. «مدرسة السلطان حسن.».. تحفة معمارية رائعه
كان الصمت ينبئه أن أجواء الحكم في مملكته ملبدًة بغيوم الخيانة.. وأن ذكراه قد تمحي بعد أيام من فنائه إذا قدر له أن يتلقي طعنة خنجر في ظهره.. أدرك أن تبوءه عرش مصر لن يحصنه من القتل الذي قد يأتيه بغتة.. من عدو بعيد.. أو صديق قريب....

أراد أن يخلد ذكراه.. عاد إلى مجلس الحكم آمرًا الحراس أن اجمعوا لي وزارئي ومهندسي العمارة في مملكتي.. قال لهم: فجروا أروع ما عندكم من مواهب.. شيدوا أيقونة ينحني أمام فخامتها ملوك العالم.. أقيموا أنشودة تتغني بها الألسن، وتستريح برؤياها الأعين.. اصنعوا لي بناءً يضم مدرسًة تفيض بعلومها على كل قلب شغوف بالتشبع من بحار المعرفة، وأحيطوها بمسجد يخاطب من مآذنه أهل الأرض، ملائكة السماء.. وبعد سبع سنوات من العمل الدءوب اكتمل بناء مدرسة ومسجد «السلطان حسن»، ليبقي أثرًا عتيقًا يخلد ذكري صاحبه، وشاهدًا على حقب من الصراعات والفتن السياسية، عاش خلالها الشعب المصري مغلوبًا على أمره، يعاني من ويلات الفقر والمرض الذي انتشر في ربوع المحروسة، بعد أن تفرغ الحكام لخوض المعارك سعيًا للظفر بعرش «أم الدنيا».

أعواد الريحان داخل حديقة مسجد ومدرسة السلطان حسن

الحديقة المحيطة بالمسجد والمدرسة تتوسطها نافورة المياه التي تمد النباتات بالحياة

لوحة إرشادية تدون تاريخي بدء الإنشاء والانتهاء من المسجد والمدرسة


«قماري» هو الاسم الحقيقي لـ«السلطان حسن»، والذي غيره بعد تبوئه سدة الحكم إلى «الناصر حسن بن السلطان المالك الناصر بن قلاون».. ولد في العام 736 هجرية، 1335 ميلادية، وتربع على عرش دولة المماليك البحرية بمصر والشام في العام 755هجرية، 1354 ميلادية، وبعد انقضاء 7 سنوات من حكمه طالته يد الخيانة ليقتل على أيدى بعض المقربين له من أمراء المماليك الذين رافقوه في إحدي رحلات الصيد في سنة 762 هجرية، 1360 ميلادية، ثم ألقوا جسده في النيل، لتجرفه المياه إلى مكان مجهول، لم يعرف حتى الآن.
وبالرغم من أن جسد «السلطان حسن» مجهول الهوية حتى وقتنا هذا، ولا يعرف إن كانت الأمواج جرفته على شاطئ النيل وواري في بقعة غير معروفة، أم أن الأسماك التقمته، إلا أن المصريين صنعوا له ضريحًا داخل المسجد، ويذهب الكثيرون للتبرك به، ويدعي البعض أنه أظهر العديد من الكرامات.


ضريح «السلطان حسن» خاليًا من جسده
بدأ البناء في مدرسة ومسجد السلطان حسن، عام 757 هجرية، الموافق 1356ميلادية، واستمر العمل فيهما نحو 7 سنوات، وقد استخدمت الأحجار المشذبة، والرخام المتعدد الألوان، والجص الشاهق البياض، في تشييده، ليخرج بعدها تحفة رائعة شيدت على طراز المدارس في العصر المملوكي، لتشرع عقب افتتاحها في تدريس المذاهب الفقهية الأربعة.
وقد وقعت حادثة مقتل «السلطان حسن» قبل أن يكتمل بناء مدرسته ومسجده، ورغم أن «الأمير بشير أغا الجمدار» أكمل في العام 764 هجرية، 1362 ميلادية، البناء من بعده، إلا أنه لم يضف عليها كل النقوش والزخارف التي انتقاها «السلطان حسن» ليكمل بها جدران بنايته، لتغرد الأنشودة في سماء الخلد بنغمة حزينة، ترثي تلك الحبة التي لم توضع في هذا العقد المعماري الفريد، والتي لو قٌدر لها أن توضع لأصبحت جدران المدرسة متحفًا لفن الزخرفة الإسلامية.


مكونات البناء: الأحجار المشذبة والرخام المتعدد الألوان والجص الشاهق البياض

طراز تشييد البنايات في العصر المملوكي
وتشغل مدرسة «السلطان حسن» مساحة قدرها 7906 مترًا مربعًا، فهي من حيث الشكل متعددة الأضلاع، ذات أربع واجهات تطل جميعها على ميدان القلعة، وعلى الشوارع المؤدية إليه، ويقع المدخل الرئيسي للمدرسة في الطرف الغربي للواجهة الشمالية، وهو متوج بمجموعة كبيرة من المقرنصات الحجرية التي لا مثيل لها في تشكيلها الهندسي، جعلت منه تحفة أثرية فائقة الجمال.

ميدان القلعة الذي تطل عليه الواجهة الرئيسية لمسجد ومدرسة السلطان حسن

أسوار القلعة المطلة علي المدخل الرئيسي لمسجد ومدرسة السلطان حسن

فناء المسجد والمدرسة المطل على حي الخليفة
المدخل الرئيسي للمسجد والمدرسة
 ومدرسة «السلطان حسن»، من حيث التصميم المعماري تنبع من نظام المدارس المملوكية المعروف باسم «التخطيط المتعامد»، والذي يتألف من صحن أوسط مكشوف تحيط به 4 يوانات، أوسعها وأعمقها يوان القبلة.

«الصحن الأوسط المكشوف» المشيد بنظام «التخطيط المتعامد»

 «ايوان القبلة».. أوسع وأعمق الإيونات الأربعة المحيطة بـ«الصحن الأوسط المكشوف»

أحد الإيوانات الأربعة المحيطة بـ«الصحن الأوسط المكشوف»
إيوان آخر من الأربعة المحيطة بـ«الصحن الأوسط المكشوف»
 والصحن الأوسط في المدرسة، مستطيل الأبعاد، ويتوسطه «نافورة ماء» أصبحت الآن ميضأة، تعلوها قبة خشبية محمولة على ثمانية أعمدة رشيقة من الرخام الأبيض، ويحيط بالصحن 4 مدارس للمذاهب السنية الأربعة، «الشافعية، والحنفية، والمالكية، والحنبلية»، وخلف هذه المدارس توجد مساكن الطلاب الذين كانوا يأتون للدراسة فيها، وهي موزعة على ثلاثة طوابق، وتطل نوافذها على الطريق العام.
http://www.vetogate.com/1700683
|