حديث الرحيل
عهد وميثاق وتوجيه وهدية
لفضيلة شيخنا الإمام محمد زكي إبراهيم رحمه الله تعالى
طلب إلينا بعض الأخوة الأكارم أن ننشر قصيدة (حديث الرحيل)، تلك القصيدة العصماء التي هي آخر ما كتبه شيخنا الإمام الرائد من الشعر، وقد كتبها رحمه الله من على فراش مرضه الأخير، قبيل وفاته، مهموماً مشغولاً بأمر الدعوة الصوفية المحمدية الرشيدة، فبث فيها همومه ومخاوفه، وأشواقه ولواعجه، وأمنياته ونصائحه، فكانت آية في صدق اللهجة والشعور بالمسئولية، وقد نعى فيها نفسه إلى أبنائه وإخوانه وعشيرته، وهو الذي سماها (حديث الرحيل، عهد وميثاق وتوجيه وهدية)، فكانت اسماً على مسمى..
Iii
قال رحمه الله تعالى: أخذتُ أُرمِّمُ ( الْبَيْتَ ) الْمُعَلَّى لِيَبْقَى للتَّصَوُّفِ ثَمَّ بَيْتُ وَقَدْ عَانَيْتُ أَصْنَافَ الْبَلايَا فَقُمْتُ لَهَا، وَبِالله احْتَمَيْتُ أُنَادِي بالصَّلاحِ ، وَبِالتَّآخِي وَبِالإصْلاحِ، عُمْرِي مَا وَهَيْتُ وَرِثْتُ الدَّعْوَةَ الْكُبْرَى، فَلَمَّا وَرِثْتُ الدَّعْوَةَ الْكُبْرَى بَكَيْتُ وَكُنتُ أَظُنُّهَا عَبَثًا كَغَيْرِي وَلَكِنِّي بِهَا وَلَهَا انْحَنَيْتُ فَأَكْبَرُ جَيْشِ أَهْلِ الأَرْضِ طُرّاً هُمُ الصُّوفِيَّةُ اللائِي اصْطَفَيْتُ ***
إذَا مَا نُظِّمُوا كانُوا دَمَاراً عَلَى العَادِي: هَزِيلٌ أَوْ كُمَيْتُ فَعِندَ الله إعْصَارٌ وَخَسْفٌ وَطُوفَانٌ، وَكَيْتٌ ثُمَّ كَيْتُ وَعِندَ الله ( ذَرٌّ ) أَيُّ ( ذَرٍّ ) فَوَيْلٌ يَوْمَ يُنذِرُ: قَدْ أَتَيْتُ إذَا مَا جَاءَ وَعْدُ الله يَجْثُو (نِتِنْيَاهُو) وَيَذْهَلُ (كَلَنَيْتُ)(1) وَيُسْأَلُ عَنْ حِمَى الإسْلامِ مِصْرٌ وَسُورِيَّا، وَنَجْدٌ، وَالْكُوَيْتُ وإيرانٌ وَبَاكِسْتَانُ، فِيمَا تَرَكْتُ مِنَ الْبِلادِ وَمَا رَوَيْتُ ***
وَهَا هُوَ قَدْ دَنَا مِنِّي رَحِيلِي وَحَيُّ الْيَوْمِ، بَعْدَ الْيَوْمِ مَيْتُ وَرَغْمَ الْجَهْدِ وَالأَمْرَاضِ تَتْرَى فَإنِّي مَا ضَعُفْتُ، وَلاَ انْزَوَيْتُ فَإنَّ تَصَوُّفِي الصَّافِي يَقِيناً هُوَ الإسْلامُ فِيمَا قَدْ وَعَيْتُ وَإنَّ الدِّينَ والدُّنْيَا جَمِيعاً عِمَادُ تَصَوُّفِي وَبِهِ اكْتَفَيْتُ وَشَرُّ عَدُوِّهِ أَهْلُوهُ، مِمَّا بِهِ عِشْتُ الْعَجَائِبَ وَاكْتَوَيْتُ وَكُلُّ حَضَارَةٍ لاَ سَهْمَ فِيهَا لِرَبِّ الْعَرْشِ ، إثْمٌ ، قَدْ نَعَيْتُ ***
إذَا فَارَقْتُ إخْوَانِي؛ فإنِّي أُعَايِشُهُمْ، كَأَنِّي مَا مَضَيْتُ فَلَيْسَ الْمَوْتُ إلاَّ أنْ سَأَحْيَا حَيَاةً إنْ وَصَلْتُ لَهَا ارْتَقَيْتُ أُلاَقِي جَدِّيَ الْمُخْتَارَ فِيهَا وَأَشْيَاخِي، وَمَن بِهِمُ اقْتَدَيْتُ فَإن أَكُ بَيْنَكُمْ مَيْتاً مُسَجًّى فَعِندَ الله حَيٌّ مَا انْطَوَيْتُ وَمَا بِدَعُ التَّمَصْوُفِ نَاسِخَاتٍ لآيَاتِ التَّصَوُّفِ فَادْعُ هَيْتُ(2) ***
مَرِيضٌ قَدْ أَتَى شِعْراً مَرِيضاً فَعُذْراً، إنَّنِي مِنْهُ اسْتَحَيْتُ فَمَا أَدْرِي: أَهَلْ هَذَا وَدَاعٌ لِشِعْرِي؟! أَمْ عَلَى نَفْسِي جَنَيْتُ وَدَاعاً أَيُّهَا الدُّنْيَا، وَدَاعاً إلَى دَارِ الْخُلُودِ وَإنْ عَصَيْتُ فَلَيْسَ الله يَنْفَعُهُ سُجُودِي وَلَيْسَ يَضُرُّهُ أَنِّي أَبَيْتُ فَرَحْمَتُهُ الَّتِي وَسِعَتْ وَعَمَّتْ سَتَشْمَلُنِي، وَحَتَّى لَوْ غَوَيْتُ فَيَا كَمْ ذَا تَعَالَمْتُ افْتِرَاءً وَيَا كَمْ ذَا عَلَى الله اجْتَرَيْتُ وَكَمْ قَالُوا: وَلِيٌّ أَوْ إمَامٌ وَيَا عَجَباً بِمَا قَالُوا ارْتَضَيْتُ فَمَغْفِرَةً إلَهِي، وَاعْفُ عَنِّي فَفِي أَحْضَانِ رُحْمَاكَ ارْتَمَيْتُ ***
وَلِي فِي بَعْضِ مَنْ حَوْلِي رِجَالٌ وَهُمْ أَهْلُ الْهُدَى، فِيمَا رَأَيْتُ وَهُمْ لله جُندٌ مُسْتَنِيرٌ وَرَغْمِي أَتَّقِي، فِيمَا اتَّقَيْتُ رِجَالٌ كُلُّهُمْ رَجُلٌ بِأَلْفٍ مَعِي هُمْ قَدْ بَنُوا فِيمَا بَنَيْتُ تَرَكْتُ الْمَنْهَجَ الْكَافِي لِمَنْ قَدْ يُوَفَّقُ فِي الْجِهَادِ كَمَا اشْتَهَيْتُ فَلَيْسَتْ دَعْوَتِي هَذِي بِمِلْكٍ لِشَخْصٍ مَا، وَلاَ وَقْفاً عَنَيْتُ فَيَا رَبَّ الْعَشِيرَةِ صُنْ حِمَاهَا إذَا أَنَا فِي غَدٍ رَبِّ انْتَهَيْتُ وَخُذْ بِرِجَالِهَا نَحْوَ التَّسَامِي لِتَحْقِيقِ الَّذِي مِنكَ ارْتَجَيْتُ وَبَارِكْهُمْ بِدَاعِيَةٍ رَشِيدٍ عَسَاهُ أَنْ يُتَمِّمَ مَا بَدَيْتُ ***
(1) كلنيت: أي كلينتون الأمريكي الذي كان رئيس أمريكا وقت كتابة القصيدة، ونتنياهو: كان رئيس وزراء إسرائيل، وكلاهما رأس الكفر والضلال، ويرمز بهما لكل من يقوم مقامهما بعد.
(2) هيت لك: في سورة يوسف، في قراءة بفتح التاء، بمعنى (افعل ما تؤمر)، وفي قراءة بضم التاء، بمعنى (تجهزت واستعددت لك).
Iii
تم التصحيح والتدقيق والنشر بمعرفة المسلم موسوعة إسلامية صوفية سلفية شرعية وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|