والمملكة كلها : ملك وملكوت , في تشوق إلى تشريف سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لها : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( الجزء الثاني: شرح حادثة الإسراء والمعراج في خطوات: قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء 1) سبحان: تعظم وتنزه وتقدس عن كل ما يخطر ببال المخلوقات. الذي: لم يقل اسم الله, ولا الرب ولا الرحمن الرحيم ولا أي اسم, أخفى الاسم غيرة على معرفة كنه ما بسببه قال: سبحان. أسرى: لم يقل الله تعالى: سرى, سار بليل, ولكن أسرى أي: أن السير والحركة كلها لم تكن منه, فكان صلى الله عليه وآله وسلّم محمولاً, لم يسر بنفسه الشريفة, وكل الروايات تجدها بلغة: "أُريت, لِنُرِيَهُ, عُرضت, فُغمست أو فغمسني ... وهذا مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ». فلا تتعجب من المعراج, فإنه بقدرة الله, وقل آمنت بالله العظيم, الذي لا يعجزه شيء. قال السلمي: قال الواسطي: نزه نفسه، أن يكون لأحد في تسيير نبيه عليه السلام حركة أو حظرة فيكون شريكاً في الإسراء والتسيير. وقال أبو يزيد: نزه عما أبدا ولا تعرفه بما أخفى. وقال ابن عطاء: طهر مكان القربة وموقف الدنو عن أن يكون فيه تأثير لمخلوق بحال، فسار بنفسه وسرا بروحه، وسبر بسره فلا السر علم ما فيه الروح، ولا الروح علم ما يشاهد السر، ولا النفس عندها شيء من خبرهما وما هما فيه، وكل واقف مع حده متلق عنه بلا واسطة ولا بقاء بشرية، بل حق تحقق بعبده فحققه وأقامه حيث لا مقام، وخاطبه وأوحى إليه جل ربنا وتعالى. وقال النصرآباذي: أسقط الأعمال والاعتراضات عن المعراج بقوله: أسرى: ولم يقل سرى؛ لأن القدرة تحمل كل شيء. بِعَبْدِهِ: لم يقل الله عز وجل اسمه صلى الله عليه وآله وسلّم , مع وصفه بالعبودية, وعبده تقتضي أنه كان صلى الله عليه وآله وسلّم في هذه الليلة روحاً وجسداً, فلو كان روحاً لنص على ذلك, ووصف الله عز وجل لنبيه في حال الإسراء بالعبودية دلالة على أن العبودية أعلى المقامات, ووجود الهاء كضمير (بعبده) دالة على الغيرة في ذكر اسم المحبوب, كما أخفى الحبيب اسمه. بعبده, دالة على ثاني استخدام للْباء, فكانت الباء الأولى باء بسم الله الرحمن الرحيم, على ما شرحناه, وهذه هي الباء الثانية, فعما قريب يكون قاب قوسين أو أدنى. لَيْلًا: في الليل أسرار الدنو والقرب والنزول, وتكشف عوالم الغيب, ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم نهى أن يسافر الرجل بليل وحده, ففي السفر ليلاً انكشاف عوالم, كما سيأتي في جزئية البرزخ إن شاء الله تعالى. و "ليل": لامان بينهما ياء, فراجع شرح دعاء سورة يس في لام الأزل, ولام الأبد مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: بمكة المكرمة. إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ: وهو في القدس الشريفة, بارك الله فيه وحوله؛ لأنه قبلة معظم الأنبياء والمرسلين, وقال بعض الناس في عصرنا هذا: إن في هذه الآية إعجازاً في أنه لا يمكن العروج إلى السماوات إلا من القدس حيث إن للأرض أبواباً, والباب الرئيسي القريب هو بوابة القدس السماوية. ونسوا أن في ذلك حكمة أعلى, وهي أن البيت المعمور فوق الكعبة بحذائها, فباب السماء فوق الكعبة يختصر المسافة بما لا يتخيل, فإن صعد منها النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حُرمت السموات السبع وسكانها وعمارها من نصيبهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم , فكيف يكون ذلك والمملكة كلها ملك وملكوت في تشوق إلى تشريف سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لها, مابين الكعبة والبيت المرفوع ما نسميه بلغة كمبيوتر في عصرنا هذا Short Cut وتعظيم الشام عن الحجاز خطة في غاية الخطورة, لا نستطرد فيها في هذا الكتاب. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ: إخفاء وإخفاء ومزيد إخفاء, فمن المقصود بأنه هو السميع البصير: الرب أم العبد؟! لا ريب أن الله هو السميع البصير, ولا ريب أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلّم أعظم من يتحقق بحديث رب العزة في العبد الرباني: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». فكان الله عز وجل هو سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الذي يسمع به وبصره صلي الله عليه وآله وسلّم الذي يبصر به, فما كان من سمع أو بصر فمن ذاك. وهنا كلام طويل متعلق بالفناء والبقاء, وهل رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ربه في هذه الليلة أم لا؟! والفناء والبقاء لهما في كتابنا هذا شيء يسير, وأما الرؤية فستأتي على استحياء, وما نعلمه هو صحة مذهب سيدنا عبد الله بن عباس وجمهور الأشاعرة والحفاظ والمحدثين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم رأى ربه, كما أن قوله تعالى: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء 1)، وحديث: «كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ»؛ دال على ذلك. والله هو السميع لدعاء عبده وتعوذه بنور وجهه, وبصير بحاله الشريف، والنبي صلي الله عليه وآله وسلّم هو أسمع خلق الله لله, لا بأذن الجارحة ولكن بكله, كما أوضحنا معنى العقل الأول, والنبي صلي الله عليه وآله وسلّم هو البصير بنفس المعنى, فكله صلي الله عليه وآله وسلّم عيون , على ما سيأتي بإذن الله، فكان يقول: «أتظنون أن قبلتي هاهنا ... لايخفى علي ركوعكم ... إني أراكم من خلف ظهري كما أرى من أمامي». ) ـــــــــــــــــــــ من كتاب : على أعتاب الحضرة المحمدية للأستاذ الدكتور السيد الشريف / محمود صبيح حفظه الله ونفع به ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليما بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين)
_________________
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|