تَآنَسْ بِنَا هَذَا الوِصَالُ وَذَا اللِّقَا * مُحِبٌ وَمَحْبُوبٌ وسَاعَةُ خَلوَتي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( قاب قوسين بل هو أدني اللا زمان واللا مكان رُفع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وما زال في الرقي والترقي وقال كما في وجدان الأمة طبقة عن طبقة, وجيل عن جيل: «يا جبريل تقدم, أهنا يترك الحبيب حبيبه؟ فقال جبريل عليه السلام: يا محمد إن تقدمتُ احترقت, وإن تقدمتَ أنت اخترقت", وقد سأله النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مرة: "هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَانْتَفَضَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سَبْعِينَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، لَوْ دَنَوْتُ مِنْ أَدْنَاهَا لَاحْتَرَقْتُ». ولو تقدم جبريل ما احترق, كيف وهو في رفقة الرحمة المهداة, وهنا أدرك جبريل مغزى الكلمة, فما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ليطلب منه ما يؤذيه, غير أن مقامه لم يتعد ذلك المكان, فقال: (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ) (الصافات 164). بِأقْدَامِهِ في حَضْرَةِ القُدْسِ قَدْ سَعَى رَسولٌ لَهُ فَوْقَ المَنَاصِبِ مَنْصِبُ بِأعْلَى السَّمَا أمْسَى يُكَلِّمُ رَبَّهُ وَجِبْرِيلُ نَاءٍ وَالحَبِيبُ مُقَرَّبُ غادر سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حدود الزمان والمكان بعد عبوره السماوات السبع التي هي بالنسبة لما فوقها كحلقة حديد ملقاة في فلاة (صحراء). وسار النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في اللا زمان واللا مكان, فقطع الحجب حجاباً حجاباً, فالحجب من نور, ولا يسير في النور إلا النور, فبان سبب بكاء سيدنا موسى لما رأى النبي, وقد مر, فقد نودي سيدنا موسى من وراء حجاب, وحجاب وحجاب وحجب لا يعلمها إلا الله, فعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: «حِجَابُ الْعِزَّةِ، وَحِجَابُ الْمُلْكِ، وَحِجَابُ السُّلْطَانِ، وَحِجَابُ النَّارِ، وَهِيَ تِلْكَ النَّارُ الَّتِي نُودِيَ مِنْهَا. قَالَ: وَحِجَابُ النُّورِ، وَحِجَابُ الْغَمَامِ، وَحِجَابُ الْمَاءِ». بربه اخترق النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الحجب. بربه لم تكن هناك حجب. بربه كما كان حين خلقه أول ما خلق. انقطعت الأصوات, وما في إلا غيب سحيق, وما في إلا غيب الغيب, ويسمع يا محمد: ادْنُ ادْنُ وما زال يقترب ويسمع: ادْنُ ادْنُ مع التهيئة لهذا الدنو. سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يدنو والله يتدلى. الله يتدلى يعني يقترب دنو الرحمة والقرب والغمر بما لا يعلمه إلا هو. حتى أنعم عليه بقوله: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) (النجم 9) ولعل من قرأ لهم أحباب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يتكلمون عن (قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) ولا يتكلمون عن: (فَكَانَ) قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) , لا تعني الزمان, ولا الماضي, {كَانَ} تعني بالنسبة لله عز وجل الديمومة اسم الله الدائم. فها هنا أمران القرب, والزمان: القرب في (قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى). ومعنى الزمان حيث لا زمان في: (فَكَانَ) فالله هو القديم الأول جل جلاله, والنبي صلى الله عليه وآله وسلّم أول خلقه فأفاض عليه كما أفاض عليه من تجلي قول الله: «أنا الدهر» , فكان نصيب سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم السريان في الزمان بدءاً من أول خلقه بالصورة النورانية حتى يشاء الله, ثم يشاء الله بالخلود في الجنة. ولذا قال نور نبيك يا جابر, وما قال جسد نبيك أو أي لفظ غير النور. نصيب سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من: «أنا الدهر» اسمه "يس" الاسم الساري في الزمان, وقد شرحنا في كتابنا "يس" معنى الياء والسين, قلنا: إن الياء هي آخر حروف الأبجدية, وأن آخرها ألف (ي ا ء) وما بعدها في الأبجدية إلا دورة جديدة تبدأ بالألف (أ) , فكأن النهاية هي عين البداية وأول الطريق هو منتهاه, كما قالوا: آن للغريب أن يحتمي بحماه. يا محمد ..... يا محمد .... محمد .... ادْنُ ... ادْنُ ... تمت دورة كاملة منذ كان أول مخلوق ظهر من بحر جودي من رحم رحمتي فكان أنت. كان القوس الأول هو أنت يا محمد ... «إن أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر»، وهو قوس يسمونه الأزل ... ما كان في الأزل ... مع إثبات أن الله هو الأزلي وما عداه مخلوق. يا محمد أنت أقرب الخلق إلي، وأنت أول خلقي، أنت أقرب ما يكون لمعنى الأزل غير أني الأول بلا بداية. وكان القوس الثاني هو الأبد مع إثبات أن الله هو الأول بلا بداية والآخر بلا نهاية. (إبراهيم 19) , ولا من قوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (البقرة 243). ولا تتعجب من قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) (الفيل 1) فلو شاء لرأى. ولو شاء لأجرى حكم البشرية، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم قَالَ: «عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا فَقُلْتُ: لاَ يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وَشَكَرْتُكَ». ويوماً آخر يقول: «أبيت عند ربي يطعمني ويسقين». متى شاء أظهر الخصوصية, ومتى شاء أظهر حكم الخصوصية. تَدَنَّا فَأدْنَاهُ إلى العَرْشِ رَبُّهُ * وَقَالَ تَقَدَّمْ يَا وَحِيدَ مَحَبَّتِي تَعَالَ إلَيْنَا مَرْحَباً بِحَبِيبِنَا * جُزْ الحُجُبَ خَلِّ الخَلْقَ وَادنُ لِعِزَّتِي تَقَرَّبْ وَلاَ تَجْزَع وَأقبِلْ وَلاَ تَخَفْ * وَسَلْ تُعْطَى عَبْدِي أنْتَ سَيِّدُ صَفْوَتِي تَلَذَّذْ بِنَا واسْمَع لَذِيذَ خِطَابِنَا * وَعَيْنَكَ نَزِّه فِي عَجَاِئبِ قُدْرَتِي تَرَى العَرْشَ والكرْسِيَّ وَالحُجُبَ قَدْ بَدَتْ * لَدَيْكَ وَأنْوَارِي عَلَيْكَ تَجَلَّتِ تَآنَسْ بِنَا هَذَا الوِصَالُ وَذَا اللِّقَا * مُحِبٌ وَمَحْبُوبٌ وسَاعَةُ خَلوَتي تَعَاليْتَ قَدْراً عِنْدَنَا وَمَكَانَةً * وَذِكْرُكَ مَرفُوعٌ فَحَدِّثْ بِنِعْمَتِي يا محمد لما عرفت آدم بك من قولي وليس مما رآه قلت له: هو الأول والآخر، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ خَبَرَ آدَمُ بَنِيهِ، فَجَعَلَ يَرَى فَضَائِلَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: فَرَأَى نُورًا سَاطِعًا فِي أَسْفَلِهِمْ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ أَحْمَدُ، هُوَ الأَوَّلُ وَهُوَ الآخِرُ، وَهُوَ أَوَّلُ شَافِعٍ». ) ـــــــــــــــــــــ من كتاب : على أعتاب الحضرة المحمدية للأستاذ الدكتور السيد الشريف / محمود صبيح حفظه الله ونفع به ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (( اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق والناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم ))
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|