موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 8 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: صفات الله تعالى توقيفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 5:23 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

ولكن هناك صفات خبرية متشابه لابد من ردها إلى محكمها.

(أ) صفات الله تعالى توقيفية : بمعنى أنّه لا يجوز وصف الله تعالى إلاّ بما وصف به نفسه في كتابه الكريم أو ‏على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، إذ كيف يمكن الاجتهاد في أمر تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن ‏تناله ، والخطرات أن تحدّه ، والعقول عن الإحاطة به ، جلّ عن كل مثيل ، وتعالى عن كل شبيه.

ومن ‏وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه في الكتاب والسنة فقد تقول على الله تعالى بغير علم ، وأعظم الفرية ‏على الله ، كما قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ ‏تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 33 ].

وقال تعالى : ‏‏{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى ‏رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ } [ هود : 18 ].

نعم : يجب إعمال العقل والفهم فيما يُنسب إلى الله تعالى ‏من صفات ، لأنّ الله تعالى أخبرنا أنّ هناك آيات محكمات وهناك آيات متشابهات وأنّه يجب رد المتشابهات ‏إلى أمهاتها من المحكم بما يتفق وقواعد اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم ، وإلا كانت المحصلة الزيغ ‏والضلال ونسبة ما لا يجوز نسبته إلى الله ، مما يدل على العجز أو النقص أو يوقع في بدع التشبيه والتجسيم ‏او بدع التجهم والاعتزال والتعطيل ، وقد مر بنا أمثلة على ذلك.

ومنها أنّ العلم في اللغة صفة وفي القرآن ‏صفة ، فكانت صفة محكمة لله تعالى دل عليها العقل والسمع ، والرحمة في اللغة صفة وفي القرآن صفة ، ‏فكانت صفة محكمة لله تعالى دل على وجوب اعتقادها لله تعالى السمع ، إذ من أسماء الله تعالى الحسنى التي ما ‏أكثر ما تكررت في القرآن الكريم الرحمن الرحيم.

أما الوجه والعين واليد فهي في اللغة تطلق على الجارحة ‏وهي جزء الذات وليست - أي في أصل اللغة - صفة من صفات الذات ، ولهذا كان إطلاقها لله تعالى لا ‏يجوز إلا على سبيل الصفة ، وليس سبيل الجزء والجارحة لأنّ محكمات الكتاب دلت على أنّ الله تعالى أحد ‏صمد منزه عن الجارحة والجزئية والبعضية أحد صمد ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوا أحد.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: صفات الله تعالى توقيفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 5:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

(ب) المتشابهات أخبار لا تدل بالضرورة على صفات ، وقد اتفق علماء أهل السنّة والجماعة على تسميتها ‏بالصفات الخبرية ، و (الصفات الخبرية) : هي الصفات التي وردت بها الأخبار من الكتاب والسنة الثابتة ، ‏وهذه تدخل في المتشابهات لأنها توحي بالمشابهة أو الجارحة أو التغير والحدوث ، ومن ذلك ( الوجه ) و ( ‏النفس ) و ( العين ) و ( اليد ) و ( الأصابع ) و ( القدم ).

ومنها ما يوحي ما يوحي بالجلوس والاستقرار ‏كالاستواء ، ومنها ما يوحي بالحركة والانتقال كالنزول والمجيء ، ومنها ما يوحي بالانفعال كالغضب والفرح ‏والسرور والضحك ، وهذه في حقيقة الأمر أخبار تتضمن عند اثباتها على ظواهرها نقصاً يتنزه الله تعالى عنه ‏، وهذه نثبتها على الوجه الذي يحمل المتشابه على المحكم ، وعلى الوجه الذي يدل على الكمال ، مع تنزيه ‏الله تعالى عن أوجه النقص فيها ، مع الاحتراس عن نفي ما أثبته الله تعالى.

ومثال ذلك ( الوجه ) اثباته على ‏ظاهره قد يوحي بالجارحة والجزء من الله ، وهذا محال لأنّ الله تعالى أحد لا جزء له ، غني لا جارحة له ، ‏قهار لا حد له ، متعال على النهاية فلا نهاية له ، فينبغي أنّ نسلك في ذلك طرق الراسخين في العلم ، وهي ‏أحدى ثلاث طرق لا رابع لها :

(الطريق الأول) إثبات الوجه على سبيل الصفة لا سبيل الجزء والجارحة.

‏‏(والطريق الثاني) حمل الآية على المجاز المراد من الوجه وهو الذات.

(والطريق الثالث) تفويض علمها ‏إلى الله مع المنع من تفسيرها على ظاهرها (الذي هو الجزء من الذات) مع تنزيه الله تعالى عن النقص ، مع ‏الحذر - كل الحذر - من اثبات الوجه على أنه جزء من الذات ، فهذا تشبيه ، وخروج عن إطار أهل ‏السنّة إلى المشبهة ، لما فيه من محاذير اثبات للحد والنهاية ، واثبات للجزء والبعض والجارحة ، والله تعالى ‏أحد صمد منزه عن الجزء والجارحة ومنزه عن الحد والنهاية.

ومثال الصفات الخبرية أيضا (الاستواء) فإنه ‏إثبات لصفة خبرية (جاء بها الخبر) ولكن اثباتها على ظاهرها قد يوحي بالحد والنهاية لذات الله ، وهذا ‏وصف لذات الله تعالى بالنقص ، لأنّ الحد يعني النهاية والله تعالى منزه عن النهاية لأنها سمة المخلوق المحدود ، ‏وكذلك فإنّ عقيدة المسلمين أنّ الله تعالى أكبر من كل شيء ، وهو أكبر من الحدود ، وكل محدود فإنه يجوز ‏أن يكون ما هو أكبر منه ، والله أكبر من كل تصور فوجب أن يكون منزها عن الحدود ، كما أنّه الواحد ‏القهار الذي قهر الحدود ، وهو الكبير المتعال الذي تعالى عن النهايات.

