يستحيل أن تعرف نفسك وكيفيتها وكميتها فإذا كنت لا تطيق أن تصف نفسك التي هي بين جنبيك بكيفية أو أينية ولا
شبحية ولا هيكلية ولا هي بمرئية فكيف يليق بعبوديتك أن تصف الربوبية بكيف وأين وهو مقدس عن الكيف والأين
فالحق – سبحانه وتعالى - منزه عن الشريك والشبيه والمثيل , وأن الذات الإلهية منزهة عن جميع أشكال التشبيه
و التجسيم وأنه لا يقع عليه الوهم , ولا تصفه الألسن ,
ولا يشبه خلقه , فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك .
وكل شئ حسته الحواس أو لمسته الأيدي فهو مخلوق , وأنه تعالى تنزه عن مشابهة خلقه ,
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
فالإسلام يؤكد على حقيقة قررها القرآن بجلاء ووضوح في كثير من آيات
ه كما في قوله تعالى : " وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ". (طه:110)
وقوله جل شأنه : " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ".( الشورى :11)
وبذلك يكون العقل عاجز عن إدراك كنه الذات الإلهية
والعجز عن معرفة حقيقة الأشياء لا ينفي وجودها
فعدم إدراك الذات الإلهية لا يدل على عدم وجودها , ذلك أن الإنسان عاجز عن إدراك حقيقة المادة
التي هى من ألصق الأشياء به , فكيف به من معرفة الذات الإلهية التي يستحيل على العقل معرفتها .
ولا يستطيع إدراك كنهها لأنها لا يحيط بها الفكرة والإنسان لم يعط وسائل إدراكها .
إن العقل البشري مهما كان ذكائه وقوة إدراكه فهو قاصر غاية القصور وعاجز غاية العجز عن معرفة حقائق الأشياء
فالعقل عاجز عن حقيقة الضوء والضوء أظهر الأشياء وأوضحها .
والعقل عاجز عن معرفة حقيقة المادة وهي ألصق الأشياء به
والعقل عاجز عن معرفة حقيقة الذرات التي تتألف منها المادة وهي ألصق شئ به
والعقل عاجز عن معرفة حقيقة الفكر مع أننا نفكر
والعقل عاجز عن معرفة حقيقة كيف ينقل العصب البصري صور الأشياء
وكيف يدرك العقل ذلك وأين مستقره وما هي طبيعة عمل المخ ...إلخ .
والعقل عاجز عن معرفة حقيقة الروح التي هي بين جنبيه .
إن ذات الله تعالى أكبر من أن تدركها العقول أو تحيط بها الأفكار
وما أصدق قول الله تعالى : ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ).[ الأنعام :103] .
ومن هنا يكون الإعتقاد الصحيح مرتكزا على التنزيه الكامل للباري تعالى عن صفات المخلوقات وسائر أقوال المشبهة
والمجسمة , وأنه تعالى منزها عن الشبيه والنظير , وأنه تعالى لا تشبه ذاته الذوات ولا تشبه صفاته الصفات ,
ولا يحويه مكان , ولا يجري عليه زمان , ولا تحيط به الأفكار , ولا تحجبه الأستار ، ولا تدركه الأبصار ,
ولا تجري عليه الآفات , ولا في شئ , ولا على شئ , ولا من شئ , ليس كمثله شئ ,
فمن زعم أن الله تعالى في شئ أو من شئ أو على شئ , فقد أشرك ,
لأنه لو كان على شئ لكان محمولا , ولو كان في شئ لكان محصورا ,
ولو كان من شئ لكان محدثا , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم . _____________________________________ مراجع
* المواقف في علم الكلام للإيجي * المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للإمام الغزالي * سير أعلام النبلاء للذهبي * التبصير في الدين للإسفراييني * شرح الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري لابن عجيبة الحسني * حل الرموز ومفتاح الكنوز للشيخ عبد السلام المقدسي * لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات للرازي -------------------- .
_________________ يارب بالمصطفى بلـــغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضى ياواســع الكرم واغفر إلهى لكل المسلمين بما يتلون فى المسجد الأقصى وفي الحرم بجاه من بيته فى طيبة حرم واسمـــه قسم من أعظم القســم اللهم استعملنا ولا تستبدلنا بجــــاه سيــــدنـا ومـولانــا رسول الله ﷺ
|