الحمد لله رب العالمين له العزة ولرسوله وللمؤمنين ...
وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له ، وحد بين صفوف هذه الأمة بالأيمان ، وألف بين قلوب أبنائها تحت راية القرآن . وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله ، جمع الله به الكلمة ، وأقام به خير أمة أخرجت للناس أجمعين . فيقول سبحانه وتعالي في كتابه العزيز :
{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }
( آل عمران : 110)
أما بعد:
اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد ، وعلي آله وصحبه وسلم ، ومن اتبع سبيله الي يوم الدين .
يقول الله عز وجل في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم :
{ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }
(المؤمنون :52)
_ حقاً إنها أمة واحدة في عقيدتها ، أمة واحدة في عبادتها ، أمة واحدة في نشأتها ، أمة واحدة في مصيرها ، تراقب الله خالقها ، وتستجيب لندائه وهو يقول : { وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } ، والإسلام يدعو الأمة إلي الوحدة ، ويحرص علي التمسك بأسبابها ، ويحشد القوي للحفاظ علي كيانها ، لا يفتأ يدعو إلي جمع أبنائها في إطار هذه الوحدة ، ويعمل جاهداً علي التمكين لها فيما بينهم بالقضاء علي ما يوهن من قوتها أو يضعف من عزيمتها . يقول الله تبارك وتعالي في كتابه العزيز :
بسم الله الرحمن الرحيم
1) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) }
( آل عمران : 102-104 )
2) وقال تعالي : { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) }
( الأنفال : 62-63 )
3) وقال تعالي : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) }
( الأنعام : 162-163 )
4) وقال تعالي : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }
( الأنفال : 46 )
5) وقال تعالي : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) }
( آل عمران : 159 )
6) وقال تعالي : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) }
( التوبة : 119 )
7) وقال تعالي : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ }
( آل عمران : 110)
8) وقال تعالي : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) }
( التوبة : 71 )
9) وقال تعالي : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) } ( المائدة : 2)
10) وقال تعالي : { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }
( الأنفال : 1-4 )
11) وقال تعالي : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) }
( الحجرات : 10-13 )
** ويقول رسول الله " صلي الله عليه وسلم " في خطبة حجة الوداع :
{ ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض }.
( رواه البخاري ومسلم عن أبي بكر " رضي الله عنه " )
** وقال صلي الله عليه وسلم : { لاتباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تقاطعوا ، وكونوا عباد الله أخوانا }
( رواه البخاري ومسلم عن أنس " رضي الله عنه " )
** وروي أحمد عن أنس بن مالك " رضي الله عنه " ، قال :
{ أتي رجل من تميم رسول الله " صلي الله عليه وسلم " فقال : يا رسول الله ، إني ذو مال كثير ، وذو أهل ومال وحاضرة ( مورد خير ) ، فأخبرني كيف أصنع ، وكيف أنفق ؟ فقال رسول الله " صلي الله عليه وسلم " : تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقربائك ، وتعرف حق المسكين والجار والسائل } .
** وروي البخاري والترمذي عن أنس بن مالك " رضي الله عنهم " ، أن النبي " صلي الله عليه وسلم " قال :
{ انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، قيل : كيف أنصره ظالماً ؟ قال : تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره } .
** وروي الطبراني في الصغير عن أبي هريرة عن رسول الله " صلي الله عليه وسلم " قال : { إن أحبكم إليّ أحاسنكم أخلاقا ، الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ويألفون ، وإن أبغضكم إليّ المشاءون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، المتلمسون للبرءاء العيب } .
** وروي الترمذي عن حذيفة " رضي الله عنه " ، أن النبي " صلي الله عليه وسلم " قال : { والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم } .
** وروي أبو داوود والترمذي عن أبي الدرداء " رضي الله عنه " ، قال : قال رسول الله " صلي الله عليه وسلم " { ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ، قالوا : بلي ، قال : إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين } .
** وروي أبو داوود والترمذي عن أبي مريم أنه قال لمعاوية : سمعت رسول الله " صلي الله عليه وسلم " يقول { من ولاه الله سيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم ، احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة } فجعل معاوية رجلاً علي حوائج الناس .
_ ومما ورد من الآثار :
** روي عكرمة وابن زيد وابن عباس أن شاس بن قيس دس علي الأوس والخزرج من يذكرهم بما كان بينهم من الحروب ، وأن النبي " صلي الله عليه وسلم " أتاهم وذكرهم ، فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم ، فألقوا السلاح من أيديهم ، وبكوا ، وعانق بعضهم بعضاً ، ثم انصرفوا مع النبي " صلي الله عليه وسلم " سامعين مطيعين ، فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) }
( آل عمران : 100 )
( تفسير القرطبي : ص155 ، ج4 )
_ ختاماً :-
المسلمون خلقهم الإخلاص ، وشعارهم حب الخير والدعوة إليه ، وبغض الشر والتحذير منه ، فهم متعاونون متناصحون ، يأتمرون بالمعروف ويعملون به ، ويتناهون عن المنكر ولا يقعون فيه ، وهم فيما بينهم أوفياء رحماء ، لا يظلمون ولا يظلمون ، إذا حدث أحدهم صدق ، وإذا اؤتمن أدي ، وإذا وعد أوفي ، يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ، يألم لألمه ، ويسر لما يسره ، يرحم الكبير منهم الصغير ، ويوقر الصغير فيهم الكبير . قال تعالي : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) }
( الفتح : 29 )