الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيرا معنا اليوم الحكمة المائتان والثامن والتسعون من الحكم العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :
( فإن نزلوا إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ , فبإلاذن والتمكين والرسوخ في اليقن )
قال الشيخ زروق رضي الله عنه : التوحيد عرش , والشريعة المطهرة كرسي ذلك العرش والحقوق المفضلة فيها سماؤها , والحظوظ النفسانية أرضها فكل حقيقة لا تصحبها شريعة لا عبرة بصاحبها وكل شريعة لا تعضدها حقيقة لا كمال لها اهـ .
النزول هنا مجاز , كأن الحرية عرش والعبودية سماء , أو أرض أو تقول : الحقيقة عرش , والشريعة أرض , فما دامت الروح في بحر الوحدة كأنها في عرش الرحمن , فإن نزلت إلى العبودية كانها نزلت إلى السماء أو الأرض .
وظاهر كلام الشيخ ومن تبعه من الشراح أن النزول إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ خروج عن الحضرة وليس كذلك إذ من كان عمله بالله وتصرفاته كلها بالله لا خروج له عن الحضرة وإنما النزول في حقه بالقالب فقط دون القلب لا يخرج من عشه أبداً بعد أن تمكن منه , فكل من بلغ أن يكون علمه بالله ومن اله وإلى الله , لا يكون تنزله للشريعة خروجاً عن الحضرة لا سيما الصلاة التي هي معدن المصافاة فبها تتسع ميادين الأسرار , وتشرق فيها شوارق الأنوار اللهم إلا أن يحمل النزول في كلامه على أنه بالقالب دون القلب كما تقدم , ويدل على هذا قوله فيما يأتي : بل دخلوا في ذلك بالله الخ .
قال الشعراني في بعض أجوبته : سألت شيخنا سيدي علياً الخواص أي الحالتين افضل للعبد في حال الصلاة ؟ هل يكون يعبد الله كانه يراه , أو كأن الله يراه ؟ قال : فأجابني بأن يكون العبد يعبد الله كأن الله يراه أفضل من كونه كأنه يراه , ثم أطال الكلام في توجيه ذلك . وقد كنت اعترضت هذا الكلام وكتبت عليه ما مضمنه : أن العارفين اتفقوا أن العمل بالله أفضل من العمل لله لأن العمل بالله مشاهدة , والعلم لله مراقبة؟ ومقام المشاهدة أعلى من مقام المراقبة , فالصلاة مع المشاهدة أفضل من الصلاة مع المراقبة وما ألزمه الخواص غير لازم ثم عرضته على شيخ شخنا مولاي العربي ففرح به غاية الفرح وأعجبه : يعني أعتراضي على كلام الخواص , ولا يستغرب هذا من الخواص , والشعراني قال في التسهيل : وإذا كانت العلوم منحا إلهية ومواهب اختصاصية , فغير مستبعد أن يدخر لكثير من المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين , ونزولهم إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ إنما يكون بالإذن والتمكين .
أما الإذن في نزولهم إلى الحقوق فبإذن شرعي , إذ حقوق الشريعة كلها موقتة , والتمكين منها هو بحيث لا يعارضه عارض يمنع منها شرعاً أو طبعاً وأما الأذن في نزوولهم إلى أرض الحظوظ فبالإلهام والإعلام بحيث يتأني في الأمر حتى يفهم أنه مراد الحق تعالى , وقد كان شيخ المشايخ الجيلاني رضي الله عنه في حال سياحته لا يأكل حتى يقال له : بحقي عليك إلا ما أكلت .
وكل من كان عنده الفهم عن الله لا يتصرف إلا بالأذن من الله وبعض من طبع الله على قلبه من جلامدة الفقهاء ينكر هذا وهو معذور في بلاد الضعف , إذ من جهل شيئاً عاداه .
والمراد بالتمكين هو صحة الفهم عن الله حتى لا يبقى له تزلزل أنه مراد الحق , بحيث لم ير له معارض شرعي ولا عادي وكذلك الرسوخ في اليقين هو الثبوت في المعرفة في حال ارادة الفعل , وقد ضربت لهذا مثلاً : وهو أن رجلاً حمل ولده وأنزله في بستان أو دار ثم تركه فجاء قوم ينازعونه في إذن أبيه له , ويقولون له نزلت هنا بغير إذن فلا شك أنه إن أقسم بالله أنه ما نزل إلا بإذن من أبيه كان باراً في قسمه , فإذن أبيه حين أنزله هناك صريح ولو لم ينطق له بلسانه , ولا يجحدها هذا إلا غبي أو مكابر , فالله تعالى يمن علينا بالفهم عنه في أمورنا كلها آمين .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
|