موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 6 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: العشر الأواخر من رمضان .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 05, 2015 2:26 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 27, 2011 3:10 pm
مشاركات: 2279
مكان: مصر المحروسة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين .

جاء في كتاب/لطائف المعارف لابن رجب :

المجلس الرابع في ذكر العشر الأواخر من رمضان :

في الصحيحين عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله " . هذا لفظ البخاري .
ولفظ مسلم : " أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر " .

وفي رواية لمسلم عنها رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر فمنها: إحياء الليل ": فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله.

وقد روي من حديث عائشة من وجه فيه ضعف بلفظ: "وأحيا الليل كله" وفي المسند من وجه آخر عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر ـ يعني الأخير ـ شمر وشد المئزر " . وخرج الحافظ أبو نعيم بإسناد فيه ضعف عن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شهد رمضان قام ونام فإذا كان أربعا وعشرين لم يذق غمضا " .

ويحتمل أن يريد بإحياء الليل إحياء غالبه وقد روي عن بعض المتقدمين من بني هاشم ظنه الراوي أبا جعفر بن علي أنه فسر ذلك بإحياء نصف الليل وقال: من أحيا نصف الليل فقد أحيا الليل وقد سبق مثل هذا في قول عائشة رضي الله عنها: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا ".

ويؤيده ما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: " ما أعلمه صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح ".

وذكر بعض الشافعية في إحياء ليلتي العيدين أنه تحصل فضيلة الإحياء بمعظم الليل قال: وقيل: تحصل بساعة وقد نقل الشافعي في الأم عن جماعة من خيار أهل المدينة ما يؤيده ونقل بعض أصحابهم عن ابن عباس أن إحياءها يحصل بأن يصلي العشاء في جماعة ويعزم على أن يصلي الصبح في جماعة وقال مالك في الموطأ بلغني أن ابن المسيب قال: من شهد ليلة القدر ـ يعني في جماعة ـ فقد أخذ بحظه منها وكذا قال الشافعي في القديم: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها وقد روي هذا من حديث أبي هريرة مرفوعا: " من صلى العشاء الآخرة في جماعة في رمضان فقد أدرك ليلة القدر" خرجه أبو الشيخ الأصبهاني ومن طريقه أبو موسى المديني وذكر أنه روي من وجه آخر عن أبي هريرة نحوه ويروى من حديث علي بن أبي طالب مرفوعا لكن إسناده ضعيف جدا ويروى من حديث أبي جعفر محمد بن علي مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عليه رمضان صحيحا مسلما صام نهاره وصلى وردا من ليله وغض بصره وحفظ فرجه ولسانه ويده وحافظ على صلاته في الجماعة وبكر إلى جمعة فقد صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب عز وجل" قال أبو جعفر: جائزة لا تشبه جوائز الأمراء خرجه ابن أبي الدنيا.


ولو نذر قيام ليلة القدر لزمه أن يقوم من ليالي شهر رمضان ما يتيقن به قيامها فمن قال من العلماء: إنها في جميع الشهر يقول: يلزمه قيام جميع ليالي الشهر ومن قال: هي في النصف الآخر من الشهر قال: يلزمه قيام ليالي النصف الأخير منه ومن قال: هي في العشر الأواخر من الشهر قال: يلزمه قيام ليالي العشر كلها وهو قول أصحابنا وإن كان نذره كذلك وقد مضى بعض ليالي العشر فإن قلنا: إنها لا تنتقل في العشر أجزأه في نذره أن يقوم ما بقي من ليالي العشر ويقوم من عام قابل من أول العشر إلى وقت نذره وإن قلنا إنها تنتقل في العشر لم يخرج من نذره بدون قيام ليالي العشر كلها بعد عام نذره ولو نذر قيام ليلة غير معينة لزمه قيام ليلة تامة فإن قام نصف ليلة ثم نام أجزأه أن يقوم من ليلة أخرى نصفها قاله الأوزعي نقله عنه الوليد بن مسلم في كتاب النذور وهو شبيه بقول من قال من أصحابنا وغيرهم: أن الكفارة يجزىء فيها أن يعتق نصفي رقبتين.


ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي وفي حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة وهذا يدل على انه يتأكد إيقاظهم في أكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر وخرج الطبراني من حديث علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة .


قال سفيان الثوري: أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطرق فاطمة وعليا ليلا فيقول لهما "ألا تقومان فتصليان" وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة ونضح الماء في وجهه وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة الصلاة ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] الآية.
كانت امرأة حبيب أبي محمد تقول له بالليل: قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد وزاد قليل وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا.

يا نائم الليل كم ترقد ... قم يا حبيبي قد دنا الموعد
وخذ من الليل وأوقاته ... وردا إذا ما هجع الرقد
من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل أو يجهد
قل لذوي الألباب أهل التقى ... قنطرة العرض لكم موعد


ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد المئزر واختلفوا في تفسيره فمنهم من قال: هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة كما يقال فلان يشد وسطه ويسعى في كذا وهذا فيه نظر فإنها قالت: جد وشد المئزر فعطفت شد المئزر على جده والصحيح: أن المراد: اعتزاله النساء وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون منهم: سفيان الثوري وقد ورد ذلك صريحا من حديث عائشة وأنس وورد تفسيره بأنه لم يأو إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان وفي حديث أنس وطوى فراشه واعتزل النساء وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم غالبا يعتكف العشر الأواخر والمعتكف ممنوع من قربان النساء بالنص والإجماع وقد قالت طائفة من السلف في تفسير قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187] إنه طلب ليلة القدر والمعنى في ذلك: أن الله تعالى لما أباح مباشرة النساء في ليالي الصيام إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر لئلا يشتغل المسلمون في طول ليالي الشهر بالإستمتاع المباح فيفوتهم طلب ليلة القدر فأمر مع ذلك بطلب ليلة القدر بالتهجد من الليل خصوصا في الليالي المرجو فيها ليلة القدر فمن ههنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيب من أهله في العشرين من رمضان ثم يعتزل نساءه ويتفرغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر.



ومنها تأخيره للفطور إلى السحور وروي عنه من حديث عائشة وأنس أنه صلى الله عليه وسلم كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحورا ولفظ حديث عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء واغتسل بين الأذانين وجعل العشاء سحورا " . أخرجه ابن أبي عاصم وإسناده مقارب وحديث أنس خرجه الطبراني

ولفظه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل النساء وجعل عشاءه سحورا " . وفي إسناده حفص بن واقد قال ابن عدي: هذا الحديث من أنكر ما رأيت له وروي أيضا نحوه من حديث جابر خرجه أبو بكر الخطيب وفي إسناده من لا يعرف حاله.



وفي الصحيحين ما يشهد لهذه الروايات ففيهما عن أبي هريرة قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله؟ فقال: "وأيكم مثلي إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" فلما أبو أن ينتهو عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال: "لو تأخر لزدتكم" كالتنكيل لهم حين أبو أن ينتهو فهذا يدل على أنه واصل بالناس في آخر الشهر وروى عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة قال: ما واصل النبي صلى الله عليه وسلم وصالكم قط غير أنه قد أخر الفطر إلى السحور وإسناده لا بأس به .


وخرج الإمام أحمد من حديث سيدنا علي رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل إلى السحر وخرجه الطبراني من حديث جابر أيضا وخرج ابن جرير الطبري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل إلى السحر ففعل ذلك بعض أصحابه فنهاه فقال: أنت تفعل ذلك؟ فقال: "إنكم لستم مثلي إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني" وزعم ابن جرير: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يواصل في صيامه إلا إلى السحر خاصة وإن ذلك يجوز لمن قوي عليه ويكره لغيره وأنكر أن يكون استدامة الصيام في الليل كله طاعة عند أحد من العلماء
وقال: إنما كان يمسك بعضهم لمعنى آخر غير الصيام إما ليكون أنشط له على العبادة أو إيثارا بطعامه على نفسه أو لخوف مقلق منعه طعامه أو نحو ذلك فمقتضى كلامه: أن من واصل ولم يفطر ليكون أنشط له على العبادة من غيره أن يعتقد أن إمساك الليل قربة أنه جائز وإن أمسك تعبدا بالمواصلة فإن كان إلى السحر وقوي عليه لم يكره وإلا كره ولذلك قال أحمد وإسحاق لا يكره الوصال إلى السحر .

وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني" . وظاهر هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يواصل الليل كله وقد يكون صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك لأنه رآه أنشط له على الاجتهاد في ليالي العشر ولم يكن ذلك مضعفا له عن العمل فإن الله كان يطعمه ويسقيه.


واختلف في معنى إطعامه فقيل: إنه كان يؤتى بطعام من الجنة يأكله وفي هذا نظر فإنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا وقد أقرهم على قولهم له إنك تواصل لكن روى عبد الرزاق في كتابه عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال قالوا: فإنك تواصل؟ قال: "وما يدريكم لعل ربي يطعمني ويسقيني" وهذا مرسل وفي رواية لمسلم من حديث أنس: "إني أظل يطعمني ربي ويسقيني" وإنما يقال: ظل يفعل كذا إذا كان نهارا ولو كان أكلا حقيقيا لكان منافيا للصيام والصحيح: أنه إشارة إلى ما كان الله يفتحه عليه في صيامه وخلوته بربه لمناجاته وذكره من مواد أنسه ونفحات قدسه فكان يرد بذلك على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب كما قيل:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الطعام وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضيء به ... وقت المسير في أعقابها حادي
إذا شكت من كلال السير أوعدها ... روح القدوم فتحيا عند ميعاد

_________________
يارب بالمصطفى بلـــغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى ياواســع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما يتلون فى المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم واسمـــه قسم من أعظم القســم
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا بجــــاه سيــــدنـا ومـولانــا رسول الله ﷺ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: العشر الأواخر من رمضان .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 05, 2015 2:28 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 27, 2011 3:10 pm
مشاركات: 2279
مكان: مصر المحروسة

الذكر قوت قلوب العارفين يغنيهم عن الطعام والشراب كما قيل:
أنت ربي إذا ظمئت إلى الماء ... وقوتي إذا أردت الطعاما


لما جاع المجتهدون شبعوا من طعام المناجاة فأف لمن باع لذة المناجاة بفضل لقمة.
يا من لحشا المحب بالشوق حشا ... ذا سر سراك في الدجا كيف فشا
هذا المولى إلى المماليك مشى ... لا كان عيشا أورث القلب غشا


ويتأكد تأخير الفطر في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر قال ذر بن حبيش:

في ليلة سبع وعشرين من استطاع منكم أن يؤخر فطره فليفعل وليفطر على ضياح لبن: ورواه بعضهم عن أبي بن كعب مرفوعا ولا يصح وضياح اللبن: وروي: ضيح ـ الضاد المعجمة والياء آخر الحروف ـ هو اللبن الخاثر الممزوج بالماء وروى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن علي قال: إن وافق ليلة القدر وهو يأكل أورثه داء لا يفارقه حتى يموت وخرجه من طريقه أبو موسى المديني وكأنه يريد إذا وافق دخولها أكله والله أعلم.



ومنها: اغتساله بين العشاءين: وقد تقدم من حديث عائشة واغتسل بين الأذانين والمراد أذان المغرب والعشاء وروي من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بين العشاءين كل ليلة يعني من العشر الأواخر وفي إسناده ضعف وروي عن حذيفة أنه قام مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من رمضان فاغتسل النبي صلى الله عليه وسلم وستره حذيفة وبقيت فضلة فاغتسل بها حذيفة وستره النبي صلى الله عليه وسلم خرجه ابن أبي عاصم وفي رواية أخرى عن حذيفة قال: نام النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من رمضان في حجرة من جريد النخل فصب عليه دلو من ماء.



وقال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر فأمر ذر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيب ولبس حلة إزار أو رداء فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ويلبس ثوبين جديدين ويستجمر ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة والتي تليها ليلتنا يعني البصريين وقال حماد بن سلمة: كان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان ويطيبون المسجد بالنضوح والدخنة في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر وقال ثابت: كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد وكذلك يشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات كما قال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]

وقال ابن عمر: الله أحق أن يتزين له وروي عنه مرفوعا:ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى وتطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئا قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] .

إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى ... تقلب عريانا وإن كان كاسيا
لا يصلح لمناجاة الملك في الخلوات إلا من زين ظاهره وباطنه وطهرهما خصوصا لملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى وهو لا ينظر إلى صوركم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهره باللباس وباطنه بلباس التقوى أنشد الشبلي:

قالوا غدا العيد ماذا أنت لابسه ... فقلت خلعة ساق حبه جوعا
فقر وصبرهما ثوبان تحتهما ... قلب يرى ألفه الأعياد والجمعا
أحرى الملابس أن تلقى الحبيب به ... يوم التزاور فبالثوب الذي خلعا
الدهر لي مأتم إن غبت يا أملي ... والعيد ما كنت لي مرأى ومستمتعا



ومنها: الإعتكاف: ففي الصحيحين عن السيدة عائشة رضي الله عنها : "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى " .
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين ". وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العشر التي يطلب فيها ليلة القدر قطعا لإشغاله وتفريغا للياليه وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه وكان يحتجر حصيرا يتخلى فيها عن الناس فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس حتى ولا لتعلم علم وإقراء قرآن بل الأفضل له الإنفراد بنفسه والتخلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه وهذا الإعتكاف هو الخلوة الشرعية وإنما يكون في المساجد لئلا يترك به الجمع والجماعات فإن الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهي عنها سئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعة قال: هو في النار فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الإعتكاف في المساجد خصوصا في شهر رمضان خصوصا في العشر الأواخر منه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه كما كان داود الطائي يقول في ليله:
همك عطل على الهموم وحالف بيني وبين السهاد وشوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات.
مالي شغل سواه مالي شغل ... ما يصرف عن قلبي هواه عذل
ما أصنع أجفان وخاب الأمل ... مني بدل ومنه مالي بدل



فمعنى الإعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للإتصال بخدمة الخالق وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الإنقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال كان بعضهم لا يزال منفردا في بيته خاليا بربه فقيل له: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني.
أوحشتني خلواتي ... بك من كل أنيسي
وتفردت فعاينتك ... بالغيب جليسي
يا ليلة القدر للعابدين اشهدي يا أقدم القانتين اركعي لربك واسجدي يا ألسنة السائلين جدي في المسألة واجتهدي.
يا رجال الليل جدوا ... رب داع لا يرد
ما يقوم الليل إلا ... من له عزم وجد



ليلة القدر عند المحبين ليلة الحظوة بأنس مولاهم وقربه وإنما يفرون من ليالي البعد والهجر كان ببغداد موضعان يقال لأحدهما: دار الملك والأخرى: القطيعة فجاز بعض العارفين بملاح في سفينة فقال له: احملني معك إلى دار الملك فقال له: الملاح ما أقصد إلا القطيعة فصاح العارف لا بالله لا بالله منها أفر:
وليلة بت بأكفانها ... تعدل عندي ليلة القدر
كانت سلاما لسروري بها ... بالوصل حتى مطلع الفجر


يا من ضاع عمره لا شيء استدرك ما فاتك في ليلة القدر فإنها تحسب بالعمر.
وليلة وصل بات منجز وعده ... سميري فيها بعد طول مطال
شفيت بها قلبا أطيل غليله ... زمانا فكانت ليلة بليالي



قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 1, 3] واختلف في ليلة القدر والحكمة في نزول الملائكة في هذه الليلة: إن الملوك والسادات لا يحبون أن يدخل دارهم أحد حتى يزينون دارهم بالفرش والبسط ويزينوا عبيدهم بالثياب والأسلحة فإذا كان ليلة القدر أمر الرب تبارك وتعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض لأن العباد زينوا أنفسهم بالطاعات بالصوم والصلاة في ليالي رمضان ومساجدهم بالقناديل والمصابيح فيقول الرب تعالى: أنتم طعنتم في بني آدم وقلتم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة: 30] الآية فقلت لكم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين راكعين لتعلموا أني اخترتهم على علم على العالمين.

قال مالك: بلغني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغه غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر وروي عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح ألف شهر فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله هذه السورة {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] الذي لبس فيها ذلك الرجل في سبيل الله ألف شهر وقال النخعي: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر.



وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وفي المسند عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وفي المسند والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شهر رمضان: "فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم" قال جويبر: قلت للضحاك: أرأيت النفساء والحائض والمسافر والنائم لهم في ليلة القدر نصيب؟ قال: نعم كل من تقبل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر.



إخواني المعول على القبول لا على الاجتهاد والاعتبار ببر القلوب لا بعمل الأبدان رب قائم حظه من قيامه السهر كم من قائم محروم وكم من نائم مرحوم نام وقلبه ذاكر وهذا قام وقلبه فاجر.
إن المقادير إذا ساعدت ... ألحقت النائم بالقائم
لكن العبد مأمور بالسعي في اكتساب الخيرات والاجتهاد في الأعمال الصالحات وكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5, 10] فالمبادرة إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر فعسى أن يستدرك به ما فات من ضياع العمر.

تولى العمر في سهو وفي لهو وفي خسر
فيا ضيعة ما أنفقت في الأيام من عمري
ومالي في الذي ضيعت من عمري من عذر
فما أغفلنا من واجبات الحمد والشكر
أما قد خصنا الله بشهر أيما شهر
بشهر أنزل الرحمن فيه أشرف الذكر
وهل يشبه شهر وفيه ليلة القدر
فكم من خبر صح بما فيها من الخير
روينا عن ثقات أنها تطلب في الوتر
فطوبى لامرىء يطلبها في هذه العشر
ففيها تنزل الأملاك بالأنوار والبر
قد قال {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}
ألا فادخرها إنها من أنفس الذخر
فكم من معلق فيها من النار ولا يدري .اهـ

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم

_________________
يارب بالمصطفى بلـــغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى ياواســع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما يتلون فى المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم واسمـــه قسم من أعظم القســم
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا بجــــاه سيــــدنـا ومـولانــا رسول الله ﷺ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: العشر الأواخر من رمضان .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مايو 13, 2020 10:21 am 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2910
ابن حجر كتب:
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين .

جاء في كتاب/لطائف المعارف لابن رجب :

المجلس الرابع في ذكر العشر الأواخر من رمضان :

في الصحيحين عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله " . هذا لفظ البخاري .
ولفظ مسلم : " أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر " .

وفي رواية لمسلم عنها رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر فمنها: إحياء الليل ": فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله.

وقد روي من حديث عائشة من وجه فيه ضعف بلفظ: "وأحيا الليل كله" وفي المسند من وجه آخر عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر ـ يعني الأخير ـ شمر وشد المئزر " . وخرج الحافظ أبو نعيم بإسناد فيه ضعف عن أنس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شهد رمضان قام ونام فإذا كان أربعا وعشرين لم يذق غمضا " .

ويحتمل أن يريد بإحياء الليل إحياء غالبه وقد روي عن بعض المتقدمين من بني هاشم ظنه الراوي أبا جعفر بن علي أنه فسر ذلك بإحياء نصف الليل وقال: من أحيا نصف الليل فقد أحيا الليل وقد سبق مثل هذا في قول عائشة رضي الله عنها: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا ".

ويؤيده ما في صحيح مسلم عن عائشة قالت: " ما أعلمه صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح ".

وذكر بعض الشافعية في إحياء ليلتي العيدين أنه تحصل فضيلة الإحياء بمعظم الليل قال: وقيل: تحصل بساعة وقد نقل الشافعي في الأم عن جماعة من خيار أهل المدينة ما يؤيده ونقل بعض أصحابهم عن ابن عباس أن إحياءها يحصل بأن يصلي العشاء في جماعة ويعزم على أن يصلي الصبح في جماعة وقال مالك في الموطأ بلغني أن ابن المسيب قال: من شهد ليلة القدر ـ يعني في جماعة ـ فقد أخذ بحظه منها وكذا قال الشافعي في القديم: من شهد العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها وقد روي هذا من حديث أبي هريرة مرفوعا: " من صلى العشاء الآخرة في جماعة في رمضان فقد أدرك ليلة القدر" خرجه أبو الشيخ الأصبهاني ومن طريقه أبو موسى المديني وذكر أنه روي من وجه آخر عن أبي هريرة نحوه ويروى من حديث علي بن أبي طالب مرفوعا لكن إسناده ضعيف جدا ويروى من حديث أبي جعفر محمد بن علي مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عليه رمضان صحيحا مسلما صام نهاره وصلى وردا من ليله وغض بصره وحفظ فرجه ولسانه ويده وحافظ على صلاته في الجماعة وبكر إلى جمعة فقد صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب عز وجل" قال أبو جعفر: جائزة لا تشبه جوائز الأمراء خرجه ابن أبي الدنيا.


ولو نذر قيام ليلة القدر لزمه أن يقوم من ليالي شهر رمضان ما يتيقن به قيامها فمن قال من العلماء: إنها في جميع الشهر يقول: يلزمه قيام جميع ليالي الشهر ومن قال: هي في النصف الآخر من الشهر قال: يلزمه قيام ليالي النصف الأخير منه ومن قال: هي في العشر الأواخر من الشهر قال: يلزمه قيام ليالي العشر كلها وهو قول أصحابنا وإن كان نذره كذلك وقد مضى بعض ليالي العشر فإن قلنا: إنها لا تنتقل في العشر أجزأه في نذره أن يقوم ما بقي من ليالي العشر ويقوم من عام قابل من أول العشر إلى وقت نذره وإن قلنا إنها تنتقل في العشر لم يخرج من نذره بدون قيام ليالي العشر كلها بعد عام نذره ولو نذر قيام ليلة غير معينة لزمه قيام ليلة تامة فإن قام نصف ليلة ثم نام أجزأه أن يقوم من ليلة أخرى نصفها قاله الأوزعي نقله عنه الوليد بن مسلم في كتاب النذور وهو شبيه بقول من قال من أصحابنا وغيرهم: أن الكفارة يجزىء فيها أن يعتق نصفي رقبتين.


ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي وفي حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة وهذا يدل على انه يتأكد إيقاظهم في أكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر وخرج الطبراني من حديث علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة .


قال سفيان الثوري: أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطرق فاطمة وعليا ليلا فيقول لهما "ألا تقومان فتصليان" وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة ونضح الماء في وجهه وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة الصلاة ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132] الآية.
كانت امرأة حبيب أبي محمد تقول له بالليل: قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد وزاد قليل وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا.

يا نائم الليل كم ترقد ... قم يا حبيبي قد دنا الموعد
وخذ من الليل وأوقاته ... وردا إذا ما هجع الرقد
من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل أو يجهد
قل لذوي الألباب أهل التقى ... قنطرة العرض لكم موعد


ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشد المئزر واختلفوا في تفسيره فمنهم من قال: هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة كما يقال فلان يشد وسطه ويسعى في كذا وهذا فيه نظر فإنها قالت: جد وشد المئزر فعطفت شد المئزر على جده والصحيح: أن المراد: اعتزاله النساء وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون منهم: سفيان الثوري وقد ورد ذلك صريحا من حديث عائشة وأنس وورد تفسيره بأنه لم يأو إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان وفي حديث أنس وطوى فراشه واعتزل النساء وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم غالبا يعتكف العشر الأواخر والمعتكف ممنوع من قربان النساء بالنص والإجماع وقد قالت طائفة من السلف في تفسير قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187] إنه طلب ليلة القدر والمعنى في ذلك: أن الله تعالى لما أباح مباشرة النساء في ليالي الصيام إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود أمر مع ذلك بطلب ليلة القدر لئلا يشتغل المسلمون في طول ليالي الشهر بالإستمتاع المباح فيفوتهم طلب ليلة القدر فأمر مع ذلك بطلب ليلة القدر بالتهجد من الليل خصوصا في الليالي المرجو فيها ليلة القدر فمن ههنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيب من أهله في العشرين من رمضان ثم يعتزل نساءه ويتفرغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر.



ومنها تأخيره للفطور إلى السحور وروي عنه من حديث عائشة وأنس أنه صلى الله عليه وسلم كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحورا ولفظ حديث عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء واغتسل بين الأذانين وجعل العشاء سحورا " . أخرجه ابن أبي عاصم وإسناده مقارب وحديث أنس خرجه الطبراني

ولفظه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل النساء وجعل عشاءه سحورا " . وفي إسناده حفص بن واقد قال ابن عدي: هذا الحديث من أنكر ما رأيت له وروي أيضا نحوه من حديث جابر خرجه أبو بكر الخطيب وفي إسناده من لا يعرف حاله.



