موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: عنوان التوفيق فى آداب الطريق لسيدي ابن عطاء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 20, 2008 12:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4146
مكان: الديار المحروسة
[font=Lucida Console]رساله قيمه لكل محب ومريد لسيدي ابن عطاء السكندرى
هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عيسي بن عطاء الله السكندري، أحد أركَان الطريقة الشَاذليه الصوفية التي أسسها الشيخ أبو الحسن الشاذلي 1248م و خَلِيفتُه أبو العبَاس المرسي 1287م

وَفد أجداده المَنسوبون إلى قَبيلةِ جذَام، إلى مصر بعد الْفتح الإسلامي و استوطنوا الإسكندرية حيث ولد ابن عطَاء الله حَوالي سنة 1260م و نَشأ كجدهِ لوَالده الّشيخ أبى مُحمد عبد الْكريم بن عطَاء الله، فَقيهاً يَشتغلُ بالعُلومِ الشَرعية.. حيث تلقي منذ صباه العَلوم الدينية و الشرعية و اللغوية، و كان في هذا الطَور الأول من حيَاتِه ينُكر على الصوفية إنكارا شَديداً تعصباً منه لعلومِ الفقهَاءِ. فما أن صحب شيخه أبو العباس المرسي1286م و استمع إليه بالإسكندرية حتى أعجب به إعجَاباً شديداً و أخذ عنه طريق الصوفية و أصبح من أوَائل مُريديه. حيث تَدرج ابن عطَاء في منَازلِ الْعلم و المَعرفةِ حتى تَنبأ له الشيخ أبو العبَاس يوماً فقَال له: ((الزم، فو الله لئن لزمت لتكونن مُفتياً في الْمذهبين)) يَقصدُ مَذهب أهل الحَقيقة و أهل العلم البَاطن. أخذ عن ابن عطاء الله بعد ذلك الكثير من التلامذةِ منهم ابن المبلق السكندري، و تَقي الدين السبكى شيخ الشَافعية، و توفي ابن عطاء و دفن بالقَاهرةِ عَام 1309م . و لا يزال قَبره مَوجوداً إلى الآن بجبَانة سيدي على أبو الوفاء تحت جبل المُقطمِ من الجهةِ الْشرقية لجبَانة الإمام الليث.

و قد ترك ابن عطَاء الكثير من المُصَنفات و الكُتب منها ما نسيه الزمن و غمرته ريَاح السَنون، لكن أبرز ما بقي له:

-لطَائف المنن، في منَاقبِ الشيخ أبى العباس و شيخه أبى الحسن'

-القصد المُجرد في مَعرفةِ الاسم المُفرد

-عنوانُ التوفيقُ

-تَاجُ العروسُ الحاوى لتهذيب النفوس

-مفتاحُ الفلاحُ، و مصبَاحُ الأرواحُ

-الحَكم العطَائية.. و هى أهم ما كتبه و قد حظيت بقبول و انتشَار كبير و لا يزال بعضها يُدرس في بعض كُليات جامعة الأزهر، كما تَرجم المُستشرق الانجليزى آرثر اربري الكثير منها إلى الانجليزيه، و ترجم الأسبانى ميجيل بلاسيوس فَقرات كثيرة منها مع شرح الرندى عليها
[/font]


من موسوعه ويكبيدا .

[center][table=width:100%;background-color:white;background-image:url();border:10 double teal;][cell=filter: dropshadow(color=limegreen,offx=2,offy=2);][I][align=center]
عنوان التوفيق
فى آداب الطريق

للإمام العارف بالله تاج الدين
أحمد بن محمد عبد الكريم بن عطاء الله السكندري[/align][/B]
[/cell][/table][/center]

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 20, 2008 12:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4146
مكان: الديار المحروسة
[center][table=width:100%;background-color:white;background-image:url();border:10 double teal;][cell=filter:;][I][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ العارف بالله القـدوة المحقق، تاج العارفين ولسان المتكلمين، إمام وقته، ووحيد عصره، تاج الدين أبو الفضل أحمد ابن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه ونفعنا به، آمين:
الحمد لله المنفرد بالخلق والتدبير، الواحد في الحكم والتقدير، الملك الذي ليس له في مُلكه وزير، المالك الذي لا يخرج عن مُلكه صغير ولا كبير، المتقدس في كمال وصفه عن الشبيه والنظير، المنزَّه في كمال ذاته عن التمثيل والتصوير، العليم الذي لا يخفى عليه ما في الضمير،  ألاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرْ ، العَالِم الذي أحاط عِلمه بمَبادِئ الأمور ونهاياتها، السميع الذي فضل في سمعه بين ظاهر الأصوات وخفاياها، الرازق وهو المُنعم على الخليقة بإيصال أقواتها، القيوم المتكفل بها في جميع حالاتها الوهاب وهو الذي منَّ على النفوس بوجود حياتها، القدير وهو المعيد لها بعد وفاتها، الحسيب وهو المُجازي لها يوم قدومها عليه بحسناتها وسيئاتها، فسبحانه من إله مَنَّ على العباد بالجُودِ قبل الوُجود، وقام بهم بأرزاقهم على كلتا حالاتهم من إقرار وجحود، ومَدَّ كل موجودٍ بوجودِ عطائِهِ وحفظ وجود العالم بإمداد بقائه، وظهر بحكمته في أرضه وقدره في سمائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريك لـه، شهادة عبدٍ مفوِّضٍ لقضائه ومسلِّمٍ له في حُكمِهِ وإمضائِهِ، وأشهد أن محمداً عبـده ورسـوله المفَضَّل على جميع أنبيائه المخصوص بجزيل فضـله وعطائه، الفاتح الخاتم وليس ذلك لسواه، الشـافع لكل العباد حين يجمعهم الحق لِفصلِ قضـائه، صلى الله عليه وعلى آلـه وأصحابه المستمسكين بولائه، وسلم تسليما كثيراً.
اعلم يا أخي جعلك الله من أهل حُبِّـه، وأتحفك بوجود قربه، وأذاقك من شراب أهل وُدِّهِ، وأمِنكَ بدوام وصْلتِهِ من إعراضه وصَدِّهِ، ووصَلك بعبـاده الذين خَصَّهم بمراسلاته وجَبَرَ كسرَ قلوبهم لما علموا أنه لا تدركه الأبصار لنور تجلياته، وفتح لهم رياض القرب وهبَّ منها على قلوبهم واردات نفحاته، أشهدهُم سابقَ تدبيرِهِ فيهم فسلمُوا إليه القياد وكشَفَ عن خفي لطفـه في منعه فتركوا المنازعة والعناد فهم مستسلمون إليه، ومتوكلون عليه.
أمـا بعـد!!
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { يُحشَر المَرءُ عَِلى دِينِ خَلِيلِهِ فليَنظُر أحُدُكم مَن يُخَالِل }. فإذا علمت أيها الأخ الشقيق، فلا تخالل إلا من ينهضك حالهُ، ويَدُلك على الله مقالهُ، وذلك هو الفقير المتجرِّد عن السِّوى، المقبل على المولى، فليست اللذة إلا مخاللته، ولا السعادة إلا خدمته ومصاحبته.
فلذلك قال الشيخ العارف المتمكن أبو مدين :

ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا هم السلاطين والسادات والأمرا

أي: ما لذة عَيشِ السالك في طريق مولاه إلا صحبةُ الفقراء، والفقراء: جمع فقير، والفقير: هو المتجرِّد عن العلائق، المُعْرِض عن العوائق، لم يبق له قِبلةٌ ولا مقصدٌ إلا الله تعالى، وقد أعرض عن كل شيء سواه، وتحقق بحقيقة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ).
فمثل هذا: مصاحبته تذيقك لذة الطريق، وتريق في جميع فؤادك من شـراب القـوم أهنى رحيق، ويعرفك الطريق ويقطع لك العقاب ويزيل عن قلبك التعويق، وينهضك بهمَّتِهِ ويرفعك إلى أعلى الدرجات.
ومن كان كذلك: فهو السلطان على الحقيقة، والسيد على أهل الطريقة، والأمير على أهل البصيرة.
فلا تخالف أيها السالك طريقه، واجتهد أيها السالك المُجِدُّ في تحصيل هذا الرفيق، وأصحبه وتأدب في مجالسه ويزيل عنك ببركة صحبته كل تعويق؛ كما قال:

فاصحبهموا وتأدب في مجالسهم وخل حظك مهما قدموك ورا

أي: اصحب الفقراء، وتأدب معهم في مجالستهم؛ فإن الصحبة شبح، والأدب روحها، فإذا اجتمع لك بين الشبح والروح حُزتَ فائدة صحبته، وإلا كانت صحبتك ميتة فأي فائدة ترجوها من الميت.
ومن أهم آداب الصحبة:
أن تخلف حظوظك وراءك، ولا تكن همتك مصروفة إلا لإمتثال أوامرهم؛ فعند ذلك يشكر مسعاك.
فإذا تخلقت بذلك فبادر واستغنم الحضور، وأخلص في ذلك ترفع درجتك وتعلو همتك والقصور، كما قال :
واستغنم الوقت واحضر دائما معهم واعلم بأن الرضا يختص من حضرا

أي: واستغنم وقت صحبة الفقراء، واحضر دائما معهم بقلبك وقالبك تسري إليـك زوائدهم، وتغمرك فوائدهم وينصح ظاهرك بالتأدب بآدابهم، ويشرق باطنك بالتحلي بأنوارهم؛ فإن من جالس جانس: فإن جلست مع المحزون حزنت، وإن جلست مع المسرور سُرِرت، وإن جلست مع الغافلين سَـرَت إليك الغفلة؛ فإنهـم القوم لا يشقى جليسهم فكيف يشقى خادمهم ومحبهم وأنيسهم؟!
وما أحسن ما قيل:
لـي سادة من عزهم
إن لم أكن منهم فلي
أقدامهم فوق الجباه
في حبهم عِزٌ وجاه


واعلم أن هذا الرضا، وهـذا المقام يخص من حضر معهم بالتأدب، وخرج عن نفسه، وتحلى بالذلة والإنكسار فاخرج عنك إذا حضرت بين أيديهم، وانطرح وانكسِر إذا حللت بناديهم فعند ذلك تذوق لذة الحضور، واستعن على ذلك بملازمة الصَّمت، تشرق لك أنوار الفرح، ويغمرك السرور كما قال :
ولازم الصمت إلا إن سئلت فقل لا علم عندي وكن بالجهل مستترا

الصَّمت عند أهل الطريقة: من لازمه ارتفع بنيانه، وتمَّ غِراسه، وهو نوعان: صمت باللسان، وصمت بالجَنان، وكلاهما لا بدَّ منه في الطريق؛ فمن صمت قلبه ونطق لسانه نطق بالحكمة، ومن صمت لسانه وصمت قلبه تجلـى له سره، وكلمه ربه، وهذا غاية الصمت، وكلام الشيخ قابل لذلك.
فالزم الصمت أيها السالك، إلا إن سُئِلت، فإن سُئِلتَ فارجع إلى أصلِك ووصلك، وقل: لا علم عندي، واستتر بالجهل تشرق لك أنوار العلم اللدني؛ فإنك مهما اعترفت بجهلك ورجعت إلى أصلِك، لاحت لك معرفة نفسك، فإذا عرفتها عرفت ربك، كما روي في الحديث { مَن عَرفَ نفسَهُ عَرفَ رَبَّهُ }.
وكل ذلك من فوائد الصمت ولزوم آدابه، فاصمت وتأدب ولازم الباب تكن من أحبابه.
وما أحسن ما قيل:
لا أبرح الباب حتى تصلحوا عوجي
فإن رضيتم فيا عزي و يا شرفي وتقبلوني على عيبي ونقصاني
وإن أبيتم فمن أرجو لعصياني

فانهض أيها الأخ إلى باب مولاك بهمَّة علية، وتحقق بعبوديتك تشرق عليك أنواره السنية، كما أشار إلى ذلك الشيخ بقوله:
ولا تَرَ العيب إلا فيك معتقداً عيباً بدا بيِّناً لكنه استترا
أي: تحقـق بأوصافك من فقرك وضعفك وعجزك وذلتك، فإذا تحققت بأوصافك وشَهِدتْ لنفسك عيوباً لكنها مستترة، فعند ذلك تحظى بظهور أوصاف مولاك فيك؛ كما قيل: ( سُبحانَ مَن سَترَ سِرَّ العُبُودية )، وأفهم من هنا سر معنى قوله تعالى  سُبْحَانَ الذِي أسْرَى بِعَبدِهِ  ولم يَقل برسوله ولا بنبيِّهِ، أشار إلى ذلك المعنى الرفيع الذي لا ينال إلا من العبودية لذلك قيل:

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي

فانكسِر _ أيها الأخ _ وانطرح بالطريق ولا تَرَ لك حالا، ولا مقالا يزل عنك كل تعويق، واستغفر من كل ما يخطر بقلبك في عبوديتك وقُمْ على قدمِ الاعتراف وأنصِفْ من نفسك تبلغ أعلى درجات المنازل وتغنى بشريتك كما قال :

وحـط رأسك واستغفر بلا سبب وقف على قدم الإنصاف معتذرا

أي تواضع وانكسر، وحُطَّ أشرف ما عندك، وهو رأسك في أخفض ما يكـون وهي الأرض لتحـوز مقام القرب، كما ورد في الحديث: { أقرَبُ ما يَكُونُ العَبدُ إلى اللهِ تعَالى وَهو سَاجِد }؛ لأن قـُرب العبد، بتواضعه وانكساره وخروجه عن أوصاف بشريته، وأشهد نفسك دائماً مُذنباً، ولو لم يظهر عليك سبب الذنب، فإن العبد لا يخلو من تقصير، وقِف على قدَمِ الإنصاف من ذنوبك خجلا من سيئاتك وعيوبك، فإن من عامل المخلوق هذه المعاملة أحبَّهُ ولم يشهد له ذنباً وكانت مساويه عنده محاسن، فكيف إذا عامل بهذه المعاملة بهذه المعاملة صاحبه الحقيقي الذي إذا تحققه ليس له صاحب سواه، كما ورد في الحديث { اللهم أنتَ الصَّاحِبُ في السَّفر، والخلِيفة فِي الأهلْ والمَال والولَد }.
فتأهب _ أيها الأخ _ لهذه المعاملة مع إخوانك الفقراء لتصير لك معراجاً تتوصل بها إلى معاملة ربِّ السماء وتكون مقبولاً عند الخلق والخالق، وتصفو لك المعاملة وتشرق عليك أنوار الحقائق؛ قال :
إن بدا منك عيب فاعتذر وأقـم
وقل عبيدكموا أولى بصفحكموا
هم بالتفضل أولى وهو شيمتهم وجه اعتذارك عما فيك منك جرى
فسامحوا وخذوا بالرفق يا فقرا
فلا تخف دركا منهم ولا ضررا

أي لِيكن شأنك دائماً التواضع والإنكسار وطلب المعذرة والإستغفار، سواء وقع منك ذنب أو لم يقع، وإن بدا منك عيبٌ أو ذنب فاعترف واستغفر، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وليس الشأن أن لا تذنب، إنما الشأن أن لا تصِرَّ على الذنب كما ورد: { أنِينُ المُذنِبينَ عِندَ الله خَيرٌ مِن زَجلُ المُسَبحِين عَجَباً وافتخَارا }. ولذلك قلتُ في الحِكَمْ:" ربما فتح لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول، وقضى عليك بالذنب وكان سبباً للوصول "، " رُبَّ معصِيةٍ أورثتْ ذلا وانكِسَاراً خير من طاعةِ أورثت عِزا واستكبَاراً ".
ومع اعترافك واستغفارك أقِم وجه اعتذارك عما جرى منك فيكون ذلك مُمْحِياً للذنب وأدخل في القبول.وذُلَّ وتواضَع وانكسِر وقل عبيدكم أولى بصفحِكُم لأن العبد ليس له إلا باب مولاه وما أحسن ما قيل:
ألقيت فـي بابكم عناني
فزال قبضي وزاد بسطي ولم أبال بما عناني
و انقلب الخوف بالأماني

فسامحوا عُبَيدُكم يا فقرا، وخذوا بالرفق وعاملوني به فإني عبد فقير لا يصلحني إلا المعاملة بالرفق والفضل، ولا اعتماد لي إلا على الفضل لا بحولي ولا بقوتي؛ مذهبي العجز والسلام.
ثم قال : إنهم أولى بهذا الشيء، وهو شِيمتهم ولم يزالوا متفضلين، وهذه معاملتهم مع أصحابهم، وهي سجيتهم وكيف لا تكون سجيتهم وهم متخلقون بأخلاق مولاهم، كما ورد { تخَلقوا بأخْلاقِ الله }. فلا تخف منهم ضررا أيها السالك المصاحب لهم وتمسَّك بأذيَالهم؛ { فإنَّهُمُ القومُ لا يَشقَى جَلِيسَهُم }. فإذا عرفت ذلك أيها السالك فتخلق بأخلاقهم الكريمة وجُد بالتغني عن الأخوان، وغض الطرف عن عثرتهم تكن آخذ من أوصافهم أحسن هيئة.
قال :
وبالتغني عـلى الإخـوان جد أبداً حساً ومعنى وغض الطرف إن عثرا
أي: وتكرَّم على إخوانك، وجُد عليهم أبدا، أما في الحِسِّ فببَذل الأموال، وأما في المَعنى فبصرف همَّة الأحوال، ولا تبخل عليهم بشيء يمكنك إيصاله إليهم، فإن السماحة لبُّ الطريق، ومن تخلق بها فقد زال عن قلبه كل تعويق. قال الشيخ عبد القادر :" إخواني، ما وصَلتُ إلى الله تعالى بقيام ليل، ولا صيام نهار، ولا دراسة علم، ولكن وصلت إلى الله بالكرم والتواضع وسلامة الصَّدر فدَلَّ كلام الشيخ : أن الكرم هو الأساس، وأن التواضع يتم للسالك به الغراس، فإذا أتمَّ له هذان سلم صدره من العلائق، وزال عن طريقه كل عائق.ولذلك ورد في الحديث: { إنَّ في الجنة لغُرَفاً، يُرى ظاهِرها مِن باطِنها، وباطنُها من ظاهِرها، أعدَّها الله تعالى لِمَنْ ألانَ الكَلام، وأطعَمَ الطعام وتابَعَ القِيام وصَلى بالليل والناسُ نِيام }.فتأمل هذا الحديث _ يا أخي _ حيث بدأ بإلانة الكلام وهو إشارة إلى التواضع، ثم ثنى بإطعام الطعام، وهو إشارة إلى الكرم، ثم أتى بعد ذلك بالصَّلاة والصِّيام كما أشار إليه الشيخ عبد القادر.
فانهض أخي إلى هذه المآثر، وبادر واجمع معها حُسْنَ مكارم الأخلاق، وغُضَّ الطرف عن مسـاوئ الإخوان إن وقفت منهم على عثرة، ولا تشهد إلا محاسنهم، كما قال في حكمه الفتوحية:" رؤيـة محاسن العبيد والغيبة عن مساويهم ذلك شيء من كمال التوحيد ".
كما قيل:
إذا ما رأيت الله في الكل فاعلاً رأيـت جميع الكائنات مـلاحا
فإذا تخلقت _ أيها الأخ _ بهذه الخصال الشريفة، فقد تأهلتَ للإقبال على الشيخ:
فانهض إلى عتبة بابه، وراقبه بهمَّة منيفة، كما أشار إلى ذلك الشيخ بقوله:

وراقب الشيخ في أحواله فعسى يرى عليك من استحسانه أثرا
أي: إذا تخلقتَ بما تقدم من الآداب، ووصلت بافتقارك وانكسارك إلى الشيخ، وتمسَّكت بأثر تلك الأعتاب، فراقب أحواله، واجتهد في حصول مراضيه، وانكسِر واخضع له في كل حين؛ فإنه الترياق والشفاء، وإن قلوب المشايخ ترياق الطريق، ومن سَعِد بذلك تمَّ له المطلوب وتخلص من كل تعويق.
واجتهد _ أيها الأخ _ في مشاهدة هذا المعنى، فعسى يرى عليك من استحسانه لحالك أثراً؛ قال بعضهم:" من أشد الحرمان: أن تجتمع مع أولياء الله تعالى ولا تُرزق القبول منهم، وما ذلك إلا لسوء الأدب منك، وإلا فلا بُخل من جانبهم ولا نقص من جهتهم ".
كما قلتُ في الحكم:" ما الشأن وجود الطلب، إنما الشأن أن تورث حُسن الأدب ".
زار بعض السلاطين ضريح أبي يزيد وقال: هل هنا أحد ممن اجتمع بأبي يزيد؟ فأشير إلى شيخ كبير في السِّن كان حاضراً هناك، فقال له: هل سمعت شيئا من كلامه؟ قال: نعم، قال:" من زارني لا تحرقه النار "، فاستغرب السلطان ذلك الكلام! فقال: كيف يقول أبو يزيد ذلك وأبو جهل رأى النبي ، وهو تحرقه النار؟ فقال ذلك الشيخ للسطان: أبو جهل لم ير النبي ، إنما رأى يتيم أبي طالب، ولو رآه لم تحرقه النار. ففهم السلطان كلامه وأعجبه هذا الجواب منه.
أي إنه لم يره بالتعظيم والإكرام واعتقـاد أنه رسول الله، ولو رآه بهذا المعنى لم تحرقه النار، ولكنه رآه باحتقار واعتقاد أنه يتيم أبي طالب، فلم تنفعه تلك الرؤية.
وأنت يا أخي، لو اجتمعت بقـُطبِ الوقت ولم تتأدب، لم تنفعك تلك الرؤية، بل كانت مضرَّتها عليك أكثر من منفعتها.
فتأدب بين يدي الشيخ، واجتهد أن تسلك أحسن المسالك وخذ ما عرفت بجـد واجتهاد، وانهض في خدمته، واخلص في ذلك لتسود مع من ساد، كما قال:

وقَدِّمِ الجِدِّ وانهض عند خدمته
ففي رضاه رضا الباري وطاعته عساه يرضى وحاذر أن تكن ضجرا
يرضى عليك فكن من تركه حذرا
أي: انهض في خدمة الشيخ بالجد فعساك تحوز رضاه فتسُود مع من ساد، واحذر أن تضجر، ففي الضَّجر الفساد، ولازم أعتاب بابه في الصباح والمساء لتحوز منه الوداد.
وما أحسن ما قيل:
اصبر على مضض الإدلاج في السحر
و قل من جدَّ في أمر يؤمله وللنذور على الطاعات بالبكر
ما استصحب الصبر إلا فاز بالظفر
فإن ظفرت _ أيها السالك _ برضاه رضي الله تعالى عنك ونلت فوق ما تمنيت. فاستقم في رضاء شيخك وطاعته تظفر بطاعة مولاك ورضاه، وتفوز بجزيل كرامته.وعُضَّ بالنواجذ على خِدمة الشيخ إن ظفرت بالوصول إليـه.واعلم أن السعادة قد شملتك من جميع جهاتك، إذا عرفك الله تعالى به، وأطلعك تعالى عليه؛ فإن الظفر به .. لكن إذا ساعدتك العناية ظفرتَ وشمَمْتَ من نفحة طيبة ما يفوق المِسك الأذفر، ولذلك قال رضي الله تعالى عنه وعنا به، آمين:
واعلم بأن طريق القوم دارسة
متى أراهم وأنى لي برؤيتهم
من لي وأنى لمثلي أن يزاحمهم
أحبهم و أداريهم و أوثرهم وحال من يدعيها اليوم كيف ترى
أو تسمع الأذن مني عنهموا خبرا
على موارد لم آلف بها كدرا
بمهجتي و خصوصا منهم نفرا
شرع الشيخ يشوق السالك إلى طريق أهله، ويخبرهم أن طريقهم دارسة، وحال من يدعيها اليوم كما ترى في الفترة حتى كادت الهمم تكون من الطلب آيسة، وهكذا شأن طريق القوم لعزتها، كأنها في عصر مفقودة، ولا يظفر بها إلا الفرد بعد الفرد، وهذه سنة معهودة، وذلك أن الجوهر النفيس لا يزال عزيز الوجود، يكاد لعزته يُحكَم بأنه ليس موجود، والطريق أهلها مخفية في العالم خفاء ليلة القدر في شهر رمضان، وخفاء ساعة الجمعة في يومها حتى يجتهـد الطالب في طلبه بقدر الإمكان؛ فإن من جَدَّ وَجَدَ، ومن قرع الباب ولَجَّ وَلَجَ.
قلتُ: بعد أن ذكر لا بد من الشيخ في الطريق على سبيل السؤال والجواب، كيف تأمرنا بذلك وقد قيل إن وجود الشيخ كالكبريت الأحمر وكالعنقاء، من ذا الذي بوجودها يظفر، كيف تأمرني بتحصيلِ مَن هذا شأنُهُ، فقال: لو صدقتَ في الطلب وكنتَ في طلبه كالطفل والظمآن لا يقرُّ لهم قرار ولا تسكن لوعتهم حتى يظفروا بمقصودهم، فأشار الشيخ رضي الله عنه إلى أن الشيخ موجود، وكيف لا يكون موجودا وعمارة العالم بأمثاله؛ فإن العالَمَ شخصٌ والأولياء روحه، فما دام العالَم موجوداً لا بدَّ من وجودهم، لكن لشدَّة خفائهم وعدم ظهورهم حُكِم بفقدانهم.

يتبع بمشيئه الله [/align][/B]
[/cell][/table][/center]

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 20, 2008 12:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm
مشاركات: 4146
مكان: الديار المحروسة
[center][table=width:100%;background-color:white;background-image:url();border:10 double teal;][cell=filter:;][I][align=center]- فاجتهد واصدق في الطلب تجدِ المطلوب، واستعِن على ذلك الطلب بمَدَدِ علام الغيوب؛ فإن الظفر لا يحصل إلا بمجَّرد فضله.وإذا أوصلك إلى الشيخ فقد أوصلك إليه كما قلت في الحكم: ( سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه ).ثم إن الشيخ ، كما ذكر عزة الطريق، وفقدان أهلها شرع يتأسف على الإجتماع بهم ويتمناه، ويستبعد من نفسه حصول ذلك، والتشرف بلقائه تواضعا منه وانكساراً وهضماً لنفسه واحتقاراً. وهذا شأن العارف لنفسه بنفسه، الممتلىء من معرفة ربه، المتحلي بواردات قدسه؛ لأنه لا يرى لنفسه حالا ولا مقالا، بل يرى نفسه أقل من كل شيء وهو هو النظر التام، كما قيل:

إذا زاد علم المرء زاد تواضعا
وفي الغصن عن حمل الثمار مناله وإن زاد جهل المرء زاد ترفعا
فإن يَعْرُ من حمل الثمار تمنُّعا
فانظر إلى الشيخ أبي مدين ورفعته في الطريق مع أنه وصل من تربيته اثنا عشر ألف مريد، وانظر إلى هذا التنزل منه والتدلي بأغصان شجرة معرفته إلى أرض الخضوع والانكسار حتى أنه لم ير نفسه أهلا للاجتماع بأهل هذه الطريقة، ويزيده هذا الانخفاض من الارتفاع؛ لأن الشجرة لا يزيدها انخفاضها في عروقها إلا ارتفاعا في رأسها. فتواضع في الطريق، وخذ هذا الأصل العظيم من هذا العارف المتمكن يزل عنك كل تعويق. ثم قال بعد ذلك: ( أحبهم إلى آخره )، أي: وإن لم أكن أنا منهم فإني أحبهم، ومن أحب قوما فهو منهم؛ كما ورد في الحديث { المَرءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ }.كما قيل :

أحب الصالحين ولست منهم
و أكره من بضاعته المعاصي لعلي أن أنال بهم شفاعة
و إن كنا سواء في البضاعة
وهذه خصال القوم وصفاتهم، ولذلك ارتفعت رتبهم، وجزلت عطيتهم؛ كما وصفهم بقوله:

قوم كرام السجايا حيث ما جلسوا
يهدي التصوف من أخلاقهم طرفا
هم أهل ودي وأحبابي الذين هموا
لا زال شملي بهم في الله مجتمعا
ثم الصلاة على المختار سيدنا يبقى المكان على آثارهم عطرا
حسن التألف منهم راقني نظرا
ممن يجر ذيول العز مفتخرا
وذنبنا فيه مغفورا ومغتفرا
محمد خير من أوفى ومن نذرا
أي: قوم سجاياهم كريمة وهمتهم عظيمة، حيثما جلسوا تبقى آثار نفحات عطرهم في المكان ظاهرة، وأينما توجهوا سطع شمس معارفهم فتشرق القلوب، وتصلح بهم الدنيا والآخرة، يهدي التصوف للسالك المشتاق من أخلاقهم طرقا مجيدة تدل على الطريق ويسير في سلوكه سيرة حميدة، فلذلك جمعوا أحسن تأليف، حتى راق كل ناظر وجَدُّوا في أكمل معنى لطيف، حتى اكتحلت بكحل إثمدهم أنوار البصائر.وكذلك قال الشيخ بعد ذلك ( هم أهل ودي وأحبابي ) إلى آخره.
فإن الشخص لا يحب إلا من جانسه، ولا يَوَد إلا من كان بينه وبينه مؤانسة.وفي هذا الكلام إشارة إلى أنه من جملتهم، وطينته من طينتهم، وما تقدم منـه في التواضع والإنكسار دليل على التحقيق في هـذا المجد والفخار كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يسلك بنا أحسن المسالك، ثم دعا وسأل أنه لا يزال شمله بهم في الله تعالى، وذنبه مغفورا، ونحن نسأله أيضا إتمام الصلاة والسلام على سيدنا محمد المختار خير من أوفى ومن نذر، ومن أكرم الجار وعلى آله وصحبه السادة الأبرار والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذا الرقم لمن تعـطش ليله في معاني هذه الأبيات، وإلا فنحن معترفون بالعجز والتقصير عن معانيها وإنما الأعمال بالنيات، والله تبارك وتعالى أعلم.

انتهى الكتاب والحمد لله أولاً وآخراً
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

تم بحمد الله النقل [/align][/B]
[/cell][/table][/center]

_________________
صورة


أنا الذى سمتنى أمى حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندره


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين فبراير 25, 2008 12:29 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 19608
[font=Arial]اللهم ارزقنا التوفيق بمددك وحولك وقوتك

فإنا لاحول لنا ولا قوة إلا بك ياربى

جزاك الله خيراً يا أبن الزهراء على هذا الكتاب الجميل

ورزقك الله التوفيق وزادك همة وبركة
[/font]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 12 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط