نوادر الأصول ط النوادر (2/ 103)
(في الاعتصام بالكتاب والعترة وبيانها
حدثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء، قال: حدثنا زيد بن الحسن الأنماطي، عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: ((أيها الناس! قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي)).
حدثنا نصرٌ، قال: حدثنا زيد بن الحسن، قال: حدثنا معروف بن خربوذٍ المكي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيدٍ الغفاري، قال: لما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، خطب فقال: ((أيها الناس! إنه قد نبأني اللطيف الخبير: أنه لن يعمر نبيٌّ إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبل، فإني أظن أن يوشك أني أدعى فأجيب، وإني فرطكم على الحوض، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفونني فيهما، الثقل الأكبر: كتاب الله سببٌ، طرفه بيد الله، وطرفٌ بأيديكم، فاستمسكوا به، ولا تضلوا، ولا تبدلوا، والثقل الآخر: عترتي، أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير: أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)).
قال أبو عبد الله: فأهل البيت قوم اصطفاهم الله، وهم كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعاهم، ثم تلا هذه الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}.
فذريتهم منهم، فهم صفوةٌ، وليسوا بأهل عصمة، إنما العصمة للنبيين عليهم السلام، والمحنة لمن دونهم، وإنما يمتحن من كانت الأمور محجوبة عنه، فأما من صارت الأمور له معاينةً ومشاهدةً فقد ارتفع عن المحنة.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما إن أخذتم به لن تضلوا)) واقعٌ على الأئمة منهم السادة، لا على غيرهم، وليس بالمسيء المخلط قدوة، وكائن فيهم المخلطون والمسيئون؛ لأنهم آدميون لم يعروا من شهوات الآدميين، ولا عصموا عصمة النبيين، وكذلك كتاب الله تعالى من قبل، منه ناسخٌ ومنسوخٌ، فكما ارتفع الحكم بالمنسوخ منه، كذلك ارتفعت القدوة بالمخذولين منهم، وإنما يلزمنا الاقتداء بالفقهاء والعلماء منهم بالفقه والعلم الذي ضمن الله تعالى لهم بين أحشائهم، لا بالأصل والعنصر.
فإذا كان هذا العلم والفقه موجوداً في غير عنصرهم؛ لزمنا الاقتداء بهم كالاقتداء بهؤلاء، وقد قال الله تعالى في تنزيله:
{أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}.
فإنما يلي الأمر منا من فهم عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ما بهم الحاجة إليه من العلم في أمر شريعته.
وكذلك روي عن جابر بن عبد الله، وابن عباس، وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية، وهي قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: هم العلماء والفقهاء.
حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا أبو نعيمٍ، عن الحسن بن صالحٍ، عن عبد الله بن محمدٍ بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد الله: {وأولي الأمر منكم}. الفقهاء.
فإنما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما ترى- إليهم؛ لأن العنصر إذا طاب، كان معيناً لهم على فعل ما يحتاج إليه، وطيب العنصر يؤدي إلى محاسن الأخلاق، ومحاسن الأخلاق تؤدي إلى صفاء القلب، ونزاهته، فإذا نزه القلب وصفا، كان النور أعظم، وأشرق الصدر بنوره، فكان ذلك عوناً له على درك ما به الحاجة إليه في شريعته.) اهـ