موقع د. محمود صبيح
https://www.msobieh.com:443/akhtaa/

العارفون بالله أفضل من العارفين بالأصول والفروع
https://www.msobieh.com:443/akhtaa/viewtopic.php?f=4&t=3487
صفحة 1 من 1

الكاتب:  سهم النور [ الأحد سبتمبر 14, 2008 1:33 pm ]
عنوان المشاركة:  العارفون بالله أفضل من العارفين بالأصول والفروع

[font=Tahoma][align=justify]
يقول الإمام الحافظ أحمد بن حجر الهيتمي في كتابه : [ الفتاوى الحديثية ( صـ 174- 177] :

[مطلب: في أن العارف بما يجب لله من أوصاف الجمال والكمال أفضل من العارف بمجرد الأحكام]

82 ــــ وسئل نفع الله به: عن معنى قول (الإحياء) لما ذكر معرفة الله تعالى والعلم به قال: والرتبة العليا في ذلك للأنبياء ثم الأولياء العارفين، ثم العلماء الراسخين ثم الصالحين، فقدم الأولياء وفضلهم على العلماء، وبه صرّح القشيري في أول (رسالته) ، فما وجه ذلك، مع أن العلم أفضل من العمل لأن ذاك متعدّ وهذا قاصر.


[فأجاب بقوله: ما قاله هذان الإمامان الجليلان صحيح لا مِرْية فيه، إذْ لا يشك عاقل أن العارف بما يجب لله تعالى من أوصاف الجلال ونعوت الكمال، وبما يستحيل عليه من الاتصاف بكل صفة لم تَبْلغ غاية النهاية من الكمال المطلق أفضل من العارف بمجرد الأحكام.

قال ابن عبد السلام: بل العارفون بالله أفضل من العارفين بالأصول والفروع، لأن العلم يَشْرُف بشرف معلومه وثمراته، والعلم بالله وبصفاته أفضل من العلم بكلّ معلوم، ومن جهة أن متعلقه أفضل وأشرف المعلومات وأكملها وثمراته أفضل الثمرات وأجلها، إذْ معرفة كلّ صفة من الصفات توجب حالاً عليه، وعنها تنشأ ملابسة كلّ خُلُق سنيٍّ، والتجرّد عن كل خلق دني، فمن عَرَف سعة الرحمة، أثمرتْ معرفته سعة الرجاء، ومن عرف شدَّة النقْمة أثمرت معرفته شدة الخوف، وأثمر خوفه الكفَّ عن كل معصية مع البكاء والخوف والورع وحسن الانقياد والإذعان، ومن شهد أن جميع النعم منه تعالى أحبَّه وأثمرتْ المحبة آثارها المحمودة المعروفة، وكذلك مَنْ شهد تفرُّده بالنفع والضرِّ لم يعتمد إلا عليه ولم يفوّض أمرَه إلا إليه، ومن شهد تفرده بالعظمة والجلال هابه وعامله بعظيم الانقياد والتذلل وغيرهما، فهذه بعض آثار شهود الصفات.

ولا شك أن معرفة مجرد الأحكام لا توجب شيئاً من هذه الأحوال والأعمال والأقوال، والحِسُّ يدل على ذلك إذْ كثير من علماء الظاهر على غاية من الفسوق ومجانبة الاستقامة، بل منهم من أدْمَّن النظر في نحو كلام الفلاسفة حتى خرج من الدين والعياذ بالله، ومنهم من يشكك فهم في ريبهم يتردّدون، والفرق بين علماء الكلام والعارفين أن المتكلم تغيب عنه علومه بالذات والصفات في أكثر الأوقات، فلا تدوم له تلك الأحوال، ولو دامت لكان من العارفين، لأنه يشاركهم في العرفان الموجب للأحوال الموجبة للاستقامة، وكيف يساوي بين العارفين والفقهاء والعارفون أفضل الخلق، وأتقاهم لله تعالى، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَكُمْ} [الحجرات: 13] ومدحه تعالى في كتابه للمتقين أكثر من مدحه للعالمين، والعارفون هم المرادون في قوله عزّ قائلاً: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] دون العلماء بمجرد الأحكام

لأن الغالب عليهم عدم الخشية، وخبر الله تعالى صدق فلا يحمل إلا على مَنْ عَرَفَه وخَشِيهَ، وقد روى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو ترجمان القرآن. ثم علماء الأحكام منهم من يتعلم ويعلم لغيرِ اللَّهِ فهذا عِلْمه وبال عليه، وكذا من تعلَّم وعلَّم لغير الله، وعكسه ممن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ومن تعلَّم وعَلَّم لله فإنْ لم يعمل بعلمه فهو شقي مثل أولئك، وإن عمل به فإن كان عالماً بالله وبأحكامه فهو من السعداء، وإن كان من أهل الأحوال العارفين بالله فهو من أفضل العارفين، إذْ حاز ما حازوا، وزاد عليهم بمعرفة الأحكام وتعليم أهل الإسلام.

[مطلب: في أن العلم المتعدي ليس أفضل من العلم القاصر مطلقاً]

قال: ومن يقول: إن العلم المتعدي أفضل من القاصر جاهل بأحكام الله تعالى بل للقاصر أحوال.

أحدها: أن يكون أفضل من المتعدي كالتوحيد والإسلام والإيمان، وكذلك الدعائم الخمس إلا الزكاة وكذلك التسبيح بعد الصلوات فإنه صلى الله عليه وسلّم قدمه على التصدق بفضول الأموال وهو متعد.

وقال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".

وقال: "خير أعمالكم الصلاة".

وسئل صلى الله عليه وسلّم أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله: قيل ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال:حج مبرور" فهذه كلها أعمال قاصرة وردت الشريعة بتفضيلها.

ثانياً: أن يكون المتعدي أفضل كبر الوالدين فإنه صلى الله عليه وسلّم قيل له: أي الأعمال أفضل؟ قال: "بر الوالدين" وليست الصلاة أفضل من كلِّ عمل متعد فلو رأى مُصَلِّ غريقاً يقدر على إنقاذه، أو وقوع قتل أو زناً أو لواط، وقَدِر على إزالته لزمه قطعها لذلك، وإنْ ضاق الوقت، لأن رتبته عند الله أفضل من رتبة الصلاة، إذْ لا يمكن تداركه بخلافها، وهذان القسمان مبنيان على رجحان مصالح الأعمال، فما كانت مصلحته فيها أرجح كان أفضل، وكذا ما نص صلى الله عليه وسلّم على تفضيله يكون أرجح، وإنْ لم يدرك سبب رجحانه فإن لم نجد مصلحة تقتضي الرجْحان ولا نصّاً به، وجب علينا التوقف حتى نعلم دليلاً شرعياً على الأفضل فنصرِّح به حينئذٍ، وإلاَّ لم يَجزْ لنا أن نقول على الله ما لم يقم لنا عليه دليل، ولو تساوى اثنان مثلاً في الأعمال لم يترجح أحدهما إلا بتوالي عِرْفانه واستمراره لأنه شرف أيُّ شرف، وبه يزداد صلاح الأعمال واستقامتها، فللعارف رُتَب في الفَضْل والشرف بها تتفاضل الأحوال الناشئة عنها كما مر أول الجواب، فالمحب أفضل من المتوكل وهو من الخائف وهو من الراجي فهذه نبذة من أوصاف العارفين بالله تعالى.

ومما يدل على فضلهم على الفقهاء ما تكرم الله به عليهم من الكرامات الخارقة للعادة، ولا يجري شيء من ذلك على أيدي الفقهاء إلا إنْ سلكوا طريق العارفين، واتصفوا بأوصافهم، "وما سَبَقَكمْ أبو بكر بصوم ولا صلاة ولكن بشيء وقَر في صَدْرِه"، ومن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلّم إنما فَضَل غيره بالأعمال الشاقَّة فقد أبعد بل فُضِّل بتكليم الله إياه تارة على لسان جبريل، وتارة من غير واسطة وكذلك فُضِّل بالعلوم والمعارف والأحوال التي اختص بها ولذلك قال: "إني لأرجو أن أكون أعلمكم بالله وأشدكم له خشية" ولذلك لما تقلَّل بعضُهم قيام رسول الله صلى الله عليه وسلّم على قيامه وصلاته على صلاته أنكر صلى الله عليه وسلّم عليه ذلك، ثم ذكر أن تفضيله عليهم إنما كان بمعرفته بالله تعالى فهذه جهات تفضيله صلى الله عليه وسلّم ولا مشّقة فيها، ولم لا والله تعالى يقول لموسى عليه الصلاة والسلام "إني اطْطَفَيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" ومثل هذا الزعم لا يصدر إلا من قلب منافق وهو صلى الله عليه وسلّم أفضل الأنبياء كلهم عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وكثير منهم كنوح صلى الله عليه وسلّم عمل وأوذى وصبر أكثر من نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم على أن ذلك الزعم ربما ينبىء أن النبوة مكتسبة وهو ضلال وكُفْر، بل هي من مواهب مَحض فضْله تعالى خصَّ بها أنبياءه صلى الله عليه وسلّم، تقصُر العقول عن إدراك أدنى شيء مما أُوتوه من المعارف والأنوار والقرب من الله تعالى، والآيات العظيمة الظاهرة على أيديهم تشهد بذلك.

ولهذا لَمَّا شمَّ الأولياء من هذه الرائحة طرفاً حصل لهم من العِرفان بقَدَر ما شمَّ كل طالب منهم، وظهرتْ لهم كرامات من ذلك القدر الذي حصل، وزاد الأنبياء أيضاً أنهم قادة الخلق إلى الله تعالى ومعلموهم كيفية الوصول إليه، فاتبعهم العامة بحكم العلوم الظاهرة والخاصة بحكم العلوم الباطنة، وحصل بعض تلك الأمور بخلوص الاتباع، ومن رام زيادة واعتقد قوّة لم يصل إليها، ولقد خرجت أقوال قوم من أهل الطريق استغْرقوا، فوقعوا في الاعتراض عليهم كالحلاَّج، وذكر منهم ابن الجوزي كثيرين في تلبيس إبليس، ولقد أشار القشيري إلى أنه يُقْتدى بكل أشْياخ رسالته بل بعضهم وبينهم.] اهـ[/align]
[/font]

صفحة 1 من 1 جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين
Powered by phpBB © 2000, 2002, 2005, 2007 phpBB Group
http://www.phpbb.com/