[align=center]باب أحوالهم عند الخروج من الدنيا[/align]
قال الله تعالى : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } النحل32 .
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليعالج كرب الموت وسكرات الموت وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول : عليك السلام تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة ".
وعنه أيضاً أن النبـى صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو فى الموت فقال : " كيف تجدك ؟ قال : والله يا رسول الله إنى أرجو الله وإنى أخاف ذنوبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمعان فى قلب عبد فى مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف " .
يروى عن سيدنا بلال رضى الله عنه أنه لما حضرته الوفاة قالت امرأته : واحزناه ، فقال : بل واطرباه غداً نلقى الأحبة ، محمداً وحزبه .
أما عن مشايخ هذا الطريق فأحوالهم فى حال النزع مختلفة فبعضهم الغالب عليه الهيبة وبعضهم الغالب عليه الرجاء ومنهم من كُشف له فى تلك الحالة ما أوجب له السكون وجميل الثقة .
يحكى أبو محمد الجريرى فيقول : كنت عند الجنيد فى حال نزعه وكان يوم الجمعة وهو يقرأ القرآن فختم فقلت : فى هذه الحالة يا أبا القاسم فقال : ومن أولى منى بذلك وهو ذا تطوى صحيفتى . ولما قيل له قل : لا إله إلا الله ، قال : ما نسيته فأذكره ، وقال :
[poet font="Simplified Arabic,2,limegreen,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=right use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
حاضر فى القلب يعمره"="لست أنساه فأذكره
فهو مولاى ومعتمدى"="ونصيبى منه أوفره
[/poet]
قال أبو محمد الهروى مكثت عند الشبلى الليلة التى مات فيها فكان يقول طول ليله هذين البيتين :-
[poet font="Simplified Arabic,2,limegreen,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=right use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
كل بيت أنت ساكنه"="غير محتاج إلى السرج
وجهك المأمول حجتنا"="يوم يأتى الناس بالحجج
[/poet]
وقد سُئل جعفر بن نصير الدينورى وكان يخدم الشبلى : ما الذى رأيت منه ؟ فقال : قال لى علىّ درهم مظلمة وقد تصدقت عن صاحبه بألوف فما على قلبى شغل أعظم منه ، ثم قال : وضئنى للصلاة ففعلت فنسيت تخليل لحيته وقد أمسك على لسانه فقبض على يدى وأدخلها فى لحيته ثم مات . فبكى جعفر وقال : ما تقولون فى رجل لم يَفُته حتى فى آخر عمره أدب من آداب الشريعة .
قيل لبشر الحافى وقد احتضر : كأنك يا أبا نصر تحب الحياة . فقال : القدوم على الله عزّ وجل شديد .
وقيل : كان سفيان الثورى إذا قال له بعض أصحابه إذا سافر تأمر بشغل يقول : إن وجدت الموت فاشتره لى فلما قربت وفاته كان يقول : كنا نتمناه فإذا هو شديد .
وقيل : فتح عبد الله بن المبارك عينيه عند الوفاة وضحك وقال : لمثل هذا فليعمل العاملون .
وقيل : كان مكحول الشامى الغالب عليه الحزن فدخلوا عليه فى مرض موته وهو يضحك فقيل له فى ذلك فقال : ولم لا أضحك وقد دنا فراق من كنت أحذره ، وسرعة القدوم على من كنت أرجوه وآمله .
يروى عن أبا سعيد الخراز أنه كان كثير التواجد عند الموت . ويقول رويم : حضرت وفاة أبى سعيد وهو يقول فى آخر نفسه :
[poet font="Simplified Arabic,2,limegreen,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=right use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
حنين قلوب العارفين إلى الذكر"="وتذكارهم وقت المناجاة للسرّ
أديرت كؤوس للمنايا عليهم"="فأغفوا عن الدنيا كإغفاء ذى السكر
همومهم جوالة بمعسكر"="به أهل ودّ الله الأنجم الزهر
فأجسامهم فى الأرض قتلى بحبه"=" وأرواحهم فى الحجب نحو العلا تسرى
فما عرسوا إلا بقرب حبيبهم"="وما عرجوا عن مسّ بؤس ولا ضرّ
[/poet]
يقول أبو نصر السراج : كان سبب وفاة أبى الحسين النورى أنه سمع هذا البيت :- لازلت أنزل من ودادك منزلا"="تتحير الألباب عند نزوله فتواجد النورى وهام فى الصحراء فوقع فى أجمة قصب وقد قطعت وبقى أصولها مثل السيوف فكان يمشى عليها ويعيد البيت إلى الغداة والدم يسيل من رجليه ثم وقع مثل السكران فتورمت قدماه ومات .
ويحكى أبى على الروذبارى فيقول : رأيت فى البادية حدثاً فلما رآنى قال : أما يكفيه أن شغفنى بحبه حتى علنى ، ثم رأيته يجود بنفسه فقلت له : قل لا إله إلا الله . فأنشأ يقول :
[marq=right]أيا من ليس لى عنه ** وإن عذبنى بدّ ** ويا من نال من قلبى ** منالاً ما له حدّ[/marq]
يُحكى عن ابن سهل الأصفهانى أنه قال : أترون أنى أموت كما يموت الناس مرض وعيادة ؟! إنما أُدعى فيقال يا علىّ فأُجيب . فكان يمشى يوماً فقال لبيك ومات .
قيل لذى النون المصرى عند النزع : أوصنا . فقال : لا تشغلونى فإنى متعجب من محاسن لطفه .
ويحكى المزين الكبير فيقول : كنت بمكة حرسها الله تعالى فوقع بى انزعاج فخرجت أريد المدينة ، فلما وصلت إلى بئر ميمونة إذا أنا بشاب مطروح فعدلت إليه وهو ينزع فقلت له : قل لا إله إلا الله ففتح عينيه وأنشأ يقول :
[poet font="Simplified Arabic,2,limegreen,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=200% align=right use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
أنا إن متّ فالهوى حشو قلبى"="وبداء الهوى تموت الكرام
[/poet]
فشهق شهقة ثم مات فغسلته وكفنته وصليت عليه ، فلما فرغت من دفنه سكن ما كان بى من إرادة السفر فرجعت إلى مكة حرسها الله تعالى .
وقيل لبعضهم : أتحب الموت ؟ فقال : القدوم على من يُرجى خيره خير من البقاء مع من لا يؤمن شرّه .
|