فإثبات الاستواء على معناه الظاهر ‏‏(الجلوس) ، قد يوحي بالمقابلة أو المحايثة بين الخالق والمخلوق وبين الرب والعرش المربوب ، وهذا محال لأنّ ‏الله تعالى قهار لا حد له ، متعال على النهاية فلا نهاية له ، فينبغي أنّ نسلك في ذلك طرق الراسخين في العلم ‏، وهي أحدى ثلاث طرق لا رابع لها ، إما اثبات الاستواء على سبيل الصفة لا سبيل الجلوس والاستقرار ، ‏وإما حمل الآية على المجاز المراد من الاستواء وهو علو الهيمنة والربوبية والتدبير ، وإما تفويض علمه إلى الله ،(استواء على مراد الله ومراد رسول الله) مع المنع من تفسيره على ظاهره (الذي هو الاستقرار والجلوس ‏على العرش) مع تنزيه الله تعالى عن النقص المتمثل في الحد والنهاية والتكييف كجلوس الملك على كرسي ‏عرشه ، مع الحذر من اثبات الاستواء على أته الجلوس ، فهذا تشبيه ، وخروج عن إطار أهل السنّة إلى ‏المشبهة ، ومع الحذر من نفي (الاستواء) كأن يقول : ليس للرحمن صفة الاستواء على العرش ، فهذا ‏تعطيل وخروج عن إطار أهل السنّة إلى الاعتزال.

ومسالك علماء أهل السنّة والجماعة في اثبات تلك ‏الصفات الخبرية : ثلاثة مسالك معتمدة ، وما عداها ميل نحو الاعتزال أو الحشو.

والمسلك (الاول) : ‏طريقة السلف إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة على مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه ‏وسلم ، مع الإيمان به وعدم التعرض لمعناه.

والمسلك (الثاني) : إثباتها صفات لله تعالى منزهة عن كل ما ‏يخالف الأدلة القطعية التي توافرت على أنه تعالى ليس جسما ولا متحيزا ولا متجزئا ولا متركبا ولا محتاجا ‏لأحد ، ومثال ذلك اثبات الوجه على أنّه صفة منزهة عن الجارحة والحد والصورة ، واثبات الاستواء صفة لله تعالى منزها عن الجلوس والتحيز والحد والجهة الحسية ، واثبات الضحك والغضب صفات لله تعالى ‏منزهة عن التغير والحدوث والانفعالات الحسية.

وملخصه أنّ الاستواء ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ‏ولا استقرار في مكان ولا مماسة لشيء من خلقه لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بائن من جميع ‏خلقه ، وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان ، وأن مجيئه ليس بحركة ، وأن نزوله ليس بنقلة ، وأن نفسه ‏ليس بجسم وأن وجهه ليس بصورة ، وأن يده ليست بجارحة ، وأن عينه ليست بحدقة وإنما هذه أوصاف ‏جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف لقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } ، وقوله تعالى : { ولم يكن ‏له كفوا أحد } وقوله تعالى : { هل تعلم له سميا }.

والمسلك (الثالث) : حملها على مجاز اللغة وحمل ‏متشابهها على محكمها ، ومثاله حمل الوجه على الذات ، وحمل اليد على مقتضي الآية ، ففي قوله تعالى : { ‏بل يداه مبسوطتان } تحمل على الكرم والجود والعطاء ، وفي قوله تعالى : { لما خلقت بيدي } بمزيد الإنعام ‏والتفضل وزيادة التكريم لا اكثر بقرائن قوله تعالى : { مما خلقت أيدينا أنعاما } ، وقوله تعالى : { والسماء ‏بنيناها بأيد } ، وقوله تعالى : { إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } ، ‏وهكذا ، وقد تقدم بيان ذلك ، وحمل الضحك في حديث (( يضحك ربنا )) إلى علامة الرضا وإرادة ‏الثواب ، وهكذا على ما تحمله اللغة من مجاز وبلاغة.

‏‏

_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: صفات الله تعالى توقيفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 5:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

والفرق بين هذه المسالك :

أن المسلك الاول - مذهب السلف - يعامل الآيات والأحاديث على أنها من ‏المتشابه فلا يجزم بانه صفات أو أخبار ، فلا يفسر ولا يخوض ويرويها كما جاءت على مراد الله ومراد رسوله.

والمسلك الثاني : يعامل الآيات والأحاديث على أنها تدل على صفات منزهة عن مشابهة المخلوقين ومنزهة ‏عن المستحيلات في حق الله تعالى.

والمسلك الثالث يعاملها على انها أخبار تحمل معاني محكمة وأخرى ‏متشابهة فيتم حمل المتشابه على المحكم عملاً بقوله تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ‏لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } فيفسرون الآية او الحديث بما سيق لأجله دون التعرض لمتشابه أو حمل ‏المتشابه على المحكم.

فمثلاً حديث النزول سيق لبيان فضل الثلث الآخر وليس لبيان كيفية النزول ، فنفسره ‏بذلك ، ولا نتعرض للنزول ، أو نجعل المقصود من النزول هو نزول الرحمة وقبول الدعاء ، مع عدم نفي ‏خبر النزول.

وبهذه الاقوال الثلاثة أقرّت وقَبِلت وأيدت مدارس أهل السنة والجماعة المتخصصة في العقيدة ‏وهي مدارس الاثرية والأشعرية والماتريدبة ، وقالوا يجوز لكل مسلم أن يسلك أحد تلك المسالك الجائزة ‏ولا تثريب عليه بها.

وإنما الخلل لمن مال إلى المشبهة والمجسمة وأبى إلا الظاهر المتبادر إلى الذهن مع رفضه ‏التنزيه ، أو مال إلى المعتزلة وغامر ونفى ما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة بحجة التنزيه.

ومن أقوال ‏العلماء في بيان مذاهب أهل السنة والجماعة المعتمدة في باب الصفات الخبرية :

قال الإمام النووي رحمه الله ‏تعالى في شرحه لحديث الرؤية : " اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين : أحدهما ‏وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون : يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها ‏معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء ، وأنه منزه عن التجسم ‏والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفات المخلوق ، وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره ‏جماعة من محققيهم وهو أسلم ، والقول الثاني : وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على ‏حسب مواقعها ، وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفاً بلسان العرب وقواعد الأصول ‏الفروع ذا رياضة في العلم " أهـ [شرح صحيح مسلم للنووى ج 3ص 19-20 ].

