موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: القواعد الفقهية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 29, 2020 6:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14365
مكان: مصـــــر المحروسة

أولاً: نبدة تاريخية عن ظهور القواعد الفقهية.

بدأ التشريع الإسلامي في العهد النبوي، ومع نزول القرآن الكريم، وبيانه في السنة النبوية، لمعرفة أحكام الشرع في جميع شؤون الحياة.

ثم بدأت الحركة الفقهية بالظهور بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام الصحابة والتابعون، ومن بعدهم الأئمة والمجتهدون والعلماء والفقهاء باستنباط الأحكام الفقهية من المصادر الشرعية.

وشمروا عن سواعدهم لاستخراج حكم المسائل والقضايا من الكتاب الكريم.

والسنة الشريفة، والاجتهاد بواسطة بقية المصادر، لاعتقادهم أن لكل قضية أو أمر من أمور الدنيا حكماً لله تعالى، وأنهم المكلفون ببيان هذه الأحكام، ومسؤولون أمام الله تعالى عن ذلك.

فإذا حدث أمر، أو طرأت حادثة، أو أثيرت قضية، أو وقع نزاع، أو استجد بحث، رجع الناس والحكام إلى العلماء والفقهاء والمجتهدين لمعرفة حكم الله تعالى في ذلك، وأحسَّ العلماء بواجبهم نحو هذه الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم، فنظروا في كتاب الله، فإن وجدوا فيه نصاً صريحاً بينوه للناس، وإن لم يجدوا رجعوا إلى السنة دراسة وبحثاً وسؤالاً، فإن وجدوا فيها ضالتهم المنشودة أعلنوها ووقفوا عندها، وإن لم يجدوا نصاً في كتاب ولا سنة شرعوا في الاجتهاد وبذل الجهد والنظر في الكتاب والسنة وما يتضمنان من قواعد مجملة، ومبادئ عامة، وأحكام أصيلة.

ومن إحالة صريحة أو ضمنية إلى المصادر الشرعية الأخرى، ويعملون عقولهم في فهم النصوص وتفسيرها، وتحقيق مقاصد الشريعة، وأهدافها العامة، ليصلوا من وراء ذلك إلى استنباط الأحكام الفقهية وبيان الحلال والحرام، ومعرفة حكم الله تعالى.

وتكوَّن من عملهم مجموعة ضخمة من الأحكام الشرعية والفروع الفقهية، وقاموا بواجبهم أحسن قيام في مسايرة التطور، ومواكبة الفتوح، ورسم المنهج الإلهي في حياة الفرد والمجتمع والدولة، لتبقى مستظلة بالأحكام الشرعية في كل صغيرة أو كبيرة.

ويظهر من ذلك أن الفقه الإسلامي بدأ من الفروع والجزئيات، واستمر على هذا المنوال طوال القرن الهجري الأول، وظهر خلال القرن الثاني عوامل جديدة، وطرق مختلفة، وتطورات ملموسة، منها ظهور الفقه الافتراضي الذي اتجه إلى مسابقة الزمن، واستباق الحوادث، وافتراض القضايا، وما يستجد من المسائل، لبيان أحكامها الشرعية، كما ظهر أئمة المذاهب الذين دونوا أحكامهم، وتميزت اجتهاداتهم.

وتحددت قواعدهم وأصولهم في الاستنباط والاجتهاد، واستقل كل مذهب بمنهج معين في بيان الأحكام، معتمدين على القواعد والأصول التي يسيرون عليها.

وهنا برزت للوجود ثلاثة أنواع من القواعد، وهي :

1 - قواعد الاستنباط والاجتهاد، وهي السبل التي يعتمد عليها المجتهد، ويستعين بها في معرفة الأحكام من المصادر، وهي قواعد علم أصول الفقه.

2 - قواعد التخريج، التي وضعها العلماء لرواية الأحاديث، وتدوين السنة، وضبط الروايات، وقبول الأسانيد، والحكم عليها بالصحة أو الضعف، والجرح والتعديل، للاعتماد على الصحيح في الاجتهاد والاستنباط، وترك الضعيف، وتجنب الواهي، والحذر من الموضوع، وهذه القواعد هي: مصطلح الحديث، أو أصول الحديث، أو قواعد التحديث.

3 - قواعد الأحكام، وهي القواعد التي صاغها العلماء، وبخاصة أتباع الأئمة ومجتهدو المذاهب، لجمع الأحكام المتماثلة، والمسائل المتناظرة، وبيان أوجه الشبه بينها، ثم ربطها في عقد منظوم، يجمع شتاتها، ويؤلف بين أجزائها، ويقيم صلة القربى في أطرافها، لتصبح عائلة واحدة، وأسرة متضامنة، وهي القواعد الكلية في الفقه الإسلامي، أو القواعد الفقهية.

يحدثنا الإمام القرافي عن وجود هذه القواعد فيقول:"إن الشريعة المحمدية اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان:

أحدهما: المسمى بأصول الفقه، وهي في غالب أمره ليس فيها إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، ونحو: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم. . إلخ.

والقسم الثاني : قواعد كلية جليلة، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحِكَمه لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن كان يشار إليها هناك على سبيل الإجمال، ويبقى تفصيله لم يتحصل. . ".

وهذه القواعد التي أشار إليها الإمام القرافي، وبيَّن نشأتها هي مناط البحث في هذه الدراسة لتعريفها، وبيان فائدتها، وأهم كتبها، وعرض أنواعها وما يتفرع عنها.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: القواعد الفقهية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أكتوبر 02, 2020 8:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14365
مكان: مصـــــر المحروسة

ثانياً، تعريف القواعد الفقهية.

القواعد: جمع قاعدة، والقاعدة لغة: الأساس، ومنه قواعد البناء وأساسه.قال الله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) .

والقاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط، وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته، فالقاعدة: قضية كلية يدخل تحتها جزئيات كثيرة، وتحيط بالفروع والمسائل من الأبواب المتفرقة.

والقاعدة إما أن تطبق على جميع الفروع التي تدخل تحتها، كما سبق في التعريف.

وإما أن تشمل غالبَ الجزئيات أو أكثرها، ويخرج عنها بعض الفروع والجزئيات التي تعتبر استثناءات، وقد تطبق عليها قاعدة أخرى، ولذلك عرفها الحموي في (حاشيته على الأشباه والنظائر) أنها:"حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته ".

وقد اخترنا التعريف الأول الذي يفيد انطباق القاعدة على جميع الجزئيات، لأن الأصل فيها أن تكون كذلك، وأن خروج بعض الفروع عنها لا يضر ولا يؤثر، وتكون استثناء من القاعدة، لأن كل قاعدة أو مبدأ أو أصل له استثناء، وهذا الاستثناء لا يغير من حقيقة الأصل أو المبدأ، وقد صرحت مجلة الأحكام العدلية بهذا فقالت في المادة الأولى منها:"ثم إن بعض هذه القواعد، وإن كان بحيث إذا انفرد يوجد من مشتملاته بعض المستثنيات، لكن لا تختل كليتها وعمومها من حيث المجموع، لما أن بعضها يخصص ويقيد بعضاً ".

ثالثاً: الفرق بين القاعدة والضابط.

القاعدة: بمعنى الضابط في الأصل، لكن يميز العلماء بين القاعدة والضابط عملياً وفي القرون الأخيرة بأن القاعدة تحيط بالفروع والمسائل في أبواب فقهية مختلفة، مثل قاعدة " الأمور بمقاصدها" فإنها تطبق على أبواب العبادات، والجنايات، والعقود، والجهاد، والأيمان، وغيرها من أبواب الفقه.

ما الضابط فإنه يجمع الفروع والمسائل من باب واحد من الفقه، مثل"لا تصوم المرأة تطوعاً إلا بإذن الزوج أو كان مسافراً "

ومثل "أيما إهاب دُبغ فقد طَهُر"وهو نص حديث شريف.

ومثل "كل ماء مطلق لم يتغير فهو طهور".

ومثل "الكفار مخاطبون بفروع الشريعة" عند الشافعية.

ومثل "الإسلام يجبُّ ما قبله في حقوق الله.دون ما تعلق به حق آدمي كالقصاص وضمان المال ".

يقول السيوطي: " لأن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى، والضابط يجمع فروعَ بابِ واحد".

ويقول أبو البقاء بعد تعريف القاعدة: "والضابط يجمع فروعاً من باب واحد".

وإن هذا التفريق بين القاعدة والضابط عند معظم العلماء فقط، كما أنه ليس تفريقاً حتماً جازماً، فقد يذكر كثير من العلماء قواعد فقهية، وهي في حقيقتها مجرد ضابط، كما سيمر معنا.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: القواعد الفقهية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 04, 2020 9:03 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14365
مكان: مصـــــر المحروسة

رابعاً: الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية.

رأينا أن العلماء وضعوا قواعد أصولية للاستنباط والاجتهاد، وكان تدوينها مبكراً وسابقاً على القواعد الفقهية، وأول من دونها وجمعها في كتاب مستقل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى (ت 204 هـ) في كتا به (الرسالة) ثم تطورت وتوسعت وانتشرت وعمت المذاهب.

كما وضع الأئمة والعلماء قواعد فقهية لجمع الأحكام المتشابهة، والمسائل المتناظرة، وكانت مبعثرة في الكتب والأبواب الفقهية، وتأخر تدوينها وجمعها بشكل مستقل، كما سنرى.وصرح القرافي بالنوعين السابقين، وميز بينهما، لكنه جمع في كتابه (الفروق) بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، وكذلك فعل السيوطي الشافعي، وابن نجيم الحنفي، وابن اللحام الحنبلي، في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية) وغيرهم.

ويمكن التمييز بين النوعين بما يلي:

1 - إن القواعد الأصولية ناشئة في أغلبها من الألفاظ العربية، والقواعد العربية، والنصوص العربية، كما صرح القرافي سابقاً، أما القواعد الفقهية فناشئة من الأحكام الشرعية، والمسائل الفقهية.

2 - إن القواعد الأصولية خاصة بالمجتهد، يستعملها عند استنباط الأحكام الفقهية، ومعرفة حكم الوقائع والمسائل المستجدة في المصادر الشرعية، أما القواعد الفقهية فإنها خاصة بالفقيه، أو المفتي، أو المتعلم الذي يرجع إليها لمعرفة الحكم الموجود للفروع، ويعتمد عليها بدلاً من الرجوع إلى الأبواب الفقهية المتفرقة.

3 - تتصف القواعد الأصولية بالعموم والشمول لجميع فروعها، أما القواعد الفقهية فإنها، وإن كانت عامة وشاملة، تكثر فيها الاستثناءات، وهذه الاستثناءات تشكل أحياناً قواعد مستقلة، أو قواعد فرعية، وهذا ما حدا بكثير من العلماء لاعتبار القواعد الفقهية قواعد أغلبية، وأنه لا يجوز الفتوى بمقتضاها.

4 - تتصف القواعد الأصولية بالثبات، فلا تتبدل ولا تتغير، أما القواعد الفقهية فليست ثابتة، وإنَّما تتغير - أحياناً - بتغير الأحكام المبنية على العرف، وسد الذرائع، والمصلحة وغيرها.

5 - إن القواعد الأصولية تسبق الأحكام الفقهية، وأما القواعد الفقهية فهي لاحقة وتابعة لوجود الفقه وأحكامه وفروعه.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: القواعد الفقهية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 08, 2020 6:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14365
مكان: مصـــــر المحروسة

خامساً : الفرق بين القواعد والنطريات.

قلنا: إن الفقه الإسلامي بدأ بالفروع والجزئيات في التدوين، ثم انتقل إلى التقعيد بإقامة الضوابط الفقهية والقواعد الكلية.

وهذه الضوابط والقواعد مرحلة ممهدة لجمع القواعد المتشابهة، والمبادئ العامة، لإقامة نظرية عامة في جانب من الجوانب الأساسية في الفقه، ولكن الظروف التي مرت بالأمة الإسلامية، وأحاطت بالاجتهاد والمجتهدين والعلماء، أوقفت العمل عند مرحلة القواعد، إلى أن ظهرت في القرن الماضي الدراسات المقارنة، وشرع العلماء في صياغة النظريات الأساسية في الفقه الإسلامي.

مثل : نظرية العقد، ونظرية الملكية، ونظرية الأهلية، ونظرية الفساد، ونظرية البطلان، ونظرية الشروط المقترنة بالعقد، ونظرية العقد الموقوف، ونظرية الضرورة، ونظرية الضمان، ونظرية الإثبات، ونظام الحكم في الإسلام، ونظام المال في الإسلام، ونظرية التكافل الاجتماعي، ونظام الجهاد، وغيرها، مما يتيح للباحث أو الدارس أن يحصل على منهج الإسلام العام، وآراء الفقهاء في كل جانب من جوانب التشريع الأساسي في الإسلام.

والفرق بين القواعد الفقهية وبين النظريات أن القواعد إنما هي ضوابط وأصول فقهية تجمع الفروع والجزئيات، ويعتمد عليها الفقيه والمفتي في معرفة الأحكام الشرعية.

أما النظريات الفقهية فهي دساتير ومفاهيم كبرى تشكل نظاماً متكاملاً في جانب كبير من جوانب الحياة والتشريع، وأن كل نظرية تشمل مجموعة من القواعد الفقهية.

كما تقوم النظرية على أركان وشروط ومقومات أساسية، وكثيراً ما تخلو من بيان الأحكام الفقهية.

أما القواعد فلا يوجد لها أركان وشروط، وتنطوي على عدد كبير من الأحكام الفقهية والفروع والمسائل.

مثال القواعد " الفقهية " العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، لا للألفاظ والمباني "التي تفسر صيغة العقد، وموضوعه، لتحديد الآثار المترتبة عليه.

ومثال النظريات الفقهية (نظرية العقد) التي تتناول جميع العقود الشرعية في مختلف أحكامها وأطرافها من التعريف والأركان والشروط والآثار، وموقع العقد بين مصادر الالتزام الأخرى.

والخلاصة: أن القواعد واسطة بين الفروع والأصول، أو هي واسطة بين الأحكام والنظريات.

ونشير هنا إلى أهم تطور للفقه الإسلامي في العصر الحاضر، وذلك بتقنين أحكامه في قانون أو نظام في مجال معين، واختيار الآراء فيه من مختلف المذاهب الفقهية.

والتزام القضاة العمل بموجبه، ويختلف ذلك سعة وضيقاً، وشمولاً وحصراً من بلد إلى آخر، وكان أقدم قانون (مجلة الأحكام العدلية) في الدولة العثمانية التي سنشير إليها.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: القواعد الفقهية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 4:56 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14365
مكان: مصـــــر المحروسة

سادساً : فوائد القواعد الفقهية وأهميتها.

بيَّن لنا العلامة القرافي أهمية القواعد وفوائدها فقال:"وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، ومن جعل يخرّج الفروع بالمناسبات الجزئية، دون القواعد الكلية، تناقضت عليه الفروع واختلفت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات، لاندراجها في الكليات، واتحد - عنده ما تناقض عند غيره، وتناسب ".

وقال العلامة ابن نجيم مبيناً فوائد القواعد:

"الأول: في معرفة القواعد التي تُردُّ إليها، وفرعوا الأحكام عليها، وهي أصل الفقه، وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الاجتهاد، ولو بالفتوى".

ويمكننا أن نلخص فوائد القواعد وأهميتها بما يلي:

1 - إن دراسة الفروع والجزئيات الفقهية يكاد يكون مستحيلاً، بينما يدرس الطالب والعالم قاعدة كلية تنطبق على فروع كثيرة لا حصر لها، ويتذكر القاعدة ليفرع عليها المسائل والفروع المتشابهة والمتناظرة، ولذلك سمي هذا العلم أيضا ً: علم الأشباه والنظائر.

يقول العلامة السيوطي:

"اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه وأسراره، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على مرِّ الزمان، ولهذا قال بعض أصحابنا: الفقه معرفة النظائر". فهي تسهل ضبط الأحكام الفقهية، وحصرها، وحفظ المسائل الفرعية وجمعها.

2 - إن دراسة الفروع والجزئيات، إن حفظت كلها أو أغلبها، فإنها سريعة النسيان، ويحتاج الرجوع إليها في كل مرة إلى جهد ومشقة وحرج.

أما القاعدة الفقهية فهي سهلة الحفظ، بعيدة النسيان، لأنها صيغت بعبارة جامعة سهلة تبين محتواها، ومتى ذكر أمام الفقيه فرع أو مسألة فإنه يتذكر القاعدة، مثل قاعدة " لا ضرر ولا ضرار"، أو "الضرر يزال "، أو " يتحمل الضرر الخاص لمنع الضرر العام "، أو "الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة".

3 - إن الأحكام الجزئية قد يتعارض ظاهرها، ويبدو التناقض بين عللها، فيقع الطالب والباحث في الارتباك والخلط، وتشتبه عليه الأمور حتى يبذل الجهد والتتبع لمعرفة الحقيقة.

أما القاعدة الفقهية فإنها تضبط المسائل الفقهية، وتنسق بين الأحكام المتشابهة، وترد الفروع إلى أصولها، وتسهل على الطالب إدراكها وأخذها وفهمها.

4 - إن القواعد الكلية تسهل على رجال التشريع غير المختصين بالشريعة فرصة الاطلاع على الفقه بروحه ومضمونه وأسسه وأهدافه، وتقدم العون لهم لاستمداد الأحكام منه، ومراعاة الحقوق والواجبات فيه، وهذا ما حققته القواعد الفقهية في مجلة الأحكام العدلية، والتي انتقلت إلى العديد من القوانين المعاصرة.

5 - تكوِّن القواعد الكلية عند الطالب ملكة فقهية تنير أمامه الطريق لدراسة أبواب الفقه الواسع، ومعرفة الأحكام الشرعية في المسائل المعروضة عليه، واستنباط الحلول للوقائع المتجددة، والمشاكل المتكررة، والحوادث الجديدة.

6 - تساعد القواعد الكلية في إدراك مقاصد الشريعة، وأهدافها العامة؛ لأن مضمون القواعد الفقهية يعطي تصوراً واضحاً عن المقاصد والغايات، مثل "المشقة تجلب التيْسير"، أو "الرخص لا تناط بالمعاصي "، أو "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"، وغير ذلك من الفوائد والمنافع التي تحصل من دراسة القواعد الفقهية.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: القواعد الفقهية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 7:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 45882

بارك الله فيكم اخى الفاضل سهم النور ووفقك ورفغ قدرك


_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: القواعد الفقهية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 06, 2020 12:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14365
مكان: مصـــــر المحروسة

أعزكم الله أخي الفاضل د / حامد الديب وجزاكم الله خيراً وبارك فيكم.

ويسعدني دائماً مروركم الكريم.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 10 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط