توقف واستدار, وابتسم لي لأول مرة, وقال: “حسنا, قل لي أرجوك, من هو الأعظم برأيك: النبي محمد أم الصوفي أبو يزيد البسطامي؟”
فقلت: “ما هذا السؤال؟ كيف يمكنك أن تقارن بين نبينا العظيم عليه الصلاة والسلام, خاتم النبيين والمرسلين, وبين صوفي سيئ السمعة؟”
تجمع حولنا حشد من الناس الفضوليين, لكن الدرويش بدا غير مكترث بهم, وقال بإلحاح وهو لا يزال يحدق بوجهي:”أرجو أن تفكر بالموضوع. أفلم يقل النبي: يا رب اغفر لي عجزي عن معرفتك حق المعرفة, في حين قال البسطامي: طوبى لي, فأنا أحمل الله داخل عباءتي؟ فإذا كان هناك رجل يشعر أنه صغير بالنسبة لله, بينما يدعي رجل آخر بأنه يحمل الله في داخله, فأيهما أعظم؟”.
بدأ قلبي يخفق بقوة. فما عاد السؤال يبدو عليه غريبا... في الواقع بدا وكأن حجابا قد أزيل وكان تحته لغز مثير ينتظرني... ارتسمت على شفتي الدرويش ابتسامة ماكرة, مثل نسيم عابر. ... عرفت الآن أنه ليس مجنونا, بل مجرد رجل يطرح سؤالا, سؤال لم أفكر به من قبل. “أرى ما تحاول أن تقوله” قلت له, ولم أرغب في أن يسمع الرعشة التي اعترت صوتي المتهدج, “سأقارن بين القولين. ومع أن قول البسطامي يبدو أعلى, فإني سأخبرك أن العكس هو الصحيح فقال الدرويش:”كلي آذان صاغية”.
“كما ترى, فإن حب الله محيط لا نهاية له, ويحاول البشر أن ينهلوا منه أكبر قدر من الماء. لكن في نهاية المطاف, يعتمد مقدار الماء الذي يحصل عليه كل منا على حجم الكوب الذي يستخدمه. ففي حين يوجد لدى البعض براميل, ولدى البعض دلاء, فإن لدى البعض طاسات فقط.”
بينما كنت أتحدث, رحت أراقب قسمات الدرويش وهي تتحول من ازدراء خفيف إلى شكر واضح, ومنها إلى ابتسامة رقيقة لشخص يرى أفكاره في كلمات شخص آخر
"كان وعاء البسطامي صغيرا بعض الشيء, وقد روى عطشه بعد أن نهل جرعة, وكان سعيدا بالمرحلة التي بلغها. كان شيئا عظيما أن يدرك الإله في نفسه, لكن بالرغم من ذلك, لم يتمكن من التمييز بين الله وبين وحدة النفس. أما النبي صل الله عليه وسلم فقد اختاره الله ولديه كوب أكبر بكثير لكي يملأه. لذلك سأله الله في القرآن: ألم نشرح لك صدرك؟ وهكذا شرح صدره, وكان كوبه ضخما, كان عطشا على عطش بالنسبة له. ولا عجب أنه قال:”إننا لا نعرفك كما ينبغي لنا أن نعرفك, مع أنه من المؤكد أنه يعرفه كما لا يعرفه شخص آخر”.
وفي تلك اللحظة سمعت السؤال الذي لم يسألني اياه: "وماذا عنك أيها الخطيب العظيم؟ قل لي، ما هو حجم كوبك؟"
أول لقاء للرومي مع شمس التبريزي من رواية قواعد العشق الأربعون
_________________ "يس" يا روح الفؤاد
|