موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: مناظرات في الأدب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مارس 22, 2016 11:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2825
( المناظرات في الأدب

حدثنا أبو ناظرة البصري عن المازني قال: بينا أنا قاعد في المسجد إذا صاحب بريد قد دخل وهو يسأل عني
ويقول: أيكم المازني؟
فأشار الناس إليّ، فقال: أجب،
قلت: من ومن أجيب؟ قال: الخليفة، فذعرت منه وكنت رجلاً فاطمياً فظننت أن اسمي رُفع فيهم فقلت: أصلحك الله! تأذن لي أن أدخل منزلي فأودع أهلي وأتأهب لسفري؟
فقال: افعل. فعلمت أنه لو كان شراً لما أذن لي فسكنت إلى قوله ودخلت المنزل فودّعتهم وخرجت إليه، فحملني على دابة من دواب البريد حتى وافى بي باب الواثق، فما كان إلا قليلاً حتى أذن لي فدخلت إلى بهوٍ وإذا رجل قاعد وعلى رأسه سبعون وصيفاً. فذهبت أسلّم عليه بالخلافة. فقيل لي: هذا بغا. ثم تقدمت إلى بهو آخر فإذا رجل قاعد على كرسي وبين يديه سبعون وصيفاً. فذهبت أسلم عليه بالخلافة فقيل: هذا وصيف. حتى دفعت إلى الستر فما زال يقول: اذهب ادن ادن، حتى حاذاني بسريره،
ثم قال: ما اسمك؟
قلت: بكر بن محمد.
قال: ممن سمعتها؟ يعني اللغة.
قلت: من مزاحم العقيلي،
فقال حدثني. فلم أدر بما أحدثه وقلت: لعل حديثي على البديهة يعجبه،
قلت: يا أمير المؤمنين قال رؤبة بن العجاج:
لا تعلواها وادلواها دلوا ... إنّ مع اليوم أخاه غدوا
فكأنه فطن لما أردت فقال: أجل أتدري لم دعوناك؟
قلت: لا.
قال: وقع بيني وبين جارية لي شجار في بيت أردت لها إعرابه فامنتعت عليّ وقالت: سل المازني.
قلت: فأسمعني يا أمير المؤمنين.
قال: نعم. وأومأ إلى خادم بين يديه فضرب ستارة كادت عيني تلتمع من كثرة ذهبها ثم سمعت وراءها نقراً لولا جلالة أمير المؤمنين لرقصت عليه، ثم غنت:
أظليم إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام تحيةً ظلم
فقال: كيف ما سمعت؟
قلت: صواب.
قال: فقد أخطأنا إذاً،
قلت: وكيف؟
قال أمير المؤمنين قلت:
أظليم إن مصابكم رجلٌ ... أهدى السلام تحيةً ظلم
فقلت: وأصاب أمير المؤمنين.
قال: فكاد يقوم إليّ فرحاً، ثم أدخل رأسه في الستارة فأومأ إليّ الخادم في الخروج فخرجت فناولني صرةً فيها خمسمائة دينار وحملت على البريد حتى رددت إلى منزلي بالبصرة.
والشعر لأبي دهبل الجمحي يقول فيه:
عُقم النساء فلا يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عُقْم
فلا يلدن شبيهه أجود.


وحدثنا علي بن يزيد عن إسحاق بن المسيب بن زهير قال: حدثني المفضل قال: كنت يوماً عند الصراة ببغداد وكنت في الصحابة فأتاني رسول المهدي فقال لي: أجب. فخفت أن يكون ساعٍ سعى بي، فدخلت منزلي ولبست ثيابي وهممت أن أخبر أهلي ثم قلت: لم أعجل لهم الهمّ؟ إن كان خير سيأتيهم وإن كان غير ذلك فلا أكون عجّلته لهم.
فمضيت حتى دخلت عليه وأنا مرعوب فسلمت عليه ورد السلام، وإذا عنده الفضل بن الربيع وعلي بن يقطين وغيرهما، فقال: إن هؤلاء زعموا أنك أعلم الناس بالشعر فأخبرني ما أشعر بيت قالته العرب؟
فوقعت في شيء لم أدر كيف هو فجهدت والله أن أنشده بيتاً من شعر فما قدرت عليه.
فقال لي: ما لك لا تتكلم؟
فجرى على لساني ذكر الخنساء فقلت: لقد أحسنت الخنساء في قولها:
وإن صخراً لمولانا وسيدنا ... وإن صخراً إذا نشتوا لنحّار
وإن صخراً لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
قال: فاستبشر بذلك، وسر سروراً شديداً، ثم قال: أنت والله أعلم الناس وقد قلت هذا لهؤلاء فأبوا عليّ.
فقال القوم: كان أمير المؤمنين أولى بالصواب.
فقال لي: يا مفضّل أسهرتني البارحة أبيات حسين بن مطير الأسدي.
قلت: وأي أبياته؟ قال قوله:
وقد تغدر الدنيا فيضحي غنيها ... فقيراً ويغنى بعد بؤسٍ فقيرها
وكم قد رأينا من تغير عيشةٍ ... وأخرى صفا بعد اكدرار غديرها
قلت: مثل هذه فليسهرك يا أمير المؤمنين زادك الله توفيقاً وتسديداً!
قال: حدثني يا مفضّل.
قلت: أي الأحاديث تحب؟
قال: أحاديث الأعراب.
فما زلت أحدثه حتى بلغت الشمس منه،
ثم قال: ما لك،
قلت: يا سيدي ما تسأل عن رجل مأخوذ بعشرة آلاف درهم ليست عنده!
قال: عليك عشرة آلاف درهم؟
قلت: نعم.
فقال: يا ربيع احمل إليه عشرة آلاف درهم لقضاء دينه وعشرة آلاف درهم يبني بها داره وعشرة آلاف ينفقها على عياله، فرجعت ومعي ثلاثون ألف درهم.


وقال النضر بن شميل: دخلت على المأمون بمرو وهو في بهو له في يوم صائف وعليّ قميص مرقوع فقال: يا نضر تدخل على أمير المؤمنين في خلقان ثيابك؟
فقلت: يا أمير المؤمنين حرّ مرو وأنا شيخ كبير لا أحتمل الحر ولا البرد. ثم أنشدته:
لو يُشترى الشباب لاشتريته ... شبابي النضر الذي أبليته
بكل ما لي ثم ما استغليته
ثم أجرينا الحديث فقال: يا نضر أي النساء أحب إليك؟
قلت: البيضاء الفرعاء المديدة،
فقال: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان له فيها سَداد من عوزٍ.
قلت: صدق هشيم. حدثني عوف عن الحسن عن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كان له فيها سِداد من عوز.
قال: يا نضر والسَّداد خطأٌ؟
قلت: خطأٌ يا أمير المؤمنين!
قال: وما يدريك؟
قلت: السَّداد بالفتح القصد في الدين وفي السبيل، والسِّداد البلغة، وكل شيء سددت به شيئاً فهو سداد.
قال: أتعرف العرب ذلك؟
قلت: نعم هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان، رحمه الله، حيث يقول:
أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا ... ليوم كريهةٍ وسِداد ثغر
فاستوى جالساً وقال: قبح الله من لا أدب له! ثم أقبل عليّ فقال: أخبرني بأخلب بيت قالته العرب، قلت: قول ابن بيض في الحكم بن مروان:
تقول لي والعيون هاجعةٌ ... أقم علينا يوماً فلم أقم
متى يقل صاحب السرادق هـ ... ذا ابن بيضٍ بالباب يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلاً ... فهات أُدخل وأعطني سلمي

قال: لقد أحسن وأجاد، فأخبرني بأنصف بيت قالته العرب، قال: قول أبي عروبة:
إني وإن كان ابن عمي واغداً ... لمداهنٌ من خلفه وورائه
ومفيده نصري وإن كان امرأً ... متباعداً من أرضه وسمائه
فأكون والي سرّه وأصونه ... حتى يحين عليّ وقت أدائه
وإذا الحوادث أجحفت بسوامه ... قرّبتُ جلّتنا إلى جربائه
وإذا دعا باسمي ليركب مركباً ... صعباً ركبت له على سيسائه
وإذا رأيت عليه برداً ناضراً ... لم يلفني متمنياً لردائه

فقال: لقد أحسن وأجاد، فأخبرني عن أعز بيت قالته العرب. قلت: قول راعي الإبل:
أطلب ما يطلب الكريم من ال ... رزق لنفسي وأُجمل الطلبا
وأحلب الثرّة الصفيّ ولا ... أطلب في غير خلفها حلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغّبته في صنيعه رغبا
والنذل لا يطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلا إذا رهبا
مثل الحمار الموقّع السوء لا ... يحسن مشياً إلا إذا ضربا

فقال: والله لقد أحسن وأجاد.
ودعا بالدواة فما أدري ما يكتب ثم قال: يا نضر كيف تقول من الإتراب؟
قلت: أقول اترب القرطاسَ والقرطاسُ متروب.
قال: فلم كسرت الألف؟
قلت: لأنها ألف وصل تسقط في التصغير.
قلت: فكيف تقول من الطين؟
قلت: طِن الكتاب والكتابُ مطينٌ.
قال: هذه أحسن من الأولى.
ثم دفع ما كتب إلى خادم ووجهه معي إلى ذي الرياستين الحسن بن سهل، فقال لي ذو الرياستين: ما الذي جرى بينك وبين أمير المؤمنين؟ فقد أمر لك بخمسين ألف درهم. فقصصت عليه القصة.
فقال: ويحك لحّنت أمير المؤمنين.
قلت: معاذ الله بل لحّنت هشيماً لأنه كان لحّانة، فوقّع لي أيضاً من عنده بثلاثين ألف درهم فانصرفت بثمانين ألف درهم في حرف واحد سِداد وسَداد. )اهـ

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مناظرات في الأدب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 23, 2016 12:06 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2825
( قال أبو سعيد الضرير: سمعت ابن الأعرابي يقول: بعث إليّ المأمون فصرت إليه وإذا هو مع يحيى بن أكثم يطوفان في حديقة، فلما نظر إليّ ولاني ظهره فجلست فلما أقبل قمت قائماً فأسرّ إلى يحيى بشيء ما فهمت كله إلا ما قال: ما أحسن أدبه! وقد أقبل إلى مجلسه ثم التفت إليّ
فقال: يا محمد بن زياد من أشعر العرب في وصف الخمر؟
فقلت: الذي يقول:
تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقها يتمطّق
فقال: أحسن الناس قولاً في صفة الخمر الذي يقول:
فتمشّت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
فعلت في البيت إذ مُزجت ... مثل فعل الصبح في الظلم
فاهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السفر بالعلم
قلت: فائدة أمير المؤمنين.
ثم قال: ما معنى قول هند:
نحن بنات طارق ... نمشي على نمارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
ففكرت في نسبها ونسب أبيها فلم أجد طارقاً فقلت: ما أعرف طارقاً يا أمير المؤمنين.
فقال: إنما قالت إنها في العلو والشرف بمنزلة الطارق وهو النجم، من قول الله، عز وجل، والسماء والطارق،
قلت: فائدة يا أمير المؤمنين ثانية.
ثم التفت إلى يحيى بن أكثم فقال: أنا بؤبؤ هذا الأمر وابن بؤبئه.
فلم أدر ما قال وقمت لأخرج. فلما نظر إليّ وقد قمت رمى إليّ بعنبرة كانت في يده بعتها بخمسة آلاف درهم،
قال: فرجعت إلى كتبي فنظرت فيها لأعرف ما قال فوقعت على هذه الأبيات لبعض الأعراب:
كأنما بنت أبي المحيريه ... قاعدةٌ في إتبها لُؤيليه
قد فاقت البؤبؤ والبؤيبيه
فعملت أنه عنى السيد وابن السيد.


قال أبو عبد الله الأسواري: دخلت على المأمون في حديقة له وفي يده مقراص ذهب وهو يقرص به ما طال من أوراق تلك الروضة ويقوّم ما بدا من أغصانها، فسلمت وقلت: يا أمير المؤمنين، جعلت فداك، إنك لمستهتر بهذه الحديقة حتى إنك لا تأمن عليها أحداً.
قال: نعم يا أسواري فهل يحضرك في ذلك شيء؟
قلت: نعم، وأنشدته:
أوائل رسلٍ للربيع تقدمت ... على طيب وجه الأرض خير قدوم
فراقت لها بعد الممات حدائقٌ ... كواسٍ وكانت مثل ظهر أديم
إذا اقتصها طرف البصير بلحظةٍ ... توهّمها مفروشةً برقوم
كأن اخضرار الزهر والروض طالعٌ ... عليه سماءٌ زينت بنجوم
تردت بظلٍّ دائمٍ فتضاحكت ... كضحك بروقٍ في بكاء غيوم
وأوردها فحل السحاب عرائساً ... ضعاف القوى من مرضعٍ وفطيم
إذا برزت منهن بكرٌ حسبتها ... تراك وإن أضحت بعين سقيم
كمثل نشاوى الراح يلثم ذاك ذا ... أو الريح جادت بينها بنسيم
تخال وقوع الطل فيهن أدمعاً ... رنت بعيونٍ غير ذات سجوم

قال: أحسنت يا أسواري، يا غلام اسقنا على هذا.
ثم جلس على كرسي مغشّىً بالحرير وإذا غلام قد أقبل يهتز كأنه القضيب المائل حين اخضر شاربه وبدا عذاره وفي يده كأسٌ وإبريق فصبّ في الكأس من الإبريق ثم مزجه وناوله إياه، فأخذه في يده ساعة وجعل ينظر إلى الغلام ما يرد بصره عنه،
ثم قال: يا أسواري هل يحضرك في صفة مثل هذا شيء؟
قلت: نعم يا سيدي، وأنشدته:
ثجاج مزنٍ شجّ كأس رحيق ... ريق المهفهف فيه أعذب ريق
أذرى لخوف البين حرّ مدامعٍ ... في در خدٍّ فيه ذوب عقيق
هو في تناهي صدق حسنٍ فائقٌ ... في حسن صورة يوسف الصديق
قامت على رجلٍ به الدنيا لنا ... إن قام بالمنديل والإبريق
فرأى على قلبي لواحظ طرفه ... وتلا كتاب الحب بالتحقيق
إن دام ذا في حسنه أبداً لنا ... سمّي فقيه العصر بالزنديق

قال: فقال المأمون: أحسنت ويحك فمن صاحب هذه الأبيات؟
قلت: فلانٌ يا أمير المؤمنين.
فقال: أشعر والله منه في هذا المعنى شيخ الشعراء أبو نواس حيث يقول:
كُفّي فلست لعاذلٍ بمطيق ... بلغ الهوى بي غاية التحقيق
قطع الهوى فرط الشباب بباطلٍ ... أيدي الزمان وألسن التصديق
وجداولٌ موصولةٌ بجداولٍ ... من صوب غاديةٍ ولمع بروق
تكسو مدامعه الرياض عرائساً ... من نرجسٍ متكاثفٍ وشقيق
باكرتها قبل الصباح بسحرةٍ ... قبل ابتكار مجرة العيّوق
من كف أحور ذي عذارٍ أخضرٍ ... يسبي القلوب بقدّه الممشوق
فكأن ما في الكأس من إبريقه ... نارٌ تسلل من فم الإبريق
وكأنها والماء يأخذ جسمها ... درٌّ يُنثر فوق أرض عقيق
وتضوع مسكاً في الزجاجة أذفراً ... ذوب الشباب معصفراً بخلوق
قمرٌ عليه من البدائع حلةٌ ... يسقيك كأس هوىً وكأس رحيق
ما طاب عيش فتىً يطيب بغيرها ... لا سيما إن شجها بالريق
يغنيك عن ورد الرياض وزهرها ... منه تورّد خدّه المعشوق

قال فقلت: يا أمير المؤمنين قد حضرني في هذا المعنى شيء فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في إنشاده؟
قال: هات. فقلت:
جسمٌ مركَّبه في العين إنسيُّ ... وفي اللطافة والأجناس عدنيُّ
ما يعرف الطرف من أعراض جوهره ... إلا الذي يخبر الفكر القياسي
وكلّ من غاص في إدراك صورته ... فإنما نطقه في ذاك وهميّ
حاز المحاسن والأنوار أجمعها ... فالحسن من حسنه في الخلق جزئي
إذا العيون تراءته تراهقها ... من حسن صورته اللحظ الظلامي
ما دبّ في فطن الأوهام من حسنٍ ... إلا وكان له الحظ الخصوصي
كأن جبهته من تحت طرته ... بدرٌ يتوجه الليل البهيمي
كأن عينيه خرطا جزعتي يمنٍ ... من كل حافاتها سهم صيابيّ
كأن صدغيه قافا كاتبٍ مشقا ... من فوق ياقوتةٍ والخد وردي
كأنما الثغر منه في تبسمه ... درٌ تفلّق عنه البحر لجيّ
كأنما الردف منه إذ يميس به ... موجٌ يكفكفه الريح الجنوبي
لو مس أجبال ماهان لفجّرها ... بالماء يسعده الطلّ الغمامي
أو لامس الماء لانسابت أنامله ... كالثلج حلّ به الودق السخامي
جنسيُّ نورٍ على كنهيّ جوهرةٍ ... من روح قدسٍ أو الأنوار بريّ
يسقي بجوهرةٍ في جوف جوهرةٍ ... من نور جوهرةٍ واللون جنسي
ماءٌ وماءٌ وفي ماءٍ يديرهما ... ماءٌ خلافهما والطيب تيهيّ
قد جلّ عن طيب أهل الأرض عنبره ... ومسكه فهو الطيب السماويّ
إذا رأته عيون الخلق أحسرها ... نوراً ولاحظها الحسن الهوائيّ
كادت محاسنه من لطف رقته ... تصير عيباً وما للعيب كيفيّ
سبحان خالقه ماذا أراد به ... لولاه لم يكن الفعل السريريّ
إذا أدار علينا الكأس جمّشه ... من ودّ أسرارنا ودٌّ حقيقي
مصورٌ طرفت عين الزمان به ... واكتنّه من جناح الخفض علويّ

قال: فتبسم المأمون وقال: أحسنت والله يا أسواري، فلمن هذا ويحك؟
قلت: لعبدك النظّام.
فقال: أحسن فيما وصف وأحسنت في تعبيرك عنه.
ثم سقاني وأمر لي بخمسين ألف درهم وأمر للنظام بمثلها.


أحمد بن القاسم قال: كنت أنا وعبد الله بن طاهر عند المأمون وهو مستلقٍ على قفاه فقال لعبد الله: يا أبا العباس من أشعر الناس في زماننا؟
فقال: أمير المؤمنين أعرف بهذا مني.
قال: على حالٍ.
قال الذي يقول:
أيا قبر معنٍ كنت أول حفرةٍ ... من الأرض خطّت للمكارم أجمعا
قال أحمد: فقلت أشعرهم الذي يقول:
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظي منك حظي منهم
فقال المأمون: أين أنتما عن قول أبي نواس:
يا شقيق النفس من حكمٍ ... نمت عن ليلي ولم أنم
قال: وقال المأمون لعبد الله بن طاهر في الحلبة وقد ارتفعت أصوات العامة: يا أبا العباس سكّن العامة.
قال عبد الله: فوثتب أنا ومن معي فارتفع من أصواتنا وضجيجنا أكثر مما كان،
فقال لي: أتدلّ بالرياسة ولا بصر لك بالسياسة، هكذا تسكّن العامة؟ هلا ناديت الأقربين لينادي الأقربون الأبعدين!
قال: فوالله ما ميزّت بين تأديبه وبين نغرانه. )اهـ

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مناظرات في الأدب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 23, 2016 12:23 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2825
(قال: وقال الحسن بن الفضل بن الربيع: خرج علينا المهديّ متنكراً ومعه الربيع والمسيّب بن زهير يطوف في الأسواق إذ نظر إلى أعرابي ينشد فقال الربيع: أخبرني عن أرق بيت قالته العرب،
قال: بيت امريء القيس بن حجر:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلبٍ مقتّل
فقال المهدي: بيت قد داسته العامة وفيه غلطٌ. ثم قال للمسيب: هات ما عندك.
فقال:
ومما شجاني أنها يوم أعرضت ... تولت وماء العين في الجفن حائر
فلما أعادت من بعيد بنظرةٍ ... إليّ التفاتاً أسلمتها المحاجر
وسلمتها أيضاً.
فقال: وإن هذا قريبٌ من ذاك.
وخلفهم شابّ من أهل المدينة له أدب وظرف وقدم متظلماً فطال مقامه على باب المهدي، فلما سمع ذلك منهم حمله ظرف الأدب على أن أدخل نفسه بينهم واتصل بهم وقال: أتأذنون أن أخوض معكم فيما أنتم فيه؟
قالوا: ماذا؟
قال: قال الأحوص:
إذا قلت إني مشتفٍ بلقائها ... فحمُّ التلاقي بيننا زادني وجدا
فقال المهدي: أحسنت يا فتى، فمن أنت؟
قال: أنا رجل من أهل المدينة.
قال: وما أقدمك العراق؟
قال: مظلمة لي أنا مقيم عليها بباب الخليفة منذ كذا وكذا وقد أضرّ بي ذلك.
فقال للربيع: عليك بالرجل. فأخذه معه وسامره أياماً ثم أمر بردّ مظلمته وقضى حوائجه وأمر له بصلة عشرة آلاف درهم.


قال النضر بن شميل: حدثني الفرّاء عن الكسائي قال: دعاني الرشيد ذات يوم وما عنده إلا حاشيته فقال: يا علي أتحب أن ترى محمداً وعبد الله؟
قلت: ما أشوقني إليهما يا أمير المؤمنين وأسرّ إليّ معاينة نعمة الله جل وعز على أمير المؤمنين فيهما وبهما، فأمر بإحضارهما، فأقبلا كأنهما كوكبا أفقٍ يزينهما هديهما ووقارهما، قد غضا أبصارهما وقاربا خطوهما، حتى وقفا بباب المجلس فسلما بالخلافة ثم قالا: تمم الله على أمير المؤمنين نعمه وشفعها بشكره وجعل ما قلّده من هذا الأمر أحمد عاقبة ما يؤول إليه أمر حمداً اختصه به وأخلصه له بالبقاء وكثّره لديه بالنماء ولا كدّر عليه منه ما صفا ولا خالط مسروره الردى، فقد صرت للمسلمين ثقة ومستراحاً إليك يفزعون في أمورهم ويقصدون في حوائجهم، فأمرهما بالدنو وصيّر محمداً عن يمينه وعبد الله عن يساره ثم التفت إلي ّفقال: يا علي ما زلت ساهراً مفكراً في معاني أبيات قد خفيت عليّ.
قلت: إن رأي أمير المؤمنين أن ينشدنيها؟
فأنشدني:
قد قلت قولاً للغراب إذ حجل ... عليك بالقود المسانيف الأول
تغدّ ما شئت على غير عجل


فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، إن العير إذا فصلت من خيبر وعليها التمر يقع الغراب على آخر العير فيطردها السواق، يقول هذا: تقدم إلى أوائل العير فكل على غير عجل، والقود الطوال الأعناق، والمسانيف المقدمة.

ثم أنشدني:
لعمري لئن عشّرت من خشية الردى ... نهاق الحمار إنني لجهول

قلت: نعم يا أمير المؤمنين، كان الرجل من العرب إذا دخل خيبر أكبّ على أربع وعشر تعشير الحمار، وهو أن ينهق عشر نهقات متتابعات، يفعل ذلك ليدفع عن نفسه حمّى خيبر.

ثم أنشدني في قول الآخر:
أجاعلٌ أنت بيقوراً مضرّمةً ... ذريعةً لك بين الله والمطر

قلت: نعم، كانت العرب إذا أبطأ المطر تشد العشر والسلع، وهما ضربان من النبت، في أذناب البقر وألهبوا فيه النار وشردوا بالبقر تفاؤلاً بالبرق والمطر.

ثم أنشدني:
لعمرك ما لام الفتى مثل نفسه ... إذا كانت الأحياء تعدى ثيابها
وآذن بالتصفيق من ساء ظنه ... فلم يدر من أي اليدين جوابها


قلت: نعم يا أمير المؤمنين، كان الرجل إذا ضلّ في المفازة قلب ثيابه وصاح كأنه يوميء إلى إنسان ويشتد شدة ويصفق بيديه فيهتدي الطريق.

ثم أنشدني:
قوداء تملك رحلها ... مثل اليتيم من الأرانب

قلت: نعم، يقول: هذه ناقة مثل اليتيم من الاكام، واليتيم الواحد من كل شيء، والأرانب الاكام.

ثم أنشدني لآخر أيضاً:
إلى الله أشكو هجمةً هجريةً ... تعاورها مرُّ السنين العوابر
فعادت رذايا تحمل الطين بعدما ... تكون قرىً للمعتفين المفاقر


قلت: هذا رجل في بستانه نخيل أتى عليها الدهر فجفّت فقطعها وصيرها أجذاعاً وسقّف بها البيوت، فقال: هذه الأجذاع كانت تحمل الرطب، فأُكل وأطعم الأضياف فجفّت فقطعتها وسقّف بها البيوت فهي تحمل الطين، يعني ما فوقها من اللبن والتراب وغير ذلك.

ثم أنشدني لرجل آخر:
وسربٌ ملاحٍ قد رأيت وجوههم ... إناثٌ أدانيه ذكورٌ أواخره
يعني الأضراس.

ثم أنشدني لآخر:
فإني إذاً كالثور يضرب جنبه ... إذا لم يعف شرباً وعافت صواحبه

قلت: نعم، كانت العرب إذا أودت البقر الماء فشربت الثيران وأبت البقر ضربت الثيران حتى تشرب البقر، وهو كما قال: كالثور يُضرب لما عافت البقر.

ثم أنشدني:
ومنحدرٍ من رأس برقاء حطه ... مخافة بينٍ أو حبيبٌ مزايل

قلت: نعم، يعني الدموع، والبرقاء العين لأن فيها سواداً وبياضاً، حطه أسأله، حبيب محبوب، مزايل مفارق.

قال فوثب الرشيد فجذبني إلى صدره وقال: لله در أهل الأدب! ثم دعا بجارية فقال لها: احملي إلى منزل الكسائي خمس بدر على أعناق خمسة أعبد يلزمون خدمته، ثم قال: استنشدهما، يعني ابنيه، فأنشدني محمد الأمين:
وإني لعفُّ الفقر مشترك الغنى ... وتارك شكلٍ لا يوافقه شكلي
وشكلي شكلٌ لا يقوم بمثله ... من الناس إلا كلُّ ذي نيقةٍ مثلي
ولي نيقةٌ في المجد والبذل لم يكن ... تأنقها فيما مضى أحدٌ قبلي
وأجعل مالي دون عرضي جُنّةً ... لنفسي وأستغني بما كان من فضلي

وأنشدني عبد الله المأمون:
بكرت تلومك مطلع الفجر ... ولقد تلوم بغير ما تدري
ما إن ملكت مصيبةً نزلت ... إذ لا يُحكّم طائعاً أمري
ملك الملوك عليّ مقتدرٌ ... يعطي إذا ما شاء من يسر
فلرب مغتبطٍ بمرزئةٍ ... ومفجّعٍ بنوائب الدهر
ومكاشح لي قد مددت له ... نحراً بلا ضرعٍ ولا غمر
حتى يقول لنفسه لهفاً: ... في أي مذهب غايةٍ أجري
وترى قناتي حين يغمزها ... غمز الثقاف بطيئة الكسر

فقال: يا علي فكيف تراهما؟
فقلت:
أرى قمري أفقٍ وفرعي بشامةٍ ... يزينهما عرقٌ كريمٌ ومحتد
يسدان آفاق السماء بشيمةٍ ... يؤيدها حزمٌ وعضبٌ مهند
سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقى النبي محمد

ثم قلت: يا أمير المؤمنين زرع زكا أصله وطاب مغرسه وتمكنت عروقه وعذبت مشاربه، غذاهما ملك أعز نافذ الأمر واسع العلم عظيم الحلم والقدر، علاهما فعليا، وحكّمهما فتحاكما، وعلمهما فتعلما، فهما يطولان بطوله ويستضيئان بنوره وينطقان بلسانه، ويتقلبان في سعادته، فما رأيت أحداً من أبناء الخلفاء أذرب منهما لساناً، ولا أعذب كلاماً، ولا أحسن ألفاظاً، ولا أشد اقتداراً على تأدية ما حفظا ورويا، فاسأل الله أن يزيدهما بالإيمان تأييداً وعزاً، ويمتع أمير المؤمنين بهما ويمتعهما بدوام قدرته وسلطانه ما بقي ليل وأضاء نهار.

فضمهما إلى صدره وجمع يديه عليهما فلم يبسطهما حتى رأيت دموعه تتحادر على صدره رقةً وإشفاقاً، ثم أمرهما بالخروج.

قال: ثم أقبل علينا وقال: كأنكم بهما وقد نجم القضاء ونزلت مقادير السماء وبلغ الكتاب أجله وانتهى الأمر إلى وقته المحدود وحينه المسطور الذي لا يدفعه دافع ولا يمنع منه مانع، وقد تشتت أمرهما وافترقت كلمتهما وظهر تعاديهما وانقطعت الرقة بينهما حتى تسفك الدماء وتكثر القتلى وتهتك ستور النساء وتمنى كثير من الأحياء أنهم بمنزلة الموتى.
قلت: يا أمير المؤمنين أوكائن ذلك؟
قال: نعم.
قلت: لأمر رأيته أو رؤيا أريته أو لشيء تبين لك في أصل مولدهما أم لأثر وقع لأمير المؤمنين في أمرهما؟
قال: بل أثر واجب صحيح حملته العلماء عن الأوصياء وحملته الأوصياء عن الأنبياء، عليهم السلام.
) اهـ

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مناظرات في الأدب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 23, 2016 12:43 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2825
( قال: وحدث الأصمعي أنه دخل ذات يوم على أمير المؤمنين الرشيد وكان لا يحجب عنه وكان في فرد رجليه خفّ وفي الأخرى جورب لعلة كان يجدها، فسامره ساعة ثم نهض ليخرج فقال له الرشيد: يا أصمعي ماذا تشتهي أن يتخذ لك ليتقدم فيه وتتغدى معنا؟
فقال: أشتهي رقاقاً وجوزلاً شخصاً. فلم يعرف الرشيد ما قاله الأصمعي وكره أن يسأله عنه فتقدم إلى الطباخ أن يتبعه ويسأله من تلقاء نفسه ويوهمه أنه تقدم إليه فيه فلم يعرفه،
فقال له: الرقاق معروف والجوزل الفرخ السمين.
فمضى الطباخ وعرف الرشيد ذلك وأصلح للأصمعي ما طلبه وعاد فتغدى مع الرشيد. فلما أكل أمر بأن يحمل معه عشرون ألف درهم.


وحدث الأصمعي قال: دخلت ذات يوم على الرشيد فقال لي: اكتب يا أصمعي ولو على تِكّتك أو طرف ثوبك:
كن موسراً إن شئت أو معسراً ... لا بد في الدنيا من الهم
وكلما زادك في نعمةٍ ... زاد الذي زادك في الغم
قال: فكتبت البيتين.


قال وقال الأصمعي: بينا أنا ذات يوم قد خرجت في الهاجرة والجو يلتهب ويتوقد حراً إذ أبصرت جارية سوادء قد خرجت من دار المأمون ومعها جرة فضة تستقي فيها ماء وهي تردد هذا البيت بحلاوة لفظ وذرابة لسان:
حرُّ وجدٍ وحرُّ هجرٍ وحرُّ ... أي عيشٍ يكون من ذا أمرُّ

قال فقلت لها: يا جارية ما شأنك؟
فقالت: إني من دار أمير المؤمنين المأمون وأنا أحب عبداً له أسود وإنه قد هجرني ولا أحسن أن أخرج سري إلى أحد.

قال: فمضيت واستأذنت على المأمون، وإذا هو نائم فأذن لي، وقد كان أمر أن لا أحجب عنه على أي حال كان. فدخلت عليه وهو في مرقده فقال: ما جاء بك يا أصمعي في هذا الوقت؟
قلت: يا أمير المؤمنين تهب لي جاريتك السوداء وعبدك الأسود فلاناً؟
فقال: قد فعلت ذلك وهما لك افعل بهما ما شئت.
فخرجت من عنده وأحضرتٌهما وجمعت من أهل الدار من حضر وأعتقتهما وزوجت الجارية من العبد ثم عدت إلى المأمون
فقلت: يا أمير المؤمنين إني فعلت كيت وكيت وإني أريد الآن ما أجهزهما به. فأمر لكل واحد منهما بعشرة آلاف درهم وأمر لي بمثل ذلك وخرجت من عنده وعاد هو إلى نومه.


وحدثنا عبد الله بن سلام قال: لما ولد العباس بن الفضل دخل الناس على الفضل بن يحيى يهنئونه به وفيهم أبو النضير، فوقف بين يديه وهو يقول:
ويفرح بالمولود من آل برمكٍ ... بغاة الندى والسيف والرمح والنصل
وتنبسط الآمال فيه لفضله ... .. . . . . . . .
فأُرتج عليه فوقف لا يمكنه أن يجيزه. فقال له الفضل: يا أبا النضير تمم، قال: أعز الله الأمير. قال: ويحك فقل:
.. . . . . . . . . . ... ولا سيما إن كان من ولد الفضل
قال: هذا والله، أصلح الله الأمير، طلبته فلم أقدر عليه وتعللت بغيره.


قال: وقيل لأبي العيناء: ما بال العمى قد صار في صغاركم وكباركم حتى إنه يلحق الطفل منكم؟
فقال: نعم الطينة الملعونة والدعوة المشؤومة، وذلك أنه سلم بعض الخلفاء رجلاً من آل أبي طالب إلى جدنا الأكبر فقتله ودعا عليه فلحقتنا دعوته فما تراه فهو من تلك الدعوة.


واجتاز أبو العيناء ذات يوم فسمع غناء لم يعجبه فسأل أبو العيناء عن صاحب الغناء فلما قيل له إنه أبو الحمار قال: صدق الله إن أنكر الأصوات لصوت الحمير. وكان عماً لمحمد بن أحمد بن يحيى بن أبي البغل.) اهـ

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مناظرات في الأدب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 23, 2016 12:46 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2825
( قيل: ولما صدر المعتصم بالله عن بلاد الروم وصار بناحية الرقة قال لعمرو بن مسعدة: يا عمرو أشرت عليّ بالرخجي فوليته الأهواز فقد قعد في سلة الدنيا يأكلها خضماً وقضماً.
فقلت: يا أمير المؤمنين فأنا أوجه إليه رسولاً يبعث إليك بالأموال ولو على أجنحة الطير.
قال: كلا ولكن اشخص إليه بنفسك كما أشرت به.
قال: ففكرت في أن أنزل عن الوزارة وأصير مستحثاً على عامل.
فقلت: يا أمير المؤمنين أن أقع إليه.
قال: فضع يدك على رأسي أنك لا تقيم ببغداد إلا يوماً واحداً حتى تلحق به، فوضعت يدي على رأسه وحلفت له، وانحدرت إلى بغداد فسلمت على أهلي وإخواني وأخذت زلالاً فعلّقت عليه الخيش وبسط لي فيه الطبري وملأته بالثلج وسرنا.
فلما صرنا بين دير العاقول ودير هزقل إذا أنا برجل على الشط يصيح: يا ملاح رجل منقطع أريد دير العاقول فاحملني يأجرك الله!
فقلت: احملوه.
فقال: يا مولاي هذا رجل من هؤلاء الشحاذين يؤذيك ويقذر عليك زلالك.
فقلت: احمله ويلك! فقرب إليه الزلال فحمله في مؤخره.
وحضر الغداء فتحوبت أن لا أدعوه فقلت له: هلم. فقام حتى جاء فأكل أكل جائع نهم إلا أنه كان نظيف الأكل، فلما فرغ من الغداء أردت منه ما تفعله العامة بالخاصة أن يقوم فيغسل يده ناحيةً فلم يفعل. فغمزه الغلام وسائر الغلمان فلم يقم. فتناومت عليه فلم يقم.
فقلت له: ما صناعتك؟
قال: حائك، جعلت فداك.
فقلت: هذا أنا فعلته بنفسي.
فقال لي: وأنت فما صناعتك؟
فقلت: كاتب.
فقال: الكتاب خمسة، فأيهم أنت؟ فأورد علي شيئاً عجبت منه.
فقلت: عدّهم.
قال: كاتب رسائل يجب أن يعرف الوصول والفصول والترغيب والترهيب والجوابات.
قلت: نعم.
قال: وكاتب خراج يجب أن يعرف المساحة والذراع والأشول والتقسيط.
قلت: نعم.
قال: وكاتب قاضٍ يجب أن يعرف الحلال والحرام والتأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والمقالات والاختلافات.
قلت: نعم.
قال: وكاتب جندٍ يجب أن يعرف الحلي والشيات.
قلت: نعم.
قال: وكاتب شرطة يجب أن يعرف الشجاج والجرحات. فأيهم أنت؟
قلت: كاتب رسائل.
قال: فصديق لك تكاتبه في المحبوب والمكروه تزوجت أمه كيف تكتب إليه تهنئةً أو تعزيةً؟
قلت: هو والله إلى التعزية أقرب.
قال: فكيف تعزيه؟
قلت: لا أجد إلى ذلك سبيلاً.
قال: فلست بكاتب رسائل!
قلت: أنا كاتب خراج.
قال: فولاك أمير المؤمنين بلدة وأمرك بالنفوذ فخرجت إلى عملك فبثثت عمّالك في العمل فجاء إليك قوم يتظلمون من عامل زاد عليهم في المساحة فخرجت معهم فوقفوا على قراح كأنه قاتل فيئاً كيف تمسحه؟
قلت: اضرب وسطه في طرفيه.
قال: تتثنى عليك القطوع.
قلت: فكيف أمسحه؟
قال: لست بكاتب خراج!
قلت: أنا كاتب قاضٍ.
قال: فإن رجلاً خلّف حرّة حاملاً وسرية حاملاً فولدتا في ليلة واحدة الحرة جارية والسرية غلاماً، فلما علمت الحرة بذلك حملتها الغيرة على أن وضعت الجارية في مهد السرية وأخذت الابن، فقالت السرية من الغد: الابن لي، فتحاكمتا في ذلك إلى القاضي وأنت حاضر فقال لك: اقض بينهما، بم كنت تقضي؟
قلت: لا علم لي بذلك.
قال: لست بكاتب قاض!
قلت: أنا كاتب جند.
قال: الله أكبر! تقدم إليك رجلان من أهل عملك أو من أهل عسكرك أسماؤهما واحدٌ يقال لهذا أحمد ولهذا أحمد، هذا مشقوق الشفة من فوق وهذا من أسفل، كيف تحلّيهما؟ قلت: أكتب أحمد الأعلم وأحمد الأعلم.
قال: إذاً يأخذ هذا عطاء هذا وهذا عطاء هذا.
قلت: فكيف أصنع؟
قال: لست بكاتب جند!
قلت: أنا كاتب شرطة.
قال: تقدم عليك رجلان قد شج الآخر موضحة وشج الآخر مأمومة كم بينهما من الإبل؟
قلت: لا أدري.
قال: لست بكاتب شرطة!
فقلت: فسّر ما قلت.
قال: أما الرجل الذي تزوجت أمه فتكتب إليه أن الأقدار تجري بخلاف محابّ المخلوقين، وستر في عافية خير من شانئة في أهلها، والله يختار للعباد، فخار الله لك في قبضها إليه، فإن القبور أكرم الأكفاء.

وأما القراح فتمسح اعوجاجه ثم تنظر مبلغ الطرفين فتضرب بعضه في بعض فإذا استوى في يدك عقده رجعت إلى المستوي فضربته فيه حتى يخرج سواء.

وأما الحرة والسرية فيوزن لبنهما فأيهما كانت أحدّ لبناً فالابن لها.

وأما الجند فتكتب هذا أحمد الأعلم وهذا أحمد الأفلج.

وأما الشجة ففي المأمومة ثلاثة وثلاثون من الإبل وفي الموضحة خمسة من الإبل فتردّ عليه ما بين ذلك.

قلت: ألست تزعم أنك حائك؟
قال: أنا حائك كلام قعد بي الدهر فخرجت أريد بعض القرابة فصادفته قد صرف عن العمل فبقيت على هذه الحالة.
قال: فدعوت المزين فنظفه ودعوت له بثلاث خلع وصرت به إلى الرخجي وكلمته في أمره فوهب له خمسين ألف درهم وحمله على ثلاثة من الظهر ورجعت إلى أمير المؤمنين بالأموال.
فقال: يا عمرو ما رأيت في طريقك؟
فأخبرته بقصة الرجل.
فأطال التعجب منه وقال: ما فعل؟
قلت: يصير إليّ في كل يوم.
قال: لما يصلح من الأعمال؟
قلت: للهندسة. قال: فوله.
قال عمرو: فنظرت إليه بعد ذلك وهو يركب في موكب عظيم.


البيهقيّ قال البحتريّ: كنت قاعداً مع المتوكل إذ مرت سحابة فقال قل فيها.
فقلت:
اذت ارتجاعٍ بحنين الرعد ... جرورة الذيل صدوق الوعد
مسفوحة الدمع بغير وجد ... لها نسيم كنسيم الورد
ورنّة مثل رنين الأسد .... ولمع برقٍ كسيوف الهند
جاءت به ريح الصبا من نجد ... فانتثرت مثل انتثار العقد
فأضحت الأرض بعيشٍ رغد ... كأنما غدرانها في الوهد
يلعبن من حبابها بالنرد

ثم أنشدته لمروان بن أبي حفصة:
لما سمعت ببيعةٍ لمحمد ... شفت النفوس وأذهبت أحزانها
بايعت مغتبطاً ولو لم تنبسط ... كفّي لبيعته قطعت بنانها
حتى انتهيت إلى قوله:
رجحت زبيدة والنساء شوائلٌ ... والله أرجح بالتقى ميزانها
فصاح بي صيحة فقال: كذبت وألمت يا عربدة!
قل: رجحت قبيحة.
ثم قال: أنشدني.
فأنشدته للطائي:
لست لربعٍ عفا ولا قدمه ... ولست من كاتب ولا قلمه
فإن من يفخر الملوك به ... ويستعير الكريم من كرمه
ألحقني بالملوك معتصمٌ ... بالله والمسلمون في عصمه
خُلقت من طين مباركةٍ ... فالبرُّ من خيمه ومن شيمه
مازال إحسانه ونعمته ... عليّ حتى غرقت في نعمه
فأسأل الله فضل نعمته ... والأمن من بأسه ومن نقمه

فلما سمعها ارتاح وقال: أحسنت والله وما جزاؤك إلا أن أقطعك من موضعك إلى حيث تبلغ أمنيتك، فسل تعط.
قال: ففكرت ساعة ثم قلت: تعطيني فتراً في فتر من قلبك.
فقال: أحسنت أحسنت! أنت والله في هذا أشعر من الطائي في شعره.
ثم قال: أنشدني.
فأنشدته للحسين بن الضحاك:
كم لك لما احتمل القطين ... من زفرةٍ يتبعها الأنين
وعبرةٍ تحدرها الشوؤن ... إني ببغداد لمستكين
حظ الغريب الشوق والشجون ... يا لائمي لكل يومٍ هون
إليك عني إنني مفتون ... الشعر مني كاسدٌ ودون
وحان من تحريكه تسكين ... قد ركبت أربابها الديون
بضاعة أكسدها المأمون ... إمام عدلٍ للتقى أمين

قال: أحسنت يا أبا عبادة فماذا فعل به المأمون بعد إذ هجاه؟
قلت: أعيذك بالله من أن يجسر على هجاء المأمون.
قال: فمن القائل فيه:
ولا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدنيا طريداً مشرّدا
قلت: يا أمير المؤمنين دعاه الموق والحين إلى هذا.
قال: لا بأس فإنه قد تلا في هذا الكلام قوله:
رأى اللهُ عبد اللهِ خير عباده ... فملّكه والله أعلم بالعبد
قال فقلت: يا أمير المؤمنين أثقلت ظهري بالفوائد.
فقال: إنا نأخذ ونعطي ونأتي بما يحيي المهج. )اهـ


( المحاسن والمساوئ 1/175-183)

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مناظرات في الأدب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 23, 2016 7:19 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 8041
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: مناظرات في الأدب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء مارس 23, 2016 10:47 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2825
مولانا الفاضل الشيخ فراج يعقوب بوركتم وجزاكم الله خيرا

وشكرا جزيلا على مروركم العطر الكريم

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 7 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 14 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط