تنزيه ذات الله تعالى عن التغير والحدوث ، وعن حلول الحوادث بذاته تقدس وتعالى لأنها صفات المخلوق.
(أ) الله عز وجل هو الأول فليس قبله شيء ، متصف سبحانه بالأولية في ذاته وصفاته ، ومعنى الأولية أنه سبحانه لا يقبل ذاته تغيرا أو حدوثا ويستحيل عليه قبول الحوادث لأن التغير والحدوث و حلول الحوادث نقص يتنزه عنه كمال الذات.
وبيان ذلك أن نقول :
(ب) من الأدلة القرآنية على تنزيه الله تعالى عن التغير والحدوث و عن حلول الحوادث بذاته تقدس وتعالى ،قوله تعالى { ليس كمثلِه شيء } [سورة الشورى : 11] ، في هذه الآية نفي المشابهة والمماثلة بين الله تعالى وخلقه ومعناه أن الله تعالى لا يشبه شيئًا من خلقه بوجه من الوجوه ،ومنها أنه يستحيل عليه التغير والحدوث وقبول الحوادث لأن التغير والحدوث و حلول الحوادث من صفات المخلوق.
وقوله تعالى : { وللهِ المثَلُ الأعلى } [سورة النحل :60] أي الوصف الذي لا يشبه وصف غيره ، فلا يوصف ربنا عزَّ وجلَّ بصفات المخلوقين من التغير والحدوث وقبول الحوادث.
وقوله تعالى : { فلا تضربوا للهِ الأمثال } [سورة النحل : 74] ، أي لا تجعلوا لله الشبيهَ والمِثْل فإن اللهَ تعالى لا شبيه له ولا مثيل له ، فذاتُه سبحانه لا يشبه الذواتِ ، ويستحيل عليه التغير والحدوث وقبول الحوادث لأن التغير والحدوث و حلول الحوادث من صفات المخلوق.
وقوله تعالى : {هل تعلمُ لهُ سميًّا} [سورة مريم : 65 ] أي مِثلاً ، فالله تعالى لا مِثْلَ له ولا شبيه ولا نظير ، فذاتُه سبحانه لا يشبه الذواتِ ويستحيل عليه التغير والحدوث وقبول الحوادث لأن التغير والحدوث و حلول الحوادث من صفات المخلوق.
وقوله تعالى : { وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [سورة الإخلاص : 4] أي لا نظير له بوجه من الوجوه ، ولا كفء له ولا شبيه ، فلا يوصف ربنا عزَّ وجلَّ بصفات المخلوقين من التغير والحدوث وقبول الحوادث.
(ت) تنزيه الله تعالى عن التغير والحدوث هو الدليل الذي استعمله نبي الله إبراهيم عليه السلام في إثبات عدم ألوهية الشمس والقمر والكواكب قال تعالى : {قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [ الأنعام : 76].
قال المفسرون : قال ذلك لقومه تنبيها لهم على أن القمر لتغير حاله لا يصلح للإلهية وأن من اتخذه إلها فهو ضال ، وتنبيها لهم أن الله دائم لا يزول ، وأن الزوال نقص لا يصلح للإله المتصف بالكمال وأن ( الآفلين ) أي الأرباب المنتقلين من مكان إلى مكان المتغيرين من حال إلى حال فإنهم بمعزل من استحقاق الربوبية والإلهية ، وتنبيها على أن من غاب بعد الظهور كان حادثا مسخرا وليس برب أزلي أول ليس بمحدث ، منزه عما لا يليق بذاته الأقدس من لوازم الإمكان ولواحق التغير والحدوث.
ولهذا تبرأ من آلهتهم بقوله عليه السلام في سورة الأنعام ، قال تعالى : { قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 78 ، 79 ] ، ومعناه إني بريء مما تشركون من الأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث يحدثها ومخصص يخصصها بما تختص به ثم لما تبرأ منها توجه إلى موجدها ومبدعها الذي دلت هذه الممكنات عليه فقال إني وجهة وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.
(ث) الأفول معناه التغير والتبدل من حال إلى حال بالظهور والاختفاء والقوة والفناء والتأثير والزوال وهذا الأفول صفة نقص تنزه عنها ذات الرحمن تقدس وتعالى ، فكل متغير يقبل الظهور تارة و الاختفاء تارة والتأثير تارة والزوال تارة أخري لا يصلح أن يكون إلها البتة.