بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد
) الخلق العظيم هو : الملّة المحمّديّة . قال سيّدنا ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} أي : على دِينٍ عَظِيمٍ ( الطبري) وتأويل ذلك أنّ النّبوّة ذات والرّسالة صفاتها، فكلّ رسالة تستمدّ من نبوّة، وكلّ رسالة هي مظهر لصاحبها، فالظاهر عنوان الباطن، والسّيرة تعرب عن السريرة، ومن أعظم مقاما وحالا، من سيّد الوجود صلى الله عليه وسلّم. فلإن كانت رسالات وشرائع الرّسل تسفر عن نبوّاتهم الصّفاتيّة، فإنّ الملّة المحمّديّة تسفر عن النّبوّة الذاتيّة، وكلّ إناء بالذي فيه ينضح. وإذا كان الدّين الإسلامي الكامل، المحيط بكلّ الشّرائع الإلهيّة، والمهيمن على سائر الكتب السّماويّة، هو خلقه صلى الله عليه وسلّم، فجدير أن يعظمه العظيم تعالى في القرآن العظيم. ووجه الرّبط بين الدّين والأخلاق هنا، أنّ الشّريعة هي منظومة أخلاق، مع الحق تعالى بالعبادة، ومع الخلق في العادة .
2) الخلق العظيم هو : الخلعة الصّفاتيّة . ولقد ذهب زمرة من العارفين، إلى أنّ الخلق هاهنا المراد به الصّفة، وفي تعظيم القرآن العظيم لها دلالة على أنّها ليست صفات عاديّة، بل صفات عظيمة مقدّسة، وما الصّفات العظيمة إلّا صفات الحق تعالى، والتي تحقّقت بها الحضرة المحمّديّة، ثمّ ظهرت بها في صورة بشريّة . فكأنّ الآية تقول :سبحان الله العظيم ما هذه صفات بشريّة، ولكنّها صفات ربّانيّة عظيمة، فتكون من قبيل ( وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ) وما شاكلها .
3) الخلق العظيم هو : المظهريّة الذّاتيّة. ولقد نحى الخواص ما هو أدق من ذلك، فقالوا في قوله تعالى بـ " على " إشارة إلى المقام الذّاتي، فضلا عن المظهر الصّفاتي، حيث أنّ " على " تفيد الإستعلاء. فيكون تأويل الآية : إنّك علوت وتفوّقت على رتبة التحقّقات الصّفاتيّة، المعبّر عنها بـ (خلق عظيم ) إلى مستوى التّحقق بالمظهريّة الذّاتيّة، الملغّز لها بـ ( على ) ولا غرو من هذا فكلّما دقّ المعنى دقّت العبارة . وهذا ما تدلّ عليه آية ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) حيث أن "السّبع المثاني" هي الصّفات السّبع المعنويّة، و"القرآن العظيم" هو التّحقق الذّاتي. 4) الخلق العظيم هو : القرآن الحكيم . وذهبت أمّ المؤمنين عليها الرّضوان، إلى أنّ الخلق العظيم هذا هو القرآن العظيم، فلما سئلت كما في الصحيح، كيف كان خلقهصلى الله عليه وسلّم قالت ( كان خلقه القرآن)، وهو جواب ملغّز دقيق، ولله درّها من صدّيقة إبنت الصّديق عليهما الرّضوان. وكأنّها تقول: من كانت جبلته ذاتيّة، لا بدّ أن تكون أخلاقه قرآنيّة، ولهذا كانت كلّ أحواله وأفعاله وأقواله معصومةصلى الله عليه وسلّم، كما قال تبارك (إن هو إلّا وحي يوحى) . وهذا ما تعطيه دلالة القرآن، من معاني ربّانيّة قدسيّة، وصفات نورانيّة روحانيّة، وأحوال غيبيّة كلّيّة، وليس على حسب التّشريع فحسب . 5) الخلق العظيم هو : الواسطة العظمى . ومنها أنّ الخلق العظيم هو : ما وسع الخلق أجمعين، وهذا ما يتضمنه معنى الواسطة العظمى، من سعة الإمدادات المحمّديّة للعالمين . فما من ذرّة في الكون إلّا ووسعها إمدادهصلى الله عليه وسلّم، لكونه واسطة تأثيرات الأسماء والصّفات بالكلّ في الكلّ، وكفى بهذا الخلق عظمة، حيث أنّ الإمداد يشمل كلّ صفات الإحسان، جمالا وجلالا وكمالا، غيبا وشهادة ... 6) الخلق العظيم هو : الرّحمة للعالمين . ومنهم من رأى أنّ الخلق العظيم هذا ، هو صفة الرّحمة التي تحقق بها صلى الله عليه وسلّم، حتّى كان هو مظهرها بل عينها، بمقتضى قوله تعالى (وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين)، وقوله تعالى ( بالمؤمنين رؤوف رحيم)، وقول الكاملصلى الله عليه وسلّم ( إنمّا أنا رحمة مهداة ). ومعنى هذه العظمة في صفة الرّحمة، أنّها هي المهيمنة على تأثيرات باقي الصّفات، لقولهتعالى ( ورحمتي وسعت كلّ شيء) وقولهتعالى ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) وقولهتعالى في الحديث القدسي ( رحمتي سبقت غضبي ) ، وبتعظيمه تعالى لصفة الرّحمة في نبيه صلى الله عليه وسلّم تعظيم لكلّ صفاته. 7) الخلق العظيم هو : أدبه الرّفيع مع الرّب تعالى . ومنهم من فقه أنّ الخلق العظيم، هو في تخلّقه صلى الله عليه وسلّم في بساط العبوديّة الخالصة، وهو المعروف عند القوم بالأدب مع الحضرة الإلهيّة . ولا شكّ أنّه صلى الله عليه وسلّم هو الإمام ي محراب العبوديّة على الإطلاق، وبه يهتدي ويقتدي المقرّبون قاطبة، وهو ما يمكن أن نوجّه به قول الإمام الجنيد قدس سرّه: "لأنّه صلى الله عليه وسلّم لم يكن له همة في سوى الله تعالى" وقول الإمام الحسن البّصري قدس سرّه: "لأنّك لم يؤثر فيك جفاء الخَلْقِ، مع مطالعة الحق، وهذا غاية في كمال أدبه صلى الله عليه وسلّم".
) الخلق العظيم هو :الفطرة النّورانيّة . ومنها أنّ الآية تشير إلى قدسيّة الفطرة المحمّديّة، والتي هي كالخلفيّـة المصدريّة لسيرته وشمائله صلى الله عليه وسلّم ، حيث أنّ الخلق مشتق من الخلقة، أي السّجيّة التي خلقت عليها، كمثل اشتقاق الأمّيّة من الحالة التي ولدتك عليها أمّك . فيكون توجيه الآية : أنّك لعلى فطرتك الرّبانيّة، المشار إليها بـ ( أدّبني ربّي فأحسن تأديبي ) وعلى خلقتك النّورانيّة، المعبر عنها بـ ( كنت نبيا وآدم بين الرّوح والجسد)، ولم تغيّرك الأغيار، ولم تعكر صفوك الآثار، بل ظهرت أخلاقك طبقا للأصل الذي كنت عليه سالفا . 9) الخلق العظيم هو :التنزّل للورى . ومنها أنّ الخلق العظيم، هو في تنزله وتواضعهصلى الله عليه وسلّم إلى المستوى السّفلي، مع عليه حقيقته النّورانيّة من مجد ورفعة، ولكنّ الخلق لم يوفّوه حقّ قدره، لأنّهم جاهلون بمقداره العظيم، فتولّى الحق سبحانه ذلك لأنّه الأعلم بمكانته. وهذا ما تشير إليه الآية، حيث عدل تعالى عن خطابنا إلى خطابه، مع أنّه صلى الله عليه وسلّم ليس في حاجة إلى كلّ تلك التّواكيد، فكان التّوكيد لنا والخطاب موجه له، ففيها وفي ما سبق من الآيات والتي أتت في معرض الذّب عن جنابه الشّريف، أسلوب رفيع من العناية الربّانيّة . وكأنّ الحق تعالى حينما أعرض عنهم ولم يخاطبهم، فيه تحقير لشأنهم، وتعظيم لشأن المعصوم صلى الله عليه وسلّم ، بل وفيه إعراض حتى عن المؤمنين، لعجزهم عن إدراك تلك العظمة، فما خاطب إلّا من يدركها صلى الله عليه وسلّم . خلاصة وبالجمع بين هذه التأويلات الدّقيقة، ندرك معنى العظمة التي أثنى بها الحق تعالى على حبيبهصلى الله عليه وسلّم ، حتّى كلّت ألسنة الخلق بعده عن مدحه وتعظيمه، وشتان بين تعظيم العظيمتعالى وبين تعظيم الخلائق، ولله درّ القائل : يا مصطفى من قبل نشأة آدم والكون لم تفتح له اغلاق
أيروم مخلوق على ثناءك بعدما أثني على أخلاقك الخلاق
وعليه فإنّ المعنى العميق الذي دار عليه بحثنا، هو أنّ تلك العظمة ليست مجرد عظمة بشريّة عاديّة، بل هي عظمة قدسيّة ربّانيّة، بمقتضى الصبغة الجبروتيّة التي تتوجت بها الحضرة المحمّديّة، في مضمار الحضرات الإلهيّة . ولهذا نجد أنّ لآية العظمة هذه أخوات، كمثل قوله تعالى ( وكان فضل الله عليك عظيما )، وقولهتعالى ( إنا أعطيناك الكوثر) ، وقولهتعالى ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم)، وقولهتعالى ( فسبح باسم ربّك العظيم ) . إذا فكأنّ تولّي الحق تعالى التّعظيم لحبيبهصلى الله عليه وسلّم بنفسه، فيه إشارة إلى عظمة تلك الحضرة وإطلاقها، حيث أنّ الخلق عاجزون عن معرفتها ووصفها، ولهذا لما سئلت السّيّدة الصّديقة عن خلقه صلى الله عليه وسلّم، علّقته بالقرآن العظيم، الذي هو بحر بلا سواحل. كما جاء في السّير أَنَّ يَهُودِيًّا مِنْ فُصَحَاءِ الْيَهُودِ جَاءَ إِلَى سيّدنا عُمَرَ فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَخْلَاقِ رَسُولِكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: اطْلُبْهُ مِنْ عَلِيٍّ ، فَلَمَّا سَأَلَ سيّدنا عَلِيًّا عَنْهُ قَالَ: صِفْ لِي مَتَاعَ الدُّنْيَا حَتَّى أَصِفَ لَكَ أَخْلَاقَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: هَذَا لَا يَتَيَسَّرُ لِي، فَقَالَ سيّدنا عَلِيٌّ : عَجَزْتَ عَنْ وَصْفِ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ عَلَى قِلَّتِهِ حَيْثُ قَالَ: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ فَكَيْفَ أَصِفُ أَخْلَاقَ النَّبِيِّ وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَظِيمٌ حَيْثُ قَالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) . خاتمة وأختم البحث بهذه النّبذة، من تأويلات العارفين لآية العظمة : يقول الإمام جعفر الصادق : « ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ، أي : على النّور الذي خصصت به في الأزل ». قال الإمام الجنيد قدس الله سره: «(وإنك لعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ ) كان على خلق عظيم لجوده بالكونين».
وقال الإمام الجنيد قدس الله سرّه: « لأنّه صلى الله عليه وسلّم لم يكن له همة في سوى الله تعالى».
وقال الإمام الحسن البّصري قدس الله سرّه: «لأنّك لم يؤثر فيك جفاء الخَلْقِ، مع مطالعة الحق، وهذا غاية في كمال أدبه صلى الله عليه وسلّم».
وقال الإمام ابن عطاء قدس الله سرّه: « كأنّه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلّم أفترضى بالعطاء عوضا عن المعطي، فيقول: لا؛ فقيل له (وإنّك لعلى خلق عظيم) أي على همّة جليلة، إذ لم يؤثر فيك شيء من الأكوان، ولا يرضيك شيء منها».
يقول الإمام القشيري قدّس الله سرّه : « (وإنك لعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ )، لا بالبلاء تنحرف، ولا بالعطاء تنصرف »( ).
ويقول الشيخ الحسين بن منصور الحلاج قدّس الله سرّه : « لما دنى السفير الأعلى من الحق في المسرى أيده ، فقال : ( سل تعط ) فقال : ماذا أسأل وقد أعطيت ، وماذا أبتغي وقد كفيت ، فنودي : (إنّك لعلى خلق عظيم) ، حيث نزهت بساطنا عن طلب الحوائج »( ) .
ويقول الشّيخ أبو علي الدقاق قدّس الله سرّه : الخلق العظيم : هو لسيّدنا محمدصلى الله عليه وسلّم ، حيث طويت له الدنيا وشاهد مشارقها ومغاربها ، ورقي إلى قاب قوسين أو أدنى ، فلم يساكن شيئا من الدنيا والعقبى ، لأنه صلى الله عليه وسلّم على همة عظيمة ( ) .
ويقول الشيخ أبو الحسين النوري قدّس الله سرّه : « كيف لا يكون خلقه عظيماً وقد تجلى الله لسرّه بأنوار أخلاقه »( ) .
ويقول الشيخ نجم الدين الكبرى قدّس الله سرّه : يقول : « كان خلقه صلى الله عليه وسلّم القرآن ، بل كان هو القرآن »( ) .
ويقول الشيخ محمد بهاء الدين البيطار قدّس الله سرّه : « أخلاقه الكاملة صلى الله عليه وسلّم : هي أخلاق الله العظيم ، فإن الله غيور على عظمته أن يوصف بها سواه ، فهو صلى الله عليه وسلّم إكسير التطهير ، لأنه السراج المنير ، فأخلاقه معنى الكمال الإلهي »( ) .
ويقول الامام الاكبر قدّس الله سرّه : : « (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فكان ذا خلق لم يكن ذا تخلق» .
الإمام الكتاني قدّس الله سرّه : « (وإنّك لعلى خلق عظيم) على قراءة الإضافة بدون تنوين، أي وإنّك أيها الـهيكل الجامع لعلى خلقِ عظيم، وهو الحق إذ لا أعظم منه». ولاشك أن أخلاقهصلى الله عليه وسلّم لا تحصى، وهاهنا اثبت له الحق أنه اكتنف الأخلاق الإلـهية و لم يحصرها في جنس معين، فأبقينا هذا اللّفظ على ما تعطيه صراحته، والمراد أنه حائز لجميع الكمالات الإلـهية بدليل الآية ».
الشيخ كمال الدين القاشاني قدّس الله سرّه : «قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ) وذلك الخلق العظيم : هو التحقق بالقرآن العظيم علماً وعملاً ».
الشيخ محمد بهاء الدين البيطار قدّس الله سرّه: « (وإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ) ، لأن الله تعالى خُلُقُه ، فهو بأخلاقه الكريمة كالبحر يسع كل شيء ولا يسعه شيء ، وقد قالصلى الله عليه وسلّم في وصف البحر : ( الطّهور ماؤه، الحل ميتته)، فبحره لا يقبل النّجاسات ، لأنها تنقلب فيه ماء مطلقاً طهوراً، يطهر به كلّ شيء ، كما أنّ ميتته التي هي كناية عن الأخلاق الرّديّة، تنقلب في بحره أخلاقاً إلهيّة ، فالجهل في بحره يعود علماً ، والخبث يعود طيباً ، والإثم يعود قرباً وطاعة ».
الشيخ علي الخواص قدس الله سرّه : «" إذا الشمس كورت " بطنت، وباسمه الباطن ظهرت، ولم تظهر، ولم تبطن " إنك لعلى خلق عظيم " وانقست بعد ما توحدت ثم تعددت، وانعدمت بظهور المعدود " والقمر إذا تلاها " ثم تنزلت بما عنه انفصلت لما به اتصلت، واتخذت " والنجم إذا هوى " ثم تنوعت بالأسماء، واتحدت بالمسمى، وظهرت من أعلى عليين إلى أسفل سافلين، ثم رجعت إلى نحو ما تنزلت .. ».
الشيخ ابو طالب المكي قدس الله سرّه : « (وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ) قيل على أخلاق الربوبية، وقرئت بالإضافة ليكون عظم اسم الله سبحانه لا يظهر من حاله ونصيبه شيئاً لقوة التمكين».
ويقول الشّيخ نعمة الله علوان (الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية) : « ( وَإِنَّكَ) من كمال تخلقك بالأخلاق الإلهية وتحققك بمقام الخلة والخلافة (لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) لا خلق أعظم من خلقك لحيازتك وجمعك خلق الأولين والآخرين حسب جامعية مرتبتك وبالجملة ».
ويقول الشيخ إسماعيل حقي الحنفي الخلوتي ( روح البيان ) : «قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم وهو الإنسان الكامل (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً) هي سبع صفات ذاتية لله تعالى "السمع والبصر والكلام والحياة والعلم والارادة والقدرة". (مِنَ الْمَثانِي) أي من خصوصية المثاني وهى المظهرية؛ ..(وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) أي حقائقه القائمة بذاته تعالى وخلقا من أخلاقه القديمة بأن جعل القرآن العظيم خلقه العظيم كما قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ولما سئلت السّيّدة عائشة رضى الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلّم قالت كان خلقه القرآن) ».
ويقول الشيخ في ( روح البيان ) : « (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) لكونك متخلقا بأخلاق الله، واخلاق كلامه القديم، ومتأيد بالتأييد القدسي، فلا تتأثر بافترائهم، ولا تتأذ بأذاهم، إذ بالله تصبر لا بنفسك، كما قال تعالى (واصبر وما صبرك الا بالله) . وكلمة "على" للاستعلاء، فدلّت على أنّه صلى الله عليه وسلّم مشتمل على الأخلاق الحميدة، ومستول على الافعال المرضية، حتى صارت بمنزلة الأمور الطبيعية له، ولهذا قال تعالى (قل لا أسالكم عليه أجرا وما أنا من المتكلفين) أي لست متكلفا فيما يظهر لكم من أخلاقي، لأن المتكلف لا يدوم أمره طويلا، بل يرجع إليه الطّبع..».
ويقول الشيخ ابن عجيبة ( البحر المديد ) : «كان خلقه عظيما، لأنّه مظهر العظيمتعالى، فكان خلق العظيم عظيما، فافهم جدا».
وقال الشّيخ عبد الرحمن العارف قدّس الله سرّه: كان صلى الله عليه وسلّم على خُلقٍ عظيم؛ لشرح صدره بالنور، كما قال تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ، ولحديث شرح صدره وشقه وتطهيره، ونزع حظ الشيطان منه، ثم إفراغ الحكمة والنور فيه، حتى مُلىء بذلك، فكان شيئاً محضاً لله تعالى، لا تعلُّق له بغيره، فناسب القرآن، وصار خُلقاً له، منقوشاَ فيه، من غير روية، ولا تكسب في ذلك، بل طُبع على ذلك، وسرى فيه أمر الوحي، وجرى على مقتضاه في جميع أحواله، ولذلك تجد السُنة مشرعة من القرآن، وخارجة منه خروج اللبن من الضرع، والزبد من اللبن، فصار متخلّقاً بالقرآن، وفي الحقيقة متخلّقاً بخُلق الله، ومظهرَ أوصافه، ومجلاة سره وشأنه، (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ)، ومَن رآه فقد رأى الحق، فالسّيّدة عائشة رضي الله عنها، إحتشمت وسترت، حيث عبّرت بالقرآن، ولم تقل كان خلقه خلق الرّحمن».
_________________ في كل رواق للحسين يوجد سيف و بطلين
|