

ولم أدرِ أنّ الآلَ يَذْهَبُ بالآل

لِقَبْضِي رسولٌ ضَلَّ في موضع خال

تَلافي بما حالَتْ له من ضنىً حالي

سِوى عزِّ ذُلٍّ في مهانَةِ إجْلالِ

***

فأهلُ الهوى جُندي وحكمي على الكُلِّ

وإنّي بَريءٌ مِن فَتًى سامعِ العَذْلِ

ومنْ لمْ يفقِّههُ الهوى فهوَ في جهلِ

بِحُبّ الذي يَهوى فَبَشّرْهُ بالذّلّ

يَجودونَ بالأرواحِ مِنْهُم بِلا بُخلِ

قَبوراً لأسرارٍ تُنَزَّهُعن نقَلِ

وإن أُوعِدوا بالقَتلِ حنّوا إلى القَتْلِ

على الجِدّ والباقون منهم على الهَزْلِ

***

أنْتُم حَديثي وشُغْلي

إذا وَقَفْتُ أُصلّي

إليهِ وجّهْتُ كُلّي

والقلبُ طُورُ التّجَلّي

لَيْلاً فَبَشّرْتُ أهلي

أجِدْ هُدايَ لَعَلّي

نارُ المُكَلَّمِ قَبلي

رُدّوا لَياليَ وَصلي

الميقَاتُ في جَمْعِ شملي

منْ هَيْبَةِ المُتَجَلّي

يَدْريهِ مَنْ كَانَ مِثْلي

مذ صارَ بَعْضِيَ كلّي

وفي حَياتيَ قَتلي

رِقُوا لِحَالي وذُلّي

***

ونادِها فعَساهَا أن تجيبَ عَسَى

فاشعَلْ من الشَّوق في ظَلمائِها قبسا

يبيتُ جِنْحَ اللّيالي يَرْقُب الغَلَسا

وإن تَنَفّس عادتْ كُلّهَا يَبَسا

وبارِعُ الأُنْسِ لا أَعْدمْ به أُنُسا

والزهْرُ تبسِمُ عن وَجْهِ الذي عَبَسَا

يا حاكمَ الحبّ هذا القلبُ لِمْ حُبِسا

لطَرْفَيَ أنْ يَجني الذي غرسا

مَنْ عُوّض الدُّرّ عن زهرٍ فما بخِسا

أنْ يجْنِ لَسْعاً وأني أجتَني لَعَسَا

في بُرْدَتَيْهِ التّقى لا نعرِفُ الدّنَسا

معَ الأحِبّةِ كانت كُلّها عُرُسا

والقلبُ مُذْ آنس التّذكارَ ما أَنِسا

لولا التّأسّي بدارِ الخُلْدِ مُتُّ أسى

***

خضوعي لديكمْ في الهوى وتذللي

ولولاكُمُ ما شاقَني ذِكْرُ مَنْزِلِ

بِلَذّة ِعيشٍ والرّقيبُ بِمَعزلِ

وأقداحُ أفْراحِ المَحَبّة ِتَنجَلي

فواطَرَبا لو تَمّ هذا ودامَ لي

وأينَ الشجيّ المُستَهامُ مِن الخَلي

وغابَ رقيبي عندَ قربِ مواصلي

***

ما قد رأيتُ فقد ضيّعْتُ أيّامي

واليومَ أحسَبُها أضغاثَ أحلام

إثْماً فقد كَثُرَتْ في الحبّ آثامي

هذا الحِمَامُ لَمَا خالَفتُ لُوّامي

أبصرْتُ خلفي وما طالعتُ قدَّامي

أصْمى فؤادي فوا شوقي إلى الرامي

***