البحر المديد في تفسير القرآن المجيد سورة المعارج
الأية من 19 حتى 28 بسم الله الرحمن الرحيم
• إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا • إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا • وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا • إِلاَّ الْمُصَلِّينَ • الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ • وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ • لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ • وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ • وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ • إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ
يقول الحق جلّ جلاله: {إِنَّ الإِنسانَ خُلق هَلُوعاً --- قال ابن عباس: الهلوع: الحريص على ما لا يجده، وعن الضحاك: هو الذي لا يشبع. وأصل الهلع: أشد الحرص وأسوأ الجزع، قال صلى الله عليه وسلم: " شر ما أعطي العبدُ شحٌّ هالع، وجُبن خالعٌ "، وأحسن تفاسيره: ما فسّره به الحق تعالى بقوله: {إِذا مَسَّهُ الشرُّ جَزوعاً} ؛ مبالغ في الجزع، {وإِذا مسّه الخيرُ} أي: السعة والعافية {مَنوعاً} ؛ مبالغاً في المنع والإمساك، وسُئل ثعلب عن الهلوع، فقال: قد فسّره اللهُ تعالى، ولا يكون تفسيرٌ أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شرٌّ أظهر شدّة الجزع، وإذا ناله خيرٌ بخل ومنع، وهذا طبعه، وهو مأمور بمخالفة طبعه، وموافقة شرعه.= والشرُّ: الضرُّ والفقر، والخير: السعة والغنى. ثم استثنى مِن الإنسان؛ لأنَّ المراد به الجنس، فقال: {إِلاَّ المُصَلِّين الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دائمون} لا يشغلهم عنها شاغل؛ لاستغراقهم في طاعة الخالق، واتصافهم بالإشفاق على الخلق، والإيمان بالجزاء، والخوف من العقوبة، وكسر الشهوة، وإيثار الآجل على العاجل، على خلاف القبائح المذكورة، التي طبع عليه البشر. --- قال ابن جُزي: لأنَّ صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا، فلا يجزعون مِن شرها، ولا يبخلون بخيرها= . هـ. وسيأتي في الإشارة تحقيقها إن شاء اللهُ. {والذين في أموالهم حقٌّ معلومٌ} يعني الزكاة؛ لأنها مقدّرةٌ معلومةٌ، أو صدقةٌ يوظفها الرجلُ على نفسه، يؤديها في أوقات معلومة، {للسائلِ} الذي يسأله، {والمحرومِ} الذي لا يسأله تعفُّفاً، فيظن أنه غني، فيُحرم. { والذين يُصَدِّقُونَ بيوم الدين} أي: يوم الجزاء والحساب، فيتعبون أنفسَهم في الطاعات البدنية والمالية؛ طمعاً في المثوبة الأخروية، فيستدل بذلك على تصديقهم بيوم الجزاء. --- {والذين هم من عذاب ربهم مشفقون} ؛ خائفون على أنفسهم مع ما لهم من الأعمال الفاضلة، استقصاراً لها، واستعظاماً لجانبه عزّ وجل، كقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ... } [المؤمنون: 60] ، الخ {إِنَّ عذابَ ربهم غيرُ مأمونٍ} ، هو اعتراض مؤذن بأنه لا ينبغي لأحدٍ أن يأمنَ مِن عذابه تعالى، ولو بلغ في الطاعة ما بلغ، بل ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء كجناحي الطائر.=
الإشارة: طبعُ الإنسان من حيث هو: الجزع والهَلع، لخراب الباطن من النور، إلاّ أهل التوجه، وهم مَن مَنَّ اللهُ عليهم بصُحبة أهل الغنى بالله، وهم الذين ذّكَرَ اللهُ بقوله: {على صلاتهم دائمون} أي: صلاة القلوب، وهي دوام الحضور مع الحق، باستغراق أفكارهم في أسرار التوحيد، وهو مقام الفناء في الذات، فهم الذين تطهَّروا من الهلع لِما باشر قلوبَهم من صفاء اليقين، فمَن لم يبلغ هذا لا ينفك طبعه عن الهلع والطمع، ولو بلغ ما بلغ. --- قيل لبعضهم: هل للقلوب صلاة؟ قال: نعم إذا سجد لا يرفع رأسه أبداً. هـ. أي: إذا واجهته أنوارُ المواجهة خضع لها على الدوام، -- {والذين في أموالهم} أي: فيما منحهم اللهُ من العلوم والأسرار، حق معلوم للسائل، وهو طالب الوصول، والمحروم، وهو طالب التبرُّك، لكثرة علائقه، أو: لضعف همته، -- أو: للسائل، وهو مَن دخل تحت تصرفهم، والمحروم: مَن لم يدخل في تربيتهم، فله حق، بإرشاده إلى ما يصلحه مما يقدر عليه وينفعه. والذين يُصدِّقون بيوم الدين، فيجعلونه نُصب أعينهم، فيجتهدون في الاستعداد له. --والذين هم من عذاب ربهم} وهو عذاب القطيعة {مُشفقون إنّ عذاب ربهم غير مأمون} ولو بلغ العبد من التمكين ما بلغ؛ لأنَّ الله مُقَلِّب القلوب ولا يأمن مكرَ الله إلاَّ القوم الخاسرون
_________________
مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم
|