سيدي الشريف فضيلة مولانا الدكتور محمود حفظه الله كتب:
زاد أذى قريش للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبيل الهجرة الشريفة, خاصة مع وفاة السيدة خديجة, وعم النبي سيد قريش أبي طالب, كانت السيدة خديجة بمثابة النون التي كانت للنقطة وعاء, حصافة وحكمة وقوة وحناناً, وأرضاً طيبة أنجبت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بنين وبنات, كل واحد فيهم لا مثيل له, كانت السيدة خديجة الدين كله يوماً ما يوم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «زملوني زملوني, دثروني دثروني». فكان الصحابة يقول أحدهم كنت ربع الدين ويقول آخر كنت سدس الدين, ويقصد الأول أنه كان رابع أربعة, ويقصد الثاني أنه كان سادس من أسلم من المسلمين, فكانت أول من آمن به, على ما يعلمه أهل الإسلام لله, السيدة خديجة المبشرة من الله ببيت من قصب, لا صخب فيه ولا نصب, , فيعلم الله كم تحملت من أحمال, وها هي الأيام تجرى, وتسبق إلى الدار الآخرة, فكانت تتحمل كل شيء إلا أن يسبقها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى,
ذهبت إلى جوار الحنان المنان الرحمن الرحيم, ذهبت إلى جوار العظيم.
في استقبالها حضرة عظيمة منصوبة, لم تسمع عنها الخلائق.
وكيف يعلمون عنها شيئاً والستور مرخاة, والاقتراب ممنوع فهي من هي, هي سيدة من سيدات الدنيا والآخرة, أول حظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النساء, ما رأى منها إلا كل ستر, فكانت له ستراً, وكان لها صلى الله عليه وآله وسلم غطاء.
رحلت السيدة خديجة, وما ورد لها أي ذكر في الإسراء والمعراج, ولا هل رآها النبي أم لا, مع أنه صلى الله عليه وآله وسلم دخل الجنة وسمع وقع أقدام بلال, ورأى الغميصاء.
لا رواية, ولِمَ تكون الرواية أصلاً!
لا تقترب من الأمور الخاصة بسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذه نصيحة خالصة لوجه الله.
رحلت السيدة خديجة وكانت في الستر المستور, تنظر لأولادها في الجنة, مرتاحة من نصب وصخب الدنيا, غير أن نظرها مع سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم متعلق به, ومع بناتها اللَّاتِي لا يضاهيهن شيء من مخلوقات الله, كيف وهم لحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودمه, ومؤنساته الغاليات, وكم قاست السيدة خديجة أم العطاء والمدد من قريش, فقد عايرت قريش النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يعيش له ذكر, فأنزلت عليه سورة الكوثر وفيها حكم إلهي, كل من أبغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبتر, مقطوع الصلة, مقطوع المدد.
تركت السيدة خديجة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع بنات, كلهن جزء من سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشعرن بشعوره, ويتألمن بتألمه, ارتباطهم به صلى الله عليه وآله وسلم لا يوصف, جل كلامهن معه بالنظر صلوات الله عليهن, وكانت السيدة زينب عليها السلام أكبر بناته, ورثت من أمها القوة والحزم والشخصية العظيمة, وكان لها دور في تربية باقي أخواتها وقوفا مع أبيها صلى الله عليه وآله وسلم لذا سمت البضعة النبوية الشريفة السيدة فاطمة أكبر بناتها بـ "زينب" على اسم خالتها السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السيدة زينب بنت السيدة فاطمة وسيدنا الإمام علي نقول عنها في مصر: " ست الستات, رئيسة الديوان, المشيرة العظيمة". ولما أحست السيدة خديجة بدنو الأجل أعطت ابنتها السيدة زينب قلادتها المهداة إليها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلها معها شأن, ولها منها وراثة,
وكانت السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أنور وأبهى خلق الله من النساء, بسط الله لها من جمال أبيها صلى الله عليه وآله وسلم بسطاً عظيماً, مع روح تبث الحياة فيمن يجلس حولها, وكان في عينيها الشريفتين هي وأختها السيدة أم كلثوم الكلام عن القضاء والقدر, وشدة المقادير, وحضرة الجبروت. لما أنجب سيدنا الحسين السيدة سكينة نظر إليها, ونظر فيها إلى سكون أوصاف السيدة رقية, فقد كانت السيدة سكينة أكثر الناس شبهاً بالسيدة رقية في الشكل الظاهر والباطن, فسماها: " آمنة" وسماها: "سكينة".
وكانت السيدة أم كلثوم من أصحاب السكوت الطويل والسكينة, من نظر إليها من المأذونين وجد عين من يترك كل شيء للناس ويقول خذوا ما تريدون, {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42], فسمت السيدة فاطمة ابنتها الثانية على اسم أختها: " أم كلثوم".
أما السيدة فاطمة عليها السلام فأكثرهن شبهاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهنا ما في إلا العبرات, وسحائب الكتمان.
رحلت أم العطاء, السيدة خديجة وهي تنظر لسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتنظر لبناتها والله خير الوارثين.
الأثر كان عظيماً, والحزن كان شديداً, وهاهو أبو طالب سيد قريش يأتيه داعي الموت فيموت, فسبحان الحي الذي لا يموت.
لا بد أن يقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحده في الدنيا, مهما كان معه من أكابر الخلق, إلا أنهم يحتاجون من يقف معهم, ولم يأت وقت النصرة بعد, كيف وأصحابه صلى الله عليه وآله وسلم كلهم وكأنه معلق وأسير!
كان ما كان من الحصار في شعب بني هاشم, وكان ما كان من رحيل الأحباء الأعزاء أصحاب العطاء والنجدة والقوة والشهامة.