الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون . وأشهد أن لا إله إلا الله ، أنزل كتاباً يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا . وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله أرسله الله بشيراً ونذيراً وداعياً إلي الله بإذنه وسراجاً منيراً .
اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه الذين آمنوا به وعزّروه ونصروه وأتبعوا النور الذي أنزل معه وأولئك هم المفلحون .
أما بعد :
فإذا كان لابد للأرض من الماء حتي تحيا وينبت زرعها ، فإن القلوب لابد لها من إيمان يحييها ، ويمنحها هداها ، ويصلها بربها ، ويهديها سواء السبيل .
يقول الله تعالي في كتابه العزيز : بسم الله الرحمن الرحيم :
1) {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ( الكهف : 110 )
2) وقال تعالي : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) }
( المزمل : 1-4 )
3) وقال تعالي : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) }
( الفرقان : 63-67 )
** وقال صلي الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه :
(( يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم بها ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلانفسه ))
( رواه مسلم )( رياض الصالحين : ص71)
** وعن أنس " رضي الله عنه " عن رسول الله " صلي الله عليه وسلم " قال :(( يتبع الميت ثلاثة : أهله وماله وعمله ، فيرجع اثنان ويبقي واحد ، يرجع أهله وماله ، ويبقي عمله ))
( متفق عليه ) ( رياض الصالحين : ص68 )
** وعن أبي هريرة " رضي الله عنه " عن النبي " صلي الله عليه وسلم " قال : (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : أمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله ( اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها _ حتي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه _ ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ))
( رواه البخاري ومسلم ) ( الترغيب والترهيب )
_ لقد جاء الإسلام بمفاهيم توضح مطلوبه وتعمر مفهومه في أذهان البشرية . جاء ليؤكد أن التمسك به والتزام تعاليمه لا ينافي العمل للدنيا ، بل إنه ليعنيه ويوجبه لتحقيق حياة أفضل يرتفع بها شأن الأمة ، ويقوم كيانها المادي قوياً لتقف أمام الأزمات راسخة ثابتة ، ولتتخطي العقبات غير مبالية ، وهذا هو " الطريق إلي الله " ، إيمان به غير محدود ، وعمل صالح لخير الفرد والأمة والناس أجمعين .{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ، وعلي قدر العمل الذي يقدمه الإنسان يكون قربه أو بعده من ربه ،كما يكون وزنه وتقديره بين خلقه . وإذا تمسك المسلم بدينه ، وتحرك في حدوده ، وعمل لرفعته ، صار عبداً خالص العبودية لله ، سيداً كامل السيادة في دنياه .{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) } .
والأمة التي تبغي لنفسها العزة والسيادة ، لن يتسنى لها ذلك إلا بالعمل الدائب الذي يعود عليها وعلي الإنسانية بالخير والرفاهية . ولذلك أقام الإسلام المجتمع الإسلامي علي العمل النافع المتواصل والإيمان القوي الراسخ ، ليصل بالمسلمين إلي طريق النصر المبين . والرسول " صلي الله عليه وسلم " يعمق مفهوم العمل ويؤكده ، فيقول " صلي الله عليه وسلم " : (( ليس الإيمان بالتمني ، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل ، وإن قوماً غرتهم الأماني حتي خرجوا من الدنيا ولا صفة لهم وقالوا نحن نحسن الظن بالله ، وكذبوا ، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل )) .
وليكن لنا في رسول الله " صلي الله عليه وسلم " أسوة حسنة : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } .
** فاتقوا الله عباد الله وسيروا علي نهج نبيكم واعملوا بكتاب ربكم وكونوا مع الصادقين ف{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } . **
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم .