موقع د. محمود صبيح https://www.msobieh.com:443/akhtaa/ |
|
حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه https://www.msobieh.com:443/akhtaa/viewtopic.php?f=42&t=27319 |
صفحة 1 من 2 |
الكاتب: | البخاري [ السبت سبتمبر 10, 2016 2:36 pm ] |
عنوان المشاركة: | حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
فتاوى السبكي (1/ 207 – 211) (مَسْأَلَةٌ) فِيمَنْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ مُنْفَرِدًا بِشَهَادَتِهِ وَاقْتَضَى الْحِسَابُ تَكْذِيبَهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] وَالْمَوَاقِيتُ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى الْهِلَالِ مِيقَاتُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ مِنْهُ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْبِيضِ وَعَاشُورَاءَ وَكَرَاهِيَةِ الصَّوْمِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ وَصِيَامِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَمَعْرِفَةِ سِنِّ شَاةِ الزَّكَاةِ وَأَسْنَانِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِيهَا وَالِاعْتِكَافِ فِي النَّذْرِ وَالْحَجِّ وَالْوُقُوفِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ وَالْهَدْيِ وَالْآجَالِ وَالسَّلَمِ وَالْبُلُوغِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ وَاللُّقَطَةِ وَأَجَلِ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ وَكَفَّارَةِ الْوِقَاعِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بِالصَّوْمِ وَالْعِدَّةِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَفِي الْآيِسَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالرَّضَاعِ وَلُحُوقِ النَّسَبِ وَكِسْوَةِ الزَّوْجَةِ وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ الْمُهِمِّ صَرْفُ بَعْضِ الْعِنَايَةِ إلَى ذَلِكَ وَمَعْرِفَةُ دُخُولِ الشَّهْرِ شَرْعًا. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرَ هَكَذَا وَهَكَذَا عَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ وَقَدْ تَأَمَّلْت هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْت مَعْنَاهُ إلْغَاءَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَالْحِسَابِ مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ مُفَارَقَةِ الْهِلَالِ شُعَاعَ الشَّمْسِ فَهُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ عِنْدَهُمْ وَيَبْقَى الشَّهْرُ إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهَا وَيُفَارِقَهَا فَالشَّهْرُ عِنْدَهُمْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَهَذَا بَاطِلٌ فِي الشَّرْعِ قَطْعًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَأَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّا أَيْ الْعَرَبُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، أَيْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ الْكِتَابَةُ وَلَا الْحِسَابُ. فَالشَّرْعُ فِي الشَّهْرِ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَيُدْرَكُ ذَلِكَ إمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَإِمَّا بِكَمَالِ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ، وَاعْتِبَارُهُ إكْمَالُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُونَ بِهِ الْهِلَالَ وَأَنَّ وُجُودَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُعْتَبَرٌ بِشَرْطِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لَكَانَ إذَا فَارَقَ الشُّعَاعَ مَثَلًا قَبْلَ الْفَجْرِ يَجِبُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَلَمْ يَجْعَلْ الصَّوْمَ إلَّا فِي الْيَوْمِ الْقَابِلِ، وَهَذَا مَحَلٌّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَثَمَّ مَحَلٌّ آخَرُ اخْتَلَفُوا فِيهِ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْحَدِيثِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْتَذَرَ عَنْهُ وَهُوَ مَا إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّهُ فَارَقَ الشُّعَاعَ وَمَضَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُرَى فِيهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الصَّوْمِ بِذَلِكَ وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْحَاسِبِ وَعَلَى غَيْرِهِ أَعْنِي فِي الْجَوَازِ عَلَى غَيْرِهِ فَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَبِعَدَمِ الْجَوَازِ فَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِالْحَدِيثِ وَيَعْتَضِدُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ اعْتَقَدَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ الْهِلَالِ وَإِمْكَانُ رُؤْيَتِهِ كَمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَيْهَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ كِبَارٌ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ الْأَوَّلُ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ ذَلِكَ رَدًّا لِلْحِسَابِ فَإِنَّ الْحِسَابَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِمْكَانَ وَمُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ لَا يَجِبُ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ لِلشَّارِعِ وَقَدْ رَتَّبَهُ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ إلَّا إذَا كَمُلَتْ الْعِدَّةُ، الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْغَلَطَ قَدْ يَحْصُلُ هُنَا كَثِيرًا بِخِلَافِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ يَحْصُلُ الْقَطْعُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ غَالِبًا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ وَلَمْ يُرَ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ السَّبَبَ إمْكَانُ الرُّؤْيَةِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ السَّبَبَ نَفْسُ الرُّؤْيَةِ أَوْ إكْمَالُ الْعِدَّةِ وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحِسَابُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ وَقَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ تَنْتَهِي مُقَدِّمَاتُهُ إلَى الْقَطْعِ وَقَدْ لَا تَنْتَهِي إلَى ذَلِكَ بِحَسْبِ مَرَاتِبِ بُعْدِهِ عَنْ الشَّمْسِ وَقُرْبِهِ. وَهَهُنَا صُورَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنْ يَدُلَّ الْحِسَابُ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ وَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِمُقَدَّمَاتٍ قَطْعِيَّةٍ وَيَكُونُ فِي غَايَةِ الْقُرْبِ مِنْ الشَّمْسِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُمْكِنُ فَرْضُ رُؤْيَتِنَا لَهُ حِسًّا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فَلَوْ أَخْبَرَنَا بِهِ مُخْبِرٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَحْتَمِلُ خَبَرُهُ الْكَذِبَ أَوْ الْغَلَطَ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ قَبُولُ هَذَا الْخَبَرِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ الْغَلَطِ وَلَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ وَالشَّهَادَةَ وَالْخَبَرَ ظَنِّيَّانِ وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةُ شَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ مَا شَهِدْت بِهِ مُمْكِنًا حِسًّا وَعَقْلًا وَشَرْعًا فَإِذَا فُرِضَ دَلَالَةُ الْحِسَابِ قَطْعًا عَلَى عَدَمِ الْإِمْكَانِ اسْتَحَالَ الْقَبُولُ شَرْعًا لِاسْتِحَالَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَالشَّرْعُ لَا يَأْتِي بِالْمُسْتَحِيلَاتِ، وَلَمْ يَأْتِ لَنَا نَصٌّ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا وَلَا يَتَرَتَّبُ وُجُوبُ الصَّوْمِ وَأَحْكَامُ الشَّهْرِ عَلَى مُجَرَّدِ الْخَبَرِ أَوْ الشَّهَادَةِ حَتَّى إنَّا نَقُولُ: الْعُمْدَةُ قَوْلُ الشَّارِعِ صُومُوا إذَا أَخْبَرَكُمْ مُخْبِرٌ فَإِنَّهُ لَوْ وَرَدَ ذَلِكَ قَبِلْنَاهُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي الشَّرْعِ بَلْ وَجَبَ عَلَيْنَا التَّبَيُّنُ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ حَتَّى نَعْلَمَ حَقِيقَتَهُ أَوَّلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَشْهَدُ بِالْهِلَالِ قَدْ لَا يَرَاهُ وَيُشْتَبَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَرَى مَا يَظُنُّهُ هِلَالًا وَلَيْسَ بِهِلَالٍ أَوْ تُرِيهِ عَيْنُهُ مَا لَمْ يَرَ أَوْ يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَيَحْصُلُ الْغَلَطُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي رَأَى فِيهَا أَوْ يَكُونُ جَهْلُهُ عَظِيمًا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَعْتَقِدَ فِي حَمْلِهِ النَّاسَ عَلَى الصِّيَامِ أَجْرًا أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ يَقْصِدُ إثْبَاتَ عَدَالَتِهِ فَيَتَّخِذُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى أَنْ يُزَكَّى وَيَصِيرَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ قَدْ رَأَيْنَاهَا وَسَمِعْنَاهَا فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إذَا جَرَّبَ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ بِخَبَرِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ دَلَالَةَ الْحِسَابِ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَلَا يُثْبِتَ بِهَا وَلَا يَحْكُمَ بِهَا، وَيُسْتَصْحَبُ الْأَصْلُ فِي بَقَاءِ الشَّهْرِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُحَقَّقٌ حَتَّى يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ، وَلَا نَقُولُ الشَّرْعُ أَلْغَى قَوْلَ الْحِسَابِ مُطْلَقًا وَالْفُقَهَاءُ قَالُوا: لَا يُعْتَمَدُ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا قَالُوهُ فِي عَكْسِ هَذَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّتِي حَكَيْنَا فِيهَا الْخِلَافَ أَمَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَلَا وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ نَقْلًا وَلَا وَجْهَ فِيهَا لِلِاحْتِمَالِ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ. وَرَأَيْت إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا تَكَلَّمَ فِيهَا إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ فِي مَوْضِعٍ وَلَمْ يُرَ فِي غَيْرِهِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ وَجْهَانِ هَلْ تُعْتَبَرُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ الْمُطَالِعُ جَزَمَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَذَكَرَ الْمُطَالِعُ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِمَالِ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَرْصَادِ وَالتُّمُودَرَاتِ، وَفَرَضَ ذَلِكَ فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِانْخِفَاضٍ وَارْتِفَاعٍ؛ وَهَذَا الْفَرْضُ الَّذِي قَدْ فَرَضَهُ نَادِرٌ فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَحَكَمَ حَاسِبٌ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ. وَمَسْأَلَتُنَا هَذِهِ فِي قُطْرٍ عَظِيمٍ وَأَقَالِيمَ دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا فَشَهِدَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى رُؤْيَتِهِ مَعَ احْتِمَالِ قَوْلِهِمَا بِجَمِيعِ مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا أَرَى قَبُولَ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَصْلًا وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُنَا بِالْقَطْعِ هَهُنَا الَّذِي يَحْصُلُ بِالْبُرْهَانِ الَّذِي مُقَدِّمَاتُهُ كُلُّهَا عَقْلِيَّةٌ فَإِنَّ الْحَالَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَرْصَادٍ وَتَجَارِبَ طَوِيلَةٍ وَتَسْيِيرِ مَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَعْرِفَةِ حُصُولِ الضَّوْءِ الَّذِي فِيهِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ النَّاسُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي حِدَّةِ الْبَصَرِ فَتَارَةً يَحْصُلُ الْقَطْعُ إمَّا بِإِمْكَانِ الرُّؤْيَةِ وَإِمَّا بِعَدَمِهِ وَتَارَةً لَا يَقْطَعُ بَلْ يَتَرَدَّدُ وَالْقَطْعُ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مُسْتَنَدُهُ الْعَادَةُ كَمَا نَقْطَعُ فِي بَعْضِ الْأَجْرَامِ الْبَعِيدَةِ عَنَّا بِأَنَّا لَا نَرَاهَا وَلَا يُمْكِنَّا رُؤْيَتَهَا فِي الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْإِمْكَانِ الْعَقْلِيِّ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَكُونُ ذَلِكَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ وَقَدْ يَقَعُ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ أَوْ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ أَمَّا غَيْرُهُمَا فَلَا، فَلَوْ أَخْبَرَنَا مُخْبِرٌ أَنَّهُ رَأَى شَخْصًا بَعِيدًا عَنْهُ فِي مَسَافَةِ يَوْمٍ مَثَلًا وَسَمِعَهُ يُقِرُّ بِحَقٍّ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ وَلَا نُرَتِّبُ عَلَيْهَا حُكْمًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فِي الْعَقْلِ لَكِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ فِي الْعَادَةِ فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ عِنْدَنَا اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَجُوزُ كَذِبُهُمَا أَوْ غَلَطُهُمَا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَقَدْ دَلَّ حِسَابُ تَسْيِيرِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ فِي ذَلِكَ الَّذِي قَالَا: إنَّهُمَا رَأَيَاهُ فِيهِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ فِي الْمَشْهُورِ بِهِ وَتَجْوِيزُ الْكَذِبِ وَالْغَلَطِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَجْوِيزِ انْخِرَامِ الْعَادَةِ فَالْمُسْتَحِيلُ الْعَادِيُّ وَالْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِيُّ لَا يُقْبَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ وَلَا الشَّهَادَةُ فَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ الْعَادِيُّ، وَحَقٌّ عَلَى الْقَاضِي التَّيَقُّظُ لِذَلِكَ وَأَنْ لَا يَتَسَرَّعَ إلَى قَبُولِ الشَّاهِدَيْنِ حَتَّى يَفْحَصَ عَنْ حَالِ مَا شَهِدَا بِهِ مِنْ الْإِمْكَانِ وَعَدَمِهِ وَمَرَاتِبِ الْإِمْكَانِ فِيهِ وَهَلْ بَصَرُهُمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَوْ لَا وَهَلْ هُمَا مِمَّنْ يُشْتَبَهُ عَلَيْهِمَا أَوْ لَا فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْإِمْكَانُ وَإِنَّهُمَا مِمَّنْ يُجِيدُ بَصَرُهُمَا رُؤْيَتَهُ وَلَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِمَا لِفِطْنَتِهِمَا وَيَقِظَتِهِمَا وَلَا غَرَضَ لَهُمَا وَهُمَا عَدْلَانِ ذَلِكَ بِسَبَبٍ أَوْ لَا فَيُتَوَقَّفُ أَوْ يُرَدُّ؛ وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا يَشْهَدُ بِهِ شَاهِدَانِ يُثْبِتُهُ الْقَاضِي لَكَانَ كُلُّ أَحَدٍ يُدْرِكُ حَقِيقَةَ الْقَضَاءِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ نَظَرٍ لِأَجْلِهِ جُعِلَ الْقَاضِي، فَإِذَا قَالَ الْقَاضِي: ثَبَتَ عِنْدِي عَلِمْنَا أَنَّهُ اسْتَوْفَى هَذِهِ الْأَحْوَالَ كُلَّهَا وَتَكَامَلَتْ شُرُوطُهَا عِنْدَهُ فَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي التَّثَبُّتُ وَعَدَمُ التَّسَرُّعِ مَظِنَّةَ الْغَلَطِ، وَلِهَذَا إنَّ الشَّاهِدَ الْمُتَسَرِّعَ إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَمَنْ عُرِفَ مِنْهُ التَّسَرُّعُ فِي ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهِ؛ وَمَرَاتِبُ مَا يَقُولُهُ الْحِسَابُ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ مِنْهَا مَا يَقْطَعُونَ بِعَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ فَهَذَا لَا رَيْبَ عِنْدَنَا فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ إذَا عَرَفَهُ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ أَوْ اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَيَظْهَرُ أَنْ يَكْتَفِيَ فِيهِ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ مَوْثُوقٍ بِهِ وَيَعْلَمُهُ أَمَّا اثْنَانِ فَلَا شَكَّ فِيهِمَا، وَمِنْهَا مَا لَا يَقْطَعُونَ فِيهِ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَكِنْ يَسْتَعِدُّونَ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ فِي حَالِ الشُّهُودِ وَحِدَّةِ بَصَرِهِمْ وَيَرَى أَنَّهُمْ مِنْ احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالْكَذِبِ يَتَفَاوَتُ ذَلِكَ تَفَاوُتًا كَبِيرًا وَمَرَاتِبَ كَثِيرَةً فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الِاجْتِهَادُ وُسْعَ الطَّاقَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمْكَانُ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَكْثَرُ النَّاسِ فَلَا يَبْقَى إلَّا النَّظَرُ فِي حَالِ الشَّاهِدَيْنِ فَلَا يَعْتَقِدُ الْقَاضِي أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَتَزْكِيَتِهِمَا يَثْبُتُ الْهِلَالُ وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّرْعَ أَبْطَلَ الْعَمَلَ بِمَا يَقُولُهُ الْحِسَابُ مُطْلَقًا فَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ، وَكَيْفَ وَالْحِسَابُ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْكِتَابَةُ وَالْحِسَابُ، وَلَيْسَتْ الْكِتَابَةُ مَنْهِيًّا عَنْهَا فَكَذَلِكَ الْحِسَابُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ضَبْطُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الشَّهْرِ بِطَرِيقَيْنِ ظَاهِرَيْنِ مَكْشُوفَيْنِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ تَمَامِ ثَلَاثِينَ وَأَنَّ الشَّهْرَ تَارَةً تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَتَارَةً ثَلَاثُونَ وَلَيْسَتْ مُدَّةً زَمَانِيَّةً مَضْبُوطَةً بِحِسَابٍ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ؛ وَلَا يَعْتَقِدُ الْفَقِيهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ الَّتِي قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: إنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالْحِسَابِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى إنْكَارِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا عَكْسُهُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ قَالَ هُنَاكَ بِجَوَازِ الصَّوْمِ أَوْ وُجُوبِهِ يَقُولُ هُنَا بِالْمَنْعِ بِطَرِيقِ الْأُولَى وَمَنْ قَالَ هُنَاكَ بِالْمَنْعِ فَهَهُنَا لَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ نَظَرُنَا الْمَنْعُ فَالْمَنْعُ هُنَا مَقْطُوعٌ بِهِ. وَلَمْ نَجِدْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً لَكِنَّا تَفَقَّهْنَا فِيهَا وَهِيَ عِنْدَنَا مِنْ مُحَالِ الْقَطْعِ مُتَرَقِّيَةٌ عَنْ مَرْتَبَةِ الظُّنُونِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.) اهـ . |
الكاتب: | البخاري [ السبت سبتمبر 10, 2016 2:46 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
تابع فتاوى الإمام تقي الدين السبكي رضي الله عنه (1/ 211 – 212 ) (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَانَ الدَّاعِي إلَى كِتَابَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَهِيَ سَنَةُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ يَرَى النَّاسُ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ بِدِمَشْقَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ فِي الْمَعْظَمِيَّةِ مِنْ عَمَلِ دَارِي الْمُجَاوِرَةِ لِدِمَشْقَ، وَرُبَّمَا قِيلَ إنَّهُ رُئِيَ فِي بَيْسَانَ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَكِنْ لَا يَقْتَضِي الْحِسَابُ إمْكَانَ الرُّؤْيَةِ فِيهَا بَلْ حُكْمُهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُ دِمَشْقَ. فَلَمَّا بَلَغَنِي ذَلِكَ تَوَقَّفْت لِأَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ أَوَّلَهُ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ الْمَضْمُومِ إلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ وَالِاسْتِصْحَابُ وَحْدَهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَقَدْ قَوِيَ بِذَلِكَ. وَقُلْت لِلْقَاضِي الَّذِي وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ لَا تَسْتَعْجِلْ فَلَمْ أَشْعُرْ إلَّا وَقَدْ حَضَرَ شَاهِدَانِ مِنْ عِنْدِهِ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ وَأَنَّ الْيَوْمَ وَهُوَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَأَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْخِلَافِ. قُلْت: مَا هُوَ الْخِلَافُ؟ قِيلَ: اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ فَلَمْ أَرَ هَذَا دَافِعًا لِمَا ثَبَتَ عِنْدِي وَامْتَنَعْت مِنْ تَنْفِيذِ حُكْمِهِ لِمَا قَدَّمْتُهُ وَلِأَنِّي قَدْ جَرَّبْتُهُ فِي عِشْرِينَ عِيدًا أَوَّلُهَا عِيدُ الْفِطْرِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ فِي كُلِّ عِيدٍ هَكَذَا أَتَحْرِصُ عَلَى إثْبَاتِهِ وَتَارَةً نَسْمَعُ مِنْهُ وَتَارَةً لَا نَسْمَعُ مِنْهُ وَفِي الْعَامِ الْمَاضِي هَكَذَا وَعِيدُ أَهْلِ دِمَشْقَ بِقَوْلِهِ الْجُمُعَةَ وَكَانَتْ الْوَقْفَةُ عِنْدَ الْحُجَّاجِ، وَأَرْسَلَ فِي هَذَا الْعَامِ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ وَأَشَاعَ ذَلِكَ إلَى الْمَحْضَرِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ عِنْدَهُ وَفِيهِ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ قَالَا إنَّهُمَا رَأَيَاهُ فِي الْمَعْظَمِيَّةِ مِنْ عَمَلِ دَارِي وَزُكِّيَا عِنْدَهُ فَمَا أَلْوَيْت عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعِيدُ النَّاسِ بِقَوْلِهِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَلَا اسْتَحْسَنْت الطَّعْنَ فِي حُكْمِ حَاكِمٍ بَعْدَ اشْتِهَارِهِ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ النَّاسُ إلَى الرِّيبَةِ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ وَاكْتَفَيْت بِصِيَانَةِ نَفْسِي عَنْ الْحُكْمِ بِمَا لَا أَرَاهُ مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ دَفْعِهِ. (فَصْلٌ) وَنَفَّذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ التَّنْفِيذَ سَائِغًا وَصَمَّمْت عَلَى عَدَمِ التَّنْفِيذِ.) اهـ . |
الكاتب: | البخاري [ السبت سبتمبر 10, 2016 2:50 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
فتاوى السبكي (1/ 212 – 213) (فَصْلٌ فِي التَّضْحِيَةِ فِي هَذَا الْعَامِ) أَمَّا يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ التَّضْحِيَةِ فِيهِمَا وَكَذَا الْجُمُعَةُ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْعِيدِ، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَعِنْدِي أَنَّ التَّضْحِيَةَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَمَنْ ضَحَّى فِيهِ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابُ الْأُضْحِيَّةِ، وَمَنْ ضَحَّى مَنْذُورًا لَمْ يُجْزِئْهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَكَذَا الْمُتَطَوِّعُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَرَى وُجُوبَ التَّضْحِيَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَعَكْسُهُ يَوْمُ السَّبْتِ عِنْدِي يَجُوزُ فِيهِ التَّضْحِيَةُ. (فَصْلٌ فِي الصَّوْمِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ) عِنْدِي أَنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفُوتَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّهُ يُعَارِضُ هَذَا احْتِمَالُ الْعِيدِ وَصَوْمُهُ حَرَامٌ وَاحْتِمَالُ عَرَفَةَ وَصَوْمُهُ سُنَّةٌ فَكَانَ تَرْكُ الْحَرَامِ أَوْلَى. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ حَرَامًا إذَا تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ الْعِيدُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَنَظِيرُهُ إذَا شَكَّ الْمُتَوَضِّئُ هَلْ غَسَلَ ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ؟ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَغْسِلُ أُخْرَى لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ اقْتِحَامِ الْبِدْعَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَغْسِلَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِدْعَةً إذَا تَحَقَّقَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هُنَا أَوْلَى بِالتَّرْكِ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الْوُضُوءِ بَيْنَ سُنَّةٍ وَمَكْرُوهٍ وَهُنَا بَيْنَ سُنَّةٍ وَحَرَامٍ فَقَدْ يُقَالُ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ مَعَ الشَّكِّ، وَغَايَةُ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ الْأَوْلَى التَّرْكُ هُنَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا يُقَالُ بِالِاسْتِصْحَابِ هُنَا كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ هُنَاكَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِمَنْ دَخَلَ بَعْدَ الْعَصْرِ اسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَالتَّعَارُضُ بَيْنَ سُنَّةٍ وَحَرَامٍ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ مُرَجِّحًا لِجَانِبِ التَّرْكِ، وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّعَارُضَ الْمُعْتَبَرَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ رُجْحَانٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَفِي الصَّلَاةِ حَصَلَ دَلِيلٌ مُرَجِّحٌ وَكَذَا هُنَا اسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ مُرَجِّحٌ. وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ إذَا حَصَلَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَعْبَانَ شُكَّ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي يَوْمِ الشَّكِّ بَيْنَ فِطْرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ حَرَامٌ وَصَوْمِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَهُوَ جَائِزٌ فَكَانَ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ يَنْبَغِي الصَّوْمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ حَرَامٌ؛ وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَصْلِ أَوْلَى، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ حَصَلَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ مَعَ ذَلِكَ التَّنَطُّعِ وَخَشْيَةِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي التَّقَدُّمِ بِالصَّوْمِ مُحَرَّمٌ لِذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَمِثْلُهُ لَيْسَ مَوْجُودًا هُنَا لَكِنَّ مَقْصُودَنَا دَفْعُ التَّحْرِيمِ وَإِنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَكْفِي فِي التَّمَسُّكِ بِهِ وَيَبْقَى رُجْحَانُ الصَّوْمِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْأَجْرِ الْمَوْعُودِ فِيهِ وَانْدِفَاعِ الْمُعَارِضِ بِالِاسْتِصْحَابِ. (فَصْلٌ) لَمَّا قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِأَنَّ غَدًا الْعِيدُ سَمِعْت بَعْضَ الشَّبَابِ يَقُولُ صَوْمُ غَدٍ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ فَأَعْرَضْت عَنْ جَوَابِهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا سَمِعَهُ مِنْ أَنَّ صَوْمَ الْعِيدِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ وَلَا بَيْنَ كَلَامِ الْمُفْتِي وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِي الْكُتُبِ فَوَظِيفَةُ الْعُلَمَاءِ فِي الْكُتُبِ ذِكْرُ الْمَسَائِلِ الْكُلِّيَّةِ وَوَظِيفَةُ الْمُفْتِي تَنْزِيلُ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ عَلَى الْوَقَائِعِ الْجُزْئِيَّةِ فَإِذَا عَلِمَ الْمُفْتِي انْدِرَاجَ ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ فِي ذَلِكَ الْكُلِّيِّ أَفْتَى فِيهِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْكُتُبِ، وَهَذَا الْعِيدُ جُزْئِيٌّ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الْعِيدُ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ هُوَ الَّذِي تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا فِي الشَّاهِدَيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا وَمِنْهَا فِي الْحُكْمِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ هَلْ حَكَمَ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ أَوْ فِي مَحَلِّ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ فِي الشُّهُودِ وَالْمَشْهُودِ بِهِ وَالتَّثَبُّتِ فِي الْحُكْمِ وَصِحَّتِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ لِكُلِّ بَلْدَةٍ حُكْمُهَا أَوْ لَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرَ فِي دِمَشْقَ فَإِذَا كَانَ قَدْ رُئِيَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى مُخَالِفَةٍ لِدِمَشْقَ فِي مَطَالِعِ الْهِلَالِ حَتَّى يَجْرِيَ خِلَافٌ وَحَكَمَ فِيهِ وَسَلَّمْنَا صِحَّةَ الْحُكْمِ فِي سَائِرِ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُنَفَّذُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا وَلَا يُنَفَّذُ إلَّا ظَاهِرًا، وَاَلَّذِي يَقُولُ: لَا يُنَفَّذُ إلَّا ظَاهِرًا يَقُولُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ إجْمَاعُنَا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا الْإِجْمَاعُ فِيمَا يَقَعُ أَنَّهُ يَوْمُ الْعِيدِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا رُئِيَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ رُؤْيَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ عِنْدَ أَهْلِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْأَرْبِعَاءُ فَهَلْ يَكُونُ عِيدَانِ فِي يَوْمَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ حَرَامٌ صَوْمُهُمَا؛ وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ رُئِيَ عِنْدَنَا لَكَانَ يُقَالُ بِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ لَكِنْ لَمْ يُرَ.) اهـ . |
الكاتب: | البخاري [ السبت سبتمبر 10, 2016 2:55 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
فتاوى السبكي (1/ 214 – 216) فَصْلٌ فِي الثُّبُوتِ) قَدْ قُلْنَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي الشُّهُودِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَمْ يُلْزِمْ الْعَامَّةَ حُكْمَ تِلْكَ الشَّهَادَةِ، وَالْقَاضِي الَّذِي أَثْبَتَ ذَلِكَ ظَنَّ أَنَّ التَّزْكِيَةَ كَافِيَةٌ فَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ يَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ، وَقَدْ بَقِيَ وَرَاءَ هَذَا أُمُورٌ أُخْرَى مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ثُبُوتُ الشَّهْرِ فِي نَفْسِهِ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ. (فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِهِ) مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الِالْتِزَامُ وَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَمَحْكُومًا لَهُ، وَهُوَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى وَسُؤَالِ الْحُكْمِ، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ حَسْبُهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بِهَا نَظَرٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ هَلْ يُطَالِبُ بِالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ هَذَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ نَفْعِ الْمَسَاكِينِ فَمَا ظَنُّك بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُثْبِتُ الشَّهْرَ فَقَطْ أَمَّا يَحْكُمُ بِهِ فَلَا لَكِنْ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى الثُّبُوتِ حَقٌّ وَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى حُكْمٍ بِهِ يَحْكُمُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ بِشُرُوطِهِ مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ الثُّبُوتِ. (فَصْلٌ فِي التَّنْفِيذِ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ لَمْ يَصِحَّ التَّنْفِيذُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَنْفِيذَ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ أَوْ لَا فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا أَنَّهُ حُكْمٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ حُكْمٌ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ بِحُكْمٍ بِالْمَشْهُودِ بِهِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إذَا أَثْبَتَهُ مَنْ يَرَاهُ فَمَنْ يَجْعَلُهُ حُكْمًا يَمْنَعُ نَقْضَهُ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ حُكْمًا يُجَوِّزُ لِمَنْ لَا يَرَاهُ نَقْضَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلْته حُكْمًا بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ حُكْمًا بِالْمَشْهُورِ بِهِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ بِهِ إذَا أَثْبَتَهُ مَنْ يَرَاهُ أَيْضًا فِي نَقْلِهِ فِي الْبَلَدِ الصَّحِيحِ مَنْعَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي لِمَا اخْتَرْتُهُ. وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ لِي أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَإِنْ لَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا فِي الرُّجُوعِ إذَا رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بَعْدَ إثْبَاتِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ. فَإِنْ قُلْنَا: الْإِثْبَاتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ أَصْلًا فَيُبْطِلُ الشَّهَادَةَ كَمَا لَوْ رَجَعَا بَعْدَ الْأَدَاءِ وَقَبْلَ الثُّبُوتِ، وَإِنْ قُلْنَا حُكْمٌ بِالْحَقِّ فَكَمَا لَوْ رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ، وَإِنْ قُلْت بِالْمُخْتَارِ عِنْدِي فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ وَيَكُونُ كَالرُّكُوعِ بَعْدَ الْحُكْمِ. (فَصْلٌ فِي شَرْحِ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الصَّوْمِ أَوْ وُجُوبِهِ إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى رُؤْيَتِهِ، وَوَجْهُ الِاعْتِذَارِ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى الصَّوْمِ بِإِكْمَالِ ثَلَاثِينَ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ فَهِمْنَا الْمَعْنَى وَهُوَ طُلُوعُ الْهِلَالِ وَإِمْكَانُ رُؤْيَتِهِ وَهُمَا حَاصِلَانِ بِالْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَنْدَرِجُ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بِحَسْبِ الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي أَنَّ النَّظَرَ إلَى اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى فَمَنْ اعْتَبَرَ اللَّفْظَ مَنَعَ دَلَالَةَ مَفْهُومِ قَوْلِهِ «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَمَنْ اعْتَبَرَ الْمَعْنَى قَالَ: الْحَدِيثُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَأَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ فَإِذَا وُجِدَتْ وَلَوْ نَادِرًا اُتُّبِعَتْ، وَقَوْلُهُ " رَأَيْتُمُوهُ " لَيْسَ الْمُرَادُ رُؤْيَةَ الْجَمِيعِ بِدَلِيلِ الْوُجُوبِ عَلَى الْأَعْمَى بِالْإِجْمَاعِ، وَلِمَا أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرُؤْيَتِهِ أَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ فَالْمُرَادُ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ وَتَحَقُّقٌ إمَّا بِالْحِسِّ وَإِمَّا بِخَبَرِ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ أَوْ شَهَادَةِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِشُرُوطِهَا، وَقَوْلُهُ «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَمَقْصُودُهُ بَيَانُ الشَّهْرِ الشَّرْعِيِّ الْعَرَبِيِّ وَمُخَالَفَةُ مَا يَفْهَمُهُ مِنْهُ أَهْلُ الْحِسَابِ لَا إبْطَالَ حِسَابِهِمْ جُمْلَةً بَلْ بَيَانُ أَنَّهُ تَارَةً ثَلَاثُونَ وَتَارَةً تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا رَدَّ فِيهِ عَلَى مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الصَّوْمِ بِالْحِسَابِ لِأَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَرَفَةَ يَوْمَ تُعَرِّفُونِ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» فَالْمُرَادُ مِنْهُ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ فَالْمُسْلِمُونَ لَا يَتَّفِقُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِالْحُجَّةِ حَتَّى لَوْ غُمَّ الْهِلَالُ وَأَكْمَلَ النَّاسُ ذَا الْقِعْدَةِ ثَلَاثِينَ وَوَقَفُوا فِي تَاسِعِ ذِي الْحِجَّةِ لِظَنِّهِمْ وَعَيَّدُوا فِي غَدِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ وَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ فَوُقُوفُهُمْ صَحِيحٌ وَأَضْحَاهُمْ يَوْمَ ضَحُّوا، وَكَذَا إذَا كَمَّلُوا عِدَّةَ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ وَأَفْطَرُوا مِنْ الْغَدِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ ثَانِي شَوَّالٍ كَانَ فِطْرُهُمْ يَوْمَ أَفْطَرُوا. فَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ أَنَّ وَاحِدًا رَأَى وَحْدَهُ أَفْتَاهُ بِأَنْ يُفْطِرَ سِرًّا وَيَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ فِطْرِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ يَوْمَ فِطْرِ غَيْرِهِ بَلْ يَوْمُ فِطْرِ غَيْرِهِ مِنْ الْغَدِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ بِرُؤْيَةٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِطْرُ كُلِّ أَحَدٍ يَوْمَ فِطْرٍ، وَإِذَا اتَّفَقَ غَلَطُ أَهْلِ بَلَدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ وَكَانَ قَدْ رُئِيَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ حَوَالَيْهِ رُؤْيَةً مُحَقَّقَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَلَطُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لِلْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ بَلَدٌ لَهَا حُكْمٌ وَاحْتُمِلَ خِلَافُهُ؛ وَإِنْ تَعَمَّدَ أَهْلُ بَلَدٍ فَضَحُّوا يَوْمَ التَّاسِعِ أَوْ وَقَفُوا يَوْمَ الثَّامِنِ أَوْ أَفْطَرُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ ذَلِكَ يَوْمُ أَضْحَاهُمْ وَلَا يَوْمُ وُقُوفِهِمْ وَلَا يَوْمُ فِطْرِهِمْ، وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ بَلَدٍ فِي الرُّؤْيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ رَأَى مَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَأَمَّا فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ يَعْتَقِدُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَيْهِ، وَوَقَعَتْ الرِّيبَةُ فِي ذَلِكَ كَمَا اُتُّفِقَ فِي هَذَا الْعَامِ فَعَيَّدَ أَكْثَرُ النَّاسِ بِقَوْلِهِمْ وَالْبَاقُونَ لَمْ يُصْغُوا إلَيْهِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ يَوْمُ أَضْحَى النَّاسِ كُلِّهِمْ حَتَّى يَحْرُمَ صَوْمُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصْغِ إلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَيُحْتَجُّ عَلَى أَنَّهُ الْعِيدُ بِتَعْيِيدِ النَّاسِ وَتَعْيِيدُ النَّاسِ مَشْرُوطٌ فِي الثُّبُوتِ الَّذِي لَا رِيبَةَ فِيهِ أَعْنِي التَّعْيِيدَ الشَّرْعِيَّ وَأَمَّا التَّعْيِيدُ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَلَوْ اسْتَدْلَلْنَا بِالتَّعْيِيدِ عَلَى صِحَّةِ الْمُسْتَنَدِ لَزِمَ الدَّوْرُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَنَدُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَالتَّعْيِيدُ كَالتَّعْيِيدِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَهُوَ حَرَامٌ مَرْدُودٌ عَلَى فَاعِلِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَإِذَا كَانَ مَرْدُودًا فَلَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ مُعْتَبَرًا فَالْعِيدُ ثَابِتٌ قَبْلَهُ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الْعِيدِ لَا يَصِحُّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَحَلَّ الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.) اهـ . |
الكاتب: | حامد الديب [ السبت سبتمبر 10, 2016 2:56 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
تسجيل شكر متابعه جزاكم الله خيرا |
الكاتب: | البخاري [ السبت سبتمبر 10, 2016 2:59 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
فتاوى السبكي (1/ 216-217) (فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ) وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي هَذَا الْعَامِ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ لِمَا قُلْنَاهُ فَإِنْ اُضْطُرَّ شَخْصٌ إلَى الْحُضُورِ مَعَ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَعَدَمِ مُخَالَفَتِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الضُّحَى فَإِنَّهُ إذَا نَوَى الْعِيدَ لَمْ يَصِحَّ فِي اعْتِقَادِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ، ثُمَّ فِي صِحَّتِهَا نَفْلًا مُطْلَقًا إذَا بَطَلَتْ نِيَّةُ الْعِيدِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الْبُطْلَانُ فَلِذَلِكَ قُلْنَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الضُّحَى أَوْ نَفْلًا مُطْلَقًا وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِاَلَّذِي يُصَلِّي الْعِيدَ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ فِي النِّيَّةِ. (فَصْلٌ) فَإِذَا صَلَّى كَمَا قُلْنَاهُ وَكَبَّرَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ فَإِنْ كَبَّرَ مَعَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَجْرِيَ خِلَافٌ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ مِنْ الْخِلَافِ فِي نَقْلِ الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ رُكْنٌ فِي التَّحْرِيمِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَجْرِيَ لِأَنَّ الرُّكْنَ مَشْرُوعٌ فِي الِانْتِقَالَاتِ، فَإِنْ اُضْطُرَّ فِي مُوَافَقَةِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ إلَى ذِكْرٍ وَأَرَادَ الِاحْتِرَازَ عَنْ ذَلِكَ أَتَى مَكَانَهُ بِتَسْبِيحٍ أَوْ يَقُولُ مَكَانَ أَكْبَرُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ، وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي ذَلِكَ فَالْأَوْلَى التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ فِعْلٌ كَثِيرٌ فَيَقْتَضِي الْبُطْلَانَ وَلَيْسَ مُتَفَرِّقًا فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ مِمَّا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبُطْلَانِ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ضَعِيفًا لِعَدَمِ التَّوَالِي وَلِوُرُودِ السُّنَّةِ بِهِ، فَلَوْ اُضْطُرَّ فِي مُوَافَقَةِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ فَلْيُقَلِّلْ الرَّفْعَ مَا أَمْكَنَ. (فَصْلٌ) وَالتَّضْحِيَةُ يَوْمَ السَّبْتِ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَكِنَّ الْأَوْلَى التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى التَّضْحِيَةِ أَفْضَلُ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّأْخِيرِ وَالْوُقُوعِ مَعَهُ فِي الشَّكِّ وَنَحْنُ إنَّمَا اسْتَحْبَبْنَا صَوْمَ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَاضُ عَنْهُ وَلَا مَنْدُوحَةَ فِي حُصُولِ الْأَجْرِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ. (فَصْلٌ) قَدَّمْنَا أَنَّ فِي الْحُكْمِ بِالشَّهْرِ نَظَرًا، وَمِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوَّلُهُ إنْ كَانَ جِهَةً عَامَّةً كَبَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْفُقَرَاءِ فَيَصِحُّ أَنْ يُحْكَمَ لِلْفُقَرَاءِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ أَمَّا الْحُكْمُ هُنَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّوْمِ أَوْ وُجُوبَهُ وَاسْتِحْبَابَ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْأُضْحِيَّةِ لَيْسَ لِلْجِهَةِ وَلَا عَلَيْهَا وَهَذَا مِمَّا يُبْعِدُ دُخُولَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ. (فَصْلٌ) فَإِنْ سُلِّمَ دُخُولُهُ وَكَانَ قَدْ تَقَدَّمَ ثُبُوتُ أَوَّلِ الشَّهْرِ الِاثْنَيْنِ وَالْحُكْمُ بِهِ فَهَلْ يَتَعَارَضُ الْحُكْمَانِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْحُكْمِ بِالْهِلَالِ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ. (فَصْلٌ) إذَا قِيلَ بِصِحَّةِ الْحُكْمِ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالْمُكَلَّفِينَ فِي ذَلِكَ أَوْ يَشْمَلُ مَنْ يَحْدُثُ بُلُوغُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ مَثَلًا فَيَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الْجِهَةِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إذَا صَحَّحْنَا الْحُكْمَ وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ صِحَّتِهِ. (فَصْلٌ) إذَا صَحَّحْنَا عَلَى الْعُمُومِ وَنَزَّلْنَاهُ عَلَى الْجِهَةِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْأَعْيَانِ وَلَا يَصِحُّ فِي وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَإِنْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى الْأَعْيَانِ فَيَشْمَلُ كُلَّ مَنْ لَيْسَ قَاضِيًا مِثْلُ ذَاكَ الْقَاضِي أَمَّا مَنْ هُوَ قَاضٍ مِثْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَشْمَلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الَّذِي حَكَمَ فَإِنَّ الْعُرْفَ يَقْضِي بِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ دُونَهُ لَا عَلَى مَنْ فَوْقَهُ فِي رُتْبَةِ الْقَضَاءِ، وَاحْتَرَزْنَا بِرُتْبَةِ الْقَضَاءِ عَنْ الْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ فَقَضَاءُ قَاضِي الْقُضَاةِ يَشْمَلُهُمْ لِأَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ بِالشَّرْعِ، وَالْقُضَاةُ نُصِّبُوا لِيَحْكُمُوا عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْقَاضِيَيْنِ فَإِنَّهُمَا مُؤْتَمَرَانِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَلَكِنْ لَمْ يُنَصَّبْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْقَضَاءِ عَلَى الْآخَرِ. (فَصْلٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَنَا مِنْ الْأُمُورِ الْقَطْعِيَّةِ وَلَيْسَتْ مِنْ مَحَالِّ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ قَطْعِيَّةٍ: أَحَدُهَا أَمْرٌ حِسَابِيٌّ عَقْلِيٌّ، وَالْآخَرُ أَمْرٌ عَادِيٌّ مَعْلُومٌ، وَالثَّالِثُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ مَعْلُومٌ فَالْغَلَطُ فِيهَا إذَا انْتَهَى إلَى هَذَا الْحَدِّ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي لَكِنْ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةٌ جِدًّا فَعَلَى الْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَتَثَبَّتَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْجِلَ بِالنَّقْضِ كَمَا قُلْنَا إنَّ عَلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ أَنْ يَتَثَبَّتَ وَلَا يَسْتَعْجِلَ بِالْإِثْبَاتِ.) اهـ |
الكاتب: | البخاري [ السبت سبتمبر 10, 2016 3:02 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
فتاوى السبكي (1/ 217) (فَصْلٌ) قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ الْأَغْمَارِ وَالْجُهَّالِ تَوَقُّفٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَيَسْتَنْكِرُ الرُّجُوعَ إلَى الْحِسَابِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَيَجْمُدُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ يَثْبُتُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا خِطَابَ مَعَهُ وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَكَلَّمُ مَعَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَبَصُّرٍ وَالْجَاهِلُ لَا كَلَامَ مَعَهُ. (فَصْلٌ) مِمَّا يُؤْنِسُك فِي أَنَّ التَّجْوِيزَ الْعَقْلِيَّ مَعَ الِاسْتِحَالَةِ الْعَادِيَّةِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ مَسْأَلَةُ الْمَشْرِقِيِّ وَالْمَغْرِبِيَّةِ وَعَدَمِ لُحُوقِ النَّسَبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يَقُلْ بِلُحُوقِ النَّسَبِ إلَّا لِأَجْلِ الْفِرَاشِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَالزَّوْجَةُ فِرَاشٌ فَكَمَا نَفَى أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ النَّسَبَ لِلِاسْتِحَالَةِ الْعَادِيَّةِ وَخَصَّصُوا الْحَدِيثَ بِهِ كَذَا هُنَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ هُنَا لَيْسَ مَعَنَا نَصٌّ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا النَّصُّ فِي الرُّؤْيَةِ وَهِيَ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ وَلَمْ يَحْصُلْ لَنَا هَهُنَا؛ وَفِي الْحَدِيثِ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَالْعُمُومُ حَاصِلٌ فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِهِ هُنَا. (فَصْلٌ) فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالِاسْتِحَالَةِ قُلْنَا أَنْ نَقُولَ لِمَنْ لَا يَنْجَذِبُ طَبْعُهُ إلَى الْحِسَابِ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا يَوْمَ كَذَا فِي بَلَدِ كَذَا فَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ عَمْرًا كَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ مِنْهَا إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَادَةً وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ عَقْلًا. (فَصْلٌ) قَدْ دَلَّ الْحِسَابُ وَالِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ عَلَى أَنَّ السَّنَةَ الْقَمَرِيَّةَ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَخُمُسُ وَسُدُسُ يَوْمٍ. وَهَذَا بِاعْتِبَارِ مُفَارَقَةِ الْهِلَالِ لِلشَّمْسِ، وَأَمَّا بِحَسْبِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ فَقَدْ يَنْتَهِي إلَى خَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسْبِ الْكَسْرِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ شُهُورٌ يَقْتَضِي الْحِسَابُ اسْتِحَالَةَ نَقْصِ مَجْمُوعِهَا لَمْ تُسْمَعْ لِمَا قُلْنَاهُ، وَإِذَا غُمَّ الْهِلَالُ عَلَيْنَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَقْوَى فِي الْأَخِيرِ اعْتِمَادُ الْحِسَابِ وَالْحُكْمِ بِالْهِلَالِ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا ضَيَّقَ الْفَرْضُ كَمَا فَرَضْنَاهُ هَهُنَا يَكُونُ الْقَوْلُ بِهِ أَقْوَى وَأَوْلَى وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.) اهـ . |
الكاتب: | msobieh [ السبت سبتمبر 10, 2016 10:58 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
بارك الله فيك وجوزيتم خيرا . |
الكاتب: | molhma [ السبت سبتمبر 10, 2016 11:02 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
msobieh كتب: بارك الله فيك وجوزيتم خيرا . اللهم آمين اللهم آمين جزاكم الله خيرا كثيرا وكل عام و مولانا الفاضل الكريم و أخى الكريم الأستاذ البخارى بخير و أمن و أمان و جميع الأخوة و الأخوات الكرام |
الكاتب: | محمد محمود [ السبت سبتمبر 10, 2016 11:07 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
molhma كتب: msobieh كتب: بارك الله فيك وجوزيتم خيرا . اللهم آمين اللهم آمين جزاكم الله خيرا كثيرا وكل عام و مولانا الفاضل الكريم و أخى الكريم الأستاذ البخارى بخير و أمن و أمان و جميع الأخوة و الأخوات الكرام |
الكاتب: | msobieh [ السبت سبتمبر 10, 2016 11:23 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
الفاضلة ملهمة والفاضل محمد محمود وكل عام وأنتم بخير وكل الأحباب وأسرنا وأسرهم وأمة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخير ونسأل الله السلام والأمان للعالم أجمع . |
الكاتب: | molhma [ السبت سبتمبر 10, 2016 11:25 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
msobieh كتب: الفاضلة ملهمة والفاضل محمد محمود وكل عام وأنتم بخير وكل الأحباب وأسرنا وأسرهم وأمة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخير ونسأل الله السلام والأمان للعالم أجمع . اللهم آمين اللهم آمين لاحرمنا الله من حضرتك مولانا الكريم دنيا و دين |
الكاتب: | سكينة [ السبت سبتمبر 10, 2016 11:26 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
msobieh كتب: الفاضلة ملهمة والفاضل محمد محمود وكل عام وأنتم بخير وكل الأحباب وأسرنا وأسرهم وأمة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخير ونسأل الله السلام والأمان للعالم أجمع . وحضرتك بالصحة والسلامة |
الكاتب: | المهاجرة [ السبت سبتمبر 10, 2016 11:40 pm ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
msobieh كتب: الفاضلة ملهمة والفاضل محمد محمود وكل عام وأنتم بخير وكل الأحباب وأسرنا وأسرهم وأمة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخير ونسأل الله السلام والأمان للعالم أجمع . اللهم آمين آمين آمين ربنا يخليكم لنا وكل عام وحضرتك ياسيدى بألف خير وسعادة وصحة وعافية وأسرتكم الكريمة يارب |
الكاتب: | محمد محمود [ الأحد سبتمبر 11, 2016 12:00 am ] |
عنوان المشاركة: | Re: حكم من شهد برؤية الهلال واقتضى علم الفلك تكذيبه |
msobieh كتب: الفاضلة ملهمة والفاضل محمد محمود وكل عام وأنتم بخير وكل الأحباب وأسرنا وأسرهم وأمة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخير ونسأل الله السلام والأمان للعالم أجمع . اللهم آمين يارب العالمين اللهم آمين يارب العالمين الله يكرمك يا مولانا الكريم ويعيده عليكم بالخير واليمن والبركات والفتوح |
صفحة 1 من 2 | جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين |
Powered by phpBB © 2000, 2002, 2005, 2007 phpBB Group http://www.phpbb.com/ |