وقال مرعي بن ‏يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي في كتابه أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات ‏والمشتبهات : " ومن المتشابه الاستواء في قوله تعالى { الرحمن على العرش استوى } ، وقوله : { ثم استوى ‏على العرش } [ الأعراف 54 ] ، وهو مذكور في سبع آيات من القرآن ، فأما السلف فإنهم لم يتكلموا في ‏ذلك بشيء جريا على عادتهم في المتشابه من عدم الخوض فيه مع تفويض علمه إلى الله تعالى والإيمان به.. ‏ويروى عن الشعبي أنه سئل عن الاستواء فقال : هذا من متشابه القرآن نؤمن به ولا نتعرض لمعناه وعن ‏الشافعي أنه قال لما سئل عن الاستواء آمنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل واتهمت نفسي في الإدراك ‏وأمسكت عن الخوض غاية الإمساكوعن أحمد بن حنبل أنه قال استوى كما ذكر لا كما يخطر للبشر وكلام ‏السلف مستفيض بمثل هذا " [أقاويل الثقات ج : 1 ص : 120/121] اهـ .

وقال عبد الباقي بن ‏إبراهيم الحنبلي في كتابه العين والأثر في عقائد أهل الأثر : " فصل : ويجب الجزم بأن الله تعالى ليس بجوهر ‏ولا جسم ولا عرض ولا تحله الحوادث ولا يحل في حادث ولا ينحصر فيه فمن اعتقد أو قال إن الله بذاته ‏في مكان فكافر بل يجب الجزم بأنه سبحانه وتعالى بائن من خلقه فكان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما ‏كان قبل خلق المكان ولا يعرف بالحواس ولا يقاس بالناس فهو الغني عن كل شيء ولا يستغني عنه شيء ولا ‏يشبه شيئا ولا يشبهه شيء ، وعلى كل حال مهما خطر بالبال أو توهمه الخيال فهو بخلاف ذي الإكرام ‏والجلال فيحرم تأويل ما يتعلق به تعالى وتفسيره كآية الاستواء وحديث النزول وغير ذلك من آيات ‏الصفات إلا بصادر عن النبي أو بعض الصحابة وهذا مذهب السلف قاطبة " [ العين والأثر في عقائد أهل ‏الأثر ج : 1 ص : 34] اهـ.

وقال رحمه الله : " وقد أعلمنا جل ذكره أنه استوى على عرشه ولم يخبر ‏كيف استوى ومن اعتقد أن الله مفتقر للعرش أو لغيره من المخلوقات أو أن استواءه على العرش كاستواء ‏المخلوقات على كرسيه فهو ضال مبتدع فكان الله ولا زمان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان " [ العين ‏والأثر في عقائد أهل الأثر ج : 1 ص : 60-61]اهـ.

وقال شيخ محدثي زمانه الإمام البيهقي : - ‏وهو يوضح مذهب السلف وأهل الحديث في الإستواء -"وقوله عز وجل وهو معكم أينما كنتم إنما أراد ‏به بعلمه لا بذاته ثم المذهب الصحيح في جميع ذلك الاقتصار على ما ورد به التوقيف دون التكييف وإلى هذا ‏ذهب المتقدمون من أصحابنا ومن تبعهم من المتأخرين وقالوا الاستواء على العرش قد نطق به الكتاب في غير ‏آية ووردت به الأخبار الصحيحة وقبوله من جهة التوقيف واجب والبحث عنه وطلب الكيفية له غير جائز ‏، أخبرنا .. سمعت يحيى بن يحيى يقول كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على ‏العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك رأسه ثم علاه الرحضاء ثم قال : الاستواء غير مجهول والكيف غير ‏معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يخرج ،وعلى مثل هذا درج ‏أكثر علمائنا في مسألة الاستواء وفي مسألة المجيء والإتيان والنزول..وفي الجملة يجب أن يعلم أن استواء الله ‏سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج ولا استقرار في مكان ولا مماسة لشيء من خلقه لكنه مستو ‏على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين بائن من جميع خلقهوأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان وأن مجيئه ‏ليس بحركة وأن نزوله ليس بنقلة وأن نفسه ليس بجسم وأن وجهه ليس بصورة وأن يده ليست بجارحة وأن ‏عينه ليست بحدقة وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف فقد قال ليس كمثله شيء ‏وقال ولم يكن له كفوا أحد وقال هل تعلم له سميا ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أنا أبو بكر محمد بن ‏أحمد بن بالويه ثنا محمد بن بشر بن مطر ثنا الهيثم بن خارجة حدثنا الوليد بن مسلم قال : سئل الأوزاعي ‏ومالك وسفيان الثوري والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيفية ، وأخبرنا ‏محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن يزيد سمعت أبا يحيى البزار يقول سمعت العباس بن حمزة يقول سمعت ‏أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت سفيان بن عيينة يقول كل ما وصف الله من نفسه في كتابه فتفسيره ‏تلاوتهوالسكوت عليه وإنما أراد به والله أعلم فيما تفسيره يؤدي إلى تكييف وتكييفه يقتضي تشبيهه له بخلقه ‏في أوصاف الحدوث " [ الاعتقاد للبيهقي ج : 1 ص : 114- 118]اهـ.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: صفات الله تعالى توقيفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 5:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

(ت) الخلاف بين أهل السنّة والجماعة وبين الحشوية يكمن في الصفات الخبرية.

لأنّ الحشوية مصرون ‏على اعتماد ظواهر تلك المتشابهات.

قال الإمام فخر الدين الرازي في كتابه القيم أساس التقديس : (جميع ‏فرق الإسلام مقرون بأنه لابد من التأويل في بعض ظواهر القرآن والأخبار ، أما في القرآن : فبيانه من وجوه ‏‏:

( الأول ) : هو انه ورد في القرآن ذكر الوجه ، وذكر العين ، وذكر الجنب الواحد ، وذكر الأيدي ، ‏وذكر الساق الواحدة ، فلو أخذنا بالظاهر ، يلزمنا اثبات شخص له وجهه واحد ، وعلى ذلك الوجه أعين ‏كثيره وله جنب واحد وعليه أيد كثيره وله ساق واحده ، ولا نرى في الدنيا شخصا اقبح صورة من هذه ‏الصورة المتخيلة ، ولا اعتقد ان عاقلاً يرضى بأن يصف ربه بهذه الصفة.

( الثاني ) : انه ورد في القرآن : ‏أنه تعالى نور السماوات والأرض وان كل عاقل يعلم بالبديهة : أن إله العالم ليس هو هذا الشيء المنبسط ‏على الجدران والحيطان ، وليس هو هذا النور الفائض من جرم الشمس والقمر والنار فلابد لكل واحد منا ‏، من أن يفسر قوله تعالى : { الله نور السماوات والارض } بأنه منور السماوات والارض أو بأنه هاد لأهل ‏السماوات والارض ، او بأنه مصلح السماوات والارض ، وكل ذلك تأويل.

( الثالث ) : قال الله تعال : ‏‏{ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } ، ومعلوم ان الحديد ما نزل جرمة من السماء الى الارض ، وقال : { ‏وأنزل لكم من الانعام ثمانية ازواج } ، ومعلوم : أن الأنعام ما نزلت من السماء الى الأرض.

( الرابع ) : ‏قوله تعالى : { وهو معكم أينما كنتم } ، وقوله تعالى : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ، وقوله تعالى : ‏‏{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } ، وكل عاقل يعلم : ان المراد منه القرب بالعلم والقدرة الإلهية.

‏‏( الخامس ) : قوله تعالى : { وأسجد وأقترب } ، فإن هذا القرب ليس إلا بالطاعة والعبودية فأما القرب ‏بالجهة : فمعلوم بالضرورة أنه لا يحصل بسبب السجود.

( السادس ) : قوله تعالى : ( فأينما تولوا فثم وجه ‏الله ) ، وقال تعالى : { ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون }.

( السابع ) : قال تعالى : { من ذا الذى ‏يقرض الله قرضا حسنا } ؟ ولا شك أنه لا بد فيه من التأويل.

( الثامن ) : قوله تعالى : ( فأتى الله بنيانهم ‏من القواعد ) ، ولا بد فيه من التـأويل ، ( التاسع ) : قال تعالى لموسى وهارون : ( إنى معكما أسمع وأرى ‏‏) ، وهذه المعية ليست إلا بالحفظ والعلم والرحمة فهذه وأمثالها من الأمور التي لا بد لكل عاقل من الاعتراف ‏بحملها على التأويل وبالله التوفيق.

أما الأخبار : فهذا النوع فيه كثرة.

( فالأول ) : قوله عليه السلام ‏حكاية عن الله سبحانه وتعالى : (( مرضت فلم تعدني ، استطعمتك فما أطعمتني ، أستسقيتك فما أسقيتني )) ‏، ولا يشك عاقلاً : أن المراد منه التمثيل فقط.

و ( الثاني ) : قوله صلى الله عليه وسلم ( حكاية عن ربه ) ‏من أتاني يمشى أتيته هرولة ، ولا يشك عاقلاً في أن المراد منه التمثيل والتصوير.

و ( الثالث ) : نقل الشيخ ‏الغزالي ـ رحمه الله ـ عن أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ أنه أقر بالتأويل في ثلاثة أحاديث : أحدهما : قوله ‏عليه السلام : الحجر الأسود : يمين الله في الأرض ، و ثانيها : قوله عليه ال الأسباب التي تدل على جواز ‏التأويل سلام : إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمين ، و ثالثها : قوله عليه السلام ( حكاية عن الله عز وجل ‏‏) : أنا جليس من ذكرني.

و ( الرابع ) : حكى أن المعتزلة تمسكوا في خلق القرآن بما روى عنه عليه السلام ‏أنه تأتى سورة البقرة وآل عمران ، كذا وكذا ( يوم القيامة )كأنهما غمامتان ، فأجاب أحمد بن حنبل ( رحمه ‏الله ) وقال : يعنى ثواب قارئيهما وهذا تصريح ( منه ) بالتأويل.

و ( الخامس ) : قوله عليه السلام إن ‏الرحم يتعلق بحقوتي ، الرحمن ، فيقول سبحانه وتعالى : أصل من وصلك ، وهذا لابد له من التأويل.

و ( ‏السادس ) : قال عليه السلام إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار ولا بد فيه من ‏التأويل.

و ( السابع ) : قال عليه السلام : قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن وهذا لا بد فيه من ‏التـأويل لأننا نعلم بالضرورة : أنه ليس في صدورنا أصبعان بينهما قلوبنا.

و ( الثامن ) : قوله عليه السلام ‏ـ حكاية عن الله تعالى ـ : أنا عند المنكسرة قلوبهم وليست هذه العندية إلا بالرحمة وأيضاً : قال صلى الله ‏عليه وسلم ـ حكاية عن الله تعالى في صفة الاولياء ـ : فإذا احببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى ‏يبصر به ومن المعلوم بالضرورة أن القوة الباصرة التي بها يرى الاشياء ليست هي الله سبحانه وتعالى.

و ( ‏التاسع ) : قال عليه السلام ـ حكاية عن الله سبحانه وتعالى : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري والعاقل لا ‏يثبت لله تعالى إزار ورداء.

( العاشر ) : قال عليه السلام لأبى بن كعب : يا أبا المنذر أية أية في كتاب الله ‏تعالى أعظم ؟ فتردد فيه مرتين ، ثم قال في الثالثة أية الكرسي فضرب يده ـ عليه السلام ـ على صدره ، ‏وقال : أصبت ، والذى نفسى بيده ، إن لها لساناً يقدس الله تعالى عند العرش ولا بد فيه من التأويل فثبت ‏بكل ما ذكرنا : إن المصير الى التأويل أمر لا بد منه لكل عاقل.

وعند هذا قال المتكلمون : لما ثبت بالدليل ‏أنه سبحانه وتعالى منزه عن الجهة والجسمية ، وجب علينا أن نضع لهذه الألفاظ الواردة في القرآن والأخبار ‏‏: محملاً صحيحاً ، لئلا يصير ذلك سبباً للطعن فيه ) اهــ [ أساس التقديس : 43 ، 44 ].


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: صفات الله تعالى توقيفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 5:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

(ث)الصفات خبرية متشابهات لابد من ردها إلى محكماتها.

فإطلاق ألفاظ الوجه والعين واليد ، على أنّها ‏صفات ، فإنّما هو من قبل مجاز اللغة - وهذا التنبيه بالغ الضرورة لأنّه قد ذهل عنه بعض الأكابر فانحرف ‏وزل في هذا العلم وانجرف إلى تيار الحشو والتجسيم -

ودليل أنها من مجاز اللغة ما جاء في القرآن الكريم ‏‏- وهو كتاب اللغة الأول - أنّ المتدبر لآيات القرآن يعلم يقينا أن الوجه يستعمل فيه في مجازات متعددة لا ‏يمكن إنكارها ومثالها : قوله تعالى { وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ‏النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [آل عمران/72] ، فهل للنهار وجه على الحقيقة - والوجه إذا قيل ‏له على الحقيقة قصد به الجارحة المعروفة - وهل تفيد الآية إثبات الوجه للنهار أم أنه المجاز البلاغي الذي ‏يستعير للنهار لفظ الوجه للدلالة على أول النهار وسبب ذلك أن أول ما يستقبلك من الإنسان وجهه ‏فلذلك استعير لفظ الوجه للنهار للدلالة على أوله.

والعرب تستعمل الوجه في معانٍ كثيرة ، فيقولون هذا ‏الرجل وجه الناس ويقصدون المقدم فيهم والمفضل عندهم ، ومنه قوله تعالى ( وكان عند الله وجيها ) أي ذا ‏منزلة عند الله ، ويقولون وجه الثياب ويقصدون أفضله وأجوده ، ويقولون وجه الصواب وعين الصواب ‏ولا يقصدون أن للصواب وجه أو عين ،ومثال ذلك أيضاً : حمل الوجه على الذات في قوله تعالى : {كل ‏شيء هالك إلا وجهه } وقوله تعالى {ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام } على الذات أو ما قصد به ‏ذات الله تعالى من العمل الصالح ، إذ لا يعقل لذي لُب أن الهلاك سيلحق بالذات ولا يبقى إلا الوجه ‏سبحانك هذا كفر عظيم ، إذن لابد من إعادة النظر في معنى الآية وأنها تدل على بقاء الله تعالى وأنه لا معنى ‏للوجه في سياق الآيات سوى ما تواترت عليه أقوال العلماء وأنه الذات أو ما قصد به الذات من الأعمال ‏الصالحة الخالصة.

جاء في تفسير التحرير والتنوير : "والوجه يعبر عن الجملة والذات وقد علم السامعون أن ‏الله تعالى يستحيل أن يكون له وجه بالمعنى الحقيقي وهو الجزء الذي في الرأس ، واصطلح علماء العقائد على ‏تسمية مثل هذا بالمتشابه ، وكان السلف يحجمون عن الخوض في ذلك مع اليقين باستحالة ظاهره على الله ‏تعالى ، ثم تناوله علماء التابعين ومن بعدهم بالتأويل تدريجا إلى أن اتضح وجه التأويل بالجري على قواعد ‏علم المعاني ، فزال الخفاء واندفع الجفاء وكلا الفريقين خيرة الحنفاء " [التحرير والتنوير : ج 27ص253] اهـ.

[وأما مجاز العين في القرآن] : فإنّ المتدبر لآيات القرآن يعلم يقينا أن العين يستعمل فيه في مجازات ‏متعددة ، فالعين تأتي حقيقةفي الجارحة المعروفة الخاصة بالرؤية عند المخلوقين وهي جارية مجرى التمثيل والمجاز ‏عن البصر والإدراك والرعاية والحفظ والرؤية والحراسة وعبر عن ذلك بالأعين لأنها آلة الرؤية والرؤية هي ‏التى تكون بهاالحراسة والحفظفي الغالب ، فتأتي كناية على شدة العناية والحراسة ، والوجه في حسن هذا ‏المجاز : أن من عظمت عنايته بشيء وميله إليه ، ورغبته فيه ، كان كثير النظر إليه ، فجعل لفظ العين ـ التي ‏هي آلة لذلك النظر ـ كناية عن شدة العناية.

فإذا جمعت العين دلت على كمال الحفظ والمبالغة فيه ، ولما ‏اتفقت الأمة على تنزيه الله تعالى عن العين الجارحة لأنها تحمل معنى التجزؤ والتبعض والتصور وغير ذلك من ‏سمات المخلوقين المحتاجين في النظر إلى جارحة العين والله تعالى له الأحدية والصمدية وكمال القيومية والغنى ، ‏فهو منزه في إبصاره للخلق ونظره إليهم من جارحة العين وغيرها بل هو السميع البصير بلا جارحة أذن أو ‏عين.

ولهذا فقد تواترت أقوال العلماء من أصوليين وفقهاء ومحدثين ومفسرين على حمل الآيات المتعلقة ‏بالعين على البصر والإدراك أو على الرعاية والحفظ أو على شدةالعناية والحراسة.

وأول من نقل عنه ذلك ‏حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله ابن عباس الذي دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين ‏وبعلم التأويل ، ثم تواترت أقوال الأئمة المقتدى بهم في الدين على ذلك.

قال القاضي ابن جماعة في إيضاح ‏الدليل : ( قوله تعالى ولتصنع على عيني) ( واصنع الفلك بأعيننا ) ( تجري بأعيننا ) ( فإنك بأعيننا ) : ‏اعلم أنه إذا ثبت تنزيه الله تعالى عن الجهة والجوارح كما تقدم وجب تأويل هذه الآيات بما يليق بجلاله تعالى ‏، فالمراد والله أعلم مزيد الاعتناء والحراسة وأن ذلك بمرأى منا ، قال ابن الأنباري العرب تجمع الواحد إما ‏لتعظيمه كقوله أمرنا ونهينا ومنه ( إنا نحن نحي الموتى ) ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ) ، أو ‏لإقامة الجمع مقام الواحد كقول القائل : سكنت في دورنا وآذيت غلماننا وسرنا في السفن وإن كانت الدار ‏والغلام والسفينة واحدا ،ولو حملت الآيات الواردة على ظاهرها لاستقبحت تلك العيون تعالى الله وتقدس ‏عن ذلك وللزم أن يكون موسى عليه السلام متلصقا بالعين وعليها ولزم أن تكون الأعين آلة لعمل الفلك ‏وأن تكون العين ظرفا للرسول عليه السلام ، وذلك لا يقوله عاقل فوجب المصير إلى تأويله وصرفه عن ‏ظاهره إلى ما يليق بجلال الله تعالى ، ووجه التجوز بالعين عن شدة الاعتناء أن المعتني بالشيء لمحبة أو حاجة ‏يكثر النظر فيه فجعلت العين التي هي آلة النظر كناية عن مزيد " [إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل ‏ج : 1 ص : 129]اهـ.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: صفات الله تعالى توقيفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 5:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

‏[وأمّا مجاز اليد في القرآن] : فالمتدبر لآيات القرآن يعلم يقينا أن اليد تستعمل فيه في مجازات متعددة لا ‏يمكن إنكارها ولا على سبيل المكابرة ومثالها ،قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُم الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا ‏لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةًخَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَاوَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } ،فهل للقرية يدين ؟ ‏وهل تفيد الآية إثبات اليدين للقرية لأنها جاءت بتثنية اليد أم أنه المجاز البلاغي الذي يستعير للقرية لفظ ‏اليدين للدلالة على إحاطة العبرة لجميع ما حول القرية من أمامها وخلفها ؟.

وقوله تعالى ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ‏بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَوَالإِنجِيلَ } ،وقوله تعالى ( وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي ‏بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّالْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِوَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } ،فهل ‏للقرآن يدين ؟ ،وهل تفيد الآيات إثبات اليدين للقرآن لأنها جاءت بتثنية اليد أم أنه المجاز البلاغي الذي ‏يستعير للقرآن لفظ اليدين للتأكيد على تصديق القرآن للتوراة والإنجيل وأنهم جميعا من مشكاة واحدة ؟.

‏وقوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ }‏، فهل للرحمة يدين ؟ ،وهل تفيد الآيات ‏إثبات اليدين للرحمة لأنها جاءت بتثنية اليد أم أنه المجاز البلاغي الذي يستعير للرحمة لفظ اليدين للتأكيد على ‏شمول رحمة الله تعالى لكافة خلقه؟

وقوله تعالى {قُلْ إِنَّمَاأَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ ‏تَتَفَكَّرُوامَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَيَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } ،هل للعذاب يدين ؟ ،وهل تفيد ‏الآيات إثبات اليدين للعذاب لأنها جاءت بتثنية اليد أم أنه المجاز البلاغي الذي يستعير للعذاب لفظ اليدين ‏للتأكيد على قرب العذاب؟

وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْنَجْوَاكُمْ ‏صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوافَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ،هل للنجوى يدين ؟ ،وهل تفيد الآيات ‏إثبات اليدين للنجوى لأنها جاءت بتثنية اليد أم أنه المجاز البلاغي الذي يستعير للنجوى لفظ اليدين للدلالة ‏على تقديم الصدقة قبل بدء النجوى مع الرسول صلى الله عليه وسلم؟

وقوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَادَاوُودَ ‏ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ،وقوله تعالى : { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِيالْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ } ‏،والمعلوم أن البشر جميعاً ذووا أيدي فهل المراد من الآيات مدح الأنبياء بوجود الأيد التي هي الجوارح أم أن ‏المقصود بالأيدي في الآيات هو جدهم وتشميرهم للعبادة والطاعة واستعير لذلك بلفظ الأيدي لأنها عادة ‏موضع القوة والجد والعمل؟

وقوله تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ‏لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }‏ ،تُشير الآية إلى أن ما أصابهم من السوء منوط بما كسبت أيديهم ‏، ومعلوم أن كسب القلب أعظم فالكفر والتكذيب والعناد والنفاق مقره القلب وكذلك فإن لبقية الجوارح ‏كسب يسبب العذاب كالأرجل والأعين والآذان ، وهذا يدلنا على أن التعبير بالأيدي تعبير مجازي يطلق ‏الجزء ويريد الكل فلا يراد به قصر سبب العذاب والهلاك على ما جنته الأيدي وحسب وإنما المراد ( بما ‏كسبتم وكسبت أنفسكم؟

وقوله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَنفِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي ‏قُلُوبِكُمْ خَيْرًايُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌرَّحِيمٌ } ، ومعلوم يقيناً أن الأسرى ليسوا في ‏يد الرسول ولا في أيدي الصحابة ، وإنما المقصد من تحت حكمكم من الأسرى وعبر عن هذا الحكم باليد ‏لأنها موضع الإمساك والتحكم ، ومثاله (وما ملكت أيمانكم ) وسيأتي إن شاء الله عند ذكر اليمين.

وقوله ‏تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةًفَنِصْفُمَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ ‏يَعْفُوَالَّذِي بِيَدِهِعُقْدَةُالنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىوَلاَ تَنسَوُاْالْفَضْلَبَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }‏ ، ‏ومعلوم أن النكاح ليست له عقدة وأن هذه العقدة بيد ولي الأمر ، فهذا لا يقوله عاقل ، وإنما المعنى من له ‏الولاية على النكاح حتى وإن كان مقطوع اليدين ، فلا علاقة للآية بإثبات عقدة ولا يد وإنما هو الأسلوب ‏البلاغي الذي يوصل المعنى في أجزل عبارة وأدق معنى.

وقوله تعالى : { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ‏يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } ، ‏ويستحيل أن يكون المراد من الآية المعنى الظاهر للقبض وهو ضم أصابع اليد ، ولكن المعنى المفهوم من ‏القبض هاهنا البخل بالنفقة في الطاعة وفي سبيل الله ، وكني عن البخل بالقبض على طريقة بلاغة العرب في ‏التوسع في استعمال المجاز والكناية لتأكيد معنى البخل عند المنافقين.

ثم هاهنا لطيفة أخرى وهي قوله تعالى ‏‏(نسوا الله فنسيهم ) فهل يحمل مؤمن النسيان على ظاهره في حق الله تبارك وتعالى عن النسيان وعن كل ‏نقص , أم أن المعنى المفهوم من الآية تركوا أمر الله وطاعته فترك الله هدايتهم جزاءً وفاقا وكني عن الترك ‏مجازاً بالنسيان للدلالة على بعد هداية المنافقين لأنهم أشر من الكافرين.

وقوله تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ ‏مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ ‏مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ ‏وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } .

فإن بلغاء العرب يعلمون أن الوصف بغلاليد ‏وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى ‏عنقك ولا تبسطهاكل البسط ) فليس الأمر على حقيقته اللفظية ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمورا ‏بعدم غل اليد أو بسطها على الحقيقة ولم يقل بذلك عاقل ، وإنما الأمر بالقصد في الإنفاق ، وهكذا هاهنا ، ‏فالمقصود من غل اليد وبسطها المجاز عن محض البخل والجود من غير قصد في ذلك إلى إثبات يد أو غل أو ‏بسط.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: صفات الله تعالى توقيفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 6:10 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

ومعنى الآيات : أن اليهود لعنهم الله عز وجل قالوا على جهة الوصف بالبخل يد الله مغلولة فرد الله تعالى ‏عليهم بقوله (بل يداه مبسوطتان ) معناه أي كلا ليس كذلك بل هو في غاية ما يكون من الجود والإنعام.

‏فإن قيل لم ثنيت اليد في قوله تعالى { بل يداه مبسوطتان } ؟ قلت : ثنيت اليد ليكون أبلغ وأدل على ‏إثبات غاية السخاء له ونفى البخل عنه ، فإن أقصى ما ينتهي إليه همم الأسخياء من الوصف بالمبالغة في ‏الجود والإنعام أن يعطوا ما يعطونه بكلتا يديهم ، فالآية من باب الاستعارة التمثيلية ومن نظر في علم البيان ‏والبلاغة لا يصعب عليه تصور ذلك أبدا.