وفي الصحيحين ما يشهد لهذه الروايات ففيهما عن أبي هريرة قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله؟ فقال: "وأيكم مثلي إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" فلما أبو أن ينتهو عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال: "لو تأخر لزدتكم" كالتنكيل لهم حين أبو أن ينتهو فهذا يدل على أنه واصل بالناس في آخر الشهر وروى عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة قال: ما واصل النبي صلى الله عليه وسلم وصالكم قط غير أنه قد أخر الفطر إلى السحور وإسناده لا بأس به .


وخرج الإمام أحمد من حديث سيدنا علي رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل إلى السحر وخرجه الطبراني من حديث جابر أيضا وخرج ابن جرير الطبري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل إلى السحر ففعل ذلك بعض أصحابه فنهاه فقال: أنت تفعل ذلك؟ فقال: "إنكم لستم مثلي إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني" وزعم ابن جرير: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يواصل في صيامه إلا إلى السحر خاصة وإن ذلك يجوز لمن قوي عليه ويكره لغيره وأنكر أن يكون استدامة الصيام في الليل كله طاعة عند أحد من العلماء
وقال: إنما كان يمسك بعضهم لمعنى آخر غير الصيام إما ليكون أنشط له على العبادة أو إيثارا بطعامه على نفسه أو لخوف مقلق منعه طعامه أو نحو ذلك فمقتضى كلامه: أن من واصل ولم يفطر ليكون أنشط له على العبادة من غيره أن يعتقد أن إمساك الليل قربة أنه جائز وإن أمسك تعبدا بالمواصلة فإن كان إلى السحر وقوي عليه لم يكره وإلا كره ولذلك قال أحمد وإسحاق لا يكره الوصال إلى السحر .

وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني" . وظاهر هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يواصل الليل كله وقد يكون صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك لأنه رآه أنشط له على الاجتهاد في ليالي العشر ولم يكن ذلك مضعفا له عن العمل فإن الله كان يطعمه ويسقيه.


واختلف في معنى إطعامه فقيل: إنه كان يؤتى بطعام من الجنة يأكله وفي هذا نظر فإنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا وقد أقرهم على قولهم له إنك تواصل لكن روى عبد الرزاق في كتابه عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال قالوا: فإنك تواصل؟ قال: "وما يدريكم لعل ربي يطعمني ويسقيني" وهذا مرسل وفي رواية لمسلم من حديث أنس: "إني أظل يطعمني ربي ويسقيني" وإنما يقال: ظل يفعل كذا إذا كان نهارا ولو كان أكلا حقيقيا لكان منافيا للصيام والصحيح: أنه إشارة إلى ما كان الله يفتحه عليه في صيامه وخلوته بربه لمناجاته وذكره من مواد أنسه ونفحات قدسه فكان يرد بذلك على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب كما قيل:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الطعام وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضيء به ... وقت المسير في أعقابها حادي
إذا شكت من كلال السير أوعدها ... روح القدوم فتحيا عند ميعاد

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: العشر الأواخر من رمضان .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة إبريل 22, 2022 4:53 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:22 pm
مشاركات: 2910
يرفع

_________________
يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم

بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: العشر الأواخر من رمضان .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة إبريل 22, 2022 8:47 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 06, 2010 8:26 pm
مشاركات: 13609
مكان: مصر
اللهم صلي على سيدنا النبي
نقل رائع ماشاء الله جزاكم الله كل خير الفاضل بن حجر صاحب الموضوع ورافعه الفاضل النووي

_________________
"يس" يا روح الفؤاد


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: العشر الأواخر من رمضان .
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة إبريل 22, 2022 9:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45682

بارك الله فى الجميع

اللهم تقبل منا صالح الاعمال

اللهم تقبل انك يارب سميع قريب مجيب الدعوات

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اذله الكرام الطيبين


_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 6 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 17 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط