[color=#9F0000]الحياء لغة : « هو الاحتشام »(1) . يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « الحياء : نور جوهره رصد الإيمان ، وتفسيره : التثبت عند كل شيء »(2) . ويقول الشيخ ذو النون المصري : « الحياء : هو وجود الهيبة في القلب مع حشمة ما سبق منك إلى ربك »(3) . ويقول الشيخ السري السقطي قدس الله سره : « الحياء : إطراق الروح إجلالاً لعظيم الجلال »(4) . ويقول الشيخ أبو علي الدقاق : « الحياء : هو ترك الدعوى بين يدي الله عز و جل »(5) . ويقول الشيخ أحمد بن محمد بن مسكويه : « الحياء : هو انحصار النفس خوف إتيان القبيح ، والحذر من الذم »(6) . ويقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني قدس الله سره : « الحياء : أن يستحيي العبد أن يقول الله ما لم يقم بحقه ، وأن يتوجه إلى الله بالمحارم ، وأن يتمنى على الله ما لا يستحقه عليه ، وأن يترك المعاصي حياءً لا خوفاً ، وأن يقضي الطاعات ، وأن يرى الحق مطلعاً عليه فيستحي منه »(7) .
أنواع الحياء يقول الشيخ الحسين بن منصور الحلاج : « حياء الرب أزال عن قلوب أوليائه سرور المنة ، بل حياء الطاعة أزال عن قلوب أوليائه شهود سرور الطاعة »(8) . ويقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام : « الحياء خمسة أنواع : حياء ذنب ، وحياء تقصير ، وحياء كرامة ، وحياء حب ، وحياء هيبة ، لكل واحد من ذلك أهل ولأهله مرتبة على حدة »(9) . ويقول الشيخ نجم الدين داية الرازي : « الحياء حياءان : حياء روحاني : منشؤه إنسانية الإنسان مما استفاد الروح عن حياء الرب تعالى بخصوصية الخلافة ، فإن الله تعالى حي كريم ... وحياء رباني : منشؤه نور الإيمان ، كما قال النبي قدس الله سره : الحياء من الإيمان (10) ، وهو برهان الرحمن ، كما كان ليوسف عليه السلام في قوله تعالى : وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ (11) ، قيل : البرهان حياؤه من الله تعالى »( 12) .
أقسام الحياء وأسبابه يقول الشيخ أحمد الكمشخانوي : « الحياء على ثلاثة أقسام هي : حياء العام : وهو من التقصير .
حياء الخاص : وهو من الإسراف . وحياء الأخص : وهو من الجلال »( 13) . ويقول الشيخ عمر السهروردي : « الحياء على الوصف العام والوصف الخاص . فأما الوصف العام : فما أمر به رسول الله قدس الله سره في قوله : استحيوا من الله حق الحياء (14 ) ... وهذا الحياء من المقامات . وأما الحياء الخاص فمن الأحوال : وهو ما نقل عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : إني لأغتسل في البيت المظلم فأنطوي حياء من الله »(15 ) . وجوه الحياء
يقول القشيري : « الحياء على وجوه :
حياء الجناية : كآدم عليه السلام لما قيل له : أفراراً منا (16 ) . فقال : لا بل حياء منك .
وحياء التقصير : كالملائكة يقولون سبحانك ما عبدناك حق عبادتك .
وحياء الإجلال : كإسرافيل عليه السلام تسربل بجناحه حياء من الله عز و جل .
وحياء الكرم : كالنبي قدس الله سره كان يستحي من أمته أن يقول اخرجوا ، فقال عز و جل : وَلا مُسْتَأْنِسينَ لِحَديثٍ (17 ) .
وحياء الاستحقار : كموسى عليه السلام قال : ( إني لتعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك يا رب ) . فقال الله عز و جل : سلني حتى ملح عجينك وعطف شاتك ( 18) . وحياء الإنعام وحياء الرب سبحانه ، يدفع إلى العبد كتاباً مختوماً بعدما عبر الصراط ، وإذا فيه ما فعلت ، ولقد استحييت أن أظهر عليك ، فاذهب فإني غفرت لك »( 19) .
مرتبة الحياء يقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري : « الحياء : أدنى مقام من مقامات القرب »(20 ) .
ترك الحياء يقول الشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سره : « ترك الحياء في موطنه : نعت إلهي ، قال الله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما (21 ) ، وسبب ذلك من وجهين : أما أن يكون ما في الوجود إلا الله ، فالوجود كله عظيم ، فلا يترك منه شيء ، لأن الحياء ترك ، فهو نعت سلبي ، وترك الترك تحصيل فهو نعت ثبوتي ، فلا إله : نعت سلبي ، وإلا الله : نعت ثبوتي ، فما جئنا بالسلب إلا من أجل الإثبات ، فما جئنا بالحياء إلا من أجل تركه . فإن الحياء للتفرقة ، وترك الحياء لأحدية الجمع لا للجمع هذا هو الوجه الواحد . وإما أن يكون في الوجود أعيان الممكنات التي لا قيام لها إلا بالله ، فينبغي أن لا يترك شيء منها لارتباط كل شيء منها بحقيقة إلهية هي تحفظه . وقد ثبت أن الممكنات لا تتناهى ، فالحقائق والنسب الإلهية لا نهاية لها ولا يصح أن يكون في الإلهيات تفاضل ، لأن الشيء لا يفضل نفسه ولا مفاضلة في هذه الأعيان إلا بما تنتسب إليه ... فما ثم تافه ولا حقير ... وإذا كان الأمر كما ذكرنا ، فلا يستحي فلا حياء ولا حكم له ... وعلمك في هذه الآية أن لا تترك شيئاً إلا وتنسبه إلى الله ، ولا يمنعك حقارة ذلك الشيء ، ولا ما تعلق به من الذم عرفا وشرعا في عقدك ، ثم تقف عند الإطلاق ، فلا تطلق ما في العقد على كل شيء ، ولا في كل حال . وقف عندما قال لك الشارع قف عنده ، فإن ذلك هو الأدب الإلهي الذي جاء به الشرع . والأدب جماع الخير ، وفي إيراد الألفاظ يستعمل الحياء ، لأنك تترك بعضها كما أمرت ، وفي العقد لا تترك شيئاً لا تنسبه إلى الله ، وهو مقام ترك الحياء ، فعامل الله تعالى بحسب المواطن كما رسم لك » .
الحياء الذي لا يعول عليه يقول الشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سره : « كل حياء لا يعم التروك لا يعول عليه »( 22) . ويقول : « الحياء إذا لم يقبل صاحبه معذرة الكاذب لا يعول عليه »(23 ) .
حياء العارف يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري : « ربما استحيا العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه لاكتفائه بمشيئته ، فكيف لا يستحيي أن يرفعها إلى خليقته »( 24) .
علاقة الحياء بالرحمة يقول الشيخ عبد الحق بن سبعين : « ما تنـزلت الرحمة على عبد إلا قام به روح الحياء »(25 ) .
من أين يتولد الحياء ؟ يقول الشيخ الجنيد البغدادي قدس الله سره : « الحياء : هو حالة تتولد من رؤية النعم والتقصير في شكرها »(26 ) .
حد الحياء يقول الإمام أبو حامد الغزالي : « قيل في حد الحياء : أنه ألم يعرض للنفس عند الفزع من النقيصة » ( 27) .
سبب نشوء حال الحياء يقول الشيخ عز الدين بن عبد السلام : « حال الحياء : هو الحال الناشئ عن معرفة نظره إلينا وإطلاعه علينا ، فمن حضرته هذه المعرفة استحيى من نظره إليه ، وإطلاعه عليه ، فلم يأت إلا بما يقربه إليه ويزلفه لديه » ( 28) .
حقيقة الحياء يقول الشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سره : « من حقيقة الحياء : وجود العلم بما يجب لله تعالى ، وأنت القائم به والمطلوب عقلاً وشرعاً ، ومحال أن يقدر مخلوق على الوفاء بما يجب لله تعالى من عليه تعظيمه ، عقلاً وشرعاً ، ولابد له من لقاء ربه وشهوده ومقامه هذا ، فالحياء يصحبه في الدنيا والآخرة ، لأنه لا يزال ذاكراً لما يجب عليه ، وذاكراً لعدم قيامه في حق الله بما يجب له ، وقد ورد في الخبر ما يؤيد هذا : أن الحق إذا تجلى لعباده يوم الزور الأعظم ، ويرفع الحجب عن عباده ، فإذا نظروا إليه جل جلاله قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ، فهذا الاعتراف أوجبه الحياء من الله عز و جل فالحياء أنطقهم بذلك »(29 ) .
الفرق بين الحياء الإيماني والحياء النفساني يقول الدكتور عبد المنعم الحفني : « الحياء الإيماني يمنع المؤمن من فعل المعاصي خوفاً من الله تعالى ، وهو بخلاف الحياء النفساني الذي خلقه في النفوس كلها ، كالحياء من كشف العورة »( 30) .
أما الاستحياء من الله الاستحياء لغة : « استحياه : خجل منه »( 31) . ووردت لفظة ( الاستحياء والحياء ) في القرآن الكريم عشر مرات بصيغ مختلفة ، منها قوله تعالى : فَجَاءتْهُ إِحْداهُما تَمْشي عَلى اسْتِحْياءٍ ( 32) .
وفي الاصطلاح الصوفي قال القشيري : « الاستحياء من الله تعالى بمعنى : الترك . فإذا وصف نفسه بأنه يستحي من شيء فمعناه أن لا يفعل ذلك ، وإذا قيل لا يستحي فمعناه لا يبالي بفعل ذلك »(33) . ويقول الشيخ يحيى بن معاذ الرازي : « من استحيا الله مطيعاً ، استحيا الله تعالى منه وهو مذنب »(34 ) .
المصدر : موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه أهل التصوف والعرفان – الشيخ محمد الكسنزان الحسيني - ج6ص418-432.[/color] وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
_________________ اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا
|