الرسالة القشيرية
التواجد والوجد والوجود فالتواجد: استدعاء الوجد بضرب اختيار، وليس لصاحبه كمال الوجد؛ إذ لو كان لكان واجداً، وباب التفاعل أكثره على إظهار الصفة، وليست كذلك. قال الشاعر: إذا تخازرت، وما بين من خزر ... ثم كسرت العين من غير ما عور فقوم قالوا: التواجد غير مسلم لصاحبه، لما يتضمن من التكلف ويبعد عن التحقيق. وقوم قالوا: إنه مسلمَّ للفقراء المجرّدين، الذين ترصَّدوا لوجدان هذه المعاني، وأصلهم. خبرُ الرسول صلى الله عليه وسلم:أبكوا، فإن لم تبكوا، فتباكوا، والحكاية المعروفة لأبي محمد الجريري، رحمه الله، أَنه قال: كنت عند الجنيد، وهناك ابن مسروق وغيره، وثمَّ قوال، فقام ابن مسروق وغيره.. والجنيد ساكن، فقلت: يا سيدي، مالك في السمَّاع شيء!! قال الجنيد: وترى الجبال تحسبها جامدة، وهي تمر مرَّ السحاب ثم قال: وأنت يا أبا محمد، مالك في السِّماع شيء؟ فقلت: يا سيدي، أنا إذا حضرت موضعاً فيه سماع وهناك مُحتشم أمسكت على نفسي وجدي، فإذا خلوت أرسلت وجدي، فتواجدْت. فأطلق في هذه الحكاية التواجد، ولم ينكر عليه الجنيد. سمعت الأستاذ أبا عليٍّ الدقاق، رحمه الله، يقول: لما راعي أبو محمد، أدب الأكابر في حال السماع، حفظ الله عليه وقته، ببركات الأدب، حتى يقول: أمسكت على نفسي وجدي فإذا خلوت أرسلت وجدي فتواجد؛ لأنه لا يمكن إرسال الوجد، إذا شئت، بعد ذهاب الوقت وغلباته. ولكنه لما كان صادقاً في مراعاة حرمة الشيوخ، حفظ الله تعالى عليه وقته، حتى أرسل وجده عند الخلوة. فالتواجد: ابتداء الوجد على الوصف الذي جرى ذكره، وبعد هذا. والوجد: ما يصادف قلبك، ويرد عليك بلا تعمد وتكلف. ولهذا قال المشايخ: الوجد: المصادفة والمواجيد: ثمرات الأورد. فكل من ازدادت وظائفه ازدادت من الله لطائفة. سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، رحمه الله، يقول: الواردات: من حيث الأوراد: فمن لا ورد له بظاهره لا ورد له في سرائره، وكل وجد فيه من صاحبه شيء، فليس يوجد. وكما أن ما يتكلفه العبد من معاملات ظاهرة يوجب له حلاوة الطاعات، فما ينازله العبد من أحكام باطنه يوجب له المواجيد. فالحلاوات ثمرات المعاملات والمواجيد: نتائج المنازلات. أما الوجود: فهو بعد الارتقاء عن الوجد. ولا يكون وجود الحق، إلا بعد خمور البشرية، لأنه لا يكون للبشرية بقاء عند ظهور سلطان الحقيقة. وهذا معنى قول أبي الحسين النوري: أنا منذ عشرين سنة بين الوجد والفقد: أي: إذا وجدت ربيَّ فقدت قلبي، وإذا وجدت قلبي فقدت ربي.
_________________ اللهم صل على سيدنا محمد باب الاستجابة نبي التوبة و الإنابة صاحب طيبة المستطابة والرفعة المهابة وعلى آله وسلم
|