|
في الجلال نذوب , وفي الجمال نهيم , وفي الكمال نشدو :
ــــــــــــــــــــــــــ
( وقال الكلاباذي في الباب التاسع والخمسين من كتابه التعرف:
" فالفناء
هو أن يفنى عنه الحظوظ فلا يكون له في شيء من ذلك حظ ويسقط عنه التمييز فناء عن الأشياء كلها شغلاً بما فنى به كما قال عامر بن عبد الله: ما أبالي امرأة رأيت أم حائطاً, والحق يتولى تصريفه فيصرفه في وظائفه وموافقاته فيكون محفوظاً فيما لله عليه، مأخوذاً عما له وعن جميع المخالفات فلا يكون له إليها سبيل وهو العصمة وذلك معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «كنت له سمعاً وبصرا .. الخبر» ".
وقال:
"وقال أبو سعيد الخزاز:
علامة الفاني ذهاب حظه من الدنيا والآخرة إلا من الله تعالى ثم يبدو بادٍ من قدرة الله تعالى فيريه ذهاب حظه من الله تعالى إجلالاً لله ثم يبدو له بادٍ من الله تعالى فيريه ذهاب حظه من رؤية ذهاب حظه ويبقى رؤية ما كان من الله لله ويتفرد الواحد الصمد في أحديته فلا يكون لغير الله مع الله فناء ولا بقاء.
معنى ذهاب حظه من الدنيا مطالبة الأعراض ومن الآخرة مطالبة الأعواض
فيبقى حظه من الله وهو رضاه عنه وقربه منه
ثم يرد عليه حالة من إجلال الله تعالى أن يقرب مثله أو يرضى عن مثله استحقاراً لنفسه وإجلالاً لربه ثم ترد عليه حالة فيستوفيه حق الله تعالى فيغيبه عن رؤية صفته التي هي رؤية ذهاب حظه فلا يبقى فيه إلا ما من الله إليه ويفنى عنه ما منه إلى الله فيكون كما كان إذ كان في علم الله تعالى قبل أن يوجده وسبق له منه ما سبق من غير فعل كان منه, وعبارة أخرى عن الفناء أن الفناء هو الغيبة عن صفات البشرية بالحمل الموله من نعوت الإلهية وهو أن يفنى عنه أوصاف البشرية التي هي الجهل والظلم لقوله تعالى: (وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب 72)
ومن أوصافه الكنود والكفور وكل صفة ذميمة تفنى عنه بمعنى أن يغلب علمه جهله وعدله ظلمه وشكره كفرانه وأمثالها".اهـ
وقال السهروردي:
"واعلم أن أقاويل الشيوخ في الفناء والبقاء كثيرة،
فبعضها إشارة إلى فناء المخالفات وبقاء الموافقات وهذا تقتضيه التوبة النصوح, فهو ثابت بوصف التوبة.
وبعضها يشير إلى زوال الرغبة والحرص والأمل، وهذا يقتضيه الزهد.
وبعضها إشارة إلى فناء الأوصاف المذمومة وبقاء الأوصاف المحمودة، وهذا يقتضيه تزكية النفس.
وبعضها إشارة إلى حقيقة الفناء المطلق،
وكل هذه الإشارات فيها معنى الفناء من وجه.
ولكن الفناء المطلق هو ما يستولي من أمر الحق سبحانه وتعالى على العبد، فيغلب كون الحق سبحانه وتعالى على كون العبد، وهو ينقسم إلى فناء ظاهر وفناء باطن ... " إلى آخر ما قال.
هذا ما قاله الأئمة المعتبرون الموافقون لما عليه صحيح العقيدة,
ولا دخل لنا بمن يعبر بالفناء والبقاء بما يشبه الحلول والاتحاد واللاهوت والناسوت.
وتعليقاً على أقوال الأئمة في الفناء والبقاء أقول وبالله التوفيق:
كل ما قالوه حق, كل ذلك مشروع,
لكن ما فيه شرح كيف يكون الفناء, فهم عرفوا آثاره ونتائجه, ولم يقولوا ما هو ذات الفناء والبقاء,
إلا ما قاله السهروردي,
وبالمناسبة السهروردي هذا له طريق صوفي,
لبس من طريقه هذا الحافظ الذهبي تلميذ ابن تيمية خرقة التصوف.
وأقول:
الفناء عندي هو تجلي الحق جل وعلا باسم من أسمائه أو صفة من صفاته على من يريد, فيمحق الله صفتك, ويفنيها (على قدرك) ويصبغك بصفته (على قدرك)
(صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة 138)
والتجلي إما بصفات الجلال أو الجمال أو الكمال,
وكلما كان نصيبك أعلى من التجلي الواحد, ومن كل الأسماء أو الصفات بأنواعها كان نصيبك من العبودية أعلى وأكمل, حتى يصل الإنسان إلى العبودية المحضة,
فيُسمى عبد الله المحض, عبد الله الكامل,
وهي وراثة من وراثات أهل البيت من أصلهم ونورهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم.
ومثال هذا التجلي,
أنه إذا تجلى عليك باسمه الحنان أو الودود فإنه يصبغك بصفة الحنان أو الود,
فيكون الحنان صفة من صفاتك والود, ويحن الخلق إليك حتى الحيوانات والجمادات, ونظرة منك إن أظهرتها تذيب القلوب, قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (مريم 96)
هذا العبد , قد فنى في مراد ربه, فظهرت عليه الأمارات والعلامات الدالة على صدق ما هو عليه وما هو فيه, هذه الأمارات تلوح لمن هو مثله أو أعلى, فغالباً هؤلاء من أصحاب الأنوار المستورة, يضن الله على الخلق بهم.
بعد هذا الفناء, يسمح لهذا العبد بالحياة مع تركيب الصبغة واستئمانه عليها,
كما سيأتي في باب الوراثات والأمانات, هذه الحياة الجديدة وتحركه بالسر اسمه البقاء
فإن أظهره الله للخلق فهي وظيفة.
قيل:
العارف من أخذه الله منه, ثم أفناه عنه, ثم أبقاه به.
يعني أن يأخذك الله من نفسك, فتنسى نصيبك من نفسك ومن الدنيا, ثم يفنيك عنك وعن كل شيء, فإذا كان ذلك ردك إلى عالم جديد فتبقى بقوة من الله ومدد وتأييد.
ومن هنا قال السادة في الفناء والبقاء: حياة لا موت فيها.
ويقصدون لا موت للقلب, ولا للنفس, ولا موت للعطاء الإلهي,
بل هو مستمر حتى في قبورهم وبرزخهم وأخراهم,
قال أحدهم:
واشهد الحي لتحيى بحياة لا فوت فيها ولا موت ولا صفو يعقبه كدر.
وأقول:
في الجلال نذوب
وفي الجمال نهيم
وفي الكمال نشدو,
في الخيال خلف خلفه
وفي الوهم في سبق سبقه
وفى الظن بين بينه
وفي الحقيقية لا أرى لا أسمع لا أتكلم,
والله بكل شئ محيط.
نسأل الله ذا الجلال والإكرام, ذا الطول والإنعام, أن يرزقنا أعلى أعلى أعلى مقامات العبودية المحضة, اللهم آمين
وصل اللهم وسلم وبارك على عبد الله الحق صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كبيراً.)
ـــــــــــــــــــــ
من كتاب : على أعتاب الحضرة المحمدية
للأستاذ الدكتور السيد الشريف / محمود صبيح حفظه الله ونفع به
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليما بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين ))
_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|
المنتدى
التسجيل
الأسئلة المتكررة
بحث
