قال لي جدي بنيتي عودة مرة اخري إلي الشيخ والمريد , الشيخ المربي : يقصر فهم المريد عن إدراك تربية الشيخ له وكيفيتها وكنهها, فقد يفاجأه مرة بأمر لم يخطر له علي باله, وقد يتجاهله مرة اخري, وقد يرفعه إلي السماء مرة اخري من كثرة المديح والأهتمام, هو يربيه بما يصلحه في كل لحظة ولفتة يلتفتها (المريد) وتكون هذه هي صورة تربيته وهذه طريقتها. والمريد في كل هذه التقلبات والتلونات من الشيخ له يكون من جانبه مضطجر , محبط , مكتئب. ويتسائل في نفسه أسئلة كثيرة, ويعترض ايضا. ولكنه في النهاية مع إلف العادة لهذه التحولات والتقلبات يستسلم للأمر الواقع ويتغير أيضا ولو ببطء. والمريد او الصوفي بشكل عام بنيتي له خيال خصب , يجعله يعيش حالات مع نفسه دون الغير , وكانه اوجد لنفسه عالم أخر يحياه, هو اقرب إلي نفسه من عالمه الواقعي. فمثلا بنيتي أساس ذكر الله تعالي, هو الحضور في الذكر , وكلام الصوفيين عن كيفية الحضور اثناء الذكر لله تعالي, هو انك تذكر بلسانك حتي تعتاد الذكر, ثم تنتقل من الذكر باللسان إلي الذكر بالقلب, ثم بالروح, ثم بالسر....... ويتسائل الكثير عن كيفية الحضور والإستغراق في الذكر لله سبحانه و تعالى , هنا يبرز الخيال الذي تحدثنا عنه آنفا ليعينك علي الحضورأثناء الذكر , فانت مثلا إذا رأيت البحر مشاهدة عينية , فقد تجلس مع نفسك في صمت وهدوء وتسرح في منظر البحر الذي شاهدته من قبل, عندما سرحت في هذا المشهد ماذا حدث, لقد تم أستدعاء ذاكرتك له (فهو اصبح مسجل بها) واصبحت نفسك وروحك في حضور تام داخل هذاالمشهد, حتي إنك لا تشعر بمن حولك إذا تحدث او تشاجر او...... او وقد لا يخرجك من حضورك هذا إلا أن يصرخ عليك أحدهم حتي ينبهك لما يريد. هذا بنييتي هو مثال للحضور في مشهد أردت أن أسترجعه واعيش فيه لبضع دقائق, إذا وبالنسبة للذكر ما وجه الشبه, وجه الشبه كبير جدا بنيتي فعندما أذكر الله تعالي ما الذي سأستدعيه في ذاكرتي لئأتي بالحضور مع الله, احدهم بنيتي يستدعي مشهد الكعبة المكرمة بين عينيه وكانه جالس امامها, بنفس الهيبة والخشوع التي تمتلكه إذا وقف أمامها علي الحقيقة, وأحدههم يستدعي الحرم النبوي والروضة الشريفة ومناجاته حين كان يصلي بها, واحدهم يستدعي دعوة أستجابت أشعرته بمحبه الله وفضله وكرمه عليه فتزيده خشوع وحضور وتجري دمع عينيه, وهكذا بنيتي , وهذا هو نفس المعني الذي ينبغي أن يري به المريد شيخه, بمعني لابد ان يستدعي في نفسه مشهد إنسان واقف عل قمة جبل عالي وحده, وإنه يري من فوق هذه القمة الناس جميعا, ويري افعالهم وما يصدر من كل منهم, ويري ايضا تقلباتهم عند اشتراكهم في فعل واحد وما رد فعل كل منهم مع هذا الفعل , فجميع الناس بنيتي تأكل ولكن هذا يأكل كما اوصانا الحبيب صلي الله عليه و سلم ,فثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك, واخر عنده شره الأكل والتفاني فيه, وهذا ياكل ما يقيم صلبه, إذا فليس كل هذه الاصناف لها نصيحة واحدة ومعاملة واحدة, كيف أتدرج بك من حب شهوة الطعام إلي الاعتدال فيها, إلي ما يقيم الصلب ,أيها المريد العازم علي السلوك إلي الله تعالي ومصر عليه. هذا هو الشيخ المربي المطلع بعلم الله تعالي علي هذه النفوس , والذي بإطلاعه عليها يعلم كيف يداويها ويقومها إلي الصواب, فإذا كانت هذه نظره المريد لشيخه وهذا هو حضوره واستغراقه فيه وله, هانت عليه تقلبات وتحولات الشيخ له وعليه, لإنه أستوعب أنه يسلك به إلي أمله المنشود , فرق ولان وأطاع, بداية السلوك والتدرج والإرتقاء في طريق الله تعالي. علمتي بنيتي..... نعم جدي
_________________ أيا ساقيا على غرة أتى يُحدثني وبالري يملؤني ، فهلا ترفقت بى ، فمازلت في دهشة الوصف ابحث عن وصف لما ذُقته ....
|