وقوله تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ ‏أَيْدِيهِمْ} ، قال النسفي : " الله منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام و إنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع ‏الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما كقوله ( من يطع الرسول فقد اطاع الله ) "[ تفسير النسفي ‏ج : 4 ص : 154]اهـ.

وقوله تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[ سورة ‏الملك/1] ،وهاهنا التعبير القرآني (بِيَدِهِ الْمُلْكُ) كناية عن القدرة بقرينة ختم الآية بقوله تعالى {وَهُوَ عَلَى ‏كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ولا يقصد بهذا الأسلوب العربي البليغ إثبات جارحة اليد وهذا لا يفهمه إلا شخص بعيد ‏عن جمال اللغة وبديعها ،ولو كان المراد إثبات اليد على حقيقتها المعروفة لنا كجارحة لجاء التعبير المحكم بقوله ‏إعلموا أن لله يد ، أو آمنوا بأن لله يد وهكذا كما جاءت الآيات المحكمات تترا بمثل قوله تعالى (فَاعْلَمُواْ ‏أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) و (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )و (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ )و (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ ‏سَمِيعٌ عَلِيمٌ )و (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيد ٌ) و (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) و (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).

قال الزركشي :- وهو يتحدث عن مجاز القرآن – " السادس عشر إطلاق اسم المحل على الحال كقوله ( ‏فليدع نادية) وقوله تعالى ( وفرش مرفوعه ) اي نساؤه بدليل قوله ( إنا انشأناهن انشاء)وكالتعبير باليد عن ‏القدرة كقوله ( بيده الملك ) "[ البرهان في علوم القرآن ج : 2 ص : 281]اهـ.

وقال السيوطي :- ‏وهو يتحدث عن مجاز القرآن – " ومنه التعبير باليد عن القدرة نحو بيده الملك"[الإتقان ج : 2 ص : ‏‏101]اهـ.

وقال القاضي البيضاوي في التفسير "(تبارك الذي بيده الملك) بقبضة قدرته التصرف في ‏الأمور كلها "[تفسير البيضاوي ج : 5 ص : 360]اهـ.

وقال أبو السعود في تفسيره : "واليد مجاز ‏عن القدرة التامة والاستيلاء الكامل أي تعالى وتعاظم بالذات عن كل ما سواه ذاتا وصفة وفعلا الذي ‏بقبضة قدرته التصرف الكلي في كل الأمور."اهـ.

وقوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ‏أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ*وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُم ْوَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} ،وقوله تعالى { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا ‏لَمُوسِعُونَ } ، ( قلت ) : اليد تجمع على أيد قال تعالى { ألهم أيد يبطشون بها } وقال تعالى { والسماء ‏بنيناها بأيد } و على أيدي قال تعالى { مما عملت أيدينا } ، فلا التفات إلى من زعم أن اليد لا تجمع على أيد ‏لأن ذلك مما جاء في القرآن والقرآن نزل بلسان عربي مبين ، والمراد بالآية هاهنا إثبات القوة والقدرة ، مثالها ‏في ذلك تماما قوله تعالى { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } وقوله تعالى { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ ‏وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِيالْأَيْدِيوَالْأَبْصَارِ } ، فهل المراد من الآيات مدح الأنبياء بوجود الأيد التي هي الجوارح ‏مع أن جميع البشر بما فيهم الكفار والفجار لهم أيدي وأبصار ، أم أن المقصود بالأيدي في الآيات هو قوتهم ‏في الطاعة وجدهم وتشميرهم للعبادة ، واستعير لذلك بلفظ الأيدي لأنها عادة موضع القوة والجد والعمل.

فلا شك أن المعنى المقصود هو الثاني ، وهاهنا في الآية { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } نفس المقصود ‏إذ لم تسق الآية لإثبات جارحة لله تعالى عن ذلك لأنه نقص يتنزه الأحد الصمد عنه ، لأن الجارحة تعني الجزء ‏والتجزؤ يضاد الأحدية التي تعني نفي التبغض ويضاد الصمدية التي تعني كمال الغنى لأن المتجزىء يحتاج إلى ‏جزئه فصاحب اليد ( الجارحة ) يحتاج إلى يده لتناوله الأشياء وصاحب الرجل (الجارحة ) يحتاج إلى رجله ‏ليتحرك بها وصاحب العين ( الجارحة ) يحتاج إلى عينه ليبصر بها وهكذا فالمتجزيء يحتاج إلى جزئه والمتبعض ‏يحتاج إلى بعضه والله تعالى صمد له كمال الصمدية قيوم له كمال القيومية غني له كمال الغنى ، وإثبات ‏الجارحة ليس فيه أي معنى للكمال الإلهي المتصف بكمال الأحدية وكمال الصمدية وكمال القيومية وكمال ‏الغنى ، بل هو نقص يتنزه الله تعالى عنه ويضاد جميع تلك الصفات العلا.

ونعود إلى الآية فنقول :تأويل الأيد ‏في الآية بالقوة ثابت عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما.

فقد أخرج ابن جرير ‏وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي اللهعنهما في قوله تعالى ( ‏والسماء بنيناها بأيد) قال : بقوة ،[تأويل التابعين للأيد في الآية بالقوة].

فقد أخرج ابن جرير عن مجاهد و ‏قتادة والسدي وغيرهم من التابعين وأخرجالبيهقي وغيره عن مجاهد في قولهم (والسماء بنيناها بأيد) قالوا : ‏يعني بقوة.

[وقد تواترت أقوال العلماء والمفسرين واللغويين على تأويل اليد بالقوة ] ، قال الطبري " ذا الأيد ‏ويعني بقوله ذا الأيد ذا القوة والبطش الشديدفي ذات الله والصبر على طاعته ‏..قال ابن زيد في قوله داود ذا الأيد قال ذا القوة في عبادة الله الأيد القوة وقرأ والسماء بنيناها بأيد قال ‏بقوة " [تفسير الطبري ج : 23 ص : 136].


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: صفات الله تعالى توقيفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 03, 2020 6:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14295
مكان: مصـــــر المحروسة

وقوله تعالى : { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا ‏خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }.

(قلت) : فصحاء العرب وأهل البلاغة فيه يعلمون من قوله تعالى ‏‏( لما خلقت بيدي ) أنه كناية عن غاية الإبداع أي لما أوليته عنايتي وأظهرت فيه عجائب قدرتي وخلقته في ‏أحسن تقويم وعلمته من العلم ما لا يعلمه غيره وفضلته في ذلك كله على غيره من المخلوقين ،هذا هو ‏المفهوم من سياق الآيات فلم تسق الآية لإثبات جارحة لله تعالى عن ذلك لأنه نقص يتنزه الأحد الصمد ‏القيوم الغني عنه ، لأن الجارحة تعني الجزء والتجزؤ يضاد الأحدية التي تعني نفي التبعيض ويضاد الصمدية ‏التي تعني كمال الغنى لأن المتجزىء يحتاج إلى جزئه ، والله تعالى صمد له كمال الصمدية قيوم له كمال ‏القيومية غني له كمال الغنى.

وإلا فما الفارق عند كل منصف لم تحرق البدعة قلبه بين هذا التعبير القرآني ( ‏لما خلقت بيدي ) وبين قوله تعالى (مما عملت أيدينا أنعاما) و قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد) وأيد جمع ‏يد لقوله تعالى (ألهم أيد يبطشون بها ) فالإنسان خلق بصفة اليد والأنعام كالغنم والبقر والإبل خلقت كذلك ‏بصفة اليد والسماء خلقت كذلك بصفة اليد ، ولا عبرة لمن اعترض على ذلك بأن إبليس كان بوسعه أن ‏يقول وأنا خلقتني بيدك لأن الأمر بالسجود لم يكن بعلة تميز آدم بالخلق باليدين ولكن لتمحيص المطيع بالأمر ‏من المتكبر عنه ولذلك جاء في الآية الأخرى (.. أن تسجد إذ أمرتك ).

ولا عبرة لمن قال : لو لم يكن لآدم ‏مزية علي سائر الحيوانات باليد التي هي صفة لما عظمه بذكرها وأجله فقال ( بيدي ) ولو كانت القدرة لما ‏كانت له مزية ، وقولهم : ميزه بذلك عن الحيوان فقد قال عز وجل : {خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما } ‏ولم يدل هذا علي تمييز الأنعام علي بقية الحيوان وقال الله تعالي {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون } أي ‏بقوة ولم يدل ذلك على تميز السماء على بقية المخلوقات.

فإن قالوا : القدرة لا تثن ، وقد قال { بيدي } ‏قلنا بلي قال العربي : ليس لي بهذا الأمر يدان ، أي ليس لي به قدرة ولا يقصد سوى ذلك ، فإن قالوا إنما ‏عبروا بذلك لأن للإنسان يد على الحقيقة ، قلنا إذن يلزمنا إثبات اليدين للرحمة {بين يدي رحمته} وللعذاب ‏‏{بين يدي عذاب شديد } وللنجوى {بين يدي نجواكم صدقة } وفي هذا الإثبات من الجهل باللغة ‏والتلاعب بثوابتها ما فيه ومن قال بذلك فلا ينبغي أن يضيع الوقت معه.

فإن أصروا وجادلوا قلنا : قال الله ‏تعالي في محكم التنزيل {إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} ، فالقرآن ‏نص على أن خلق عيسى كخلق آدم كلاهما بالقدرة المعبر عنها بقوله تعالى { ثم قال له كن فيكون } ، فهذا ‏هو صريح القرآن ، كما أنّه لا يليق بالخالق أن يحتاج إلى أن يفعل بواسطةاليد ،لأن له الأحدية والغني المطلق ‏بذاته منزه عن الأعضاء والاجزاء ،فلاينبغي أن نتشاغل بطلب تعظيم آدم مع الغفلة عما يستحقه الباريء ‏سبحانه من التعظيم بإثبات الأحدية { قل هو الله أحد } ونفي المثلية { ليس كمثله شيء } وذلك بنفي ‏الأجزاء و الأبعاض والجوارح ، ونفي المماثلة في الأفعال بمس الطين ومعالجته حتى ظن بعض الجهلاء بما يجوز ‏وما لا يجوز في حق الله تعالى أن الله - تعالى- مس طينة آدم بيدهي بعض ذاته ، والمس قرين الاتحاد والحلول ‏فما يقبل المس يقبلهما ، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيرا.

فسياق الآية يدل على أن المراد من قوله تعالى ‏‏{ لما خلقت بيدي } أنه كناية عن غاية الإبداع أي لما أوليته عنايتي وأظهرت فيه عجائب قدرتي وخلقته في ‏أحسن تقويم وعلمته من العلم ما لا يعلمه غيره ، وفضلته في ذلك كله على غيره من المخلوقين.

هذا هو ‏المفهوم من سياق الآيات فلم تسق الآية لإثبات جارحة لله تعالى عن ذلك لأنه نقص يتنزه الأحد الصمد عنه ‏، لأن الجارحة تعني الجزء والتجزؤ يضاد الأحدية التي تعني نفي التبغض ويضاد الصمدية التي تعني كمال ‏الغنى لأن المتجزئ يحتاج إلى جزئه والله تعالى صمد له كمال الصمدية قيوم له كمال القيومية غني له كمال ‏الغنى.

على أن بعض علماء أهل السنة والجماعة أثبت بالآيات صفات لله تعالى ليست على هيئة الجارحة ‏وإنما صفات لا نعلمها ، وهذا الوجه مقبول ضمناً ، وقد استقر قول أكثر الأصوليين على تفسير الآيات بما ‏سيقت لأجله من إثبات معنى معين مع التنزيه وعدم التعرض لإثبات صفات إضافية لا تفيد التعظيم ولا ‏التنزيه ، بل قد تدخل إلى التمثيل والتجسيم.

قال تعالى { لعلمه الذين يستنبطونه منهم } ، وعدم التعرض ‏للمعنى الحقيقي المراد من الآيات المتشابهات لأنه { وما يعلم تأويله إلا الله } { والراسخون في العلم يقولون ‏آمنا به كل من عند ربنا } ، فالمتشابه كاليد والوجه ونحو ذلك فظاهره المستعمل في اللغة (( الجارحة )) ‏مستحيل على الباري سبحانه ولا يعلم معناه على القطع إلا الله سبحانه وتعالى.

وأما العلماء الراسخون فقد ‏اتفقوا على وجوب اعتقاد حقيقة وروده وعلى وجوب تنزيه الباري عن ظاهره المستحيل.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 8 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 10 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
cron
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط