#العلم_قبل_السلوك
#الوعي_قبل_السعي
-------------------------
١/المنهج قبل الشيخ
-------------------------
حدث نقاش بيني وبين بعض الاحباب حول بعض المسائل المنسوبة لمشايخهم ووجدت ان هناك عدم ادراك للقواعد الأصلية المتفق عليها والانتصار لأراء مشايخهم وان خالف الإجماع والأمة بحجة انه ولي صالح له البصيرة الايمانية وانه مأذون من الله ورسوله، وفي الحقيقة وجدت ان ذلك المسلك سبب جوهري للإنزلاق في طريق المدعين دون أن ندري، فهناك فرق بين أن أجعل همي هو إثبات صحة الشيخ، وأن أجعل همي هو معرفة الصواب وأتباعه بغض النظر إن وافق ذلك ما ذهب إليه الشيخ أو خالفه، فالطريق الأول يجعل الشيخ هو المركز والمنهج يدور حوله، والطريق الثاني هو جعل المنهج هو المركز والكل يدور حوله، فإن وجدت كلام الشيخ مخالف للمنهج وهناك إمكانية للجمع بين كلام الشيخ وما ذهبت اليه الأمة فالجمع أولى وإلا فإتباع المنهج أولى، وماأوقع البعض في منزلق تقديم الشيخ على المنهج ومخالفة ماعليه الأمة هو نقصان العلم والتصدر للدعوة والارشاد مع هذا النقصان والتعقيب على الأئمة ومخالفتهم مع هذا النقصان، والأعجب هو رمي ماذهبت إليه الأئمة بالضيق والخطأ وقد يصل الأمر إلى الاتهام بالبهت واتباع اليهودية، وعند تتبع هذا المسلك ورصده نراه موجود عند الطوائف المخالفة لأهل السنة والجماعة كالتيميين والسلفيين والإخوان ورواد المدرسة العقلانية الحديثة أحفاد المعتزلة وبعض مدعي التصوف المعاصر والشيعة وغيرهم

فالأمر المشترك بينهم جميعا هو استحداث قواعد مخالفة لقواعد أهل السنة وترتيب مسائل شرعية عليها مخالفين ماذهب إليه أهل السنة على اختلاف تخصصاتهم مع الطعن في الروايات التي تخالف مذهبهم وتوجههم وان صححها الائمة والعارفون، وهذا يؤدي بدوره إلى استحداث أقوال مخالفة لما ذهب اليه اهل السنة.

اما قضية إحسان الظن والتماس العذر والأدب مع المشايخ فهي كلمة حق يراد به باطل، فكأن المعارض يريد أن نسلم له بدعته في استحداث القواعد المخالفة ومايترتب عليها من مسائل مبتدعة، والحق هو ضرورة إعادة تعريف الناس بالقواعد الأساسية لهذا الدين والتي لاغنى عنها حتى لايقع في حبال المدعين والمخالفين لأهل السنة
ولكي تتضح الصورة فلابد من ضرب أمثلة على استحداث القواعد المخالفة وكيف تهدم الدين هدنا
(يتبع)

#العلم_قبل_السلوك
#الوعي_قبل_السعي
------------------------
٢ أ/استحداث القواعد
------------------------
تحدثت سابقا عن ضرورة جعل المنهج السليم والصحيح هو المركز الذي ندور حوله، ولا نسعى لإثبات صحة الشيخ، وإنما نسعى لمعرفة الحق والتزامه بغض النظر وافق ذلك ماذهب إليه الشيخ وجماعته التي اخترتها أم لا، وفي الحقيقة لابد قبل التورط في الانخراط مع شيخ ما او جماعة محددة لابد من تحصيل العلم بشكل سليم وتحصيل ومعرفة القواعد السليمة التي تشكل العقل وتكون المعيار التي بها ندرك حقائق الأشياء بشكل سليم ومطابق للواقع، وبعدها سيسهل علينا تحديد مع من سنسير وإن كان زماننا زمان الاعتزال فيه أفضل، وقلنا ان الإشكالية التي تواجهنا مع من جعل شيخه وجماعته المعيار الذي يفرق به بين الخطأ والصواب والحق والباطل هو استحداث القواعد على خلاف ما عليه ساداتنا أهل السنة والجماعة وترتيب المسائل عليها على خلاف ما ذهبوا إليه، ولا يقتصر الأمر على مخالفة أهل السنة بل اتهامهم بما هم منه براء بشكل فج قد يصل للوقاحة أحيانا، والعجيب ان أصحاب هذا التوجه يفرحون باستنتاجاتهم ويظنون أنهم أتوا بما لم يأتي به الأوائل وأنهم بذلك يجددون في الدين ويزيلون عنه الأوهام والخرافات، وهم بذلك يهدمون الدين دون أن يدروا، وحتى لا يكون كلامنا مجرد استرسال فسنضرب بعض الأمثلة الموضحة لذلك، وسنعرف كيف أن ذلك المسلك يهدم الدين ويقتل الأمة من حيث لاندري
فعند التيمية مثلا عندما جعلوا الحق هو شيخهم وشيخهم هو الحق استحدث شيخهم قاعدة في الأصول لم تكن موجودة من قبل وهو تقسيم التوحيد إلى ثلاثة اقسام توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء ورتب على اساس هذا التقسيم مجموعة من المسائل والاعتقادات اهمها ان المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ولكنهم ينكرون توحيد الألوهية، وعلى هذا الأساس تم إنكار وتحريم ممارسات إسلامية لأنها تتناقض وتتعارض مع توحيد الألوهية كالتوسل والاستغاثة والتبرك، وعلى هذا الأساس تم الاعتقاد بوقوع المسلمين في الشرك الأكبر وهو مايترتب عليه ضرورة الاستتابة والا أصبح دماءهم هدرا واموالهم مستباحة، ورتبوا على تلك المسئلة مسئلة أخرى وهي الشك في كفر المشرك او محاولة تصويب مذهبه الشركي في حد ذاته كفر تستلزم الاستتابة.
وبالتالي عند التدقيق نرى ان بن تيمية استحدث قاعدة اصولية لم يقل بها احد من اهل السنة من قبل وهو تقسيم التوحيد، ورتب على اساس هذا التقسيم المستحدث مجموعة من المسائل تنتهي بتكفير المسلمين واستباحة دماءهم وهو مانراه واضحا في كتاباته هو وتلامذته كنواقض الإسلام لابن باز واغاثة اللهفان لابن القيم وفتاوى بن تيمية وفتوى مردين وغيرها وأيضا في ممارساتهم العملية من القتل والتكفير وماتفجيرات الازهر عنا ببعيد
وعند التدقيق اكثر نرى ان هذه القاعدة المستحدثة تناقض اصولا هامة عند أهل السنة وتهدم أبوابا فقهية كثيرة
ومع التتبع والبحث نرى ان هذه القاعدة المستحدثة الغير موجودة عند أهل السنة موجودة عند الخوارج
فانظر رحمك الله كيف ذهبت القاعدة المستحدثة بأناس من دائرة السنة وأهلها إلى دائرة الخوارج كلاب اهل النار جنود الدجال وبسببه تعاني الأمة من قتل وارهاب وان انكرها علماء السلفية المعاصرة
(يتبع)

#العلم_قبل_السلوك
#الوعي_قبل_السعي
--------------------------
٢ ب/استحداث القواعد
--------------------------
تكلمنا في السابق عن المنهج وضرورة تقديمه على أي شيء وعن ضرورة الالتزام بالقواعد العقلية والشرعية التي استقرت عليها الأمة وألا نستحدث قواعد مخالفة وهدامة للقواعد التي استقرت عليها الأمة، وضربنا مثال بالمدرسة التيمية عندما دارت في فلك شيخها وقدمته على المنهج، وكيف أنه استحدث لهم القواعد المخالفة ورتب عليها المسائل والتي بها انتهت جماعته إلى تكفير المسلمين فأخرجهم من دائرة أهل السنة والتي معها يرجى النجاة إلى دائرة الخوارج والموعودون باتباع الدجال كما دلت على ذلك النصوص.

وليست القضية متوقفة على المدرسة التيمية ولكنها موجودة في كل فئة مخالفة لأهل السنة سواء من الاخوان او رواد المدرسة العقلانية الحديثة او في الدوائر المنتسبة للتصوف وهم كثر، ولا ينبغي أبدا التقليل من شأن هذه المسئلة وهي استحداث القواعد المخالفة بحجة التوحيد او السنة او التجديد وخاصة مع رواد مدرسة عصرنة الإسلام او مايعرف بالاسلام الحداثي والذين خرجوا على القواعد الأصيلة لهذا الدين وبنوا رؤيتهم تحت تأثير الفلسفة الحداثية ومابعدها وقد نفرد لذلك مقال مستقل، لأن ذلك التوجه يهدم الدين شيئا فشيئا حتى لا يبقى منه شيء سوى إسمه، واستكمالا للأمثلة على استحداث القواعد ومازلنا مع المدرسة التيمية فهناك قاعدة استحدثوها وهي الترك وهي قاعدة مخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة، وهي ببساطة اعتبار كل أمر لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم وتركه بدعة ضالة، ورتبوا على أساس هذه القاعدة تحريم كل الأمور التي لم تكن في العصر النبوي الشريف، حتى العلوم المستحدثة والمذاهب الموضوعة اعتبروها بدعة ضلالة، ووصلوا لدرجة تحريم علوم التجويد واعتبروها من بدع الإمام بن الجزري، ووصل بهم الأمر إلى اعتبار ان حكم الادغام والإخفاء فيه تحريف للنص، وعلى أساسه كان التبديع والتكفير، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصل إلى تكفير من يقول بكروية الارض ودورانها حول نفسها وحول الشمس، ولتلميذ بن باز صالح بن حميد كتاب اسمه هداية الحيران في مسألة الدوران ناقش فيه المسألة مقتديا بشيخه مكفرا لمن يقول بذلك.
فانظر كيف أن قاعدة الترك التي استحدثوها مخالفين منهج أهل السنة والتي رتبوا عليها أحكام ومسائل أوصلتهم إلى تكفير الأمة ومحاربة العلوم الدينية و الدنيوية لتقريرها مايخالف المسائل التي رتبوها على اساس هذه القاعدة، فأصبح الدين في واد والأمة في واد آخر، بل وصل الأمر بعد اضطراب أحوالهم ان اوجدوا تقسيما اخر وهو ان هناك بدع دنيوية وهي حلال وبدع دينية وهي حرام وظلوا في تخبط حتى وصل الأمر بالمفتي الحالي عندهم بتحليل الغناء الذي كان محرم عندهم بعد صلاة العشاء على غرار من قالوا بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة وارخي الستار اللي مابينا.
الشاهد من ذلك كله ان استحداث القواعد المخالفة وترتيب المسائل عليها تدخلنا في متاهات فكرية وسلوكية وتسبب اضطراب في حياتنا أفراد وجماعات، ولكن هل هناك مثل هذه الصور عند غير التيميين او السلفيين كما يسمون أنفسهم؟
سنعرف ذلك في المقال القادم ان شاء الله تعالى
(يتبع)

#العلم_قبل_السلوك
#الوعي_قبل_السعي
---------------------------------------------
٢ ج/استحداث القواعد(عصرنة الدين)
---------------------------------------------
تكلمنا في السابق عن ضرورة الالتزام بالمنهج ومعرفة القواعد العقلية والشرعية السليمة، وأيضا عن خطورة تقديم الشيخ او الجماعة على المنهج، وتحدثنا أيضا عن الإشكالية التي تواجهنا مع من يفعل ذلك وهي إستحداث القواعد المخالفة والهادمة لقواعد أهل السنة وترتيب المسائل عليها والوصول بها إلى خرق الإجماع، وضربنا مثالا على ذلك بالمدرسة التيمية، وفي الحقيقة ليست المدرسة التيمية هي الوحيدة التي تفعل ذلك، ولكن أيضا هناك من يفعل ذلك باسم التفسير العصري والتجديد وهو مايعرف بعصرنة الدين او الإسلام الحداثي.
الإسلام الحداثي هو توجه لبعض الدعاة يفسرون به الدين على خلاف القواعد المقررة من ساداتنا أهل السنة متأثرين في ذلك بالفلسفة الحداثية ومابعدها وأيضا مقلدين لبعض الطوائف الدينية التي سبقتهم في ذلك كالبروتستانت والتنويرين والذين قرروا الخروج على التعاليم التقليدية باسم محاربة الجمود ومسايرة العصر، ولقد ظهر هذا التوجه في مصر بعد الحملة الفرنسية ومع تولي محمد علي حكم مصر وإرساله البعثات إلى فرنسا والمانيا لنقل التطور الحضاري إلى البلاد وكان وقتها الشيخ حسن العطار ورفاعة الطهطاوي القائمين على هذا الأمر، إلا أنه كان تيار الإسلام الحداثي محدودا وغير ظاهر حتى ظهر محمد عبده وشيخه الأفغاني وأسسا مدرسة حداثية من الطراز الأول عمدا فيها إلى نقض المنهج السني ومهاجمته وإتهامه بالجمود والتخلف وحكما العقل في كل شيء وتأولا النصوص تأويلا بعيدا مسايرة للفلسفة الحداثية لدرجة جعلت هذه المدرسة تنكر الكثير من القطعيات في الإسلام كسجود الملائكة لآدم وحادثة الفيل على ظاهرها وأيدوا الكثير من النظريات العلمية والسياسية والاجتماعية التي ظهرت وقتها وهاجموا العلماء الذين رفضوا هذا التوجه المعوج، ولقد حدث اتفاق عجيب بينهم وبين الوهابية في مهاجمة التراث والفقه المذهبي، وفي الحقيقة كان تأثير محمد عبده وتلامذته من بعده كالمراغي ورشيد رضا تحديدا قويا وبالغا وهداما،وحتى تتضح المسألة بشكل اكبر نضرب مثالا كما فعلنا مع المدرسة التيمية.
في محاولة من رواد هذه المدرسة لعصرنة الدين استحدثوا قاعدة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسبقهم إليها أحد من قبلهم من أهل السنة وهي استحالة الفقر على حضرته ويعتبرون انه من النقائص التي يجب تنزيه حضرته منها وان من يريد أن يصنع ذلك إنما يريد أن يسوق للفقر ويجعل الأمة فقيرة وعلى أساس هذه القاعدة انكروا روايات تدل على عكس ماذهبوا اليه وتأولوا روايات أخرى تأويلا بعيدا كإنكارهم رواية رهنه لدرعه الشريف ليهودي من أجل الطعام واتهموا من قال بهذه الرواية باليهودية وان فكرهم ضيق، وبالتالي اعتماد الإمام الشافعي مثلا لهذه الرواية والشافعية من بعده في جواز عقد الرهن مع الذمي كان على أساس رواية يهودية وهم بذلك سواء قصدوا او لم يقصدوا بعلم أو بدون علم يهدمون أبوابا فقهية كاملة، بل ويؤيدون ان الفقه الاسلامي المذهبي قائم على روايات باطلة، على عكس ما قرره أهل السنة وهو أن الغنى والفقر كالصحة والمرض من الأحوال الجائزة في حق الرسل الكرام وليست من المحالات ، وأن الرسل لايملكون شيئا وكل مايملكونه لله سواء قل أو كثر ولذلك لايورثون وماتركوه صدقة، وأن حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد الكامل الذي عبد الله في كل المقامات والأحوال، في حال الفقر والغنى والجوع والشبع والصحة والمرض، وأن مرد هذه الأحوال إلى القبض والبسط وعبوديته بين الشكر والصبر، وأنه صلى الله عليه وسلم وان جاز في حقه الأحوال البشرية الا ان له فيها خصوصية، وأنه صلى الله عليه وسلم اختار الفقر وقلة الزاد اختيارا منه و زهدا في الدنيا فهو غنيا بالله فقيرا إليه.
وجعل الجائز لذاته محال لذاته ممتنع عقلا كما هو معروف عند العلماء، ومثل هذا المسلك من جعل الجائز لذاته محالا وهو ما يعرف بانقلاب الأحكام يؤدي لا محالة إلى هدم الدين عقيدة وشريعة، لذلك هاجم العلماء بشدة مثل هذا التوجه الحداثي والذي يقلب الأحكام العقلية ويهدم الشريعة الإسلامية بحجة التفسير العصري ومسايرة العصر وتجديد الخطاب الديني.
ولقد سقط الكثير من المتصدرين للدعوة في مثل هذه الاوحال وخاصة من خلط الدعوة بعلوم التنمية البشرية من الدعاة الجدد، وياليت الأمر وقف عند هؤلاء الدعاة، بل امتد إلى بعض مشايخ التصوف المعاصر فصاروا يرددون مثل هذه الترهات تحت مسمى الكمالات المحمدية والاشارات الربانية وكلامهم في ذلك باطل مظلم لا نور فيه، وصاحب هذا التوجه على خطر عظيم، فكما قرر حجة الإسلام الغزالي في كتابه قانون التأويل أن رد الروايات الصحيحة لتعارضها الظاهري مع المعقول تهلك صاحبها، ولذلك كان أهل العلم محقين في تحذيرهم من منهجية محمد عبده المتأثرة بالحداثة ومابعدها فرضي الله عنهم في دفاعهم عن الدين وهدى الله أهل عصرنا ممن سقطوا في هذه الأوحال(يتبع)

#العلم_قبل_السلوك
#الوعي_قبل_السعي
---------------------------------------------
٣/الكشف والرؤى وصناعة الأوهام
---------------------------------------------
تكلمنا في السابق عن المنهج والشيخ وعن استحداث القواعد المخالفة لقواعد أهل السنة أئمة المذاهب الأربعة وترتيب مسائل اصولية وفقهية عليها بشكل ينقض المنهج السني ويدخل الأمة في متاهات فكرية وعقائدية وسلوكية كبيرة
وقبل ان نكمل أحب أن أنوه إلى أمور هامة :-
أ/ لايقصد بتقديم المنهج هو إلغاء الشيخ فالشيخ ركن هام لفهم المنهج ولكن ان خالف المنهج وادعى الاجتهاد المطلق فإتباع المنهج أولى
ب/ استحداث القواعد في حد ذاتها ليست بدعة وإنما مخالفة الإجماع ونقض منهج اهل السنة واتهامهم تصريحا او تلويحا هو المقصود بالذم
ج/ هناك فرق بين القول ببدعية الرأي والقول ببدعية القائل كالحكم على رأي بأنه مظلم او خطأ أو باطل لا يعني ذلك سحب ذلك الحكم على القائل إذ لابد من الإحاطة بكل أحوال القائل لتكوين حكم مناسب عليه وليس الغرض الحكم على الأشخاص وإنما هو معرفة الصواب والتزامه، فمثلا القول بالجهة باطل مظلم لا نور فيه ولقد وقع بعض اهل العلم فيه فلا يلزم ذلك أن نقول ان اهل العلم الذين وقعوا في ذلك اهل باطل وظلام لانه ربما تأولوا خطأ وربما دس عليهم وربما أمور كثيرة فالحكم على القول شيء وعلى القائل شيء آخر

نعود إلى عنواننا اليوم وهو الكشف والرؤى ولن أتحدث عن هذا الأمر من الناحية العلمية ولكن سنتحدث من جوانب أخرى لها علاقة بالسلوك، فلقد لاحظت من واقع تجربتي أن هناك مغالاة شديدة في موضوع الكشف والرؤى وجعلها أساس للطريق وليس للأستئناس وهذا مايجعل البعض يفقد الميزان الحقيقي التي بها يمكننا وزن الأمور ومعرفة حقائق الأشياء، فهناك طرق كاملة أساسها مكاشفات الشيوخ والمريدين وأصحاب التخليط، والعجيب انهم يبنون تصورات وادراكات قد تخالف المعقول والمنقول بشكل واضح على اساس الكشف، ولقد حاورت بعضهم في ذلك ورأيت تصوراتهم المخالفة المبنية على الكشف، فمثلا تجد أحدهم من واقع كشفه ينكر ظاهر ما وقع لسيدنا يوسف مع زلخيا المذكورة في القرآن ويرى أن الأمر كله باطنيا مع الحقائق وسبب ذلك أن سيدنا يوسف نبي والله لن يختبره بالنساء، فانظروا كيف ضل ذلك الرجل بوهمه ان ماحدث اختبار وليس ابتلاء مما أوقعه في التفسير الباطني المذموم، فهناك فرق بين الإشارات وهي مايفتح الله به على قلوب عباده والتي لا تنفي الظاهر ولاتنقض القواعد وليست بعيدة او سخيفة وبين التفسير الباطني النافي للظاهر والهادم للقواعد، ولا يتوقف الأمر عند الدين ولكن أيضا يستمر في كل شيء فترى أحدهم يريد امرأة لنفسه لانه رأى كشفا انها زوجته ويريد ان يتزوجها وهي متزوجة أو يكيد لزوجها حتى يطلقها حتى زعم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشاه أمره بذلك


مثل هذا التوجه موجود وبكثرة ونراه منتشرا بين بعض أصحاب النبوءات و الالهامات ونرى مشايخ بعينهم يعتمدون على ذلك الإلهام، بل ويصل الأمر إلى دعوى الغوثية والقطبانية العظمى ثم يأتي من يشتكي مسا او سحرا الى المدعي للعلاج فتسوء حالة المسكين وتنقلب الأمور رأسا على عقب.

والملاحظ ان هذا الأمر منتشر بشكل غريب بين ابناء الطرق والمشايخ، ونرى استنباطات عجيبة وغريبة للدين والدنيا، فإن أنكرت ذلك كنت الأعمى الغير بصير، وقد يتصور البعض ان الامر متوقف على المنتسبين للتصوف ولكن المفاجأة أنه موجود في كل الطوائف السلفية والشيعة والإخوان وحتى رواد علوم الطاقة عندهم هذا الأمر، فمثلا الاخوان في رابعة ظلوا على وهم ان جبريل يصلي بهم ورسول الله بينهم وأنهم منصورون حتى فرق الله جمعهم وازال ذكرهم.

والعجيب ان البعض يبني مجموعة من التصورات بناءا على الكشف لاثبات قضية ما

فمثلا يرى كشفا ان شيخه وارث محمدي، ثم يسرد شيخه مجموعة من المسائل العلمية مخالفا بها القواعد العقلية والنقلية، فتراه يتبع شيخه في مخالفته بناء انه رأى كشفا انه وارث محمدي، وربما ألحن شيخه في فاتحة الكتاب لحنا مخلا تبطل معها صلاته فيصلي خلفه بناءا على الكشف ويأتي بكل دليل ان ذلك ليس لحنا، وقد يكون شيخه غير متوضيء وهو يعلم ذلك يقينا فيصلي خلفه بناء على الكشف،فلقد بنى على كشفه امورا لا علاقة لها بالكشف وتلك هي الآفة الكبرى
فالكشف انواع ودرجات فهناك الرباني والملكي والنفسي والشيطاني، وأشد انواع الكشف الكشف النفسي وذلك لان النفس معها قبضة من أثر الرسول كالدجال ولها علومها بقربها من الروح، فيقع المسكين في فخ نفسه وهو يظن انه كشف من ربه، لا ننكر الكشف والرؤى والالهامات ولا ننكر أهميتها في حياتنا، ولكن لا نرتب عليها أمور توقعنا في المخالفات دون أن ندري، والأمر لا يأتي دفعة واحدة ولكن على خطوات مرتبة
لذلك كانت القواعد واضحة، لا يقبل الكشف الا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة كما قال الإمام التستري، وكان كبار العارفين يحذرون صراحة من كل توجه يجعل الكشف اساسا للطريق، ولا يمكن مقارنة كبار الرجال بأهل التخليط
لا ننكر العلوم الالهامية والكشفية، ولكن في زماننا مع التخليط والفتن وغياب الكمل من العارفين وجب الانتباه إلى صناعة الأوهام تحت مظلة الكشف.