موقع د. محمود صبيح
https://www.msobieh.com:443/akhtaa/

شجرة الكون بين الرؤية الصوفية والتقنية الفنية
https://www.msobieh.com:443/akhtaa/viewtopic.php?f=4&t=2152
صفحة 1 من 1

الكاتب:  islam [ الخميس إبريل 20, 2006 9:06 pm ]
عنوان المشاركة:  شجرة الكون بين الرؤية الصوفية والتقنية الفنية

[align=center]الحمد للهِ الأحدي الذات، الفردي الصفات، الذي تقدس وجهه عن الجهات، وقدسه عن المحدثات، وقدمه عن الجهات، ويده عن الحركات، وعينه عن اللحظات، واستواؤه عن الاتصالات، وقدرته عن الهفوات، وإرادته عن الشهوات، الذي لا تعدد لصفاته بتعدد الموصوفات، ولا تختلف إرادته باختلاف المرادات، وكون بكلمة ( كن ) جميع الكائنات، وأوجد بها جميع الموجودات، فلا موجود إلا مستخرج من كنهها المكنون، ولا مكنون إلا مستخرج من سرِّها المصون،


والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أضاء الله بنوره نور الملأ الأعلى حتى أضاء وعلا، ثم جعل ذلك النور أصلا لكل نور، فهو أولهم في المسطور، وآخرهم في الظهور، وقائدهم في النشور، ومُبَشَّرُهُمْ بالسرور، ومتَوَّجُهُمْ بالحبور، فهو مستودع في ديوان الإنس، مستقر في رياض الأنس، وحضرة الأنس، ستر معنى روحانيته بستر جسمانيته، وغطى عالم شهوده بعالم وجوده، فهو مستخْرَجٌ في الكون، مستنبَطٌ لأجله الكون.


لم توسل به آدم عليه السلام، سلم من الملام، ولما انتقل إلى صلب إبراهيم الخليل صارت النار عليه بردا وسلاما، ولما أودعته صدفة إسماعيل فُدِيَ بذبح عظيم،
خلق آدم على صورة اسمه، لأن اسمه محمد، فرأس آدم دائرة بتدويره، على صورة الميم الأولى من اسمه، وإرسال يده مع جنبه على صورة الحاء، وبطنه على صورة الميم الثانية، ورجلاه في انفتاحهما على صورة الدال، فكمل خلق آدم على صورة اسم محمد صلى الله عليه وسلم.



و كوَّن الأكوان على هيئة رسمه لأن العالم عالمان: عالم الملك وعالم الملكوت، فعالم الملك كعالم جسمانيته، وعالم الملكوت كعالم روحانيته، فكثيف العالم السفلي ككثيف جسمانيته، ولطيف العالم العلوي كلطيف روحانيته، فما في الأرض من الجبال التي جعلت في الأرض أوتادا، فهي بمنزلة جبال عظامه التي جعلت أوتاد جسمه.


وما فيها من بحار مسجورة جارية وغير جارية، عذبة وغير عذبة فهي بمنزلة ما في جسده من دم جار في تيار العروق، وساكنٍ في جداول الأعضاء، واختلاف أذواقها، فمنها ما هو عذب وهو ماء الريق، يطيب بعجينه المآكل والمشارب، ومنها ما هو مالح، وهو ماء العين، بحفظه شحمة العين، ومنها ما هو مر، وهو ماء الأذن، لصيانة الأذن من حيوان ودبيب يصل إليها فيقتله ذلك الماء.


ثم في أرض جسده ما ينبت كالأرض الجرز، والأرض السبخة التي لا تنبت ويستحيل النبت فيها، ثم لما كان في الأرض بحار عظيمة تتفرع منها أنهار وسواقٍ لنفع الناس بها، كذلك في أرض جسده عروق غلاظ كالوتين الذي يبث الدم، وتستمد العروق منه إلى سائر الجسد.
ثم العالم العلوي، وهو عالم السماء، جعل الله فيه شمسا كالسراج يستضيء به أهل الأرض، كذلك جعلت الروح في الجسد يستضيء بها الجسد، فلو غابت بالموت لأظلم الجسد كظلمة الأرض إذا غابت عنها الشمس.


ثم جعل العقل بمنزلة القمر يستنير في فلك السماء، تارة يزيد وتارة ينقص، فابتداؤه صغير وهو هلال كابتداء عقل الصغير في صغره، ثم يزيد كزيادة القمر ليلة تمامه، ثم يبدو بالنقص، فهو بمنزلة بلوغ الأجل إلى تمام الأربعين، ثم يعود في النقص في تركيبه وقوته.


ثم جعل في السماء كواكب خمسا، وهي الخمس الخنس " الجواري الكنس "، وهي بمنزلة الحواس الخمس، وهي: الذوق والشم واللمس والسمع والبصر.

ثم جعل في عالم السماء عرشا وكرسيا، فالعرش أوجده وجعل وجهة قلوب عباده إليه، ومحل رفع الأيدي إليه، لا محلا لذاته، ولا مجانسا لصفاته، لأن الرحمن - تعالى اسمه – الاستواء نعته وصفته، ونعته وصفته متصلة بذاته، والعرش خلق من خلقه، لا متصل به، ولا ملامس له، ولا محمول عليه، ولا مفتقر إليه، وأما الكرسي فهو وعاء أسراره، وكنانة أنواره، ومستودع ما في دائرة " وسع كرسيه السموات والأرض ".

فجعل الصدر بمنزلة الكرسي، لأن فيه تحصيل العلوم الصادرة بمنزلة الساحة على باب القلب، والنفس يشرع منه بابان إليهما، فما صدر عن القلب من خير، أو عن النفس من شر، فهو محصل في الصدر، وعنه يصدر إلى الجوارح، وهو معنى قوله تعالى: " وحصل ما في الصدور ".


وجعل القلب بمنزلة العرش، لأن عرشه في السماء معروف، وعرشه في الأرض مسكون، لأن عرش القلوب أفضل من عرش السماء، لأن ذلك العرش لا يسعه، ولا يحمله، ولا يدركه، وهذا عرش في كل حين ينظر إليه، ويتجلى عليه، وينزل من سماء كرمه إليه " ما وسعني سمواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن ".

ولما جعل في عالم الآخرة جنة ونارا للنعيم والعذاب، هذه خزانة الخير وهذه خزانة الشر، كذلك جعل الخير الذي هو مكان سويداء القلب جعله جنة عبده المؤمن، لأنه محل المشاهدة والتجلي والمناجاة والمنازلات ومنبع الأنوار، وجعل النفس بمنزلة النار، لأنها منبع الشر، ومحل الوسواس، وربع الشيطان، ومحل الظلمة.

ثم جعل اللوح والقلم نسخة كتاب الكون والتكوين، وما كان وما يكون إلى يوم الدين، وجعل الملائكة تستنسخ ما يؤمرون بنسخه، من محو وإثبات، وموت وحياة، ونقص وزيادة، فكذلك اللسان بمنزلة القلم، والصدر بمنزلة اللوح، فما نطق به اللسان، رقمته الأذهان في ألواح الصدور، وما أرخته إرادة القلب إلى الصدر عبر عنه اللسان كالترجمان
.


ثم جعل الحواس رسل القلب يستنسخ ما حصل فيها، فالسمع رسول، وهو جاسوسه، والبصر رسول، وهو حارسه، واللسان رسول، وهو ترجمانه.

ثم جعل في الإنسان ما هو دلالة على الربوبية، وتصديق الرسالة المحمدية، وذلك الهيكل الإنساني لما افتقر إلى مدبر وهو الروح، وكان مدبره واحدا، وكانت الروح غير مرئية، ولا مكيفة، ولا متحيزة في شيء من الجسد، ولا يتحرك شيء من الجسد إلا بشعورها به، وإرادتها له، لا يحس ولا يمس إلا بها، وكان ذلك كله دلالة على أن العوالم لا بد لهم من مدبر ومحرك، ويلزم منه أن يكون واحدا عالما بما يحدث في ملكه، قادرا على حدوثه، وأنه غير مكيف، ولا متمثل، ولا مرئي، ولا متحيز، ولا متبعِّض، ولا محسوس، ولا ملموس، ولا مقبوس، بل " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ".


ولما كان رسوله إلى خلقه اثنين: ظاهرا وباطنا، فرسوله الظاهر محمد رسول الله، ورسوله الباطن جبريل، فجبريل يأتيه بالوحي بين قومه ولا يحسونه ولا يعرفونه، فكذلك كان لمدبر هذا الهيكل الإنساني، وهو الروح، رسولان: باطن وظاهر، فالرسول الباطن هي الإرادة، بمنزلة جبريل يوحي إلى اللسان، واللسان يعبر عن الإرادة، وهو بمنزلة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم لما جعل فيك دلالة على صحة نبوته، وصدق رسالته، جعل فيك أيضا دلالة على ما جاء به من تحقيق شريعته، واتباع سنته، فكان أصل الأيدي خمسة أشياء، كل منها خمسة،

فالأصل الأول ما بني عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج إلى بيت الله الحرام ".

الأصل الثاني: وكانت الصلاة المفترضة خمسا، والثالث: الزكاة المفروضة في النصاب خمس، والرابع: " محمد رسول الله والذين معه " أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فهم خمسة برسول الله صلى الله عليه وسلم، الخامس: أهل البيت خمسة: محمد صلى الله عليه وسلم، وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

فلما كان أركان الدين إقامة أركان شريعته، ومحبة صحابته، ومودة قرابته، جعل في أعضائك منها دلالة على ذلك خمسة، فالخمسة التي بني الإسلام عليها بمنزلة الحواس الخمس منك، وهي السمع والبصر واللمس والشم والذوق، لأنك تجد بهذه الحواس مذاق كل شيء، ومعرفة كل شيء، وكذلك تجد بإقامة تلك الأركان الخمسة ذوق كل شيء، وإدراك العرفان، ومعرفة الرحمن، وعلم الإيقان.


فحاسة البصر تدعوك إلى إقامة أركان الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: " جعلت قرة عيني في الصلاة "، وحاسة اللمس تدعوك لأداء الزكاة، قال الله تعالى: " خذ من أموالهم.. "، وحاسة الذوق تدعوك إلى ترك ذوق الطعام، لإقامة ركن الصيام، وحاسة السمع تدعوك إلى استماع الأذان " وأذن في الناس بالحج "، وحاسة الشم تدعوك إلى انتشاق أنفاس التوحيد " إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن "، فهذه الحواس تدعوك إلى إقامة الأركان الخمسة.



وجعل أصابعك الخمسة في يمينك بمنزلة محمد صلى الله عليه وسلم والذين معه هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وإن آدم عليه السلام لما خلق نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في جبينه كانت الملائكة تستقبله وتسلم على نور محمد صلى الله عليه وسلم، وآدم عليه السلام لم يره، فقال: يا رب، أحب أن أنظر إلى نور ولدي محمد صلى الله عليه وسلم، فحوِّله إلى عضو من أعضائي لأراه، فحوَّلَهُ إلى سبابته في يده اليمنى، فنظر إليه يتلألأ في مسبحته، فرفعها فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فلذلك سميت المسبحة، فقال: يا رب، هل بقي في صلبي من هذا النور شيء؟ قال: نعم، نور أصحابه، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فجعل نور علي في إبهامه، ونور أبي بكر في الوسطى، ونور عمر في البنصر، ونور عثمان في الخنصر، وقيل: إنما جعلت في يدك لتقبض برؤوسهن على حب هؤلاء الخمسة، ولا تفرق بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله جمع بينهم بقوله: " محمد رسول الله والذين معه ".

ثم جعل أصابعك الخمسة في اليد اليمنى مذكرة بالخمسة أشباح، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس بقوله: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنزلت هذه الآية فينا أهل البيت أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين ".

[twh]يتبع إن شاء الله...[/twh]
[/align]

صفحة 1 من 1 جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين
Powered by phpBB © 2000, 2002, 2005, 2007 phpBB Group
http://www.phpbb.com/