بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله أجمعين ... وبعد
الأخوة الأفاضل .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وأخص بالذكر الأخ / يونس العامرى .
أتابع معكم بقية الكلام عن موضوع جلوس سيد الأكوان سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على العرش .. فيقول العبد الفقير :
أما عن بقية الآثار الواردة فى ذلك .. وهى ماروى عن كل من :
- عبد الله بن مسعود ... فيما ذكره عنه ابن الجوزى فى زاد المسير (4/186) . - وعبد الله بن عباس ... فيما ذكره عنه ابن الجوزى فى زاد المسير (4/186) . - وعبد الله بن عمر ... فيما ذكره ذكره عنه السيوطى فى الدر المنثور (6/309) .
فالجواب من أوجه :
الوجه الأول : ضعف الروايات .
فطريق رواية ابن مسعود ضعيف جدا . وقد روى مرفوعا , قال الذهبى فى كتاب " العلو للعلي الغفار" (1/93) : هذا حديث منكر لا يفرح به , وسلمة – يعنى الأحمر - متروك الحديث , وأشعث – يعنى ابن طليق - لم يلحق ابن مسعود .
وأما طريق رواية ابن عباس فضعيف جدا كذلك .قال الذهبى فى كتاب " العلو للعلي الغفار" (1/131) : إسناده ساقط , وعمر – يعنى ابن مدرك - هذا الرازي متروك , وفيه جويبر .
يقول العبد الفقير : ضعفه جدا علي بن المديني وقال : جويبر أكثر على الضحاك روى عنه أشياء مناكير . وقال النسائي وعلي بن الحسين بن الجنيد والدارقطني متروك . وقال أبو أحمد بن عدي : والضعف على حديثه ورواياته بين . انظر : تهذيب الكمال (5/169-170)
وأما رواية ابن عمر المرفوعة .. فواهية جدا كذلك .قال الذهبى فى كتاب " العلو للعلي الغفار" (1/131) : هذا مشهور من قول مجاهد , ويروى مرفوعا وهو باطل .
وقال أيضا فى " العلو للعلي الغفار" (1/170) : فأما قضية قعود نبينا على العرش , فلم يثبت في ذلك نص , بل في الباب حديث واه .
الوجه الثانى : نكارة المعنى الوارد فى ألفاظ الرواية .
قال أبو حيان فى البحر المحيط (7/389) :
قال الواحدي : هذا القول مروي عن ابن عباس , وهو قول رذل موحش فظيع , لا يصح مثله عن ابن عباس ، ونص الكتاب ينادي بفساده من وجوه .
الأول : أن البعث ضد الإجلاس , بعثت التارك وبعث الله الميت أقامه من قبره ، فتفسيره البعث بالإجلاس تفسير الضد بالضد .
الثاني : لو كان جالساً تعالى على العرش لكان محدوداً متناهياً فكان يكون محدثاً .
الثالث : أنه قال { مقاماً } ولم يقل مقعداً { محموداً } ، والمقام موضع القيام لا موضع القعود .
الرابع : أن الحمقى والجهّال يقولون إن أهل الجنة يجلسون كلهم معه تعالى ويسألهم عن أحوالهم الدنيوية فلا مزية له بإجلاسه معه . انتهى النقل . الوجه الثالث : صحة الروايات عن الصحابة والتابعين السابق ذكرهم .. بخلاف القول الأول .. وبيان أن تفسير المقام المحمود بالشفاعة هو أصح الأقوال وأرجحها .
قال العلامة شيخ المفسرين ابن جرير الطبري فى تفسيره (17/529) :
وأولى القولين في ذلك بالصواب ما صحّ به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذلك ما حدثنا به أبو كريب قال : ثنا وكيع ، عن داود بن يزيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) سئل عنها ، قال : " هِىَ الشَّفاعَةُ ".
حدثنا عليّ بن حرب ، قال : ثنا مَكّيّ بن إبراهيم ، قال : ثنا داود بن يزيد الأوْدِيّ ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) قال : " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي " .
حدثنا أبو عُتبة الحِمْصِيّ أحمد بن الفَرَج ، قال : ثنا بقية بن الوليد ، عن الزُّبيديّ ، عن الزهريّ ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن كعب بن مالك ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى تَلٍّ فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ ، ثُمَّ يُؤْذَنُ لِي ، فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ ، فَذَاكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ " .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا شعيب بن الليث ، قال : ثني الليث ، عن عبيد الله بن أبي جعفر، أنه قال : سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر يقول : سمعت عبد الله بن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الشَّمْسَ لتَدْنُو حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأذُنِ ، فَبَيْنَما هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَيَقُولُ لَسْتُ صَاحِبَ ذَلِكَ ثُمَّ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَيَقُولُ كَذلكَ ، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ فَيَشْفَعُ بين الخلق حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْجنة فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا " . انتهى النقل . وقال ابن الجوزى فى زاد المسير (4/186) :
قوله تعالى : { عسى أن يبعثكَ ربُّك } «عسى» من الله واجبه ، ومعنى «يبعثك» يقيمك { مقاماً محموداً } وهو الذي يحمَده لأجله جميع أهل الموقف . وفيه قولان . أحدهما : أنه الشفاعة للناس يوم القيامة ، قاله ابن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وابن عمر ، وسلمان الفارسي ، وجابر بن عبد الله ، والحسن ، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد . انتهى النقل
وقال السيوطى فى الدر المنثور (6/307) :
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء كل أمة تتبع نبيها ، يقولون : يا فلان ، اشفع لنا . حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود . انتهى النقل .
وأخيرا .. يقول العبد الفقير مريد الحق :
مثل هذه الأمور المرتبطة بالغيبيات .. والشبيهة القرب بالعقائد .. أظن أن الكلام فيها لا يصلح أن يبنى على مجرد روايات منقطعة .. أو حتى موقوفة .. وإنما لابد من ورودها من طرق مرفوعة صحيحة عن سيد البرية وصاحب المقامات العلية سيدى ومولاى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. إذ مثلها لايقال عن رأى .
وأمر آخر ... وهو أن مقام سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدانيه مقام .. وخصائصه لايرقى إليها أحد أبدا .. نعم .. ولكننا موقوفون مع الشريعة تأدبا .. لانخرج عنها قيد أنملة .
والله أعلى وأعلم ... ولاحول ولاقوة إلا بالله
وصل اللهم على سيدنا ومولانا رسول الله وآل بيته الطيبين الطاهرين وسلم , وعظم وشرف وكرم .
|