عن المذاقات والإشارات والأنوار التي في قول الله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجّ)
لما بنى سيدنا إبراهيم البيت العتيق أمره ربه أن يصعد عليه وأن يؤذن في الناس.
قال تعالى:{ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم} [الحج : 27 ، 28] ، فقال سيدنا إبراهيم عليه السلام: يا رب وما عسى أن يبلغ صوتي؟! فأوحى الله إليه عليك النداء وعليّ الإسماع. فنادى سيدنا إبراهيم عليه السلام يا أيها الناس إن الله بنى بيتاً فحجوه، فأسمع الله تعالى ذلك النداء عباده، فمنهم من أجاب ومنهم من لم يجب، ولقد كانت إجابتهم للنداء مثل قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف : 172]، فكانت إجابتهم من ظهور الآباء وبطون الأمهات في عالم الأرواح، فالذين أجابوا الخليل عليه السلام هم الذين يسارعون إلى الحج حين خروجهم إلى الحياة الدنيا، أما الذين تلكأوا في إجابة النداء فهؤلاء هم الذين لم يسارعوا على الفور إلى الحج بل أدوه على التراخي.
ومنهم من كرر الإجابة مرة تلو المرة، فهؤلاء هم الذين على صلاتهم دائمون، ولذلك جاءت صيغة التلبية مكررة: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
واعلم يا بني أنه من أعرض بسره عن الجهة وأقبل بوجهه إلى الله تعالى صار الحق قبلة له، فيكون هو قبلة الجميع، كآدم عليه السلام كان قبلة الملائكة لِما عليه من كسوة الجمال والجلال، كما قال المصطفى صلى الله عليه آله وسلم: "خلق الله آدم على صورته"، يعني ألقى عليه حُسن صفاته ونور مشاهدته، كما قال تعالى لسيدنا موسى عليه السلام: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه : 39].
ولنرجع ثانية إلى الآية التي بدأنا بها الحديث وهي قوله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجّ)، اعلم أن الأذان والإذن كل منهما قريب من الآخر ولكن الإذن أعم إذ الفرق بينهما أن الإذن إعلام وإطلاق وليس في الأذان ذلك، إذ الأذان بمنزلة الإذن الأزلي، ومن لم يكن له إذن فلا يؤديه.أهـ
المصدر: كتاب الحج بين الشريعة والحقيقة للشيخ سليمان سامي محمود شيخ الطريقة الخلوتية المحمدية (ص:70-71).