لا بد من فهم رسالة تستهلك ثلث حياتنا, ونحن عنها غافلون ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (الدخول في البرزخ : برزخ النوم : من الممكن الدخول إلى عالم البرزخ أو رؤيته عن طريق النوم أو النعاس أو سنة من نوم كما يكون من معظم الخلق, وخاصة أهل الإسلام والإيمان, أما أهل الإحسان والإيقان فبِأبصارهم يرون, وهم المتحققون بقوله " كنت بصره الذي يبصر به " . يقضي الإنسان ثلث حياته تقريباً في النوم, فالأطفال تنام ما يقرب من 20 ساعة، فإذا ما قاربت البلوغ نامت 12 ساعة، ثم فترات طويلة من الحياة يكون طول فترة النوم فيها يتراوح ما بين 7 إلى 8 ساعات، فإذا دخل الإنسان في مراحل المعمرين قصر نومه فنام من 4 إلى 6 ساعات على الأقصى إلا من شاء الله, يصل متوسط فترة النوم في حياة الإنسان إلى حوالي 8 ساعات, يعني ثلث حياة الإنسان يقضيه الإنسان في النوم, لا أعتقد أن كثيراً من الناس يبحث عن كيف أن إنساناً يعيش ثلاثاً وستين عاماً كمتوسط عمر الإنسان (وقد انتقل سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى الرفيق الأعلى ومن بعده سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا علي عن ثلاث وستين عاماً) يقضي منهم إحدي وعشرين سنة نائماً, ومن عاش أكثر نام عدد سنين أكثر. واحد وعشرون عاماً يقضيهم الإنسان في النوم, هذا الرقم مخيف, لا بد من وجود حكمة عالية وراء هذا الرقم, ولا بد من فهم رسالة تستهلك ثلث حياتنا, ونحن عنها غافلون. ما أعلمه أن من حكمة قضاء ثلث الحياة نوماً ما يلي: 1 ـ للتدريب على حياة طويلة في القبر, وهي حياة البرزخ. 2 ـ راحة للروح القادم من عالم الملكوت بعد حبسه في الجسد, فيأخذ قسطاً من الراحة كل يوم, كذلك تهذيباً للنفس التي هي جراب الروح, فتصعد معه إلى عالم الملكوت, فهي تقول للروح لن أتركك أبداً, وسأصبغك بصبغتي, هي كالمرأة مع زوجها في إرادة السيطرة عليه. 3 ـ تعويضاً للإنسان عن جزء مما فاته من إدراكه العوالم, فهو محجوب بعالم الملك, عالم الحس والحواس, عالم الشهادة, حيث إنكار العقل والنفس ما لا يعلمان. 4 ـ مقابلة أصحاب البرازخ؛ للاستفادة منهم ببركة أو دعاء, أو لمعرفة جزء من علومهم. 5 ـ التدريب الشديد على مواجهة الإفاقة من زيف الدنيا, إلى حقيقة الآخرة, فكيف سيكون حالك عند النشور, أتقوم على حمد الله وتحمد الله وتقول: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء 52) أم تقول: (يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا (يس 52) 6 ـ إدراك معنى سرعات عالم الملك, مقارنة مع سرعات القادمين من عالم الملكوت, ومثاله كيف تكون سرعة الجسد مقارنة بسرعة الروح, وضرب المثل لذلك, فكر في كيف تبصر نجماً من النجوم, وأنت لو مشيت عمرك ما قطعت من المسافات الأرضية إلا ما لا قيمة له كمساحة أرضية. 7 ـ إدراك معنى أن قدرات الأنبياء غير قدراتنا, فهم عندهم القدرة على الدخول إلى هذه العوالم ونحن لا نقدر. 8 ـ إدراك أن من نام فقد يموت فلا يقوم من منامه, وبالتالي من دخل هذه العوالم فقد استطاع الدخول فيها, ولكن قد لا يستطيع الرجوع منها. 9 ـ إدراك أن هناك طريقة معينة مختصرة للولوج إلى هذه العوالم, أو قراءات أو تربية معينة للاستئذان والدخول وفهم هذه العلوم ولغاتها. 10 ـ الاستعداد لرؤية العوالم في اليقظة, بعد أن لم تكن رؤيتها إلا في المنام. 11 ـ التأكد من أن هناك عوالم أخرى, لا ندركها إلا في حال ترك معين, وها أنت تركت جسدك بين يدي الله, وأسلمت روحك ونفسك, فلما أسلمتها أراك الله ما يريد, فإن سلمت نفسك لله وأنت في حال الصحو كتسليمك في حال النوم ترى في اليقظة بمشيئة الله ما يمكن أن تراه في المنام. 12 ـ إدراك أنك في حال نومك في برزخ, وأنت جسد ونفس وروح, فأما الجسد فالنوم له برزخ كالموت، وهو نوع من أنواع الموت (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر 42) لذا عند قيامك من النوم تقول: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور حال النوم فيه إشارة للجسد أنه بالنسبة للروح كالقبر للجسد, وأنه برزخ وأنه محبوس في نومه, قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا) (الفرقان 47)، وقال: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا) (النبأ 9). حال النوم حال الثبات, مسجى, لا هو حي حياة كاملة, ولا ميت موتاً كاملاً, فهل تستطيع الذهاب إلى مكان ما وأنت نائم؟ بالقطع لا, فيدرك الجسد أنه في الحياة عبارة عن برزخ بين عالم الأرواح وبين عالم فناء الأجساد. أما الروح فمتعته في الانطلاق إلى موطنه الأول, ويرى أن وجوده في الجسد مؤقت, الروح ترى في النوم ما يشاء الله لها من عالم الملكوت, وترى المستقبل, فكما قلنا الروح تسير في الزمان أسرع من سير الجسد, ومن هنا وقوع الرؤية حتى أربعين سنة وأكثر, فالروح سرت ورأت في ليلة حدثاً ما, ثم سار الجسد في الحياة أربعين سنة حتى أدرك هذا الحدث. عند آخر مقام من مقاماتك في الدنيا تكون درجتك في الآخرة؛ لذا المؤمن يكره الموت، ويتمنى أن لو يطول به العمر ليصل لمزيد من الترقي والفتوح, فلو مات لوقف عند ما وقف عنده, كما قالوا: مقامك حيث أقامك. وهنا كان التعليم النبوي للاستزادة من الدرجات والمقامات والفتوحات بالشكر على قيامك من النوم مرة أخرى فتقول كما علمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَعَافَانِي فِي جَسَدِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ» كانت الروح مستريحة في نومها وتريد الصعود ولا تريد العودة, ولكني كإنسان غير مستريح؛ لأني أريد زيادة وزيادة من فضل الله, فأحمد الله كما قال سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم , مع فهم الثلاثة أشياء : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَعَافَانِي فِي جَسَدِي: فما الذي يمكن أن يبتلى به الجسد في النوم ... والبرزخ؟! وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ: تعليم أن الغرض الأساسي من الحياة ذكر الله, بكل أنواعه. ) ـــــــــــــــــــــ من كتاب : على أعتاب الحضرة المحمدية للأستاذ الدكتور السيد الشريف / محمود صبيح حفظه الله ونفع به ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليما بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين)
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|