|
تأثير المثال في حال اليقظة, وفهم جديد لا تسمعه إلا من أهل اليقظة :
ــــــــــــــــــــــ
( بعد الإسراء والمعراج
كانت العوالم ببَرازخها ماثلة أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم
كما أوضحنا,
ومما تعلمناه في موضوع العوالم والبرازخ
تأثير المثال في حال اليقظة,
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم قَالَ:
«لَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا».
ومنها :
النهي أن يكون نصفك في الشمس ونصفك في الظل،
فعَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُجْلَسَ بَيْنَ الضِّحِّ وَالظِّلِّ وَقَالَ: «مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ».
وله شاهد عن بريدة وفيه
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم نهى عن جلستين
منها : الجلوس بين الظل والشمس.
والآثار عن الصحابة والتابعين في ذلك كثيرة,
ومنها
عدم النظر للخيال,
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
«لَا يَنْظُرْ أَحَدُكُمْ إِلَى ظِلِّهِ فِي الْمَاءِ».
وإن استخف المستخفون بما جاء في هذه الأحاديث,
(وتفلسفوا بقولهم : أنتم أعلم بأمور دنياكم
وهي كلمة حق أريد بها باطل) ,
فإن كل ما في هذه الأحاديث
له أسرار كثيرة في موضوع تأثير عالم الملك على عالم الملكوت وعلى عالم البرزخ, وعلى تأثير كل العوالم على بعضها, وقد نقلنا لك في أبواب الإسراء والمعراج
كيف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم رأى أموراً أرضية,
ورأى البرزخ الأرضي,
ثم تكرر ما رآه في السموات,
كرؤيته للجنة والنار في الأرض، والمنعمين والمعذبين,
وكرؤيته للأنبياء في عدة حالات في قبورهم,
ورآهم عندما أمهم في بيت المقدس,
ورآهم في السماوات كما سبق,
وأشرنا إلى وجود عديد من المقابلات .
وفي الأحاديث السابقة :
كيف أن السير في نعل واحدة معناه حدوث كسر فيك,
بحيث يحدث فصل بين قدرتك وإرادتك,
فإن فعلت ذلك أردت ولم تقدر, أو قدرت على الفعل ولكن بلا إرادة,
ونحن أمة إثبات الحول والقوة لله,
والذي يجلس نصفه في الشمس ونصفه في الظل يقول إنه برزخ,
والبرزخ كما تعلمون هو الحد الفاصل بين شيئين لا يميل لأحدهما أبداً,
وإلا ما صار برزخاً,
ولا يدعي أحد أنه برزخ إلا الشيطان
فهو يريد أن يقول إنه هو الواسطة بين الحق والخلق,
وأنه أولى من آدم في خلافة الله,
وهذا كذب,
فإن الواسطة الحقيقية بين الحق والخلق نهى عن هذه الجلسة,
ومن هذا الباب ما جاء عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ،
أَنَّ رَجُلًا قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ:
«مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم»
أَوْ
«لَعَنَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم مَنْ قَعَدَ (وفي رواية جَلَسَ) وَسْطَ الْحَلْقَةِ»
وللحديث شاهد من حديث واثلة بن الأسقع.
قلت:
ومذهب الجمهور كراهة الجلوس وسط الحلقة،
ويرى بعض الشافعية أنه حرام
وهو متجه عند بعض الحنابلة،
وعده ابن حجر الهيتمي من الكبائر.
قال أبو داود :
رأيت أحمد بن حنبل رضي الله عنه إذا كان في الحلقة
فجاء رجل فقعد خلفه يتأخر
يعني يكره أن يكون وسط الحلقة
لما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال السادة العلماء: إن اللعن وسببه يتأول على وجهين،
أحدهما:
أن يأتي حلقة قوم فيتخطى رقابهم ويقعد وسطها
ولا يقعد حيث ينتهي به المجلس،
والثاني:
أن يقعد وسط الحلقة فيحول بين الوجوه ويحجب بعضهم عن بعض
فيتضررون به فيسبونه ويلعنونه.
وقال التوربشتي والمناوي:
أراد : الذي يقيم نفسه مقام السخرية ويقعد وسط القوم ليضحكهم
أو أن الكلام في حق أحد معين علم منه نفاقاً .
زاد المناوي:
وأما تفسيره بمن يتخطى الرقاب ويقعد وسط الحلقة
فيحول بين الوجوه ويحجم بعضهم عن بعض فيَضرهم
فغير قويم
إلا إن قيل بقصد الضرر
أو
أول اللعن بالذّم
فافهم". انتهى .
قلت:
وكل ما ذكروه رحمهم الله في سبب اللعن لا يبلغ ولا يصل لحد اللعن.
وإنما السبب :
أن القاعد في نصف الدائرة يدعي أنه نقطة الدائرة
وعليه يقوم الكون ويدور ويطوف
كما يطوف الحجاج حول الكعبة,
وهذا ملعون
لأنه في نفسه يحاول تقليد أو أخذ ماليس له
فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم هو قطب دائرة الوجود,
وعليه قامت العوالم
ومنه انشقت الأنوار, وتتابعت الأسرار,
وهو المقصود في أذكار السادة الصوفية بقولهم,
مثلاً في وِرْد دعْوة البسْملة للسيد الجيلاني:
«اللَّهمَّ إنِّي أسْألك بِحقِّ باء اسْمك المعْنيَّة المُوصلة إلى أعْظم مقْصودٍ وإيجاد كُلِّ مفْقودٍ، وبالنُّقْطة الدَّالَّة على معْنى الأسْرار السَّرْمدانيَّة .. » إلى آخره,
وكما قال السيد أحمد الرفاعي الكبير في صلواته:
«اللهم صلِ وسلم وبارك على نوركَ الأسْبَق* وصِرَاطِكَ المُحَقَق*
الذي أبرَزْتَهُ رحمةً شاملةً لِوُجُودِك* وأكرمتهُ بِشُهُودِك*
واصطَفَيْتَه لِنُبُوَتِكَ ورِسَالتِك* وأرسلتهُ بشيراً ونذيراً وداعياً إليكَ بإذنِكَ وسِرَاجاً مُنيراً* نقطةِ مَرْكَزِ باءِ الدائرةِ الأوَليِّة* و سرِ أسرارِ الألفِ القُطْبيَّة*
الذي فَتَقْتَ بهِ رتْقَ الوجود* وخَصصتهُ بأشرفِ المقاماتِ لمواهبِ الامتنانِ والمقامِ المحمود *وأقسمتَ بحياتهِ فى كلامكَ الَمشهودِ لأهلِ الكشفِ والشُهود*
فهو سركَ القديمُ الساري *وماءِ جوهرِ الجوهَريَةِ الجاري ... » إلى آخره. )
ـــــــــــــــــــــ
من كتاب : على أعتاب الحضرة المحمدية
للأستاذ الدكتور السيد الشريف / محمود صبيح حفظه الله ونفع به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق والناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم ))
_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|
المنتدى
التسجيل
الأسئلة المتكررة
بحث
