العدل فى الحكومة الاسلامية
( كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )
بينما كانت الأمم ترسف فى قيود الاستبداد المطلق ويتخبطها الاستعباد الأزرق فتتعثر بأشباح القوة القاهرة وتهوى فى ظلمات العدم أرسل الله تعالى نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للأمم بشريعة لاى تدع لسلطان القهر الجائر سبيلا الى النفوس أن تؤسر له وتهان بين يديه فوضعت للناس ميزانا لا ترجيح فيه لنفس على نفس إلا بتقوى الله وأعطب للعقل حق الاستقلال المطلق لينشط من أسر الأوهام ويخرج من الظلمات إلى النور وفصل القرآن ذلك تفصيلا لا غاية بعده لمستزيد لهذا قال تعالى فيه خطابا للنبى صلى الله عليه وسلم ( كتاب أنولناه اليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ) فبين هذا الكتاب الكريم من آيات الحكمة البالغة بوجوب العدل فى سائر الآعمال على العموم وعدل الحكام على الخصوص ما فيه هدى ورحمة للعالمين وبه ترتبط سعادة البشر أجمعين
ولما كانت أهم مراتب العدل ثلاثا . العدل فى الاحكام الالاهية فيما يرجع الى ردا الحقوق وإقامة الحدود ، والعدل فى التساوى بالحقوق التى يشترك بها الناس وتقضى بها حرية العقل , والعلد فى المعاملات بين الناس بعضهم مع بعض كاجتناب الغش والخيانة والماهنة وغير ذلك فقد لزم أن نبين هنا ما جاء به القرآن من ذلك على وجه الاجمال ونتكلم على كل مرتبة من هذه المراتب كلاما عاما مجملا ولا يمنعنا هذا من أن نقدم قبل البحث فى هذه المرابت بعض ما جاء فى القرآن الكريم من التنبيه على العدل فيما لا ينضم الى هذه المراتب من سائ أعمال الانسان فمن ذلك قوله تعالىفى وجوب العدل فى المعيشة ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) وقوله تعالى فى العدل بين النساء ( فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) وقوله تعالى فى العدل بالكرم ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يفتروا وكان بين ذلك قواما ) وقوله تعالى فى العدل بالشجاعة ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) وغير ذلك كثير من الآيات المنبهة على الاعتدال فى سائ الأعمال والاعتجال كما لا يخفى هو العدل الذى هو أساس الفضائل وميزان السعادة القائم فى هذا الوجود لخير البشر وتهذيب النفوس بايقافها فى وسط من الأعمال بين طرفى الافراط وهو رذيلة والتفريط وهو رذيلة أيضا والفضيلة هى الوسط وهو العدل
مراتب العدل فى الاسلام
( وإذا حكمبتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )
} 1 { ما قامت الدولة وامتدت ظلال العمران واجتمعت كلمة الشعوب وتوثقت عرى الاجتماع إلا بالعدل فالعدل روح ووجود الأمم جثمان فاذا فارق ذلك الروح هذا الجثمان احل وتطايرت أجزاؤه فى الفضاء ومحى اسمه من عالم الاجتماع
وملا كان الانسان مفطورا على الطمع وحب المزيد من كل شىء فقل أن يستأثر بالسلطة إنسان ويقف بها عند حد محدود إلا من هصم ربك لهذا أبى العدل أن تساس الشعوب بسياسة تضمن لهم بقاء الحياة المدنية إلا بالحكومات الشرعية لا بسلطة القوة والقهر التى تسوقهم إلى حيث لا يشعرون بالخطر إلا ساعة وقوعهم فى مهاوية
وقد جاءت الشريعة الاسلامية منافية لمبدأ الحكومات الماضية المؤسسة معظمها علىإطلاق يد القوة فى سياسة الشعوب وذلك تمهيدا لسبل الترقى بين الشعوب وتوطيدا لقاعجة العدل بينالمسلمين على وجه بلغ من جلالة الوضع والترتيب ما تقصر دونه عقول البشر
جاء القرآن الكريم آمرا بالطاعة لأولياء الأمر إلى حد محدود لا يتجاوز معى الصلة العادلة بين الحاكم والمحكوم ليتمكن بمقتضاها من انفيذ أوامر الشرع وإقامة حدود الله بشرك أنلا تكون تلك الطاعة فيما يؤدى الى الخراج عما أمر به الشارع ونهى عنه وذلك فى قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الآمر منك ) ولا يخفى أن قرن الطاعة لأولى الأمر بالطاعة لله وللرسول دليل على ما فى ذلك من المصلحة للرعية لأنا ندرك بالبداهة أن الطاعة لله وللرسول محض نقع راجع لأنفسنا فيما أمرا به ونهيا عنه كفعل الخير وترك الشر ولهذا قال الله تعالى ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فنتهوا ) وكذا ولى الأمر فانه لما كان مرتبطا بالشريعة فيما يأمر به والشريعة لا تأمر إلا بعدل فقد وجبت الطاعة له من حيث وجبت لله وللرسول لهذا كانت الطاعة فى الشريعة الاسلامية من أهم القواعد التى تأسست عليها دول الاسلام لا سيما طاعة الامام العادل فانها ركن من أركان الاسلام يجمع المسلمين تحت لواء واحد ويصون مجتمعه عن عبث التفرق شيعا فى الملك والدين ولكى لا تصرف مزايا هذه الطاعة فى غير وجوهها النافعة كأن يتذرع بها إلى أى شى من الظلم فقد أمر الله تعالى الحكام بالعدل وحذرهم من عاقبة الظلم فقال تعالى(وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) وقال تعالى ( وأعدلوا هو أقرب للتقوى ) وقال تعالى فى التحذير ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )
ثم لكة تصان قوانين الشرع وأحكامه عن العبث وتتمشى على وتيرة العدل قرر القرآن قاعدة التكافل العام على قيام شرائع اللاسلام وذلك فى قوله تعالى ( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) ولكة تكون المسئولية عامة متبادلة ويتناصر المسلمون على قاعة التكافل العام ولا يتخاذلون قال تعالى ( واقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) وقال النبى عليه الصلاة والسلام كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
هذا الاسلام وهذا الدين القيم الذى شرعة الله للناس ليخرجوا من الظلمات الى النور ومن العمى الى الهدى وإنما انعكس الآمر مع المسلمين الان لاخلالهم بقاعة التكافل الام واشتغالهم باللغو واللهو عن حقيقة اسلام وتفريقهم شيعا فى الدنيا والدين وإعراضهم عن الحق اليقين ( فمن بدله من بعد ما سمعه فانما غثمه على الذين يبدلونه )