موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 20 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 19, 2015 8:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد 8/442 – 443


(جماع أبواب حجه- صلى الله عليه وسلم- وعمره


الباب الأول في الاختلاف في وقت ابتداء فرضه:



قال الحافظ- رحمه الله تعالى-: «في ابتداء فرضه، فقيل: قبل الهجرة، وهو شاذ، وقيل: بعدها ثم اختلف في سنته، فالجمهور على أنها سنة ست، قلت: وصححه الرافعي في السير، وشبه عليه في «الروضة» ، ونقله في «المجموع» عن الأصحاب، وصححه ابن الرفعة، انتهى.

لأنها نزلت فيها قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة/ 196] وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده قراءة علقمة، ومسروق، وإبراهيم بلفظ:
«وأقيموا» ، أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم.

وقيل: المراد بالإتمام: الإكمال بعد الشروع، وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك، وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج، وكان قدومه على ما ذكره الواقدي سنة خمس، وهذا يدل- إن ثبت- على تقدمه على سنة خمس، أو وقوعه فيها قلت: وبهذا جزم الرافعي في الحج: فرض سنة خمس.

وقال الحافظ- رحمه الله تعالى- إن عكرمة بن خالد المخزومي، قال: قدمت المدينة في نفر من أهل مكة، فلقيت عبد الله بن عمر فقلت: إذا لم تحج قط أفنعتمر من المدينة؟ قال: نعم، وما يمنعكم من ذلك؟ فقد اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمره كلها قبل حجه، قال: فاعتمر، رواه الإمام أحمد- بسند صحيح- وهو في البخاري بنحوه.

قال ابن بطال: هذا يدل على أن فرض الحج كان قد نزل على النبي- صلى الله عليه وسلم- قبل اعتماره، ويتفرع عليه: هل الحج على الفور؟ أو التراخي؟ وهذا يدل أنه على التراخي، قال أي ابن بطال: كذلك أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة، دال على ذلك. انتهى.

قال الحافظ: وقد نوزع في ذلك إذ لا يلزم من صحة تقديم أحد النسكين على الآخر نفي الفورية، انتهى.
وقيل: فرض سنة ثمان، وقيل: تسع، وقيل: عشر حكاها الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي.

الثاني: قال العلماء- رحمهم الله تعالى- فرض الله تعالى الحج على من استطاع إليه سبيلا، وقد كان السبيل إليه ممنوعا بقوة المشركين.

وأيضا كانوا ينقلون الحج عن وقته، فقد ذكر أنهم ينقلونه عن حساب الشهور الشمسية، ويؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما، فلم توجد الاستطاعة إلا عند فتح مكة سنة ثمان، فمنع- صلى الله عليه وسلم- من التعجيل به، أن المشركين لم يكونوا منعوا منه، لعهود كانت لهم إلى آجال مضروبة، وكانوا يشركون في تلبيتهم، ويطوفون عراة، وقد كان- صلى الله عليه وسلم- أراد أن يحج مقفله من تبوك، وذلك بأثر الفتح بيسير، ثم ذكر بقايا المشركين يحجون، ويطوفون عراة فلم يرد النبي- صلى الله عليه وسلم- سماع إشراكهم في تلبيتهم ولا رؤيتهم عراة، فأخر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحج حتى نبذ إلى كل ذي عهد عهده، وذلك في السنة التاسعة فحج بالمسلمين كما قال الماوردي في الحاوي في «باب السير» سير الفتح- عتاب بن أسيد بوزن أمير الذي أمره رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على مكة- رضي الله تعالى عنه- فلما كان وقت الحج حج المسلمون والمشركون، وكان المسلمون بمعزل يدفع بهم عتاب بن أسيد، ويقف بهم، لأنه أمير البلد.
وفي السنة الثانية وهي سنة تسع حج بهم أبو بكر- رضي الله تعالى عنه- وأرسل معه- صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب، فنادى في الناس بنبذ العهد كما في سورة براءة، وأنه لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فلما زالت رسوم الشرك، وسير الجاهلية حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع سنة عشر، وقال فيها: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض» .

فائدة: قال في «زاد المعاد» : دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة بعد الهجرة خمس مرات، سوى المرة الأولى، فإنه وصل إلى الحديبية وصد عن الدخول إليها أحرم في أربع منهن من الميقات لا قبله فأحرم عام الحديبية من ذي الحليفة، ثم دخلها المرة الثانية فقضى عمرته، وأقام بها ثلاثا، ثم خرج، ثم دخلها المرة الثالثة، عام الفتح في رمضان بغير إحرام، ثم خرج منها إلى حنين، ثم دخلها المرة الرابعة بعمرة من الجعرانة، ودخلها في هذه العمرة ليلا وخرج ليلا فلم يخرج من مكة إلى الجعرانة ليعتمر، كما يفعل أهل مكة اليوم، المرة الخامسة في حجة الوداع. ) اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 19, 2015 9:01 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد 8/444- 447


(الباب الثاني في بيان عدد حجاته- صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة وعمره
وفيه نوعان:


الأول: في بيان حجاته- صلى الله عليه وسلم-:



روى الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، عن ابن عباس أو جابر قال: «حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر».


قال الحافظ: «وهو مبني على عدد وفود الأنصار إلى العقبة بمنى بعد الحج، وهذا لا يقتضي نفي الحج بعد ذلك» .


وقال سفيان الثوري: «حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يهاجر حججا» ، رواه الحاكم بسند صحيح.


وقال أبو الفرج- رحمه الله تعالى-: في كتاب «مثير العزم الساكن» : «حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حججا قبل النبوة وبعدها، لا يعرف عددها» .


وقال ابن الأثير- رحمه الله تعالى- كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحج كل سنة قبل أن يهاجر لم يترك الحج وقال الحافظ الذي لا أرتاب فيه إنه- صلى الله عليه وسلم- يحج كل سنة قبل أن يهاجر لم يترك الحج وهو بمكة قط لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، وإنما يتأخر منهم من لم يكن بمكة، أو عاقه ضعف، وإذا كانوا وهم على غير دين يحرصون على إقامة الحج، ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب، فكيف يظن بالنبي- صلى الله عليه وسلم- أنه يتركه، وقد ثبت حديث جبير بن مطعم أنه رآه في الجاهلية واقفا بعرفة، وأن ذلك من توفيق الله تعالى له ولبث دعاؤه قبائل العرب إلى الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية كما تقدم في الهجرة إلى المدينة.


قال السهيلي- رحمه الله تعالى-: ولا ينبغي أن يضاف إليه في الحقيقة إلا حجة الوداع، وإن كان حج مع الناس إذا كان بمكة كما روى الترمذي، فلم يكن ذلك الحج على سنة الحج وكماله، لأنه- صلى الله عليه وسلم- كان مغلوبا على أمره، وكان الحج منقولا عن وقته، فقد ذكر أنهم كانوا ينقلونه على حساب السنة والشهر، يؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوما» .


الثاني: في بيان عدد عمره- صلى الله عليه وسلم-:

اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع عمر، كلهن في ذي القعدة.

الأولى: عمرة الحديبية وهي أولاهن سنة ست فصده المشركون عن البيت فنحر البدن حيث صد بالحديبية، وحلق هو وأصحابه رؤوسهم، وحلقوا من إحرامهم ورجع من عامه- صلى الله عليه وسلم-.

الثانية: عمرة القضية من العام المقبل دخلها فأقام بها ثلاثا، ثم خرج بعد كمال عمرته.

الثالثة: عمرته- صلى الله عليه وسلم- من الجعرانة- لما خرج إلى حنين ثم رجع إلى مكة فاعتمر من الجعرانة داخلا إلى مكة.

الرابعة: التي قرنها مع حجة الوداع.


ذكر أدلة بعض ما تقدم:


روى الإمام أحمد، والشيخان، عن عروة بن الزبير قال: «كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة- رضي الله تعالى عنها- وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن، فقلت: يا أبا عبد الرحمن اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رجب؟ قال: نعم. فقلت لعائشة: أي أمتاه ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقول؟، قلت يقول: اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رجب؟ فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن ما اعتمر في رجب وما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قال: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم. سكت».


وروى الشيخان والدارقطني عن مجاهد بن جبر قال دخلت أنا وعروة المسجد فإذا ابن عمر جالس إلى جنب حجرة عائشة فسألناه كم اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال أربعا إحداهن في رجب فكرهنا أن نرد عليه وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة فقال عروة: يا أم المؤمنين ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت وما يقول؟ قال يقول: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتمر أربع مرات إحداهن في رجب قالت رحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا وهو معه، وما اعتمر في رجب قط.


وروى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وابن سعد، عن أنس قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته: عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة في ذي القعدة، وعمرة مع حجته».


ولفظ البخاري، عن قتادة- رحمه الله تعالى- قال: قلت لأنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- كم اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أربعا: عمرته التي صده عنها المشركون عن البيت من الحديبية من ذي القعدة وعمرته- من العام المقبل- حين صالحوه في ذي القعدة، وعمرته الجعرانة حين قسمت غنيمة حنين في ذي القعدة، وعمرته مع حجته».


قوله: عمرته بالنصب بدل من أربع بدل بعض من كل، ويجوز رفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف أي: هي عمرته وكذا الباقي.


وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتمر أربع عمر فذكر نحوه».


وروى الإمام أحمد، والثلاثة، وحسنه الترمذي، وابن سعد، عن محرش الكعبي: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج من الجعرانة ليلا معتمرا، فدخل مكة ليلا فقضى عمرته، ثم خرج عن ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت، فلما زالت الشمس من الغد خرج من بطن سرف حتى جاء مع الطريق ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس» ، وفي لفظ: «على كثير من الناس».


وروى الإمام أحمد، ومسدد، عن ابن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث عمر كل ذلك في ذي القعدة، يلبي حتى يستلم الحجر، ولفظ مسدد، كل ذلك لا يقطع التلبية حتى يستلم الحجر» .


وروى ابن أبي شيبة، عن البراء- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتمر قبل أن يحج» . وفي رواية له، وأبي يعلى، وأحمد «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث عمر».


وروى ابن أبي شيبة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الطائف نزل الجعرانة، فقسم بها الغنائم، ثم اعتمر منها، وذلك من ليلتين بقيتا من شوال».


وروى أحمد بن منيع- برجال ثقات- عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال:
«اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربعا، إحداهن في رجب» .


وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي- وحسنه- وابن ماجة، وابن سعد، والبيهقي، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع عمر، عمرة الحديبية، وهي عمرة الحصر، وعمرة القضاء من قابل، وعمرة الجعرانة، والرابعة مع حجته».


وروى ابن سعد، عن سعيد بن جبير- رحمه الله تعالى- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتمر عام الحديبية من ذي القعدة واعتمر عام صالح قريشا في ذي القعدة واعتمر مرجعه من الطائف في ذي القعدة من الجعرانة».


وروى ابن ماجه، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما-، وعائشة، قال: «قالا: لم يعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا في ذي القعدة».


وروى ابن سعد، عن ابن أبي مليكة- رحمه الله تعالى- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع عمر كلها في ذي القعدة».


وروى- أيضا- عن عامر الشعبي- رحمه الله تعالى- عنه، قال: «لم يعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمرة قط إلا في ذي القعدة».


وروى- أيضا- عن ابن جريج، عن عطاء- رحمهما الله تعالى- قال: «عمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلها في ذي القعدة».


وروى- أيضا- عن عكرمة- رحمهما الله تعالى- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاث عمر في ذي القعدة، قبل أن يحج». ) اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت سبتمبر 19, 2015 9:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد 8/447- 449


(تنبيهات:


الأول: والله سبحانه وتعالى أعلم قال في الهدي: عمره- صلى الله عليه وسلم- كلها كانت في أشهر الحج، مخالفة لهدي المشركين، فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج، ويقولون: هي أفجر الفجور.


الثاني: قال ابن القيم: لم يحفظ عنه- صلى الله عليه وسلم- أن اعتمر في السنة إلا مرة واحدة، وقد ظن بعض الناس أنه اعتمر في سنة مرتين، واحتج بما رواه أبو داود في «سننه» عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتمر عمرتين: في ذي القعدة وعمرة في شوال، قالوا: وليس المراد بهذا ذكر مجموع ما اعتمره فإن أنسا وعائشة، وابن عباس وغيرهم، قد قالوا: إنه اعتمر أربع عمر، فعلم أن مرادها أنه اعتمر في سنة مرتين. مرة في ذي القعدة، ومرة في شوال، وهذا الحديث وهم وإن كان محفوظا عنها فإن هذا لم يقع قط، وتقدم بيان عمره، ومتى وقعت، فمتى اعتمر في شوال، ولكن لقي العدو في شوال وخرج فيه من مكة وقضى عمرته لما فرغ من أمر العدو، وفي ذي القعدة ليلا ولم يجمع ذلك العام بين عمرتين لا قبله ولا بعده، ومن له عناية بأيامه، وسيرته، وأحواله، لا يشك ولا يرتاب في ذلك.


الثالث: قال: في «زاد المعاد» : لم يقل أحد من أهل العلم، أنه- صلى الله عليه وسلم- اعتمر من التنعيم بعد حجه، وإنما يظنه العوام ومن لا خبرة له بالسنة.


الرابع: قال فيه أيضا: غلط من قال: إنه لم يعتمر في حجته أصلا، والسنة الصحيحة المستفيضة التي لا يمكن ردها تبطل هذا القول.


الخامس: قال فيه أيضا غلط من قال: إنه- صلى الله عليه وسلم- اعتمر عمرة حل منها ثم أحرم بعدها بالحج من مكة، والأحاديث الصحيحة تبطل هذا القول وترده.


السادس: روى البخاري، عن البراء بن عازب- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين».


وروى أبو داود، عن مجاهد، قال: سئل ابن عمر: اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: مرتين فقالت عائشة: لقد علم ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها بحجة الوداع.


قال في «زاد المعاد» أراد العمرة المفردة المستقلة التي تمت ولا ريب أنهما اثنتان، فإن عمرة القران لم تكن مستقلة، وعمرة الحديبية صد عنها وحيل بينه وبين إتمامها.

وقال في موضع آخر: «لا يناقض حديث ابن عمر- أي السابق- قوله: «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قرن بين الحج والعمرة» ، لأنه أراد العمرة الحاصلة المفردة.

ولا ريب أنهما عمرتان: عمرة القضاء، وعمرة الجعرانة، وعائشة أرادت العمرتين المستقلتين: فإن عمرة القران، لم تكن مستقلة وعمرة الحديبية صد عنها، ولا ريب أنها أربع .


السابع: قول أنس: اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إلا التي كانت مع حجته .

قال في «زاد المعاد» : وهذا لا يناقض ما تقدم عن عائشة، وابن عباس وغيرهما، أي أنهن كلهن في ذي القعدة، لأن مبدأ عمرة القران في ذي القعدة ونهايتها كان في ذي الحجة مع انقضاء الحج، فعائشة، وابن عباس أخبرا عن ابتدائها وأنس أخبر عن انقضائها.


الثامن: قول عروة، عن ابن عمر: أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يعتمر في رجب، قال في «الهدي» : هو غلط، فإن عمره- صلى الله عليه وسلم- مضبوطة محفوظة، لم يخرج في رجب إلى شيء منها.


التاسع: روى أبو حاتم: وابن حبان «أن عمرة القضاء كانت في رمضان، وعمرة الجعرانة، كانت في شوال، قلت: ذكر أبو حاتم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان معتمرا عام الفتح، وذلك في رمضان» .


قال المحب الطبري: ولم أر ذلك لأحد غيره والمشهور: أن عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة.


العاشر: روى الدارقطني، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «خرجت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في عمرة في رمضان، فأفطر، وصمت وقصر وأتممت، الحديث» .

قال في «زاد المعاد» : هذا الحديث غلط، فإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يعتمر في رمضان قط، وعمره مضبوطة العدد، والزمان، ونحن نقول: يرحم الله أم المؤمنين: ما اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رمضان قط، وقد قالت: - رضي الله تعالى عنها- «لم يعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا في ذي القعدة. كما رواه ابن ماجة، وغيره، ولا خلاف أن عمره- صلى الله عليه وسلم- لم تزد على أربع، فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا، ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال:
بعضهن في رجب، وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة، وهذا لم يقع، وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس، وابن عباس، وعائشة- رضي الله تعالى عنهم-.


الحادي عشر: روى أبو داود، في «سننه» وابن سعد في «طبقاته» واللفظ له، في عمرة الجعرانة حين خرج في شوال، ولكن إنما أحرم بها في ذي القعدة، قلت: قال ابن سعد حدثنا ابن سابق التميمي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير عن عتبة مولى ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: «لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم، ثم اعتمر منها وذلك لليلتين بقيتا من شوال.

وقال ابن القيم في موضع آخر: هذا أي اعتماره- صلى الله عليه وسلم- في شوال وهم، والظاهر والله تعالى أعلم، أن بعض الرواة غلط في هذا، وأنه اعتكف في شوال فقال إنه اعتمر في شوال لكن سياق الحديث، وقوله اعتمر ثلاث عمر عمرة في شوال، وعمرتين في ذي القعدة، يدل على أن عائشة، أو من دونها إنما قصد العمرة» ) اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 22, 2015 1:43 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد 8/450- 453



(الباب الثالث في سياق حجة الوداع :

...................

ذكر إعلامه- صلى الله عليه وسلم- بأنه حاج في هذه السنة:


قلت: قال ابن سعد: قالوا: أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين يضحي كل عام، ولا يحلق، ولا يقصر، ويغزو المغازي، ولا يحج حتى كان في ذي القعدة سنة عشر أجمع الخروج إلى الحج والله تعالى أعلم.

ولما عزم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الحج أذن في الناس أنه حاج في هذه السنة فسمع بذلك من حول المدينة، فلم يبق أحد يريد وفي لفظ:

يقدر أن يأتي راكبا، أو راجلا إلا قدم، فقدم المدينة بشر كثير، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون، وكانوا من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، مد البصر، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويعمل مثل عمله، وأصاب الناس جدري، أو حصبة، منعت من شاء الله أن تمنع من الحج قال أبو محمد: فأعلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن عمرة في رمضان، تعدل حجة معه. وصوبا أن هذا الإعلام كان بعد رجوعه- صلى الله عليه وسلم- وهو كما قال.



ذكر خروجه- صلى الله عليه وسلم- من المدينة الشريفة:


قلت: استعمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما أراد الخروج على المدينة أبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي ويقال: بل سباع بن عرفطة ذكره ابن هشام والله تعالى أعلم.



وصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الظهر بالمدينة أربعا، وخطب الناس وعلمهم ما أمامهم من المناسك ثم ترجل وادهن بزيت، قلت اغتسل قبل ذلك، وتجرد في ثوبين صحاريين إزار ورداء كما ذكره ابن سعد، زاد محمد بن عمر الأسلمي: وأبدلهما بالتنعيم بثوبين من جنسهما، والله تعالى أعلم، ولبس إزاره، ورداءه، قلت وركب كما قال أنس على رحل وكانت زاملته، وقال أيضا حج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على رحل رث، وقطيفة خلقة تستوي أربعة دراهم ولا تستوي.ثم قال:
«اللهم اجعله حجا مبرورا، لا رياء فيه، ولا سمعة» رواه البخاري تعليقا وابن ماجة، والترمذي، في «الشمائل» وأبو يعلى موصولا، والله تعالى أعلم.


وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة نهارا بعد الظهر لخمس بقين من ذي القعدة وصوبا أن خروجه كان يوم السبت، وبسط الكلام على ذلك الحافظ الدمياطي، قلت: ورواه الحاكم في «الإكليل» عن جبير بن مطعم، وبه جزم ابن سعد، ومحمد بن عمر الأسلمي، خلافا لابن حزم في أنه كان يوم الخميس، واستدل بأشياء نقضا عليه، وخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على طريق الشجرة، كان يخرج منها، وصلى في مسجدها، رواه البخاري عن ابن عمر.



ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة وبياته بها:


فسار- صلى الله عليه وسلم- حتى أتى ذا الحليفة، وهو من وادي العقيق فنزل به، قلت: تحت سمرة في موضع المسجد بذي الحليفة، دون الروسة عن يمين الطريق كما في الصحيح، عن عبد الله بن عمر، ليجتمع إليه أصحابه، كما ذكره محمد بن عمر الأسلمي والله تعالى أعلم.


وصلى بهم العصر ركعتين، قلت: وأمر بالصلاة في ذلك الوادي، رواه الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، وابن ماجة، والبيهقي، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول بوادي العقيق: «أتاني آت من ربي» ، ولفظ البيهقي: «جبريل» فقال: «صل في هذا الوادي المبارك» ، وقال: «عمرة في حجة، فقد دخلت العمرة في الحج، إلى يوم القيامة والله تعالى أعلم».


ثم بات بذي الحليفة، وصلى المغرب والعشاء، والصبح والظهر فصلى بها خمس صلوات، وكان نساؤه معه كلهن في الهوداج، وكن تسعة وطاف عليهن تلك الليلة واغتسل، قلت: وطيبته عائشة قبل طوافه عليهن تلك الليلة، واغتسل. «كما رواه مسلم- عن عائشة، والبيهقي عنها، قالت: طيبته بالطيب» والله تعالى أعلم.


وساق هديه مع نفسه، قلت: كان معه- صلى الله عليه وسلم- قبل وصوله، أنه- صلى الله عليه وسلم- دعا ببدنته، وفي رواية: بناقته فأشعرها في صفحة سنامها من الشق الأيمن ثم سلت الدم عنها، وقلدها نعلين، قلت: وتولى إشعار بقية الهدي وتقليده غيره، قال: كان- صلى الله عليه وسلم- معه هدي كثير.

قال ابن سعد: وكان على هديه ناجية بن جندب الأسلمي وكان جميع الهدي الذي ساقه من المدينة.



ذكر إحرامه- صلى الله عليه وسلم-:


«فلما صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصبح أخذ في الإحرام، فاغتسل غسلا ثانيا، غير الغسل الأول، وغسل رأسه بخطمي وأشنان، قلت: ودهن رأسه بشيء من زيت غير كثير» ، رواه الإمام أحمد، والبزار، والطبراني، والدارقطني عن عائشة .


وعن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدهن بالزيت- وهو محرم- غير المقتت» ، رواه الترمذي، وابن ماجة.


في حديث أبي أيوب عند الشيخين: أنه- صلى الله عليه وسلم- في غسله حزك رأسه بيديه جميعا فأقبل بهما وأدبر، والله تعالى أعلم، وطيبته بذريرة وطيب فيه مسك، قلت: وبالغالية الجيدة كما رواه الدارقطني والبيهقي والله أعلم في بدنه ورأسه حتى كان وبيص المسك يرى من مفارقه، ولحيته الشريفة- صلى الله عليه وسلم- ثم استدامه، ولم يغسله، قلت وروى الإمام أحمد، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد أيام وهو محرم ، ورواه الحميدي في مسنده بلفظ: بعد ثالثة، وهو محرم» والله تعالى أعلم.


ثم لبس إزاره ورداءه، قلت: «ولم ينه عن شيء من الأردية إلا المزعفرة، التي تردع على الجلد» ، رواه البخاري، وأبو يعلى، عن ابن عباس والله تعالى أعلم.


وسأله- صلى الله عليه وسلم- رجل: «ما يلبس المحرم من الثياب؟» فقال- صلى الله عليه وسلم-: «لا تلبسوا القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أن تكون نعالا، فإن لم تكن نعالا فخفين دون الكعبين» ، وفي رواية: «إلا أن لا يجد نعلين» ، وفي رواية: «فمن لم يجد نعلين» ، وفي رواية: «فليحرم أحدكم في إزار، ونعلين» .

فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليجعلهما أسفل الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران، ولا الورس، إلا أن يكون غسيلا، ولا تنتقب المحرمة، ولا تلبس القفازين» ، رواه الإمام أحمد، والشيخان، عن ابن عمر، والله تعالى أعلم .


وولدت أسماء بنت عميس- زوجة أبي بكر- بذي الحليفة محمد بن أبي بكر، فأرسلت أبا بكر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تقول: كيف أصنع؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اغتسلي واستثفري بثوب، وأهلي» ، وفي رواية: «وأحرمي» ، رواه مسلم في حديث جابر الطويل. وزاد النسائي، وابن ماجة، عن أبي بكر: وتصنع ما يصنع الناس إلا أنها لا تطوف بالبيت.

ثم أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى ركعتين، قال في الاطلاع: صلى ركعتي الإحرام، وهما الركعتان اللتان كان يودع بهما المنزل.

قال ابن القيم: «ولم ينقل عنه أنه- صلى الله عليه وسلم- صلى للإحرام ركعتين» قلت: روى الشيخان، عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل».

قال النووي في «شرح مسلم» فيه استحباب صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام، ويصليهما قبل الإحرام إلى آخره. والله تعالى أعلم.

ثم ركب راحلته القصواء، قلت: «واستقبل القبلة قائما، ثم لبى» رواه البخاري، عن ابن عمر والله تعالى أعلم.) اهـ .


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 6:17 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 453-458)


ذكر إهلاله- صلى الله عليه وسلّم- وفي أي مكان أهل:

اختلف في الموضع الذي أهل فيه- صلى الله عليه وسلم-.
فقيل: أهلّ من المسجد الذي بذي الحليفة، فروى الخمسة عن سالم، عن أبيه عن عبد الله بن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أنه- صلى الله عليه وسلم- أهل من عند المسجد، يعني: مسجد ذي الحليفة، وفي رواية الشيخين، عن ابن عمر قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنما أهل من المسجد.

روى الطبراني، عن أبي داود المازني، وكان من أهل بدر، قال: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فدخل مسجد ذي الحليفة، فصلّى فيه أربع ركعات، ثم أهلّ في المسجد فسمعه الذين كانوا في المسجد فقالوا أهل من المسجد، وأهل حين ركب راحلته، فقال الذين عند المسجد أهلّ حين استوت به راحلته، ثم لما استوى على البيداء أهلّ فسمعه الذين على البيداء فقالوا أهلّ من البيداء وصدقوا كلهم» .

وقيل: أهلّ حين استوت به راحلته- صلى الله عليه وسلّم-.

وروى الستة، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: بات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة حتى أصبح، فلما زالت راحلته واستوت به أهلّ.

وروى البخاري عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «فأصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذي الحليفة، وركب راحلته حتى استوى على البيداء أهلّ هو وأصحابه» ورواه الإمام أحمد من طريق آخر نحوه.

وروى مسلم من طريق زين العابدين علي بن الحسين، والبخاري من طريق عطاء، كلاهما عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أهلّ حين استوت به راحلته» .

وروى الشيخان من طريق عبيد بن جريج، عن ابن عمر قال: «أما الإهلال فإني لم أر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته».

وروى مسلم، من طريق موسى بن عقبة، عن سالم، عن أبيه عبد الله بن عمر قال: «بيداؤكم التي تكذبون فيها ما أهل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا من عند الشجرة، حين قام به بعيره».

وروى الإمام أحمد، من طريق أبي حسان: مسلم بن عبد الله البصري الأعرج، والبخاري من طريق كريب، كلاهما عن ابن عباس قال: «لما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بذي الحليفة ودعا براحلته فلما استوت على البيداء أهلّ بالحج».

وروى الشيخان، عن جابر بن عبد الله «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل حين استوت به راحلته» .

قال ابن كثير: وهذه الرواية المثبتة المفسرة أنه أهلّ حين استوت به راحلته عن ابن عمر مقدمة على الأخرى لاحتمال أنه أراد أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته، وتكون رواية ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الأخرى، ورواية أنس وجابر وكذا رواية ابن عباس التي في الصحيح سالمات من المعارض، قال: وهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه- صلى الله عليه وسلّم- أحرم بعد الصلاة وبعد ما ركب راحلته وابتدأت به السير، زاد ابن عمر. وهي مستقبلة القبلة.

قال: وما في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهل حين استوت به راحلته أصح وأثبت، من رواية خصيف الحروري، عن سعيد بن جبير.

قلت: وجعل أبو جعفر الطحاوي والحافظ حديث ابن عباس هذا جامعا بين الأقوال، وأورده ابن القيم ساكتا عليه.


ذكر الاختلاف فيما أهل به- صلى الله عليه وسلّم-:

اختلف في ذلك على أربعة أقوال:

الأول: الإفراد بالحج.


روى الإمامان: الشافعي وأحمد، والشيخان والنسائي عن عائشة وأحمد، ومسلم، وابن ماجه، والبيهقي عن جابر بن عبد الله، وأحمد، ومسلم، والبزار، عن عبد الله بن عمر، ومسلم، والدارقطني، والبيهقي، عن ابن عباس «أنه- صلى الله عليه وسلم- أهل بالحج مفردا».


الثاني: القرآن
.

روى الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن عمر بن الخطاب وأحمد عن عثمان وأحمد والبخاري، وابن حبان، عن علي، وأحمد، والنسائي، والشيخان، والبزار، والبيهقي، عن أنس، والترمذي، وابن ماجة، والبزار، والدارقطني، والبيهقي، عن جابر بن عبد الله، والإمام أحمد، وابن ماجة، عن أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري- رضي الله تعالى عنه- وأحمد، عن سراقة بن مالك، والإمامان: مالك، وأحمد، والترمذي وصححه، والنسائي عن سعد بن أبي وقاص، والطبراني، عن عبد الله بن أبي أوفى والإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن ابن عباس، وأحمد ومسلم، والنسائي، والدارقطني، عن الهرماس بن زياد، وأبو يعلى، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأحمد، والشيخان، عن ابن عمرو، وأحمد، عن عمران بن حصين، والدارقطني، عن أبي قتادة، والترمذي- وحسنه- عن جابر بن عبد الله، وأحمد، عن حفصة، والشيخان، والبيهقي، عن عائشة- رضي الله تعالى عنهم- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان قارنا».


الثالث: التمتع.

روى الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عمر قال: تمتع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة، إلى الحج، وأهدى، فساق الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأهلّ بالعمرة، ثم أهل بالحج. الحديث.

وروى الشيخان، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- في تمتعه بالعمرة إلى الحج: وتمتع الناس معه.

وروى مسلم، عن عمران بن حصين- رضي الله تعالى عنه- قال: «تمتع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه» .

وروى مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده الهدي فليحل الحلّ كلّه، فإنّ العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة».

وروى البخاري، عن حفصة- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت يا رسول الله: ما شأن الناس حلّوا بعمرة؟ ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال: «إني لبدت رأسي، وقلّدت هديي فلا أحل حتى أنحر».

وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «تمتع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وأول من نهى عنه معاوية».

وروى الشيخان، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال: «قصرت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بمشقص» ، زاد مسلم، فقلت: «لا أعلم هذه إلا حجّة عليك».

وروى النسائي، عن عطاء، عن معاوية قال: «أخذت من أطراف شعر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمشقص كان معي، بعد ما طاف بالبيت وبالصفا والمروة، في أيام العشر».
قال قيس بن سعد الراوي، عن عطاء: «والناس ينكرون هذا على معاوية».

وروى البخاري عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «اعتمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل أن يحج» .


الرابع: - الإطلاق.

روى الشيخان، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا نذكر حجّا ولا عمرة وفي لفظ «نلبيّ لا نذكر حجّا ولا عمرة» ، وفي لفظ «خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا نرى إلا الحج. حتى إذا دنونا من مكة، أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من لم يكن معه هدي إذا طاف بين الصّفا والمروة، أن يحل».

قال الإمام الشافعي- رحمه الله تعالى- أخبرنا سفيان، أخبرنا ابن طاوس ، وإبراهيم ابن ميسرة، وهشام بن حجير سمعوا طاوسا يقول: «خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- من المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة، ينتظر القضاء، فنزل عليه القضاء بين الصفا والمروة، فأمر أصحابه من كان منهم أهلّ ولم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة الحديث» ويأتي الكلام عليه في التنبيهات.


فهذه أربعة أقوال: «الإفراد، والقران، والتمتع، والإطلاق، ورجحا أنه- صلى الله عليه وسلم- كان قارنا، ورجحه المحب الطبري، والحافظ، وغيرهم، ويأتي تحقيقه بعد تمام القصة، قال: أهلّ في مصلاه، ثم ركب ناقته، فأهلّ أيضا، ثم أهلّ لما استقلت به على البيداء وكان يهلّ بالحج والعمرة تارة، وبالعمرة تارة، وبالحج تارة لأن العمرة جزء منه، فمن ثمّ قيل: قرن. وقيل: تمتع، وقيل: أفرد، وكل ذلك وقع بعد صلاة الظهر، خلافا لابن حزم، وصاحب الاطلاع، قال النووي، والحافظ: وطريق الجمع بين الأحاديث وهو الصحيح: أنه- صلى الله عليه وسلم- كان أولا مفردا بالحج، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها على الحج فصار: قارنا، فمن روى الإفراد هو الأصل، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق) اهـ .


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 6:23 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 458-459)

ذكر لفظ تلبيته صلى الله عليه وسلّم
:

ثم لبّى- صلى الله عليه وسلّم- فقال: «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك» ، ورفع صوته بالتلبية حتى سمعها أصحابه.

قلت: وروى البزار، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال: كانت تلبية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لبّيك حجّا حقّا تعبّدا ورقّا».

وروى الطبراني- بسند حسن- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقف بعرفات فلما قال: «لبيك اللهم لبيك» قال: «إنّما الخير خير الآخرة» .

وعند الإمام أحمد، والنسائي، والبيهقي عن أبي هريرة «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال في تلبيته: «لبّيك إله الحقّ لبّيك».

وروى الطبراني، عن خزيمة بن ثابت- رضي الله تعالى عنه- «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إذا فرغ من تلبيته، سأل الله عز وجل مغفرته ورضوانه واستعتقه من النار».
وأمرهم بأمر الله- تعالى- بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج.
وأمره جبريل- عليه الصلاة والسلام- «أن يعلن بالتلبية» .

وروى الإمام أحمد، عن السائب بن خلاد أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتّلبية» ، وقال: «يا محمد كن عجاجا ثجاجا» . «رواه الطبراني وغيره» .

قلت: جاء جبريل وأهلّ الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد- صلى الله عليه وسلم- شيئا منه، ولزم- صلى الله عليه وسلّم- تلبيته» ، رواه مسلم،.
وعند أبي داود، والناس يزيدون «ذا المعارج» ونحوه من الكلام. والنبي- صلى الله عليه وسلم- يسمع، فلا يقول لهم شيئاً.

ثم إنه- صلى الله عليه وسلّم- خيّرهم عند الإحرام بين الأنساك الثلاثة. ثم ندبهم عند دنوّهم من مكة إلى فسخ الحج، والقران إلى العمرة، لمن لم يكن معه هدي، ثم حتّم ذلك عليهم عند المروة، ثم سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهو يلبّي تلبيته المذكورة، والناس معه يزيدون فيها، وينقصون، وهو يقرهم، ولا ينكر عليهم، ولزم تلبيته.) اهـ


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 6:26 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 459)

( ذكر مسيره- صلى الله عليه وسلم-:

من قال إهلاله ومروره بالروحاء، ثم الأثاية قلت: قال ابن سعد: ومضى- صلى الله عليه وسلّم- يسير المنازل ويؤم أصحابه في الصّلوات في مساجد له، قد بناها الناس وعرفوا مواضعها. والله تعالى أعلم.

ثم سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. وهو يلبي تلبيته المذكورة، فلما كان بالرّوحاء رأى حمارا وحشيا عقيرا، قال: «دعوه يوشك أن يأتي صاحبه» ، فجاء صاحبه إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قلت: هو رجل من بهز، واسمه الله تعالى أعلم فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «شأنكم بهذا الحمار» ، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أبا بكر فقسمه بين الرفاق، ثم مضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى كان بالأثاية بين الرّويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل وفيه سهم، فأمر رجلا- قلت هو أبو بكر الصديق- رضي الله تعالى عنه- كما رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر، عن طلحة بن عبيد الله، والله تعالى أعلم- فأمره أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزوه .

قال: والفرق بين قصة الظبي، وقصة الحمار: أن الذي صاد الحمار كان حلالا، فلم يمنع من أكله، وهذا لم يعلم أنه حلال، وهم محرمون، فلم يأذن لهم في أكله، ووكّل من يقف عنده لئلا يأخذه أحد حتى يجاوزوه.)اهـ .



_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 6:32 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 459-460)

ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بالعرج وضياع زاملته التي بينه وبين أبي بكر:

ثم سار- صلى الله عليه وسلم- حتى إذا نزل بالعرج، وكانت زاملته وزاملة أبي بكر واحدة، وكانت مع غلام لأبي بكر، فجلس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر إلى جانبه وعائشة إلى جانبه الآخر، وأسماء بنت أبي بكر إلى جانبه وأبو بكر ينتظر الغلام أن يطلع عليه فطلع وليس معه البعير، فقال: أين بعيرك؟ فقال: أضللته البارحة، فقال أبو بكر- وكان فيه حدة: بعير واحد تضلّه، فطفق يضرب الغلام بالسوط، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يتبسم ويقول: «انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟» ، وما يزيد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أن يقول ذلك ويتبسم، ترجم أبو داود على هذه القصة «باب المحرم يؤدب».

قلت سبق أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- حجّ على رحل، وكانت زاملة، قال المحب الطبري: فيحتمل إن يكون بعض الزاملة عليها، وبعض الزاملة مع زاملة أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- ولما بلغ آل فضالة الأسلمي، أن زاملة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ضلت حملوا له جفنة من حيس فأقبلوا بها حتى وضعوها بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «هلم يا أبا بكر، فقد جاء الله تعالى بغذاء أطيب، وجعل أبو بكر يغتاظ على الغلام، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «هوّن عليك يا أبا بكر، فإن الأمر ليس إليك، ولا إلينا معك، وقد كان الغلام حريصا على ألا يضل بعيره، وهذا خلف مما كان معه» ، ثم أكل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأهله، وأبو بكر ومن كان معه يأكل حتى شبعوا، فقال فأقبل صفوان بن المعطل- رضي الله تعالى عنه- وكان على ساقة الناس، والبعير معه، وعليه الزاملة، فجاء حتى أناخ على باب منزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: «متاعك؟» ، فقال: «ما فقدت شيئا إلا قعبا كنا نشرب فيه، فقال الغلام: هذا القعب معي» فقال أبو بكر لصفوان: أدّى الله عنك الأمانة.

وجاء سعد بن عبادة، وابنه قيس- رضي الله تعالى عنهما- ومعهما زاملة تحمل زادا يؤمّان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوجدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واقفا بباب منزله، قد رد الله- عز وجل- عليه زاملته، فقال سعد يا رسول الله: بلغنا أن زاملتك ضلت الغداة، وهذه زاملة مكانها، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-: «قد جاء الله بزاملتنا، فارجعا بزاملتكما بارك الله فيكما» ) اهـ .



_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 6:36 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 460-461)

ذكر مروره- صلى الله عليه وسلّم- بالأبواء:

وإهداء الصعب بن جثامة له- ثم مضى رسول الله حتى إذا كان بالأبواء أهدى له الصعب بن جثامة حمار وحش، وفي رواية «عجز حمار وحش» وفي رواية «لحم حمار وحش، يقطر دما» ، وفي رواية «شق حمار وحشي» ، وفي رواية «رجل حمار وحش فرده» وقال: «إنا لم نردّه عليك إلا أنّا حرّم»


ذكر مروره- صلى الله عليه وسلّم- بوادي عسفان:

فلما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بوادي عسفان، قال: «يا أبا بكر أيّ واد هذا؟» قال: «وادي عسفان» ، قال: «لقد مرّ به هود، وصالح، على بكرين أحمرين خطمهما ليف، وأزرهم العباء، وأرديتهم النماز يلبون، يحجون البيت العتيق.


ذكر مروره- صلى الله عليه وسلّم- بسرف:

قلت: قال ابن سعد: وكان يوم الاثنين بمر الظهران فغربت له الشمس بسرف. فلما كان- صلى الله عليه وسلّم- بسرف حاضت عائشة وقد كانت أهلت بعمرة، فدخل عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي تبكي، فقال: «ما يبكيك؟ لعلك نفست؟» قالت: نعم، قال: «هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت» .

وقال- صلى الله عليه وسلم- لما كان بسرف لأصحابه: «من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا» .

قال ... : وهذا رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات، فلما كان بمكة، أمر أمرا حتما من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، ويحل من إحرامه، ومن معه هدي أن يقيم على إحرامه، ولم ينسخ ذلك شيء البتة بل سأله سراقة بن مالك، عن هذه العمرة التي أمرهم بالفسخ إليها هل هي لعامهم ذلك أم للأبد؟ فقال: «بل للأبد، وإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة» .

وقد روي عنه- صلى الله عليه وسلم- الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من الصحابة- رضي الله تعالى عنهم- وأحاديثهم صحاح، وسرد أسماءهم، والدليل على صحة مذهبه في نحو عشر ورقات وسيأتي التحقيق فيه بعد تمام القصة.) اهـ .



_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 6:48 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 461-464)

ذكر نزوله- صلى الله عليه وسلّم- بذي طوى، ودخوله مكة، وطوافه وسعيه:

ثم نهض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى أن نزل بذي طوى، وهي المعروفة اليوم بآبار الزاهر، فبات بها ليلة الأحد، لأربع خلون من ذي الحجة، وصلّى بها الصبح، ثم اغتسل من يومه، ونهض إلى مكة من أعلاها من الثنية العليا، التي تشرف على الحجون وكان في العمرة يدخل من أسفلها وفي الحج دخل من أعلاها وخرج من أسفلها، ثم سار حتى دخل المسجد ضحى.

وروى الطبراني عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: «دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودخلنا معه من باب عبد مناف، وهو الذي تسميه الناس: «باب بني شيبة» - رجاله رجال الصحيح إلا مروان بن أبي مروان، قال السليماني: فيه نظر».

وروى البيهقي: وخرج من باب بني مخزوم إلى الصفا فلما نظر إلى البيت، واستقبله ورفع يديه وكبر، وقال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد هذا البيت تشريفا، وتعظيما، وتكريما، ومهابة، وزد من عظّمه، ممن حجه أو اعتمره، تكريما وتشريفا وتعظيما وبرا».

وروى الطبراني، عن حذيفة بن أسيد، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان إذا نظر إلى البيت قال: «اللهم زد بيتك هذا تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا ومهابة».

فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- المسجد عمد إلى البيت، ولم يركع تحية المسجد، فإن تحية المسجد الحرام الطواف.

وكان طوافه- صلى الله عليه وسلم- في هذه المرة ماشيا فقد روى البيهقي- بإسناد جيد- كما قال ابن كثير عن جابر بن عبد الله قال: «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، ثم رمل ثلاثا، ومشى أربعا، حتى فرغ قبّل الحجر، ووضع يديه عليه، ومسح بهما وجهه».

وأما ما رواه مسلم، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بعيره يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس» .

وما رواه أبو داود، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال: قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة يشتكي فطاف على راحلته وكلما أتى الركن استلم بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلّى ركعتين.

وقول أبي الطفيل- رضي الله تعالى عنه- «يطوف حول البيت على بعير يستلم الركن بمحجن» رواه البيهقي.

قال: طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجته بالبيت على ناقته الجدعاء، وعبد الله ابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز فقالا، واللفظ لابن كثير، إن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف، هذا الأول، والثاني طواف الإفاضة، وهو طواف الفرض وكان يوم النحر. والثالث: طواف الوداع فلعل ركوبه- صلى الله عليه وسلم- كان في أحد الأخيرين، أو في كليهما، فأما الأول: وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه، وقد نص على هذا الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- والدليل على ذلك ما رواه البيهقي بإسناد جيد، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، ثمن رمل ثلاثا، ومشى أربعا، حتى فرغ يقبل الحجر، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه» .

قال ... : وحديث ابن عباس إن كان محفوظا فهي في إحدى عمره، وإلا فقد صح عنه: الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي: إنه رمل على بعيره، فقد رمل لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم.
فلما حاذى- صلى الله عليه وسلّم- الحجر الأول استلمه، ولم يزاحم عليه قلت: وقال لعمر: «يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر تؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلّل وكبّر» رواه الإمام أحمد وغيره
والله تعالى أعلم.

قال: ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني، ولم يرفع يديه، ولم يقل: نويت بطوافي هذا الأسبوع، كذا وكذا ولا افتتحه بالتكبير، كما يكبر للصلاة كما يفعله من لا علم عنده، بل هو من البدع المنكرات، ولا حاذى الحجر الأسود بجميع يديه، ثم انفتل عنه وجعله على شقه، بل واستقبله، واستلمه، ثم أخذ على يمينه وجعل البيت على يساره ولم يدع عند الباب بدعاء، ولا تحت الميزاب، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ولا وقت الطواف ذكرا معينا، لا بفعله ولا تعليمه، بل حفظ عنه بين الركنين رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

قلت: وروى ابن سعد، عن عبد الله بن السائب- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقول بين الركنين: اليماني، والحجر الأسود رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

ورمل- صلى الله عليه وسلّم- في طوافه هذا الثلاثة الأشواط، الأول قلت: «من الحجر إلى الحجر» رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى

وكان يسرع مشيه، ويقارب بين خطاه واضطبع بردائه فجعله على أحد كتفيه، وأبدى كتفه الآخر، ومنكبه، وكلما حاذى الحجر الأسود أشار إليه واستلمه بمحجنه وقبّل المحجن، وهو عصا محنيّة الرأس.

وثبت عنه: أنه استلم الركن اليماني، ولم يثبت عنه أنه قبّله، ولا قبّل يده حين استلامه.

وقول ابن عباس كان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يقبّل الركن اليماني، ويضع خدّه عليه، رواه الدارقطني، من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز....

وروي عنه «أنه وضع شفته عليه طويلا يبكي» .

وروى الطبراني بإسناد جيد أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا استلم الركن اليماني قال: بسم الله، والله أكبر، وكان كلما أتى الحجر الأسود، قال: «الله أكبر» .

وروى أبو داود الطيالسي، عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله قبّل الركن، ثم سجد عليه، ثم قبله، ثم سجد عليه، ثلاث مرات، ولم يمس من الركنين إلا اليمانيين فقط.

قلت: «واستسقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في طوافه» . رواه الطبراني، عن العباس، وفي سنده رجل لم يسم، والله تعالى أعلم...)اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 6:57 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 464-467)


فلما فرغ من طوافه جاء إلى خلف المقام، فقرأ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فصلى ركعتين- والمقام بينه وبين البيت- قرأ فيهما بعد الفاتحة: بسورة الإخلاص، وقراءته الآية المذكورة. قلت في حديث جابر: «أنه قرأ فيهما قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ والله تعالى أعلم.

فلما فرغ من صلاته أقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه ثم خرج إلى الصفا من الباب الذي يقابله، فلما دنا منه قرأ إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أبدأ بما بدأ الله به» . وفي رواية النسائي: «ابدأوا» على الأمر .

ثم رقى عليه حتى إذا رأى البيت فاستقبل البيت فوحّد الله- تعالى- وكبره وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» ، ثم دعا بين ذلك، قال مثل ذلك ثلاث مرات» .

وقام ابن مسعود على الصدع، وهو: الشق الذي في الصفا، فقيل له ها هنا يا أبا عبد الرحمن، قال: هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، ثم نزل إلى المروة يمشي، فلما انصبّت قدماه في بطن الوادي سعي حتى إذا جاوز الوادي وأصعد مشى كذا في حديث جابر عند الإمام أحمد ومسلم من طريق جعفر بن محمد.

قالا: لكن روى الإمام أحمد، ومسلم عن محمد بن بكر، والنسائي عن شعيب بن إسحاق ومسلم عن علي بن شهر وعيسى بن يونس كلهم عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت، وبين الصفا والمروة ليراه الناس. قلت وبكونه سعى راكبا جزم ابن حزم.

وظاهر الأحاديث عن جابر وغيره، يقتضي أنه مشى خصوصا قوله فلما انصبّت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى. وجزم ابن حزم: بأن الراكب إذا انصب به بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه أيضا مع سائر جسده.

قال ابن كثير وهذا بعيد جدا.

قالا: وفي الجمع بينهما وجه أحسن من هذا وهو: أنّه سعى ماشيا أولا، ثم أتم سعيه راكبا، وقد جاء ذلك مصرحا به، ففي صحيح مسلم، عن أبي الطفيل، قال قلت لابن عباس: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا، أسنة هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة. قال: «صدقوا وكذبوا» ، قال: قلت: ما قولك صدقوا وكذبوا قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كثر عليه الناس يقولون: هذا محمد، حتى خرج عليه العواتق من البيوت قال: وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يضرب الناس بين يديه، قال: فلما كثر عليه الناس ركب، والمشي أفضل.

قلت: «وفي حديث يعلى بن أمية عند الإمام أحمد أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- مضطبعا بين الصفا والمروة ببرد نجراني».

وروى النسائي والطبراني برجال الصحيح، عن أم ولد شيبة بن عثمان «أنها أبصرت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول: «لا يقطع الأبطح إلا شدّا»

وروى البيهقي، عن قدامة بن عمار، قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يسعى بين الصفا والمروة على بعير، لا ضرب، ولا طرد، ولا إليك إليك».

وروى عبد الله ابن الإمام أحمد، والبزار- برجال ثقات- عن علي- رضي الله تعالى عنه- «أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- كاشفا عن ثوبه حتى بلغ ركبتيه».

وروى الإمام أحمد، والطبراني، عن حبيبة بنت أبي تجراة- رضي الله تعالى عنها- قالت: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السّعي، يدور به إزاره وهو يقول: «اسعوا فإن الله- عز وجل- كتب عليكم السعي» وفي الكبير قال: «ولقد رأيته من شدة السعي يدور الإزار حول بطنه وفخذيه حتى رأيت بياض فخذيه».

قلت: وفي حديث ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا سعى في بطن المسيل، قال: «اللهم اغفر وارحم، وأنت الأعز الأكرم» رواه الطبراني.

وفي حديث ابن علقمة، عن عمه «أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا جاء مكانا من دار يعلى- نسبه عبيد الله- استقبل البيت ودعا» . رواه الإمام أحمد وأبو داود إلا أنه قال: عن أمّه والله تعالى أعلم.

قال ابن حزم وطاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- راكبا على بعير يخبّ ثلاثا ويمشي أربعا.

قالا: وكونه خب ثلاثة أشواط بين الصفا والمروة، ومشى أربعا لم يتابع على هذا القول، ولم يتفوه به أحد قبله، وإنما هذا في الطواف بالبيت.

وكان- صلى الله عليه وسلم- إذا وصل إلى المروة رقي عليها واستقبل البيت وكبر الله ووحدّه وفعل كما فعل على الصفا، فلما أكمل سعيه عند المروة أمر كلّ من لا هدي معه أن يحل حتما ولا بد قارنا كان أو مفردا، وأمرهم أن يحلّوا الحلّ كله، من وطء النساء، والطيب ولبس المخيط، وأن يبقوا كذلك إلى يوم التروية، ولم يحل هو من أجل هديه، فحلّ الناس كلهم إلا النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي، ومنهم أبو بكر وعمر، وطلحة والزبير، قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة» ، وهناك سأله سراقة بن مالك بن جشم وهو في أسفل الوادي، لمّا أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة والإحلال، يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد؟ فشبّك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أصابعه واحدة في الأخرى فقال: «لا» ، ثلاث مرات، ثم قال: «دخلت العمرة في الحج مرتين أو ثلاثا إلى الأبد» بل الأبد فحل الناس كلهم إلا النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي.

قلت: وأمره- صلى الله عليه وسلم- من لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة، رواه عنه خلائق من الصحابة.

وقد اختلف العلماء في ذلك. فقال مالك، والشافعي، كان ذلك من خصائص الصحابة، ثم نسخ جواز الفسخ كغيرهم، وتمسكوا بما رواه مسلم، عن أبي ذر لم يكن فسخ الحج إلى العمرة إلا إلى أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم-.

وأما الإمام أحمد فرد ذلك وجوّز الفسخ لغير الصحابة.

وهناك دعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثا، وللمقصرين مرة.

فأما نساؤه فأحللن وكن قارنات إلا عائشة فإنها لم تحل من أجل تعذر الحل عليها بحيضتها، وفاطمة حلت، لأنها لم يكن معها هدي، وعلي لم يحلّ من أجل هديه، وأمر من أهلّ بإهلال كإهلاله- صلى الله عليه وسلّم- أن يقيم على إحرامه، إن كان معه هدي، وأن يحل من لم يكن معه هدي.
قلت: ورواه الطبراني- برجال ثقات- والله تعالى أعلم.) اهـ .


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 7:00 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 467-468)

وسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل يوم التروية بيوم، فقلنا غدا إن شاء الله تعالى بالخيف حيث استقسم المشركون، ثم سار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والناس معه حتى نزل الأبطح شرقي مكة في قبة حمراء من أدم ضربت له هناك، وهناك كما قال ابن كثير- قدم عليّ من اليمن ببدن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- محرّشا لفاطمة فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «صدقت» ثلاثا «أنا أمرتها، يا عليّ بم أهللت؟» ، قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك قال: ومعي هدي قال: «فلا تحل» ، فكان جملة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي ساقه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المدينة مائة بدنة، وكان يصلي مدة مقامه هنا إلى يوم التروية بمنزلة الذي هو نازل فيه بالمسلمين بظاهر مكة، فأقام بظاهر مكة أربعة أيام يقصر الصلاة. الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء.

قلت: ولم يعد إلى الكعبة كما في الصحيح عن ابن عباس.

وفي حديث أبي جحيفة عند الإمام أحمد، والشيخين، أنه أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بالأبطح وهو في قبة له حمراء فخرج بلال بفضل وضوئه فمن ناضح ومن نائل، قال: فأذّن بلال، فكنت أتتّبع فاه ها هنا وها هنا- يعني يمينا وشمالا- ثم خرج بلال بالعنزة بين يديه، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعليه حلة حمراء، فكأني أنظر إلى بريق ساقيه، فصلى بنا الظهر والعصر ركعتين ركعتين تمرّ المرأة والكلب والحمار من وراء العنزة، فقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت يديه فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك، والله تعالى أعلم. ) اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 7:56 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 468- 472)

قلت: قال ابن سعد: فلما كان قبل يوم التروية بيوم خطب بمكة بعد الظهر فلما كان يوم الخميس ضحى توجه بمن معه من المسلمين إلى منى فأحرم بالحج من كان أحلّ منهم في رحالهم، ولم يدخلوا المسجد فأحرموا منه، بل أحرموا ومكة خلف ظهورهم فلما وصل إلى منى نزل بها فصلى بها الظهر والعصر، وبات بها، وكانت ليلة الجمعة، فلما طلعت الشمس ساروا منها إلى عرفة وأخذ على طريق ضب على يمين طريق الناس اليوم، وكان من الصحابة الملبّي والمكبّر، وهو يسمع ذلك ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء.

قلت:
وفي حديث ابن عباس قال: غدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة من منى، فلما انبعثت به راحلته وعليها قطيفة قد اشتريت بأربعة دراهم، قال: «اللهم اجعله حجا مبرورا، لا رياء فيه ولا سمعة» رواه الطبراني بسند جيد.

وفي حديث جابر ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أتى نمرة، فوجد القبّة قد ضربت له هناك بأمره فنزل فيها، حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي من أرض عرفة.

قال ابن سعد: فوقف بالهضبات من عرفات وقال: «كلّ عرفة موقف إلا بطن عرنة» أي بالنون ...وهو وادي من حدود عرفة.

فخطب الناس قبل الصلاة على راحلته خطبة عظيمة.

قلت وهو قائم في الركابين- كما عند أبي داود- عن العدّاء بن خالد-رضي الله تعالى عنه-.


ونص الخطبة بعد الحمد لله، والثناء عليه:

«أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلّغت، فمن كانت عنده أمانة فليردها لمن ائتمنه عليها، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدميّ، وإن أول دمائكم أضع، وفي رواية: وإن أول دم أضع من دمائنا دم ربيعة، وفي رواية: دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعا في بني سعد بن بكر فقتلته هذيل.

وعند ابن إسحاق، والنسائي، في بني ليث فقتلته هذيل، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية، وإن كل ربا موضوع، ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا ربا، وإن أول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله.

أما بعد أيها الناس الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ولكنه إن يطمع فيما سوى ذلك فقد رضي بما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم.

أيها الناس إن النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً، وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً، لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السّنة اثنا عشر شهرا، وفي رواية «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثلاثة متوالية: ذي القعدة وذي الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» .

«أما بعد أيها الناس: اتقوا الله واستوصوا بالنساء خيرا، فإنّهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهم شيئا وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله» . وفي رواية «بكتاب الله، ولكم عليهن حق، ولهن عليكم حق، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين فلهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.

فاعقلوا أيها الناس قولي- فإني قد بلغت- وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي أبدا- إن اعتصمتم به- أمرين، وفي رواية أمرا بينا كتاب الله عز وجل وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلّم.

أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ لمسلم، وفي رواية: أخو المسلم وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، فلا تظلمن أنفسكم واعلموا أن القلوب لا تغل على ثلاث: إخلاص العمل لله عز وجل ومناصحة أولي الأمر، وعلى لزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، ومن تكن الدنيا نيّته يجعل الله فقره بين عينيه ويشتت عليه ضيعته، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له، ومن تكن الآخرة نيّته يجعل الله غناه في قلبه، ويكفيه ضيعته وتأتيه الدنيا وهي راغمة، فرحم الله امرأ سمع مقالتي حتى يبلغه غيره، ورب حامل فقه وليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.

أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، فإن جاء بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله، ولا تعذبوهم، أوصيكم بالجار- حتى أكثر- فقلنا إنه سيورثه.

أيها الناس: إن الله قد أدى لكل ذي حق حقه، وإنه لا يجوز وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادّعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، العارية مؤدّاة، والنحلة مردودة، والدين مقضيّ والزعيم غارم.

أما بعد: فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من ها هنا عند غروب الشمس حتى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. هدينا مخالف هديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها. ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير فأخر الله هذه وقدم هذه، يعني: قدم المزدلفة قبل طلوع الشمس، وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغيب الشمس، وندفع من المزدلفة حتى تطلع الشمس، وهدينا مخالف لهدي الأوثان والشرك»
.

قلت:
وفي حديث المسور بن مخرمة- رضي الله تعالى عنه- قال: خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعرفات فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذا الموضع إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع بعد أن تغيب وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمس منبسطة» ، رواه الطبراني برجال الصحيح.

«وأنتم تسألون عنّي فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك بلغت، وأديت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس «اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد» .
ثلاث مرات.

قلت:
روى البيهقي، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- خطب بعرفات، فلما قال: «لبيك اللهم لبيك، قال إنما الخير خير الآخرة».

قال أبو محمد: وأرسلت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي أم عبد الله بن عباس بقدح لبن فشربه أمام الناس ووهّماه في ذلك وقال: «إنما كان ذلك بعد ذلك حين وقف بعرفة كما سيأتي» .

وروى ابن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: كان الرجل الذي يصرخ في الناس (تحت لبة ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم-) بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بعرفة: ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي قال: يقول له رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- (اصرخ. وكان صيتا) قل أيها الناس إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: هل تدرون أي شهر هذا؟ فيقول لهم وفي رواية فيصرخ فيقولون نعم الشهر الحرام، فيقول قل لهم إني وفي رواية: فإن الله قد حرم.

«فلما أتمها أمر بلالا فأذن ثم أقام الصلاة فصلّى الظهر، ركعتين أسرّ فيهما بالقراءة وكان يوم جمعة، فلما فرغ من صلاته ركب حتى أتى الموقف، فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات واستقبل القبلة» .

قلت: في حديث جابر، وجعل بطن ناقته القصواء وهو عليها إلى الصّخرات وجعل جبل المشاة بين يديه.
وأمر الناس أن يرتفعوا عن بطن عرنة- بالنون- ووقف- صلى الله عليه وسلّم- من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس وهو يدعو الله تبارك وتعالى ويبتهل ويتضرع إليه رافعا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين وأخبرهم أن خير الدعاء يوم عرفة.

ومما حفظ من دعائه- صلى الله عليه وسلّم- هناك: «اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، وإليك مآبي، ولك تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر اللهم إني أعوذ بك من شر ما يجيء به الريح، ومن شر ما يلج في الليل، وشر ما يلج في النهار، وشر بوائق الدهر. اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته وذلّ جسده، ورغم أنفه لك، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا، وكن بي رؤوفا رحيما يا خير المسؤولين. ويا خير المعطين» .

«لا إله إلا أنت وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي صدري نورا وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، اللهم اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، وأعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وفتنة القبر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار، وشر ما تهب به الرياح، ومن شر بوائق الدهر» رواه البيهقي.

أنزل عليه هناك الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة/ 3] .

وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم فمات، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يكفن في ثوبه، ولا يمس بطيب، وأن يغسل بماء وسدر، ولا يغطى رأسه ولا وجهه وأخبر أنه يبعث يوم القيامة يلبي.) اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 8:06 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 472-475)

فلما غربت الشمس واستحكم غروبها بحيث ذهبت الصّفرة أفاض من عرفة، وأردف أسامة بن زيد خلفه، وأفاض بالسّكينة، وضم إليه زمام ناقته القصواء حتى إن رأسها ليصيب طرف رجله، وهو يقول: «أيها الناس عليكم السكينة، فإن البرّ ليس بالإيضاع» ، أي ليس بالإسراع، وأفاض من طريق المأزمين وكان دخل مكة من طريق ضبّ» .

قلت: وفي حديث ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أفاض من عرفات وهو يقول:
«إليك تغدو قلفا وضينها ... مخالفا دين النصارى دينها»
رواه الطبراني وقال: المشهور في الرواية أنه من فعل ابن عمر أي: لا مرفوعا، والله تعالى أعلم .

ثم جعل يسير العنق وهو ضرب من السير ليس بالسريع ولا البطيء، فإذا وجد فجوة- وهو المتسع- نصّ سيره أي رفعه فوق ذلك وكلما أتى ربوة من تلك الربى أرخى للناقة- وهي العضباء- زمامها قليلا حتى تصعد، وكان يلبي في مسيره ذلك لا يقطع التلبية، فلما كان في أثناء الطريق مال إلى الشّعب وهو شعب الأذاخر عن يسار الطريق بين المأزمين- نزل- صلى الله عليه وسلّم- فبال وتوضأ خفيفا، فقال أسامة: الصلاة يا رسول الله: فقال: «الصلاة أمامك» ، ثم سار حتى أتى المزدلفة.

قلت: نزل قريبا من النار التي على قزح فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أمر بالأذان فأذّن المؤذن، ثم أقام الصلاة فصلى المغرب قبل حطّ الرحال، وتبريك الجمال، فلما حطّوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة، ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان، ولم يصل بينهما شيئا ثم نام حتى أصبح ولم يحيي تلك الليلة، وأذن في تلك الليلة، قلت عند السحر لمن استأذنه من أهل الضعف من الذرية والنساء، ومنهن سودة وأم حبيبة أن يتقدموا إلى منى قبل حطمة الناس، وذلك طلوع الفجر، وكان ذلك عند غيبوبة القمر. وأمرهم ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، ورمى من النساء أسماء بنت أبي بكر، وأم سلمة قبل الفجر. قال في البداية فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الفجر، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لأنهن أثقل حالا، وأبلغ في الستر.

وفي حديث ابن عباس- قدّمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أغيلمة بني عبد المطلب على نساء محمد يلطح أفخاذنا ويقول: «أبنيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» رواه أحمد.
وجئت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببقيّة نسائه حتى يدفعن معه حين يصبح. فلما برق الفجر، صلاها في أول الوقت خلافا لمن زعم أنه صلاها قبل الوقت بأذان وإقامة، يوم النحر، وهو يوم العيد، وهو يوم الحج الأكبر، وهو يوم الأذان ببراءة الله ورسوله من كل مشرك، ثم ركب القصواء حتى أتى موقفه عند المشعر الحرام فوقف على قزح وقال: «كل المزدلفة موقفنا إلا بطن محسّر» ، فاستقبل القبلة، وأخذ في الدعاء والتضرّع والتهليل، والتكبير، والذكر، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، وذلك قبل طلوع الشمس.

قلت:
وكان أهل الجاهلية لا يدفعون حتى تطلع الشمس على ثبير، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إنّ قريشا خالفت هدي إبراهيم، فدفع طلوع الشمس.
وهنالك سأله عروة بن مضرّس بن الطائي، فقال: يا رسول الله: إني جئت من جبل طيّء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- «من شهد صلاتنا هذه، فوقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد أتم حجّه وقضى تفثه».

ثم سار بمزدلفة مردفا للفضل بن عباس، وهو يلبي في مسيره، وانطلق أسامة بن زيد على رجليه في سباق قريش، وفي طريقه ذلك، أمر الفضل بن عباس أن يلقط له حصى الجمار سبع حصيات، ولم يكسرها من الجبل، تلك الليلة كما يفعل من لا علم عنده ولا التقطها بالليل، فالتقط له سبع حصيات من حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: «أمثال هؤلاء، فارموا، وإياكم والغلوّ في الدّين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلّو في الدّين»، وفي طريقه تلك عرضت له امرأة من خثعم جميلة، فسألته عن الحج عن أبيها- وكان شيخا كبيرا لا يستمسك على الراحلة- فأمرها أن تحج عنه، وجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فوضع يده على وجهه فصرفه إلى الشق الآخر لئلا تنظر إليه ولا ينظر إليها.

قلت : في حديث جابر وكان الفضل رجلا حسن الشّعر أبيض وسيما، والله تعالى أعلم.
فقال العباس لويت عنق ابن عمك، فقال: «رأيت شابا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما» .

وسأله آخر هناك عن أمّه، وقال: «إنها عجوز كبيرة، وإن حملتها لم تستمسك وإن ربطتها خشيت أن أقتلها» ، قال: «أرأيت إن كان على أمك دين أكنت قاضيه؟» قال: نعم. قال «فحج عن أمك».

فلما أتى بطن محسّر حرك ناقته وأسرع السير، وهذه كانت عادته- صلى الله عليه وسلّم- في المواضع التي نزل فيها بأس الله بأعدائه، فإن هنالك أصاب الفيل ما قص الله علينا. ولذلك سمي الوادي وادي محسّر، لأن الفيل حسر فيه أي أعيا وانقطع عن الذهاب.

ومحسّر برزخ بين منىّ ومزدلفة لا من هذه ولا من هذه، وعرنة برزخ بين عرفة والمشعر الحرام، فبين كل مشعرين برزخ ليس منها، فمنى من الحرم، وهي مشعر، ومحسّر من الحرم وليس بمشعر، ومزدلفة حرم ومشعر، وعرنة ليست بمشعر، وهي من الحل وعرفة حل ومشعر.

قلت: كذا في أكثر الروايات.

وفي حديث أم جندب، عند أبي داود وغيره، أنه كان راكبا يظله الفضل بن العباس وهو غريب مخالف للروايات الصحيحة.

وسلك الطريق الوسطى بين الطّريقين، وهي التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى منى.

قلت: قال ابن سعد: ولم يزل يلبّي حتى رمى جمرة العقبة.

«فأتى جمرة العقبة فوقف في أسفل الوادي وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، واستقبل الجمرة، وهو على راحلته فرماها راكبا بعد طلوع الشمس، واحدة بعد واحدة، يكبر مع كل حصاة، وحينئذ قطع التلبية وكان في مسيره ذلك يلبي حتى شرع في الرمي، وبلال وأسامة معه، أحدهما آخذ بخطام ناقته، والآخر يظله بثوب من الحر» .

قلت: الذي كان يظله بلال كما في حديث أبي أمامة، عن بعض الصحابة رواه ابن سعد وفي حديث أم جندب الأزدية أنه الفضل بن العباس، رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والبيهقي فإنهما كانا يتناوبان.

قلت: وروى مسلم وابن سعد والبيهقي عن جابر قال: «رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي راحلته يوم النحر» ويقول لنا: «خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» ، وفي حديث أم جندب: فازدحم الناس فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الخذف» ، ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى ورمى الناس».

وفي حديث حذافة بن عبد الله العلائي أنه رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- رمى جمرة العقبة في بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.

قلت: «ولم يقف عند جمرة العقبة، ثم رجع إلى منى فخطب الناس خطبة بليغة» .)اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 11, 2016 8:21 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (8/ 475- 480)

وروى الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن معاذ، عن رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قال: خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الناس بمنى وأنزلهم منازلهم، فقال: «لينزل المهاجرون هاهنا» وأشار إلى يمين القبلة، «والأنصار هاهنا» وأشار إلى ميسرة القبلة، «ثم لينزل الناس حولهم» ، وعلمهم مناسكهم، ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم.

قال ابن كثير: ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت، أو بعد رجوعه منه إلى منى؟.

قلت جزم- صاحب الهدي: «بأنها كانت قبل ذهابه إلى البيت، وكان عمرو بن خارجة تحت جران ناقة رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وهي تقصع بجرّتها وإن لعابها ليسيل بين كتفيه قال الحافظ: قال بعض الشراح: إنه بلال، والصواب: أنه أبو بكرة.

فقال- صلى الله عليه وسلم- وهو على ناقته العضباء بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «إلا أن الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، والسنّة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ألا أي، وفي رواية: ألا تدرون، وفي رواية: أتدرون أي يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: «أليس هذا يوم النحر؟» قلنا: بلى، قال: «أي شهر هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: «أليس ذو الحجة؟» قلنا: بلى، قال: «فأي بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: «أليس البلدة؟» قلنا: بلى. قال فإن دماءكم وأموالكم- قال محمد- وأحسبه قال: وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه» ، ثم قال: «ألا هل بلغت؟» قلنا: نعم، قال: «اللهم فاشهد» . رواه الإمام أحمد والشيخان.

وروى الإمام أحمد، والبخاري، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- قال: «خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، فقال: «أيها الناس: أيّ يوم هذا؟ قالوا يوم حرام، قال: فأيّ بلد هذا؟ قالوا بلد حرام، قال: فأيّ شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: «فإن دماءكم، وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، في شهركم هذا» . فأعادها مرارا، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: «اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت؟».

وروى الشيخان نحوه عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: «ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة؟» قالوا شهرنا هذا، قال: «ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟» قالوا: بلدنا هذا، قال: «ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟» قالوا: يومنا هذا، قال: «فإن الله تبارك وتعالى قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا هل بلغت ثلاثا؟» كل ذلك يجيبونه ألا نعم قال: «ويحكم أو قال: ويلكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».

ثم انصرف إلى النحر بمنى، فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده بالحربة وكان ينحرها قائمة معقولة اليسرى وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنين عمره- صلّى الله عليه وسلم- ثم أمسك وأمر عليا أن ينحر ما بقي من المائة، ثم أمره أن يتصدق بجلالها وجلودها ولحومها، في المساكين، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئا منها، وقال: «نحن نعطيه من عندنا، وقال: من شاء اقتطع» .

قلت: في حديث ابن جريج عن جعفر بن محمد عن جابر ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها والله تعالى أعلم.

قال ابن جريج: قلت من الذي أكل مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وشرب من المرق؟ قال جعفر:
علي بن أبي طالب أكل مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وشرب من المرق.

وقول أنس- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحر بيده سبع بدن قياما.
حمله أبو محمد- رحمه الله تعالى- على أنه- صلى الله عليه وسلم- لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين، ثم زال عن ذلك المكان، وأمر عليا فنحر ما بقي، أو أنه لم يشاهد إلا نحره- صلى الله عليه وسلّم- سبعا فقط بيده، وشاهد جابر تمام نحره- صلى الله عليه وسلّم- للباقي، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشاهد، وأنه- صلى الله عليه وسلّم- نحر بيده مفردا سبع بدن كما قال أنس ثم أخذ هو وعلي الحربة معا فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين كما قال عروة بن الحارث الكندي أنه شاهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومئذ أخذ بأعلى الحربة، وأمر عليا فأخذ بأسفلها، ونحرا بها البدن، ثم انفرد علي بنحر الباقي من المائة كما قال جابر.

وحديث عبد الله بن قرط- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قرب له بدنات خمس فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها. تكلم بكلمة خفية لم أفهمها.
فقلت: ما قال؟ قال من شاء اقتطع لا يلزم منه أنه نحر خمسا فقط، فإن المائة لم تقرب إليه جملة، وإنما كانت تقرب إليه أرسالا، فقرّب منها خمس بدنات رسلا، وكان ذلك الرّسل يبادرن ويتقربن إليه، لكي يبدأ بكل واحدة منهن.

قلت: وضحى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن نسائه بالبقر.

ونحر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمنحره بمنى، وأعلمهم أن منى كلها منحر، وأن فجاج مكة طريق ومنحر.

وسئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يبنى له بناء بمنى يظلّه من الحرّ، فقال: لا منى مناخ لمن سبق إليه.

فلما أكمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحره استدعى بالحلاق فحلق رأسه، فقال للحلاق- وهو معمر بن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف- وحضر المسلمون يطلبون من شعره- وهو قائم على رأسه بالموسى، ونظر في وجهه وقال: «يا معمر أمكنك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من شحمة أذنه وفي يدك الموسى» ، قال معمر، فقلت: أما والله يا رسول الله أن ذلك من نعم الله علي ومنّه.
قال للحلاق: «خذ» ، وأشار إلى جانبه الأيمن، فلما فرغ منه قسم شعره على من يليه، ثم أشار إلى الحلّاق، فحلق جانبه الأيسر، ثم قال: «هاهنا أبو طلحة» ، فدفعه إليه.

قال ابن سعد: وحلق رأسه وأخذ من شاربه وعارضيه وقلم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن.

وروى البخاري، عن ابن سيرين، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ شعره، قال: وهذا لا يناقض رواية مسلم: لجواز أن يصيب أبا طلحة من الشق الأيمن مثل ما أصاب غيره، ويختص بالشق الآخر، لكن قد روى مسلم- أيضاً- من حديث أنس «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال: «احلق» فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال: «اقسمه بين الناس» .

ففي هذه الرواية، كما ترى أن نصيب أبي طلحة كان الشق الأيمن وفي الأولى أنه كان الأيسر وفي رواية أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أعطاه أم سليم ولا يعارض هذا دفعه لأبي طلحة لأنها امرأته، وفي لفظ: فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قال: بالأيسر فصنع به مثل ذلك ثم قال: «ها هنا أبو طلحة» فدفعه إليه، وفي لفظ ثالث: دفع إلى أبي طلحة شعر شقّ رأسه الأيسر، ثم أظفاره وقسمها بين الناس.

وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق فدفعها إليه فكان يجعلها في مقدم قلنسوته، فلا يلقى جمعا إلا فضّه.

وحلق أكثر أصحابه- صلى الله عليه وسلّم- وقصّر بعضهم، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اللهم اغفر للمحلقين» ، ثلاثا كل ذلك يقال: والمقصرين يا رسول الله، فقال: «والمقصرين في الرابعة» .
قلت:
قال ابن سعد: وأصاب الطيب بعد أن حلق، ولبس القميص، وحلّ الناس، وجاءه رجل فقال: يا رسول الله حلقت قبل أن انحر قال: «انحر ولا حرج» ، ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله إني أفضت قبل أن أنحر. قال: «احلق ولا حرج» ، فما سئل عن شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج» [ (2) ] .
وبعث عبد الله بن حذافة السهمي، وقيل: كعب بن مالك ينادي في الناس، بمنى: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «إنها أيام أكل وشرب وذكر الله»

قلت: ونادى مناديه بمنى أنها أيام أكل وشرب وباءة ذكره ابن سعد.

فانتهى المسلمون عن صيامهم إلا محصورا بالحج أو متمتعا بالعمرة إلى الحج، فإن الرّخصة من رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أن يصوموا أيام منى، والله تعالى أعلم.

ثم أفاض- صلى الله عليه وسلم- إلى مكة قبل الظهر راكبا، (وأردف معاوية بن أبي سفيان من منى إلى مكة) ، فطاف طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة، وهو طواف الصدر، ولم يطف غيره، قال: هو الصواب.

في حديث عائشة، وابن عباس: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أخّر طواف يوم النّحر إلى الليل ، علقه البخاري، ورواه الأربعة.

قلت: قال ابن كثير: والأشبه أن هذا الطواف كان قبل الزوال، ويحتمل أنه كان بعده.

فإن حمل هذا أنّه أخّر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول: إلى العشي صح ذلك، وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا، ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من أنه- صلى الله عليه وسلّم- طاف يوم النحر نهارا، وشرب من سقاية زمزم، وأما الطواف بالليل، فهو طواف الوداع، ومن الرواة من يعبّر عنه بطواف الزيارة ثم أتى زمزم بعد أن قضى طوافه، وهم يسقون، فقال: «لولا أن يغلبكم الناس عليها يا ولد عبد المطلب لنزلت، فسقيت معكم».

ويقال: إنه نزع دلوا لنفسه، ثم ناوله الدلو، قلت: ثم مجّ فيها فأفرغ على سقايتهم في زمزم.

وفي حديث ابن عباس عند البخاري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فائت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشراب من عندها، فقال: اسقني، فقالت: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: «اسقني (مما يشرب الناس) » ، فشرب منه، ثم أتى زمزم ، والله تعالى أعلم.
قال: فشرب وهو قائم.

قال: والأظهر أن ذلك كان للحاجة، وهل كان في طوافه هذا راكبا؟ أو ماشيا؟. وقد تقدم ما رواه مسلم وغيره، عن جابر، قال: طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه، لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه.

وروى الشيخان، عن ابن عباس قال: طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجنه.

قال ...: وهذا الطواف ليس بطواف الوداع فإنه كان ليلا، وليس بطواف القدوم، لوجهين:
أحدهما: أنه قد صح عنه. أن الرّمل في طواف القدوم. ولم يقل أحد قط رملت به راحلته وإنما قالوا رمل نفسه.

والثاني قول عمرو بن الشريد: أفضت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فما مست قدماه الأرض حتى أتى جمعا، وهذا ظاهره، انه من حين أفاض معه، ما مست قدماه الأرض إلى أن رجع، ولا ينقض هذا بركعتي الطواف، فإن شأنهما معلوم، قال: والظاهر أن عمرو بن الشريد إنما أراد الإفاضة معه من عرفة، ولهذا قال: حتى أتى جمعا وهي مزدلفة، ولم يرد الإفاضة إلى البيت يوم النحر، ولا ينقض هذا بنزوله عند الشعب حين بال ثم ركب، لأنه ليس بنزول مستقر، وإنما مست قدماه الأرض مسّا عارضا.) اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 20 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 113 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط