موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: رسالة المحبة.. للشيخ الأكبر: محيي الدين ابن العربي.
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 11, 2020 2:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 25, 2018 8:43 pm
مشاركات: 127
رسالة المحبة لشيخي الأكبر محيي الدين ابن العربي رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أن للمحبة أربعة ألقاب:
منها الحب: وهو خلوصه إلى القلب وتنقيته عن كدورات العوارض، فلا غرض له ولا إرادة مع محبوبه.
واللقب الثاني: الود، وله اسم إلهي، وهو الودود، والود من نعوته، وهو الثبات فيه، وسمي الودود لثبوته في الأرض.
واللقب الثالث: العشق، وهو إفراط المحبة، وكنّى به بشدة الحب في القرآن العظيم في قوله: «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ»، وقوله: «قد شغفها حبا»، أي صار حبها ليوسف عليه الصلاة والسلام على قلبها كالشغاف، وهي الجلدة الرقيقة التي تحتوي على القلب، فهي ظرف له، فتحيط به، وقد وصف الحق نفسه بشدة الحب، غير أنه لا يطلق اسم العشق والعاشق عليه تعالی.
واللقب الرابع: الهوى، وهو استفراغ الإرادة في المحبوب، والتعلق به في أول ما يحصل في القلب، وليس لله تعالی منه اسم.
وقلنا فيه:
علقت بمن أهواه عشرين حجة * فلم أدر من أهوى ولم أعرف الصبرا
ولا نظرت عيني إلى حسن وجهها * ولا سمعت أذناي قط لها ذكرا
إلى أن تراءى البرق من جانب الحمى * فنعمني يوما وعذبني دهرا
وقلنا فيه أيضًا:
علقت بمن أهواه من حيث لا أدري * ولم أدر من هذا الذي قال: لا أدري
قد حلت في حالي وحالت خواطري * وقد حارت الحيرات في وفي أمري
فبينا أنا من بعد عشرين حجة * أترجم عن حب يعانقه سرِّي
فلم أدر من أهوى ولا أعرف اسمه * ولم أدر من هذا الذي ضمه صدري
إلى أن بدا لي وجهها من نقابها * كمثل سحاب الليل أسفر عن بدر
فقلت لهم: من هذه؟ قيل: هذه * بنية عين القلب بنت أخي الصدر
فكبرت إجلالا لها ولأصلها * فليلي بها أربى على ليلة القدر
واختلف الناس في حده، فما رأيت أحدًا حده بالحد الذاتي، بل لا يتصور ذلك، فما حده من حده إلا بنتائجه وآثاره ولوازمه، ولا سيما وقد اتصف به الجذاب العزيز، وهو الله عز وجل.
وأحسن ما سمع فيه ما حدثنا غير واحد عن أبي العباس بن الصنهاجي رحمه الله تعالى، قالوا سمعناه يقول وقد سئل عن المحبة فقال: الغيرة من صفات المحبة، والغيرة تأبى إلا الستر، فلا تحد.
وألطف ما في الحب وجدته، وهو أن تجد عشقًا مفرطًا، وهوًی وشوقًا مقلقًا وغرامًا ونحولًا، وامتناع نوم، ولذة طعام، ولا تدري فيمن، ولا بمن؟ ولا يتعين لك محبوبك، وهذا ألطف ما وجدته ذوقا، ثم بعد ذلك بالاتفاق.
أما يبدو لك تجلٍّ في كشف فيتعلق الحب به، أو ترى شخصا فيتعلق ذلك الوجد تجده به عند رؤيته، فتعلم أن ذلك كان محبوبك وأنت لا تشعر.
أو يذكر الشخص فتجد الميل إليه بذلك الهوى، فتعلم أنه صاحبك، وهذا من أخفى دقائق استشراف النفوس على الأشياء من خلف حجاب الغير. فيجهل حالها، ولا تدري بمن هامت، ولا فيمن هامت وما هيامها؟ وتجد الناس في ذلك القبض والبسط الذي لا يعرف له سبب، فعند ذلك إما يأتيه ما يحزنه، فيعرف أن ذلك القبض كان لذلك الأمر. أو يأتيه ما يسره فيعرف أن ذلك البسط كان لهذا الأمر. وذلك لاستشراف النفوس على الأمور من قبل تكوينها في تعلق الحواس الظاهرة، وهي مقدمات التكوين، وينسبه ذلك أخذ الميثاق على الذرية بأنه ربنا. فلم يقدر أحد على إنكاره بعد ذلك، فيجد في فطرة كل إنسان افتقارا لموجود يستند إليه، وهو الله تعالى، ولا يشعر به بعد ذلك.
ولهذا قال تعالى: «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله»، يقول له: ذلك الافتقار الذي تجدونه في أنفسكم متعلقة بالله لا غيره، ولكن لا تعرفونه، فعرفنا به الحق.
ولما ذقنا هذا المقام قلنا فيه:
علقت بمن أهواه عشرين حجة.. بالتمام إلى آخره، والله أعلم.
تمّ في مكة.

_________________
اللهم صل صلاة كاملةً وسلم سلامًا تامًا، على سيدنا محمدٍ الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتُنال به الرغائب وحسن الخواتيم، ويُستسقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك يا ألله الحي القيوم العلي العظيم.


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 143 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط