بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ولي كل عون وتيسير، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي البشير النذير، وعلى آله وصحبه ومن سار على صراطه المستقيم المنير، إلى يوم الدين.
أما بعد
فقد أرشدنا الله تعالى في كتابه الكريم، وعلى لسان نبيه العظيم، إلى أهمية الوقت والتوقيت في حياتنا وأعمالنا، فرسم لنا الأحكام الشرعية، وحدد لنا أوقاتها ومواعيد أدائها، وحذرنا من التساهل والتجاوز بها عن توقيتها. وفي ذلك منه سبحانه تعليم وتربية لنا على تنظيم الأعمال والقيام بها في مواقيتها المحددة، قال عز وجل: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا).
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ... وأراه أسهل ما عليك يضيع!
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ( الصلاة على وقتها ).
بعض الآيات المذكرة بنعمة الزمن :
وأجتزئ هنا ببعض الآيات الكريمة في هذا المقام، قال تعالى ممتنا على عباده بهذه النعمة الكبرى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ َ) .
فامتن سبحانه في جلائل نعمه بنعمة الليل والنهار، وهما الزمن الذي نتحدث عنه ونتحدث فيه، ويمر به هذا العالم الكبير من أول بدايته، إلى نهاية نهايته.
وقال تعالى مؤكدا هذه المنة العليا في آية ثانية: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر، والنجوم مسخرات بأمره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون). فأشار في ختام الآية إلى أن تلك النعم فيها آيات بالغة عند الذين يعقلون ويتدبرون.
وقال سبحانه: (وجعلنا الليل والنهار آيتين، فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة، لتبتغوا فضلا من ربكم، ولتعلموا عدد السنين والحساب، وكل شيء فصلناه تفصيلا) .
وقال سبحانه: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون)).
وتمدح سبحانه بأنه مالك الزمان والمكان وما يحل فيهما من زمانيات ومكانيات، فقال: (وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم).
تأنيب الله للكفار إذ أضاعوا أعمارهم :
وقال تعالى مخاطباً الكفار ومؤنباً لهم، إذ أضاعوا أعمارهم، واستبقوا أنفسهم فيها على الكفر! ولم يخرجوا - مع امتداد العمر - من الكفر إلى الإيمان، وقد آتاهم الله الزمان المديد، والعمر العريض، فقال سبحانه: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) .
فجعل سبحانه (التعمير) موجبا للتذكر والاستبصار، وميدانا للإيمان والاستذكار، وأقام (العمر) الذي هو الزمن بحياة الإنسان: حُجْة على الإنسان، كما أقام وجود الرسالة والنذارة حجة عليه أيضاً.
قال قتادة: اعلموا أن طول العمر حجة، فنعوذ بالله أن نعير بطول العمر.
إعذار الله لمن بلغه من العمر ستين سنة :
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعذر الله عز وجل إلى امرىء أخر عمره حتى بلَّغَه ستين سنة))، وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة أيضاً: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عَمَّره الله تعالى ستين سنة، فقد أعذر إليه في العمر)). أي أزال عذره ولم يبق له موضعا للاعتذار، إذ أمهله طول المدة المديدة في العمر.
قَسَم الله تعالى بالزمن لبيان عظمه وأهميته :
وهناك آيات كثيرة فيها التنبيه إلى عظم هذا الأصل من النعم غير التي أسلفتها، وحسبك أن تعلم أن الله سبحانه قد أقسم بالزمن في مختلف أطواره، في كتابه الكريم، في آيات جمة، إشعارا منه بقيمة الزمن، وتنبيها إلى أهميته، فأقسم جل شأنه بالليل، والنهار، والفجر، والصبح والشفق، والضحى، والعصر، فمن ذلك :
قوله تعالى: (والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى) .
وقوله تعالى: (والليل إذا أدبر، والصبح إذا أسفر) .
وقوله تعالى: (والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس) .
وقوله تعالى: (فلا أقسم بالشفق، والليل وما وسق) .
وقوله تعالى: (والفجر، وليال عشر) .
وقوله تعالى: (والضحى، والليل إذا سجى) .
وقوله تعالى: (والعصر، إن الإنسان لفي خسر) .
ويلاحظ أن كل ما أقسم الله عليه بالزمن، كان هاما في أعلى درجات الأهمية، وكان قسمه بالزمن في أمرين هامين جدا، أحدهما تبرئة الرسول صلى الله عليه وسلم، من أن يكون هجره ربه كما زعم ذلك المشركون والأعداء. والمقام الآخر في بيان أن كل إنسان خاسر وهالك إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فقال سبحانه مقسما بالزمن: (والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى).
وقال أيضا: (والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
قال حبر الأمة وترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: العصر هو الزمن.
بيان الفخر الرازي لقيمة الزمن وشرفِهِ
قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى، في تفسيره في تفسير سورة (العصر)، ما ملخصه ومعناه: ((أقسم بالله تعالى بالعصر - الذي هو الزمن -، لما فيه من الأعاجيب، لأنه يحصل فيه السراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، ولأن العمر لا يقوم بشيء نفاسة وغلاء.
فلو ضيعت ألف سنة فيما لا يعني، ثم تبت وثبتت لك السعادة في اللمحة الأخيرة من العمر، بقيت في الجنة أبد الآباد، فعلمت أن أشرف الأشياء حياتك في تلك اللمحة، فكان الزمان من جملة أصول النعم، فلذلك أقسم الله به، ونبه سبحانه على أن الليل والنهار فرصة يضيعها الإنسان! وأن الزمان أشرف من المكان فأقسم به، لكون الزمان نعمة خالصة لا عيب فيها، إنما الخاسر المعيب هو الإنسان)) انتهى.
هذا طرف مما جاء في الكتاب الكريم مما أشير فيه إلى قيمة الزمن، وأنه من أصول النعم وجلائلها.
بيان السنة المطهرة لقيمة الزمن :
أما السنة المطهرة فالبيان فيها أصرح وأوضح، فقد روى البخاري، والترمذي، وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))
فالزمن نعمة جلى ومنحة كبرى، لا يدريها ويستفيد منها كل الفائدة إلا الموفقون الأفذاذ، كما أشار إلى ذلك لفظ الحديث الشريف فقال: ((مغبون فيهما كثير من الناس))، فأفاد أن المستفيدين من ذلك قلة، وأن الكثير مفرط مغبون.
قال الشافعي رضي الله عنه: صحبت الصوفية، فلم أستفد منهم سوى حرفين، أحدهما قولهم: الوقت سيف، فإن لم تقطعه قطعك، وذكر الكلمة الأخرى، و: نفسك إن شغلتها بالحق وإلا شغلتك بالباطل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قيمة الزمن عند العلماء
_________________ يارب بالــمــصـطــفى بــلـغ مـقـاصــدنا --- واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بما --- يتلون فى المسجد الأقصى وفى الحرم
بجاه من بيته فى طيبة حرم --- واسمه قسم من أعظم القسم
|