موقع د. محمود صبيح
https://www.msobieh.com:443/akhtaa/

التجليات الروحية فى الإسلام
https://www.msobieh.com:443/akhtaa/viewtopic.php?f=4&t=17131
صفحة 1 من 1

الكاتب:  النيل الخالد [ الاثنين مارس 24, 2014 10:05 pm ]
عنوان المشاركة:  التجليات الروحية فى الإسلام

من كتاب التجليات الروحية فى الإسلام:
المقربون
قلت : متى يألف العبد أحكام مولاه ،ويسكن فى تدبيره واختياره
قال : الناس فى هذا على مقامين ، فافهم
فمن كان منهم إنما يألف أحكام مولاه ،ليقوم بأمره الذى يوصله إلى ثوابه ، فذلك حسن وفيه خير
كبير ، إلا أن صاحبه يقوم ويقع، ويصبر مرة ويجزع أخرى ، ويرضى ويسخط ، ويعبر ويراجع الأمر ، فذلك يؤديه إلى ثواب الله
ورحمته ، إلا أنه معنى فى شدة ومكابدة.
وإنما يألف العبد أحكام مولاه ، ويستعذب بلواه ، ويسكن فى حسن تدبيره واختياره بالكلية بلا تلكؤ من نفسه : إذا كان العبد : آلفا
لمولاه ولذكره ،وهو له محب واد ، وبه راض ، وعنه راض.
فهل يكون ،أيها السائل ،على المحب مؤنة فيما حكم عليه محبوبه؟كيف؟وإنما يتلقى ذلك بالسرور والنعيم!!
هكذا جاء فى الخبر : حتى يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة.
وقال فى خبر آخر : غنية الصديقين ما زوى عنهم من الدنيا.
وروى عن الله عز وجل فى بعض ما أنزل من كتبه : إنه قال "معشر المتوجهين إلى بحبى ،ما يضركم ما نابكم من الدنيا ،إذا كنت لكم
حصنا ، وما يضركم من عاداكم إذا كنت لكم سلما ؟!"
فمن كان مع الله عز وجل ، بهذه الأحوال فى المواطن ، كيف يكون إلا على نحو ما ذكرناه! !
ولقد قال بعض العلماء بالله تعالى ،وأهل القرب منه : إن القوم الذين ذكرنا بعض أحوالهم لا يرضون من أنفسهم أم تكون تقاوم
الأمور عند حلولها ، والأحداث عند نوازلها ، حتى تتمكن من قلوبهم ، فيحتاجون أن يصبروا عليها أو يرضوا بها
بل الصبر والرضا لهم ، تابع مضاف ، لإنهم طالبوا من أنفسهم صحة الشغل بالله تعالى ، والإنفراد به ، فلم يرضوا عند ذلك أن تكون الأمور
النازلة بهم تقاوم ذكر الله تعالى ،حتى تساويه : (والله غالب على أمره).
وبعد ، فإنهم عبيد محكوم عليهم ، وإن أقل القليل فى الأوقات ليملكهم ، حتى يقروا لله تعالى ،بالضعف ويسألوه العون ، فلا تعجب ،
إذا بدا لك من أحد منهم شئ من ذلك، فهذا النبى ، صلى الله عليه وسلم، يقول : "إنى بشر ، اللهم من دعوت عليه فاجعل
دعائى عليه رحمة".
وسمعت بعض العلماء بالله عز وجل ،يقول : إن من شدة اتصال العبد بمولاه ووجده به ، ونزوله فى قربه لا يحد طعم اختلاف الأحكام ، بل يكون معه النظر الخفى إليها ، حتى كأنها على غيره أو بغيره نازله.
فهذا غاية من التلقى للأحكام ، فافهم هذا الموضوع وتدبره ،فإنه يؤديك إلى علم السكون إلى الله عز وجل ، إن شاء الله.
وإنما يكون السكون إلى الله تعالى ، والطمأنينة على قدر القرب من القلب.
ومن شرح السكون إلى الله تعالى ، فقد حس الأشياء من القلب وسكون دواعى الهم ، وهدوء الضمير مع الله وإلى الله تعالى!
فعند ذلك تكون الأمور من الدنيا والآخرة ، وأعمال البر والطاعة طالبة للعبد ولاحقة به ، وإليه محتاجة وإليه واصلة،
بل موصولة ،لإنه عزف عنها واستغنى بمالكها فوصلت إليه.
قال الله عز وجل (أليس الله بكاف عبده)
وبلغنا أن الله عز وجل ،أوحى إلى عيسى عليه السلام : "أنزلنى منك كهمك واجعلنى ذخرا لك فى معادك".
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم : من غير طريق أنه قال : "من جعل الهم هما واحدا كفاه الله سائر همومه".
وروى عن الفضيل بن عياض رحمه الله ، أنه قال : "ما عجبت من عبادة ملك مقرب ولا نبى مرسل إذا كان الله عز وجل
قواهم على ذلك".
وهكذا من ذكرناه من القوم وصفاتهم.
فمن نظر إلى عبيد الله تعالى ، بنفسه وقياسه ، وبأنفسهم ما يشبههم فهم عنده فى موضع النقص أبدا. فى
فإذا نظر إليهم بالله عز وجل ، وبقوته وتدبيره فمما يعجب ؟وبالله التوفيق.
مسألة تدل على ما ذكرناه ، قلت : فما تقول فى عبد كان لا يتكلم ولا يتحرك ، ولا يعمل عملا إلا طولب عليه فى ذلك ووجد
النقصان ولحقته الفترة والقسوة فى أوقات ليله وأكله وشربه ، وكذلك فى جميع أحواله ، ثم صار إلى حال يتكلم ويتحرك
فى الأمور ، ويقبض ويبسط ويأكل ويشرب ، ولا يستوحش ولا يجد مطالبة ولا يرى نقصا كما كان يراه قبل ؟
فقال : "هذه مسألة حسنة فافهمها ، فما أحوج المريدين العمال إليها "
اعلم أن المريد الطالب للصدق ، فهو عامل فى جميع أموره بالمراقبة لله عز وجل بالقيام على قلبه وهمه وجوارحه ، بالمحاسبة.
"فهو جامع لهمه حذرا من أن يدخل فى همه مالا يعنيه حذرا من الغفلة ".
فالحركات فى ظاهر جوارحه بجوارحه تنقصه ، والهمم الداخلة عليه فى قلبه تكدر همه ، فهو عند ذلك يتفرغ من الحركات التى ذكرت ، وإن كانت فى حق وبحق ، وذلك لما غلب على قلبه من محبته أن يكون ذكره دائما وهمه واحدا،
فإذا داوم على ذلك تفطن قلبه وصفت فكرته ، وسكن النور قلبه وقرب من الله تعالى ، فغلب على قلبه وهمه! فعند ذلك
يتكلم والقلب يغلى بالذكر لله عز وجل ، وقد كمنت فى سويداء قلبه محبة الله تعالى ، فهى لازمة للضمير لا تفارقه.
فمن شأنه فى سرائره أن يكون ناعما بالمخاطبة لله الخفية ، والمطالعة الشجية والمحادثة الشهية.
وهكذا يكون فى أكله وشربه ونومه وكل حركاته ، لإن قرب الله تعالى ، إذا تمكن فى قلب العبد غلب على ما سواه من باطن
عوارض الهمم ، وظاهر حركات الجوارح ، فعندها يكون العبد ذاهبا وجائيا وآخذا ومعطيا ، والغالب عليه هم ما قد ملك ضميره من محبة الله
عز وجل وقربه.
ألم تر نفسك أيها المريد كيف تملك قلبك أحيانا هما من أمر الدنيا ، فيسلبك عن كل شئ حتى يكدر عليك العيش ، فتكون ساهيا إلا عن ذلك
حتى تفقد النوم ؟فأمر الله عز وجل : أحرى عند العقلاء وأولى.
فعندما ذكرنا صحبت العبد من الله العصمة ، فكان محفوظا من النقصان.

صفحة 1 من 1 جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين
Powered by phpBB © 2000, 2002, 2005, 2007 phpBB Group
http://www.phpbb.com/